[الليل : 21] وَلَسَوْفَ يَرْضَى
21 - (ولسوف يرضى) بما يعطاه من الثواب في الجنة والآية تشمل من فعل مثل فعله رضي الله تعالى عنه فيبعد عن النار ويثاب
وقوله : " ولسوف يرضى " يقول : ولسوف يرضى هذا المؤتي ماله في حقوق الله عز وجل ، يتزكى بما يثيبه الله في الآخرة عوضاً ما أتى في الدنيا في سبيله ، إذا لقي ربه تبارك وتعالى .
قوله تعالى :" ولسوف يرضى" أي سوف يعطيه في الجنة ما يرضى، وذلك أنه يعطيه أضعاف ما انفق. وروى أبو حيان التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه، قال:
"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله أبا بكر! زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً من ماله)". ولما اشتراه أبو بكر قال له بلال: هل اشتريتني لعملك أو لعمل الله؟ قال: بل لعمل الله قال: فذرني وعمل الله، فأعتقه. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ابو بكر سيدنا وأعتق سيدنا (يعني بلالاً رضي الله عنه). وقال عطاء -وروي عن ابن عباس-: إن السورة نزلت في أبي الدحداح، في النخلة التي اشتراها بحائط له، فيما ذكر الثعلبي عن عطاء. وقال القشيري عن ابن عباس : بأربعين نخلة، ولم يسم الرجل "قال عطاء:
كان لرجل من الأنصار نخلة، يسقط من بلحها في دار جار له، فيتناوله صبيانه، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (تبيعها بنخلة من الجنة)؟ فأبى، فخرج فلقيه أبو الحداح فقال: هل لك أن تبيعها بـ(ـحسنى): حائط له. فقال: هي لك. فأتى أبو الدحداح إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يارسول الله ، اشتراها مني بنخلة من الجنة. قال : (نعم، والذي نفسي بيده) فقال هي لك يا رسول الله، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم جار الأنصاري، فقال: (خذها)فنزلت " والليل إذا يغشى "" إلى آخر السورة في بستان أي الدحداح وصاحب النخلة. " فأما من أعطى واتقى" يعني أبا الدحداح. " وصدق بالحسنى" أي بالثواب."فسنيسره لليسرى" أي بالثواب. " فسنيسره للعسرى" [الليل:10] يعني جهنم. " وما يغني عنه ماله إذا تردى" أي مات. إلى قوله" لا يصلاها إلا الأشقى" يعني بذلك الخزرجي، وكان منافقاً، فمات على نفاقه. " وسيجنبها الأتقى" يعني أبا الدحداح. " الذي يؤتي ماله يتزكى" في ثمن تلك النخلة. " وما لأحد عنده من نعمة تجزى" يكافئه عليها، يعني أبا الدحداح. " ولسوف يرضى" إذا أدخله الله الجنة. والأكثر أن السورة نزلت في أبي بكر رضي الله عنه.
وروي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وعبد الله بن الزبير وغيرهم. وقد ذكرنا خبراً آخر لأبي الدحداح في سورة (البقرة)، عند قوله: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا"[البقرة:245]. والله تعالى أعلم.
قال قتادة : "إن علينا للهدى" أي نبين الحلال والحرام, وقال غيره: من سلك طريق الهدى وصل إلى الله وجعله كقوله تعالى: "وعلى الله قصد السبيل" حكاه ابن جرير , وقوله تعالى: " وإن لنا للآخرة والأولى " أي الجميع ملكنا وأنا المتصرف فيهما وقوله تعالى: "فأنذرتكم ناراً تلظى" قال مجاهد : أي توهج. قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة عن سماك بن حرب , سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: أنذرتكم النار حتى لو أن رجلاً كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا, قال: حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه " . وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر , حدثني شعبة , حدثني أبو إسحاق , سمعت النعمان بن بشير يخطب ويقول: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة رجل توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه". رواه البخاري .
وقال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا أبو أسامة عن الأعمش عن أبي إسحاق عن النعمان بن بشير قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل, ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً وإنه لأهونهم عذاباً". وقوله تعالى: "لا يصلاها إلا الأشقى" أي لا يدخلها دخولاً يحيط به من جميع جوانبه إلا الأشقى ثم فسره فقال: "الذي كذب" أي بقلبه "وتولى" أي عن العمل بجوارحه وأركانه.
قال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى , حدثنا ابن لهيعة , حدثنا عبد ربه بن سعيد عن المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل النار إلا شقي قيل: ومن الشقي ؟ قال: الذي لا يعمل بطاعة ولا يترك لله معصية".
وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس وسريج قالا: حدثنا فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى قالوا: ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" رواه البخاري عن محمد بن سنان عن فليح به.
وقوله تعالى: "وسيجنبها الأتقى" أي وسيزحزح عن النار التقي النقي ثم فسره بقوله: "الذي يؤتي ماله يتزكى" أي يصرف ماله في طاعة ربه ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا "وما لأحد عنده من نعمة تجزى" أي ليس بذله ماله في مكافأة من أسدى إليه معروفاً, فهو يعطي في مقابلة ذلك وإنما دفعه ذلك "ابتغاء وجه ربه الأعلى" أي طمعاً في أن يحصل له رؤيته في الدار الاخرة في روضات الجنات قال الله تعالى:"ولسوف يرضى" أي ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات, وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الايات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه, حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك, ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها فإن لفظها العموم, وهو قوله تعالى: " وسيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى * وما لأحد عنده من نعمة تجزى " ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة, فإنه كان صديقاً تقياً كريماً جواداً بذالاً لأمواله في طاعة مولاه ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكم من دراهم ودنانير بذلها ابتغاء وجه ربه الكريم, ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها, ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل, ولهذا قال له عروة بن مسعود وهو سيد ثقيف يوم صلح الحديبية: أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك, وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة, فإن كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل فكيف بمن عداهم, ولهذا قال تعالى: " وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى* ولسوف يرضى ". وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة يا عبد الله هذا خير فقال أبو بكر : يا رسول الله ما على من يدعى منها ضرورة فهل يدعى منها كلها أحد ؟ قال: نعم وأرجو أن تكون منهم" , آخر تفسير سورة الليل ولله الحمد والمنة.
21- "ولسوف يرضى" اللام هي الموطئة للقسم: أي وتالله لسوف يرضى بما نعطيه من الكرامة والجزاء العظيم. قرأ الجمهور "يرضى" مبنياً للفاعل، وقرئ مبنياً للمفعول.
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس "والليل إذا يغشى" قال: إذا أظلم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن ابن مسعود قال: إن أبا بكر الصديق اشترى بلالاً من أمية بن خلف وأبي بن خلف ببردة وعشر أواق فأعتقه لله، فأنزل الله "والليل إذا يغشى" إلى قوله: "إن سعيكم لشتى" سعي أبي بكر وأمية وأبي إلى قوله: "وكذب بالحسنى" قال: لا إله إلا الله إلى قوله: "فسنيسره للعسرى" قال: النار. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: "فأما من أعطى" من الفضل "واتقى" قال: اتقى ربه "وصدق بالحسنى" قال: صدق بالخلف من الله "فسنيسره لليسرى" قال: للخير من الله "وأما من بخل واستغنى" قال: بخل بماله واستغنى عن ربه "وكذب بالحسنى" قال: بالخلف من الله "فسنيسره للعسرى" قال للشر من الله. وأخرج ابن جرير عنه "وصدق بالحسنى" قال: أيقن بالخلف. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً "وصدق بالحسنى" يقول: صدق بلا إله إلا الله "وأما من بخل واستغنى" يقول: من أغناه الله فلخل بالزكاة. وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: كان أبو بكر يعتق على الإسلام بمكة، وكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن، فقال له أبوه: أي بني أراك تعتق أناساً ضعفاً، فلو أنك تعتق رجالاً جلداً يقومون معك ويمنعوك ويدفعون عنك. قال أي أبت إنما أريد ما عند الله، قال: فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية نزلت فيه " فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى ". وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: " فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى " قال: أبو بكر الصديق: " وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى " قال: أبو سفيان بن حرب. وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن علي بن أبي طالب قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فقال "ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة مقعده من النار، فقالوا: يا رسول الله أفلا نتكل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاء ثم قرأ " فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى " إلى قوله "للعسرى"". وأخرج أحمد ومسلم وغيرهما عن جابر بن عبد الله "أن سراقة بن مالك قال: يا رسول الله في أي شيء نعمل؟ أفي شيء ثبتت فيه المقادير وجرت به الأقلام، أم في شيء يستقبل فيه العمل؟ قال: بلى في شيء ثبتت فيه المقادير وجرت فيه الأقلام، قال سراقة: ففيم العمل إذن يا رسول الله؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية "فأما من أعطى واتقى" إلى قوله "فسنيسره للعسرى"". وقد تقدم حديث عمران بن حصين في السورة التي قبل هذه وفي الباب أحاديث من طريق جماعة من الصحابة. وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال: "لتدخلن الجنة إلا من يأبى، قالوا: ومن يأبى أن يدخل الجنة؟ فقرأ "الذي كذب وتولى"". وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي أمامة قال: لا يبقى أحد من هذه الأمة إلا أدخله الله الجنة، إلا من شرد على الله كما يشرد البعير السوء على أهله، فمن لم يدقني فإن الله يقول: " لا يصلاها إلا الأشقى* الذي كذب وتولى " كذب بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وتولى عنه. وأخرج أحمد والحاكم والضياء عن أبي أمامة الباهلي أنه سئل عن ألين كلمة سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "ألا كلكم يدخل الله الجنة إلا من شرد على الله شراد البعير على أهله". وأخرج أحمد وابن ماجه وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم: "لا يدخل النار إلا شقي. قيل ومن الشقي؟ قال: الذي لا يعمل لله بطاعة ولا يترك لله معصية". وأخرج أحمد والبخاري عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى". وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة أن أبا بكر الصديق أعتق سبعة كلهم يعذب في الله: بلال، وعامر بن فهيرة، والنهدية وابنتها، وزنيرة، وأم عيسى، وأمة بني المؤمل، وفيه نزلت "وسيجنبها الأتقى" إلى آخر السورة. وأخرج الحاكم وصححه عن عامر بن عبد الله بن الزبير ما قدمنا عنه، وزاد فيه، فنزلت فيه هذه الآية "فأما من أعطى واتقى" إلى قوله: " وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى * ولسوف يرضى ". وأخرج البزار وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه وابن عساكر عنه نحو هذا من وجه آخر. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "وسيجنبها الأتقى" قال: هو أبو بكر الصديق.
21- "ولسوف يرضى"، بما يعطيه الله عز وجل في الآخرة من الجنة والكرامة جزاء على ما فعل.
21-" ولسوف يرضى " وعد بالثواب الذي يرضيه . والآيات نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه حين اشترى بلالاً في جماعة تولاهم المشركون فاعتقهم ، ولذلك قيل : المراد بالأشقى أبو جهل أو أمية بن خلف .
عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة والليل أعطاه الله سبحانه وتعالى حتى يرضىوعافاه من العسر ويسر له اليسر " .
21. He verily will be content.
21 - And soon will they attain (complete) satisfaction.