[البلد : 14] أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ
14 - (أو إطعام في يوم ذي مسغبة) مجاعة
قوله : " أو إطعام في يوم ذي مسغبة " كما قال جل ثناؤه " وما أدراك ما هيه " [ القارعة : 10] ثم قال : " نار حامية " [ القارعة : 11] مفسراً لقوله " فأمه هاوية " [ القارعة : 9] ثم قال : وما أدراك ما الهاوية ؟ هي نار حامية .
وقوله ( أو أطعم في يوم ذي سغبة ) يقول : أو أطعم في يوم ذي مجاعة ، والساغب : الجائع .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( أو أطعم في يوم ذي مسغبة ) : يوم مجاعة .
حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : ثني خالد بن حيان الرقي أبو يزيد ، عن جعفر بن برقان عن عكرمة في قوله الله ( أو أطعم في يوم ذي مسغبة ) قال : ذي مجاعة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ققال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " في يوم ذي مسغبة " قال : الجوع .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( أو أطعم في يوم ذي مسغبة ) يقول : يوم يشتهى فيه الطعام .
حدثنا أبو كريب ، قال ثنا وكيع ، عن سفيان عن عثمان الثقفي ، عن مجاهد ، عن ابن عباس " في يوم ذي مسغبة " قال : مجاعة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان عن عثمان بن المغيرة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " في يوم ذي مسغبة " قال : مجاعة .
قوله تعالى:" أو إطعام في يوم ذي مسغبة" أي مجاعة. والسغب : الجزع. والساغب: الجائع- وقرأ الحسن (أو إطعام في يوم ذا مسغبة)بالألف في (ذا) - وأنشد أبو عبيدة:
فلو كنت جاراً يا بن قيس بن عاصم لما بت شبعاناً وجارك ساغبا
وإطعام الطعام فضيلة، وهو مع السغب الذي هو الجوع أفضل. وقال النخعي في قوله تعالى:" أو إطعام في يوم ذي مسغبة" قال: في يوم عزيز فيه الطعام. "روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(من موجبات الرحمة إطعام المسلم السغبان)."
قال ابن جرير : حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد , حدثنا عبد الله بن إدريس عن أبيه عن أبي عطية عن ابن عمر في قوله تعالى: "فلا اقتحم" أي دخل "العقبة" قال: جبل في جهنم. وقال كعب الأحبار : "فلا اقتحم العقبة" هو سبعون درجة في جهنم وقال الحسن البصري : "فلا اقتحم العقبة" قال عقبة في جهنم, وقال قتادة : إنها عقبة قحمة شديدة فاقتحموها بطاعة الله تعالى. وقال قتادة : " وما أدراك ما العقبة " ثم أخبر تعالى عن اقتحامها فقال " فك رقبة * أو إطعام " وقال ابن زيد "فلا اقتحم العقبة" أي أفلا سلك الطريق التي فيها النجاة والخير ثم بينهما فقال تعالى: " وما أدراك ما العقبة * فك رقبة * أو إطعام " قرىء فك رقبة بالإضافة, وقرىء على أنه فعل وفيه ضمير الفاعل والرقبة مفعوله, وكلتا القراءتين معناهما متقارب. قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إبراهيم , حدثنا عبد الله يعني ابن سعيد بن أبي هند عن إسماعيل بن أبي حكيم , مولى آل الزبير عن سعيد بن مرجانة أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب ـ أي عضو ـ منها إرباً منه من النار حتى إنه ليعتق باليد اليد وبالرجل الرجل وبالفرج الفرج".
فقال علي بن الحسين : أنت سمعت هذا من أبي هريرة ؟ فقال سعيد : نعم. فقال علي بن الحسين لغلام له أفره غلمانه: ادع مطرفاً, فلما قام بين يديه قال: اذهب فأنت حر لوجه الله, وقد رواه البخاري , و مسلم والترمذي والنسائي من طرق عن سعيد بن مرجانة به, وعند مسلم أن هذا الغلام الذي أعتقه علي بن الحسين زين العابدين كان قد أعطي فيه عشرة آلاف درهم, وقال قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن أبي نجيح قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أيما مسلم أعتق رجلاً مسلماً فإن الله جاعل وفاء كل عظم من عظامه عظماً من عظامه محرراً من النار, وأيما امرأة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله جاعل وفاء كل عظم من عظامها عظماً من عظامها من النار" رواه ابن جرير هكذا و أبو نجيح هذا هو عمر بن عبسة السلمي رضي الله عنه.
قال الإمام أحمد : حدثنا حيوة بن شريح , حدثنا بقيه حدثني بجير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة عن عمرو بن عبسة أنه حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بنى مسجداً ليذكر الله فيه بنى الله له بيتاً في الجنة. ومن أعتق نفساً مسلمة كانت فديته من جهنم, ومن شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة".
(طريق أخرى) قال أحمد : حدثنا الحكم بن نافع , حدثنا جرير عن سليم بن عامر أن شرحبيل بن السمط قال لعمرو بن عبسة : حدثنا حديثاً ليس فيه تزيد ولا نسيان. قال عمرو : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أعتق رقبة مسلمة كانت فكاكه من النار عضواً بعضو, ومن شاب شيبة في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة, ومن رمى بسهم فبلغ فأصاب أو أخطأ كان كمعتق رقبة من بني إسماعيل" وروى أبو داود والنسائي بعضه.
(طريق أخرى) قال أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم , حدثنا الفرج , حدثنا لقمان عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة , قال السلمي : قلت له: حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه انتقاص ولا وهم, قال سمعته يقول: "من ولد له ثلاثة أولاد في الإسلام فماتوا قبل أن يبلغوا الحنث أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم, ومن شاب شيبة فيسبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة, ومن رمى بسهم في سبيل الله بلغ به العدو أصاب أو أخطأ كان له عتق رقبة, ومن أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار, ومن أنفق زوجين في سبيل الله فإن للجنة ثمانية أبواب يدخله الله من أي باب شاء منها" وهذه أسانيد جيدة قوية, ولله الحمد.
(حديث آخر) قال أبو داود : حدثنا عيسى بن محمد الرملي , حدثنا ضمرة عن ابن أبي عبلة عن العريف بن عياش الديلمي , قال: أتينا واثلة بن الأسقع فقلنا له: حدثنا حديثاً ليس فيه زيادة ولا نقصان, فغضب وقال: إن أحدكم ليقرأ ومصحفه معلق في بيته فيزيد وينقص, قلنا: إنما أردنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: " أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد أوجب يعني النار بالقتل فقال: أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضواً من النار", وكذا رواه النسائي من حديث إبراهيم بن أبي عبلة , عن العريف بن عياش الديلمي , عن واثلة به.
(حديث آخر) قال أحمد : حدثنا عبد الصمد , حدثنا هشام عن قتادة عن قيس الجذامي عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق رقبة مسلمة فهو فداؤه من النار", وحدثنا عبد الوهاب الخفاف عن سعيد عن قتادة , قال: ذكر لنا أن قيساً الجذامي حدث عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق رقبة مؤمنة فهي فكاكه من النار" تفرد به أحمد من هذا الوجه.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن آدم وأبو أحمد قالا: حدثنا عيسى بن عبد الرحمن البجلي من بني بجيلة من بني سليم عن طلحة بن مصرف عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب قال: " جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله علمني عملاً يدخلني الجنة, فقال: لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة, أعتق النسمة وفك الرقبة فقال: يا رسول الله أو ليستا بواحدة, قال: لا إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها, وفك الرقبة أن تعين في عتقها, والمنحة الوكوف, والفيء على ذي الرحم الظالم فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع, واسق الظمآن, وأمر بالمعروف وانه عن المنكر, فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من الخير".
وقوله تعالى: "أو إطعام في يوم ذي مسغبة" قال ابن عباس : ذي مجاعة, وكذا قال عكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة وغير واحد, والسغب هو الجوع, وقال إبراهيم النخعي : في يوم الطعام فيه عزيز, وقال قتادة : في يوم مشتهى فيه الطعام وقوله تعالى: "يتيماً" أي أطعم في مثل هذا اليوم يتيماً "ذا مقربة" أي ذا قرابة منه, قاله ابن عباس وعكرمة والحسن والضحاك والسدي , كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا يزيد , أخبرنا هشام عن حفصة بنت سيرين عن سلمان بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة" وقد رواه الترمذي والنسائي وهذا إسناد صحيح, وقوله تعالى: "أو مسكيناً ذا متربة" أي فقيراً مدقعاً لاصقاً بالتراب, وهو الدقعاء أيضاً. قال ابن عباس : ذا متربة هو المطروح في الطريق الذي لا بيت له ولا شيء يقيه من التراب, وفي رواية هو الذي لصق بالدقعاء من الفقر والحاجة ليس له شيء, وفي رواية عنه: هو البعيد التربة, قال ابن أبي حاتم : يعني الغريب عن وطنه, وقال عكرمة : هو الفقير المديون المحتاج, وقال سعيد بن جبير , هو الذي لا أحد له, وقال ابن عباس وسعيد وقتادة ومقاتل بن حيان : هو ذو العيال, وكل هذه قريبة المعنى.
وقوله تعالى: "ثم كان من الذين آمنوا" أي ثم هو مع هذه الأوصاف الجميلة الطاهرة مؤمن بقلبه محتسب ثواب ذلك عند الله عز وجل كما قال تعالى: " ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا " وقال تعالى: "من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن" الاية. وقوله تعالى: "وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة" أي كان من المؤمنين العاملين صالحاً "المتواصين بالصبر على أذى الناس وعلى الرحمة بهم كما جاء في الحديث الشريف الراحمون يرحمهم الرحمن, ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" وفي الحديث الاخر "لا يرحم الله من لا يرحم الناس". وقال أبو داود : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن ابن عامر عن عبد الله بن عمرو يرويه قال: "من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا".
وقوله تعالى "أولئك أصحاب الميمنة" أي المتصفون بهذه الصفات من أصحاب اليمين. ثم قال " والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة " أي أصحاب الشمال "عليهم نار مؤصدة" أي مطبقة عليهم فلا محيد لهم عنها ولا خروج لهم منها! قال أبو هريرة وابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومحمد بن كعب القرظي وعطية العوفي والحسن وقتادة والسدي "مؤصدة" أي مطبقة قال ابن عباس : مغلقة الأبواب, وقال مجاهد : أصد الباب بلغة قريش أي أغلقه وسيأتي في ذلك حديث في سورة "ويل لكل همزة لمزة" وقال الضحاك "مؤصدة" حيط لا باب له, وقال قتادة "مؤصدة" مطبقة فلا ضوء فيها ولا فرج ولا خروج منها آخر الأبد, وقال أبو عمران الجوني إذا كان يوم القيامة أمر الله بكل جبار وكل شيطان وكل من كان يخاف الناس في الدنيا شره, فأوثقوا بالحديد ثم أمر بهم إلى جهنم ثم أوصدوها عليهم أي أطبقوها, قال: فلا والله لا تستقر أقدامهم على قرار أبداً, ولا والله لا ينظرون فيها إلى أديم سماء أبداً, ولا والله لا تلتقي جفون أعينهم على غمض نوم أبداً, ولا والله لا يذوقون فيها بارد شراب أبداً, رواه ابن أبي حاتم . آخر تفسير سورة البلد, ولله الحمد والمنة.
14- "أو إطعام في يوم ذي مسغبة" المسغبة المجاعة، والسغب الجوع، والساغب الجائع. قال الراغب: يقال منه سغب الرجل سغباً وسغوباً فهو ساغب وسغبان، والمسغبة مفعلة منه، وأنشد أبو عبيدة:
فلو كنت حراً يابن قيس بن عاصم لما بت شبعاناً وجارك ساغبا
قال النخعي: "في يوم ذي مسغبة" أي عزيز فيه الطعام.
14- " فك رقبة * أو إطعام "، قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي: "فك" بفتح الكاف، رقبةً نصب، أو أطعم بفتح الهمزة والميم على الماضي. وقرأ الآخرون "فك" برفع الكاف، "رقبة" جراً، "أو إطعام" بكسر الهمزة، فألف بعد العين، ورفع الميم منونة على المصدر.
وأراد بفك الرقبة إعتاقها وإطلاقها، ومن أعتق رقبة كانت فداءه من النار.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان، حدثنا أبو جعفر بن محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث بن سعد، حدثني ابن الهاد، عن عمر بن علي بن حسين، عن سعيد بن مرجانة قال: سمعته يحدث عن أبي هريرة قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منه عضواً من النار، حتى يعتق فرجه بفرجه".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور السمعاني، أخبرنا أبو جعفر الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا محمد بن كثير العبدي، حدثنا عيسى بن عبد الرحمن السلمي، عن طلحة بن مصرف اليامي، عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب قال: "جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله علمني عملاً يدخلني الجنة، قال: لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة وفك الرقبة، قال: قلت: أوليسا واحداً؟ قال: لا، عتق النسمة: أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة: أن تعين في ثمنها، والمنحة الوكوف وأنفق على ذي الرحم الظالم، فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع واسق الظمآن، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير".
وقال عكرمة قوله: "فك رقبة"، يعني فك رقبة من الذنوب بالتوبة " أو إطعام في يوم ذي مسغبة " مجاعة، يقال: سغب يسغب سغباً إذا جاع.
14-" أو إطعام في يوم ذي مسغبة " .
14. And to feed in the day of hunger
14 - Or the giving of food in a day of privation