[العلق : 13] أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى
13 - (أرأيت إن كذب) أي الناهي النبي (وتولى) عن الإيمان
يقول تعالى ذكره : " أرأيت إن كذب " أبو جهل الذي بعث به محمداً " وتولى " يقول وأدبر عنه ، فلم يصدق به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " أرأيت إن كذب وتولى " يعني : أبا جهل .
قوله تعالى:" أرأيت إن كذب وتولى * ألم يعلم بأن الله يرى " يعني أبا جهل كذب بكتاب الله عز وجل، وأعرض عن الإيمان. وقال الفراء: المعنى" أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى " وهو على الهدى، وآمر بالتقوى، والناهي مكذب متول عن الذكر، أي فما أعجب هذا! ثم يقول: ويله! ألم يعلو أبو جهل بأن الله يرى، أي يراه ويعلم فعله، فهو تقرير وتوبيخ. وقيل: كل واحد من (أرأيت)بدل من الأول. "ألم يعلم بأن الله يرى" الخبر.
يخبر تعالى عن الإنسان أنه ذو فرح وأشر وبطر وطغيان إذا رأى نفسه قد استغنى وكثر ماله, ثم تهدده وتوعده ووعظه فقال: "إن إلى ربك الرجعى" أي إلى الله المصير والمرجع وسيحاسبك على مالك من أين جمعته وفيم صرفته. قال ابن أبي حاتم : حدثنا زيد بن إسماعيل الصائغ , حدثنا جعفر بن عون حدثنا أبو عميس عن عون قال: قال عبد الله : منهومان لا يشبعان صاحب العلم وصاحب الدنيا ولا يستويان, فأما صاحب العلم فيزداد رضى الرحمن وأما صاحب الدنيا فيتمادى في الطغيان قال ثم قرأ عبد الله "إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى" وقال للاخر "إنما يخشى الله من عباده العلماء" وقد روي هذا مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا".
ثم قال تعالى: " أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى " نزلت في أبي جهل لعنه الله, توعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة عند البيت فوعظه تعالى بالتي هي أحسن أولاً فقال: "أرأيت إن كان على الهدى" أي فما ظنك إن كان هذا الذي تنهاه على الطريق المستقيمة في فعله أو أمر بالتقوى وأنت تزجره وتتوعده على صلاته, ولهذا قال: " ألم يعلم بأن الله يرى " أي أما علم هذا الناهي لهذا المهتدي أن الله يراه ويسمع كلامه. وسيجازيه على فعله أتم الجزاء. ثم قال تعالى متوعداً ومتهدداً: "كلا لئن لم ينته" أي لئن لم يرجع عما هو فيه من الشقاق والعناد " لنسفعا بالناصية " أي لنسمنها سواداً يوم القيامة ثم قال: "ناصية كاذبة خاطئة" يعني ناصية أبي جهل كاذبة في مقالها خاطئة في أفعالها "فليدع ناديه" أي قومه وعشيرته أي ليدعهم يستنصر بهم "سندع الزبانية" وهم ملائكة العذاب حتى يعلم من يغلب أحزبنا أو حزبه ؟.
قال البخاري : حدثنا يحيى حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال أبو جهل لئن رأيت محمداً يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه, فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لئن فعل لأخذته الملائكة" ثم قال تابعه عمرو بن خالد عن عبيد الله يعني ابن عمرو عن عبد الكريم. وكذا رواه الترمذي والنسائي في تفسيرهما من طريق عبد الرزاق به. وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن زكريا بن عدي عن عبيد الله بن عمرو به, وروى أحمد والترمذي والنسائي وابن جرير وهذا لفظه من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام فمر به أبو جهل بن هشام, فقال يا محمد ألم أنهك عن هذا ؟ وتوعده فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره, فقال يا محمد بأي شيء تهددني ؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي نادياً فأنزل الله "فليدع ناديه * سندع الزبانية" وقال ابن عباس : لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته. وقال الترمذي : حسن صحيح.
وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا إسماعيل بن يزيد أبو يزيد , حدثنا فرات عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال أبو جهل لئن رأيت رسول الله يصلي عند الكعبة لاتينه حتى أطأ على عنقه قال: فقال: "لو فعل لأخذته الملائكة عياناً, ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار, ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون مالاً ولا أهلاً" وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا ابن حميد , حدثنا يحيى بن واضح , أخبرنا يونس بن أبي إسحاق عن الوليد بن العيزار عن ابن عباس قال : قال أبو جهل لئن عاد محمد يصلي عند المقام لأقتلنه, فأنزل الله عز وجل "اقرأ باسم ربك الذي خلق" حتى بلغ هذه الاية " لنسفعا بالناصية * ناصية كاذبة خاطئة * فليدع ناديه * سندع الزبانية " فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى, فقيل: ما يمنعك ؟ قال: قد اسود ما بيني وبينه من الكتائب, قال ابن عباس : والله لو تحرك لأخذته الملائكة والناس ينظرون إليه.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى , حدثنا المعتمر عن أبيه , حدثنا نعيم بن أبي هند عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قالوا: نعم, قال: فقال واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته, ولأعفرن وجهه في التراب, فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته, قال: فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه, قال فقيل له: مالك ؟ فقال: إن بيني وبينه خندقاً من نار, وهولاً وأجنحة قال: فقال رسول الله: "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً" قال: وأنزل الله لا أدري في حديث أبي هريرة أم لا "كلا إن الإنسان ليطغى" إلى آخر السورة, وقد رواه أحمد بن حنبل ومسلم والنسائي وابن أبي حاتم من حديث معتمر بن سليمان به.
وقوله تعالى: "كلا لا تطعه" يعني يا محمد لا تطعه فيما ينهاك عنه من المداومة على العبادة وكثرتها, وصل حيث شئت, ولا تباله فإن الله حافظك وناصرك وهو يعصمك من الناس "واسجد واقترب" كما ثبت في الصحيح عند مسلم من طريق عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن عمارة بن غزية , عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء" وتقدم أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد في "إذا السماء انشقت" و "اقرأ باسم ربك الذي خلق" آخر تفسير سورة اقرأ, ولله الحمد والمنة, وبه التوفيق والعصمة.
13- "أرأيت إن كذب وتولى" يعني أبا جهل، كذب بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وتولى عن الإيمان، وقوله: "أرأيت" في الثلاثة المواضع بمعنى أخبرني لأن الرؤية لما كانت سبباً للإخبار عن المرئي أجرى الاستفهام عنها مجرى الاستفهام عن متعلقها، والخطاب لكل من يصلح له. وقد ذكر هنا أرأيت ثلاث مرات، وصرح بعد الثالثة منها بجملة استفهامية فتكون في موضع المفعول الثاني لها، ومفعولها الأول محذوف، وهو ضمير يعود على الذي ينهى الواقع مفعولاً أول لأرأيت الأولى، ومفعول أرأيت الأولى الثاني محذوف، وهو جملة استفهامية كالجملة الواقعة بعد أرأيت الثانية، وأما أرأيت الثانية فلم يذكر لها مفعول لا أول ولا ثاني، حذف الأول لدلالة مفعلو أرأيت الثالثة عليه فقد حذف الثاني من الأول، والأول من الثالثة، والاثنان من الثانية، وليس طلب كل من رأيت للجملة الاستفهامية على سبيل التنازع لأنه يستدعي إضماراً، والجمل لا تضمر، إنما تضمر المفردات، وإنما ذكر من باب الحذف للدلالة، وأما جواب الشرط المذكور مع أرأيت في الموضعين الآخرين. فهو محذوف تقديره: إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى.
13- "أرأيت إن كذب"، يعني أبا جهل، "وتولى"، عن الإيمان.
وتقدير نظم الآية: أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى والمنهي على الهدى، آمر بالتقوى والناهي مكذب متول عن الإيمان، فما أعجب من هذا!
13-" أرأيت إن كذب وتولى " .
13. Hast thou seen if he denieth (Allah's guidance) and is froward?
13 - Seest thou if he denies (Truth) and turns away?