[الليل : 19] وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى
19 - (وما لأحد عنده من نعمة تجزى)
وأخرج البزار عن ابن الزبير قال نزلت هذه الآية وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلى آخرها في أبي بكر الصديق
كان بعض أهل العربية يوجه تأويل ذلك إلى : وما لأحد من خلق الله عند هذاي الذي يؤتي ماله في سبيل الله يتزكى " من نعمة تجزى " يعني : من يد يكافئه عليها ، يقول : ليس ينفق ما ينفق من ذلك ، ويعطي ما يعطي ، نجازاة إنسان يجازيه على يد له عنده ، ولا مكافأة له على نعمة سلفت نمه إليه ، أنعمها عليه ، ولكن يؤتيه في حقوق الله ابتغاء وجه الله . قال : وإلا في هذا الموضع بمعنى لكن ، وقال : يجوز أن يكون الفعل في المكافأة مستقبلاً فيكون معلانه : ولم يرد بما أنفق مكافأة من أحد ، ويكون موقع اللام التي في أحد في الهاء التي خفضتها عنده ، فكأنك قلت : وما له عند أحد فيما أنفق نم نعمة يلتمس ثوابها ،قلا وقد تضع العرب الحرف في غير موضعه إذا كان معروفاً ، واستشهدوا لذلك ببيت النابغة .
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي على وعل في ذي المطارة عاقل .
والمعنى : حتى ما تزيد مخافة وعلى على مخافتي وهذا الذي قاله الذي حكينا قوله من أهل العربية وزعم أنه مما يحوز هو الصحيح الذي جاءت به الآثار عن أهل التأويل وقالوا : نزلت في أبي بكر بعتقه من أعتق .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال سعيد عن قتادة " وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى * ولسوف يرضى " يقول : ليس به مثابة الناس ولا مجازاتهم ، ، إنما عطيته لله .
حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطي ، قال : ثنا هارون بن معروف ، قال : ثنا بشر بن السري ، قال : ثنا مصعب بن ثابت ، عن عامر بن عبد الله عن أبيه ، قال : نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق : " وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى * ولسوف يرضى " .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : أخبرني سعيد ، عن قتادة ، في قوله " وما لأحد عنده من نعمة تجزى " قال : نزلت في أبي بكر ، أعتق ناساً لم يلتمس منهم جزاء ولا شكوراً ، ستة أو سبعة ، منهم بلال ، و عامر بن فهيرة . وعلى هذا التأويل الذي ذكرناه عن هؤلاء ، ينبغي أن يكون قوله " وما لأحد عنده من نعمة تجزى "نصبا ً على الاستثناء من معنى قوله : " وما لأحد عنده من نعمة تجزى "لأن معنى الكلام : وما يؤتي الذي يؤتي من ماله ملتمساً من أحد ثوابه ، إلا ابتغاء وجه ربه . وجائز أن يكون نصبه على مخالفة ما بعد إلا ما قبلها ،كما قال النابغة :
وما بالربع من أحد
إلا أوري لأيا ما أبينها
قوله تعالى:" وما لأحد عنده من نعمة تجزى" أي ليس يتصدق ليجازى على نعمة، إنما يبتغي وجه ربه الأعلى، أي المتعالي "ولسوف يرضى" أي بالجزاء. "فروى عطاء والضحاك عن ابن عباس قال:عذب المشركون بلالاً، وبلا يقول أحد أحد ، فمر به النبي صلىالله عليه وسلم فقال:
(أحد - يعني الله تعالى- ينجيك) ثم قال لأبي بكر: (يا أبا بكر إن بلالاً يعذب في الله ) فعرف أبو بكر الذي يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم،فانصرف إلى منزله، فأخذ رطلاً من ذهب، ومضى به إلى أمية بن خلف، فقال له: أتبيعني بلالاً؟ قال: نعم، فاشتراه فأعتقه. فقال المشركون: ما أعتقه أبو بكر ألا ليد كانت له عنده، فنزلت" وما لأحد عنده" أي عند أبي بكر" من نعمة" أي من يد ومنه، "تجزى" بل " ابتغاء " بما فعل" وجه ربه الأعلى" ". وقيل: اشترى أبو بكر من أمية وأبي بن خلف بلالاً، ببردة وعشر أواق، فأعتقه لله، فنزلت:" إن سعيكم لشتى"[الليل:4] وقال سعيد بن المسيب: بلغني أن أمية بن خلف قال لأبي بكر حين قال له أبا بكر: أتبيعه؟ فقال: نعم، أبيعه بنسطاس، وكان نسطاس عبداً لأبي بكر، صاحب عشرة آلاف دينار وغلمان وجوار ومواش، وكان مشركاً، فحمله أبو بكر على الإسلام ، على أن يكون له ماله، فأبى، فباعه أبو بكر به. فقال المشركون: مافعل أبو بكر ببلال هذا إلا ليد كانت لبلال عنده، فنزلت " وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء".
قال قتادة : "إن علينا للهدى" أي نبين الحلال والحرام, وقال غيره: من سلك طريق الهدى وصل إلى الله وجعله كقوله تعالى: "وعلى الله قصد السبيل" حكاه ابن جرير , وقوله تعالى: " وإن لنا للآخرة والأولى " أي الجميع ملكنا وأنا المتصرف فيهما وقوله تعالى: "فأنذرتكم ناراً تلظى" قال مجاهد : أي توهج. قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة عن سماك بن حرب , سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: أنذرتكم النار حتى لو أن رجلاً كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا, قال: حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه " . وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر , حدثني شعبة , حدثني أبو إسحاق , سمعت النعمان بن بشير يخطب ويقول: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة رجل توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه". رواه البخاري .
وقال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا أبو أسامة عن الأعمش عن أبي إسحاق عن النعمان بن بشير قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل, ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً وإنه لأهونهم عذاباً". وقوله تعالى: "لا يصلاها إلا الأشقى" أي لا يدخلها دخولاً يحيط به من جميع جوانبه إلا الأشقى ثم فسره فقال: "الذي كذب" أي بقلبه "وتولى" أي عن العمل بجوارحه وأركانه.
قال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى , حدثنا ابن لهيعة , حدثنا عبد ربه بن سعيد عن المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل النار إلا شقي قيل: ومن الشقي ؟ قال: الذي لا يعمل بطاعة ولا يترك لله معصية".
وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس وسريج قالا: حدثنا فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى قالوا: ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" رواه البخاري عن محمد بن سنان عن فليح به.
وقوله تعالى: "وسيجنبها الأتقى" أي وسيزحزح عن النار التقي النقي ثم فسره بقوله: "الذي يؤتي ماله يتزكى" أي يصرف ماله في طاعة ربه ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا "وما لأحد عنده من نعمة تجزى" أي ليس بذله ماله في مكافأة من أسدى إليه معروفاً, فهو يعطي في مقابلة ذلك وإنما دفعه ذلك "ابتغاء وجه ربه الأعلى" أي طمعاً في أن يحصل له رؤيته في الدار الاخرة في روضات الجنات قال الله تعالى:"ولسوف يرضى" أي ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات, وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الايات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه, حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك, ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها فإن لفظها العموم, وهو قوله تعالى: " وسيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى * وما لأحد عنده من نعمة تجزى " ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة, فإنه كان صديقاً تقياً كريماً جواداً بذالاً لأمواله في طاعة مولاه ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكم من دراهم ودنانير بذلها ابتغاء وجه ربه الكريم, ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها, ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل, ولهذا قال له عروة بن مسعود وهو سيد ثقيف يوم صلح الحديبية: أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك, وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة, فإن كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل فكيف بمن عداهم, ولهذا قال تعالى: " وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى* ولسوف يرضى ". وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة يا عبد الله هذا خير فقال أبو بكر : يا رسول الله ما على من يدعى منها ضرورة فهل يدعى منها كلها أحد ؟ قال: نعم وأرجو أن تكون منهم" , آخر تفسير سورة الليل ولله الحمد والمنة.
19- "وما لأحد عنده من نعمة تجزى" الجملة مستأنفة لتقرير ما قبلها من كون التزكي على جهة الخلوص غير مشوب بشائبة تنافي الخلوص: أي ليس ممن يتصدق بماله ليجازى بصدقته نعمة لأحد من الناس عنده ويكافئه عليها، وإنما يبتغي بصدقته وجه الله تعالى، ومعنى الآية: أنه ليس لأحد من الناس عنده نعمة من شأنها أن يجازى عليها حتى يقصد بإيتاء ما يؤتي من ماله مجازاتها، وإنما قال نجزي مضارعاً مبنياً للمفعول لأجل الفواصل، والأصل يجزيها إياه، أو يجزيه إياها.
وقال سعيد بن المسيب: بلغني أن أمية بن خلف قال لأبي بكر في بلال حين قال: أتبيعه؟ قال: نعم أبيعه بنسطاس عبد لأبي بكر، صاحب عشرة آلاف دينار، وغلمان وجوار ومواش، وكان مشركاً حمله أبو بكر على الإسلام على أن يكون ماله له، فأبى فأبغضه أبو بكر، فلما قال له / أمية أبيعه بغلامك نسطاس اغتنمه وباعه منه، فقال المشركون: ما فعل ذلك أبو بكر ببلال إلا ليد كانت لبلال عنده. فأنزل الله:
19- "وما لأحد عنده من نعمة تجزى"، أي يحازيه ويكافئه عليها.
19-" وما لأحد عنده من نعمة تجزى " فيقصد بأيتائه مجازاتها .
19. And none hath with him any favor for reward,
19 - And have in their minds no favour from anyone for which a reward is expected in return,