[الليل : 10] فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى
10 - (فسنيسره) نهيئه (للعسرى) للنار
وقوله : " فسنيسره للعسرى " يقول تعالى ذكره : فسنهيئه في الدنيا للخلة العسرى ، وهو من قولهم : قد يسرت غنم فلان : إذا ولدت وتهيأت للولادة ، وكما قال الشاعر :
هما سيدانا يزعمان وإنما يسوداننا أن يسرت غنماهما
وقيل : " فسنيسره للعسرى " ولا تيسر في العسرى للذي تقدم في أول الكلام من قوله " فسنيسره للعسرى " وإذا جمع بين كلامين أحدهما ذكر الخير والآخر ذكر الشر ، جاز ذلك بالتيسير فيهما جميعاً والعسرى التي أخبر الله جل ثناؤه أنه ييسره لها : العل بما يكرهه ولا يرضاه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر الخبر بذلك :
حدثني واصل بن عبد الأعلى و أبو كريب ، قالا : ثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي ، قال : ( كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فنكت الأرض ، ثم رفع رأسه فقال : ما منكم من أحد إلا وقد كتب قعده من الجنة ومقعده من النار ، قلنا : يا رسول الله فلا تنكل ؟ قال : لا ، املوا فكل ميسر ، ثم قرأ " فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى ".
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا زائدة بن قدامة ، عن منصور عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي ، قال : ( كنا في جنازة في البقيع ، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وجلسنا معه ، ومعه عود ينكت في الأرض ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : ما منكم من نفس ن فوسة إلا قد كتب مدخلها ، فقال القوم : يا رسول الله ألا نتكل على كتابنا ، فمن كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة ، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء ؟ فقال : بل اعملوا فكل ميسر ، فأما من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ييسر للشقاء ، ثم قرأ " فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى ".
حدثنا أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محممد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن منصور و الأعمش : أنهما سمعا سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه كان في جنازة ، فأخذ عوداً ، فجعل ينكت الأرض ، فقال : ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار أو من الجنة ، فقالوا : يا رسول الله أفلا نتكل ؟ قال : اعملوا فلكل ميسر " " فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى ".
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان عن منصور و الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي رضي الله عنه قال : ( كنا جلوساً مع النبي ، فتتناول شيئاً من الأرض بيده ، فقال : ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة والنار قالوا : با نبي الله ، أفلا تنكل ؟ قال : لا اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) ثم قرأ " فأما من أعطى واتقى " ...الآيتين .
قال : ثنا مهران ، عن أبي سنان ، عن عبد الملك بن سمرة بن أبي زائدة ،" عن النزال بن سبرة ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما من نفس منفوسة إلا قد كتب الله عليها ما هي لاقيته ، وأعرابي عند النبي صلى الله عليه وسلم مرتاد ، فقال الأعرابي فما جاء بي أضرب من وادي كذا وكذا ، إن كان قد فرغ من الأمر فنكت النبي صلى الله عليه وسلم في الأرض ، حتى ظن القوم أنه ود أنه لم يكن تكلم بشيء منه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كل ميسر لما خلق له ، فمن يرد الله به خيراً يسره لسبيل الخير ، ومن يرد به شراً يسره لسبيل الشر" . فلقيت عمرو بن مرة فعرضت عليه هذا الحديث ، فقال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وزاد فيه : " فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى ".
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : ثنا حصين ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، قال : ( لما نزلت هذه الآية " إنا كل شيء خلقناه بقدر " [ القمر: 49] قال رجل : يار رسول اله ، ففيم العمل ؟ أفي شيء نستأنفه ، أو في شيء قد فرغ منه ؟ فقال الله رسول الله صلى الله عليه وسلم : اعملوا فكل ميسر ، سنيسره لليسرى ، وسنيسره للعسرى )
حدثني عمرو بن عبد الملك الطائي ، قال : ثنا محمد بن عبيدة ، قال : ثنا الجراح ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن الحجاج بن أرطاة ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن سليمان الأعمش ، رفع الحديث إلى علي بن ابي طالب رضي الله عنه ، أنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم جالساً وبيده عود ينكت به في الأرض ، فرفع راسه فقال : ما منكم من أحد ولا من الناس ، إلا وقد علم مقعده من الجنة أو النار قلنا : يا رسول الله أفلا نتوكل ؟ قال لهم : اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، ثم قال : أما سمعتم الله في كتابه يقول : " فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى "" .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا خالد بن عبد الله عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس " فسنيسره للعسرى " : للشر من الله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن أبي الزبير ، " عن جابر بن عبد الله أنه قال : يا رسول الله أنعمل لأمر قد فرغ منه ، أو لأمر نأتنفه ؟فقال صلى الله عليه وسلم : كل عامل ميسر لعمله " .
حدثني يونس ، قال : ثنا سفيان ، عن معمر بن دينار ، عن طلق بن حبيب ، " عن بشير بن كعب ، قال : سأل غلامان شابان النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالا : يا رسول الله ، أنعمل فيما جفت به الأقلام ، وجرت به المقادير ، أو في شيء يستأنف ؟ فقال : بل فيما جفت به الأقلام ، وجرت به المقادير ، قالا : ففيم العمل إذن ؟ قال : اعملوا ، فكل عامل ميسر لعمله الذي خلق له ، قالا : فالآن نجد ونعمل " .
قوله تعالى:" فسنيسره " أي نسهل طريقه. " للعسرى" أي للشر. وعن ابن مسعود: للنار. وقيل: أي فسنعسر عليه أسباب الخير والصلاح حتى يصعب عليه فعلها. وقد تقدم:
"أن الملك ينادي صباحاً ومساءً:(اللهم أعط منفقاً خلفاً، وأعط ممسكاً تلفاً)". رواه أبو الدراداء.
مسألة : قال العلماء : ثبت بهذه الآية وبقوله :" ومما رزقناهم ينفقون" [البقرة:3] وقوله: " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية" [البقرة:274] إلى غير ذلك من الآيات- أن الجود من مكارم الأخلاق، والبخل من أرذلها. وليس الجواد الذي يعطي في غير موضع العطاء، ولا البخيل الذي يمنع في موضع المنع، لكن الجواد الذي يعطي في موضع العطاء، والبخيل الذي يمنع في موضع العطاء، فكل من استفاد بما يعطي أجراً وحمداً فهو الجواد. وكل من استحق بالمنع ذماً أو عقاباً فهو البخيل. ومن لم يستفذ بالعطاء أجراً ولا حمداً، وإنما استوجب به ذماً فليس بجواد، وإنما هو مسرف مذموم، وهو من المبذرين الذي جعلهم الله إخوان الشياطين، وأوجب الحجر عليهم. ومن لم يستوجب بالمنع عقاباً ولا ذماً، واستوجب به حمداً، فهو من أهل الرشد، الذين يستحقون القيام على أموال غيرهم، بحسن تدبيرهم وسداد رأيهم.
الرابعة: قال الفراء: يقول القائل : كيف قال: (فسنيسره للعسرى)؟ وهل في العسرى تيسير؟ فيقال في الجواب: هذا في إجازته بمنزلة قوله عز وجل: " فبشرهم بعذاب أليم" [آل عمران:21]، والبشارة في الأصل على المفرح والسار، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر، جاءت البشارة فيهما. وكذلك التيسير في الأصل على المفرح، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر، جاء التيسير فيهما جميعاً. قال الفراء: المفرح، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر، جاء التيسير فيهما جميعاً. قال الفراء: وقوله تعالى: " فسنيسره " : سنهيئه. والعرب تقول: قد يسرت الغنم: إذا ولدت أو تهيأت للولادة. قال:
هما سيدانا يزعمان وإنما يسوداننا أن يسرت غنماها
قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون , حدثنا شعبة عن المغيرة عن إبراهيم , عن علقة أنه قدم الشام, فدخل مسجد دمشق فصلى فيه ركعتين وقال: اللهم ارزقني جليساً صالحاً قال فجلس له أبو الدرداء فقال له أبو الدرداء : ممن أنت ؟ قال: من أهل الكوفة, قال: كيف سمعت ابن أم عبد يقرأ "والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى" قال علقمة : " الذكر والأنثى " فقال أبو الدرداء : لقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال هؤلاء حتى شككوني ثم قال ألم يكن فيكم صاحب الوساد وصاحب السر الذي لا يعلمه أحد غيره, والذي أجير من الشيطان على لسان محمد صلى الله عليه وسلم, وقد رواه البخاري ههنا ومسلم من طريق الأعمش عن إبراهيم قال قدم أصحاب عبد الله على أ بي الدرداء فطلبهم فوجدهم فقال: أيكم يقرأ علي قراءة عبد الله ؟ قالوا كلنا, قال: أيكم أحفظ ؟ فأشاروا إلى علقمة فقال: كيف سمعته يقرأ "والليل إذا يغشى" ـ قال ـ " الذكر والأنثى " قال: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هكذا, وهؤلاء يريدون أن أقرأ "وما خلق الذكر والأنثى" والله لا أتابعهم, هذا لفظ البخاري . وهكذا قرأ ذلك ابن مسعود وأبو الدرداء ورفعه أبو الدرداء , وأما الجمهور فقرأوا ذلك كما هو المثبت في المصحف الإمام العثماني في سائر الافاق "وما خلق الذكر والأنثى" فأقسم تعالى بـ "الليل إذا يغشى" أي إذا غشى الخليقة بظلامه "والنهار إذا تجلى" أي بضيائه وإشراقه.
"وما خلق الذكر والأنثى" كقوله تعالى: "وخلقناكم أزواجاً" وكقوله: "ومن كل شيء خلقنا زوجين" ولما كان القسم بهذه الأشياء المتضادة كان المقسم عليه أيضاً متضاداً, ولهذا قال تعالى: "إن سعيكم لشتى" أي أعمال العباد التي اكتسبوها متضادة أيضاً ومتخالفة فمن فاعل خيراً ومن فاعل شراً. قال الله تعالى: "فأما من أعطى واتقى" أي أعطى ما أمر بإخراجه واتقى الله في أموره "وصدق بالحسنى" أي بالمجازاة على ذلك قاله قتادة , وقال خصيف بالثواب, وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وأبو صالح وزيد بن أسلم "وصدق بالحسنى" أي بالخلف. وقال أبو عبد الرحمن السلمي والضحاك "وصدق بالحسنى" أي بلا إله إلا الله وفي رواية عن عكرمة "وصدق بالحسنى" أي بما أنعم الله عليه, وفي رواية عن زيد بن أسلم "وصدق بالحسنى" قال: الصلاة والزكاة والصوم وقال مرة وصدقة الفطر. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي , حدثنا الوليد بن مسلم , حدثنا زهير بن محمد , حدثني من سمع أبا العالية الرياحي يحدث عن أبي بن كعب قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسنى قال: "الحسنى: الجنة".
وقوله تعالى: "فسنيسره لليسرى" قال ابن عباس : يعني للخير, وقال زيد بن أسلم : يعني للجنة, وقال بعض السلف: من ثواب الحسنة الحسنة بعدها, ومن جزاء السيئة السيئة بعدها, ولهذا قال تعالى: "وأما من بخل" أي بما عنده "واستغنى" قال عكرمة عن ابن عباس : أي بخل بماله واستغنى عن ربه عز وجل. رواه ابن أبي حاتم "وكذب بالحسنى" أي بالجزاء في الدار الاخرة "فسنيسره للعسرى" أي لطريق الشر كما قال تعالى: "ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون" والايات في هذا المعنى كثيرة دالة على أن الله عز وجل يجازي من قصد الخير بالتوفيق له, ومن قصد الشر بالخذلان, وكل ذلك بقدر مقدر والأحاديث الدالة على هذا المعنى كثيرة.
(رواية أبي بكر الصديق رضي الله عنه) قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عياش , حدثني العطاف بن خالد , حدثني رجل من أهل البصرة عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن أبيه قال: سمعت أبي يذكر أن أباه سمع أبا بكر وهو يقول: " قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أنعمل على ما فرغ منه أو على أمر مؤتنف ؟ قال :بل على أمر قد فرغ منه قال: ففيم العمل يا رسول الله ؟ قال: كل ميسر لما خلق له".
(رواية علي رضي الله عنه) قال البخاري : حدثنا أبو نعيم , حدثنا سفيان عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد في جنازة فقال: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار فقالوا: يا رسول الله أفلا نتكل ؟ فقال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له ثم قرأ " فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى " " وكذا رواه من طريق شعبة ووكيع عن الأعمش بنحوه. ثم رواه عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور عن سعيد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: " كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس, فجعل ينكت بمخصرته ثم قال: ما منكم من أحد ـ أو ما من نفس منفوسة ـ إلا كتب مكانها من الجنة والنار وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة فقال رجل: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ؟ فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة, ومن كان منا من أهل الشقاء فسيصير إلى أهل الشقاء ؟ فقال: أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة, وأما أهل الشقاء فييسرون إلى عمل أهل الشقاء, ثم قرأ " فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى " " وقد أخرجه بقية الجماعة من طرق عن سعيد بن عبيدة به.
(رواية عبد الله بن عمر ) قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن , حدثنا شعبة عن عاصم بن عبيد الله قال سمعت سالم بن عبد الله يحدث عن ابن عمر قال: قال عمر : " يا رسول الله أرأيت ما نعمل فيه أفي أمر قد فرغ أو مبتدأ أو مبتدع ؟ قال: فيما قد فرغ منه, فاعمل يا ابن الخطاب , فإن كلاً ميسر, أما من كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة وأما من كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء " , ورواه الترمذي في القدر عن بندار عن ابن مهدي به, وقال: حسن صحيح.
(حديث آخر من رواية جابر ) قال ابن جرير : حدثني يونس , أخبرنا ابن وهب , أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أنه قال: " يا رسول الله أنعمل لأمر قد فرغ منه أو لأمر نستأنفه ؟ فقال: لأمر قد فرغ منه فقال سراقة : ففيم العمل إذاً ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل عامل ميسر لعمله" ورواه مسلم عن أبي الظاهر عن ابن وهب به.
(حديث آخر) قال ابن جرير : حدثني يونس , حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طلق بن حبيب عن بشير بن كعب العدوي قال: سأل غلامان شابان النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: " يا رسول الله أنعمل فيما جفت الأقلام وجرت به المقادير أو في شيء يستأنف ؟ فقال: بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير قالا: ففيم العمل إذاً ؟ قال: اعملوا فكل عامل ميسر لعمله الذي خلق له قالا: فالان نجد ونعمل " .
(رواية أبي الدرداء ) قال الإمام أحمد : حدثنا هشيم بن خارجة , حدثنا أبو الربيع سليمان بن عتبة السلمي عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن أبي إدريس عن أبي الدرداء قال: " قالوا يا رسول الله أرأيت ما نعمل أمر قد فرغ منه أم شيء نستأنفه ؟ قال : بل أمر قد فرغ منه فقالوا: فكيف بالعمل يا رسول الله ؟ قال: كل امرىء مهيأ لما خلق له" تفرد به أحمد من هذا الوجه.
(حديث آخر) قال ابن جرير : حدثني الحسن بن سلمة بن أبي كبشة , حدثنا عبد الملك بن عمرو , حدثنا عباد بن راشد عن قتادة , حدثني خليد العصري عن أبي الدرداء قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من يوم غربت فيه شمسه إلا وبجنبتيها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين: اللهم أعط منفقاً خلفاً وأعط ممسكاً تلفاً" وأنزل الله في ذلك القرآن " فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى " ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن ابن أبي كبشة بإسناده مثله.
(حديث آخر) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبد الله الطهراني , حدثنا حفص بن عمر العدني , حدثني الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس " أن رجلاً كان له نخيل, ومنها نخلة فرعها في دار رجل صالح فقير ذي عيال, فإذا جاء الرجل فدخل داره فيأخذ التمرة من نخلته فتسقط التمرة, فيأخذها صبيان الرجل الفقير, فينزل من نخلته فينزع التمرة من أيديهم, وإن أدخل أحدهم التمرة في فمه أدخل أصبعه في حلق الغلام ونزع الثمرة من حلقه, فشكا ذلك الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما هو فيه من صاحب النخلة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب ولقي النبي صلى الله عليه وسلم صاحب النخلة فقال له: أعطني نخلتك التي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة فقال له: لقد أعطيت ولكن يعجبني ثمرها وإن لي لنخلاً كثيراً ما فيها نخلة أعجب إلي ثمرة من ثمرها, فذهب النبي صلى الله عليه وسلم فتبعه رجل كان يسمع الكلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صاحب النخلة فقال الرجل: يا رسول الله إن أنا أخذت النخلة فصارت لي النخلة فأعطيتك إياها أتعطيني ما أعطيته بها نخلة في الجنة ؟ قال: نعم .
ثم إن الرجل لقي صاحب النخلة ولكلاهما نخل, فقال له: أخبرك أن محمداً أعطاني بنخلتي المائلة في دار فلان نخلة في الجنة, فقلت له قد أعطيت ولكن يعجبني ثمرها, فسكت عنه الرجل فقال له: أراك إذاً بعتها, قال لا إلا أن أعطى بها شيئاً ولا أظنني أعطاه, قال: وما مناك ؟ قال: أربعون نخلة, فقال الرجل: لقد جئت بأمر عظيم, نخلتك تطلب بها أربعين نخلة ؟ ثم سكتا وأنشآ في كلام آخر, ثم قال: أنا أعطيتك أربعين نخلة, فقال: أشهد لي إن كنت صادقاً, فأمر بأناس فدعاهم فقال: اشهدوا إني قد أعطيته من نخلي أربعين نخلة بنخلته التي فرعها في دار فلان بن فلان, ثم قال: ما تقول ؟ فقال صاحب النخلة: قد رضيت, ثم قال بعد ليس بيني وبينك بيع لم نفترق, فقال له: قد أقالك الله ولست بأحمق حين أعطيتك أربعين نخلة بنخلتك المائلة, فقال صاحب النخلة: قد رضيت على أن تعطيني الأربعين على ما أريد, قال: تعطينيها على ساق, ثم مكث ساعة ثم قال: هي لك على ساق, وأوقف له شهوداً وعد له أربعين نخلة على ساق, فتفرقا, فذهب الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن النخلة المائلة في دار فلان قد صارت لي فهي لك, فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرجل صاحب الدار فقال له النخلة لك ولعيالك" قال عكرمة : قال ابن عباس فأنزل الله عز وجل: " والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى * وما خلق الذكر والأنثى * إن سعيكم لشتى * فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى " إلى آخر السورة, هكذا رواه ابن أبي حاتم وهو حديث غريب جداً.
قال ابن جرير : وذكر أن هذه الاية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه: حدثنا هارون بن إدريس الأصم , حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي , حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه, عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: كان أبو بكر رضي الله عنه يعتق على الإسلام بمكة, فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن, فقال له أبوه: أي بني أراك تعتق أناساً ضعفاء فلو أنك تعتق رجالاً جلداء يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك, فقال: أي أبت إنما أريد ـ أظنه قال ـ ما عند الله, قال: فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الاية أنزلت فيه " فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى ". وقوله تعالى: "وما يغني عنه ماله إذا تردى" قال مجاهد : أي إذا مات وقال أبو صالح ومالك عن زيد بن أسلم : إذا تردى في النار.
10- "فسنيسره للعسرى" أي فسنيئه للخصلة العسرى ونسهلها له حتى تتعسر عليه أسباب الخير والصلاح ويضعف عن فعلها فيؤديه ذلك إلى النار. قال مقاتل: يعسر عليه أن يعطي خيراً. قيل العسرى الشر، وذلك أن الشر يؤدي إلى العذاب، والعسرة في العذاب، والمعنى: سنهيئه للشر بأن نجريه على يديه. قال الفراء: سنيسره سنهيئه، والعرب تقول: قد يسرت الغنم إذا ولدت أو تهيأت للولادة. قال الشاعر:
هما سيدانا يزعمان وإنما يسوداننا إن يسرت غنماهما
10- "فسنيسره للعسرى"، سنهيئه للشر بأن نجريه على يديه حتى يعمل بما لا يرضي الله، فيستوجب به النار. قال مقاتل: نعسر عليه أن يأتي خيراً.
وروينا عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نفس منفوسة إلا كتب الله مكانها من الجنة أو النار، فقال رجل: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: لا ولكن اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل الشقاء فييسرون لعمل أهل الشقاء، وأما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، ثم تلا: " فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى "".
قيل: نزلت في أبي بكر الصديق اشترى بلالاً من أمية بن خلف ببردة وعشرة أواق، فأعتقه فأنزل الله تعالى: "والليل إذا يغشى" إلى قوله: "إن سعيكم لشتى" يعني: سعي أبي بكر وأمية.
وروى علي بن حجر عن إسحاق عن أبي نجيح عن عطاء، قال: "كان لرجل من الأنصار نخلة وكان له جار يسقط من بلحها في دار جاره، وكان صبيانه يتناولون منه، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: بعنيها بنخلة في الجنة فأبى، فخرج فلقيه أبو الدحداح، فقال له: هل لك أن تبيعها بحش البستان، يعني حائطاً له، فقال له: هي لك، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أتشتريها مني بنخلة في الجنة؟ قال: نعم قال: هي لك، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم جار الأنصاري فقال: خذها. فأنزل الله تعالى: "والليل إذا يغشى" إلى قوله: "إن سعيكم لشتى" سعي أبي الدحداح والأنصاري صاحب النخلة".
"فأما من أعطى واتقى"، يعني أبا الدحداح، "وصدق بالحسنى" الثواب "فسنيسره لليسرى" يعني الجنة، "وأما من بخل واستغنى" يعني الأنصاري، "وكذب بالحسنى"، يعني الثواب، "فسنيسره للعسرى"، يعني النار.
10-" فسنيسره للعسرى " للخلة المؤدية إلى العسر والشدة كدخول النار .
10. Surely We will ease his way unto adversity.
10 - We will indeed make smooth for him the Path to Misery;