[التوبة : 80] اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
80 - (استغفر) يا محمد (لهم أو لا تستغفر لهم) تخيير له في الاستغفار وتركه قال صلى الله عليه وسلم : "إني خيرت فاخترت يعني الاستغفار" رواه البخاري (إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) قيل المراد بالسبعين المبالغة في كثرة الاستغفار وفي البخاري حديث "لو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر لزدت عليها" وقيل المراد العدد المخصوص لحديثه أيضاً "وسأزيد على السبعين" فبين له حسم المغفرة بآية {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم} (ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ادع الله لهؤلاء المنافقين، الذين وصفت صفاتهم في هذه الآيات، بالمغفرة أو لا تدع لهم بها.
وهذا كلام خرج مخرج الأمر، وتأويله الخبر، ومعناه: إن استغفرت لهم، يا محمد، أو لم تستغفر لهم، فلن يغفر الله لهم.
وقوله: " إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم "، يقول: إن تسأل لهم أن تستر عليهم ذنوبهم بالعفو منه لهم عنها، وترك فضيحتهم بها، فلن يستر الله عليهم، ولن يعفو لهم عنها، ولكنه يفضحهم بها على رؤوس الأشهاد يوم القيامة " ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله "، يقول جل ثناؤه: هذا الفعل من الله بهم، وهو ترك عفوه لهم عن ذنوبهم، من أجل أنهم جحدوا توحيد الله ورسالة رسوله، " والله لا يهدي القوم الفاسقين "، يقول: والله لا يوفق للإيمان به وبرسوله، من آثر الكفر به والخروج عن طاعته، على الإيمان به وبرسوله.
ويروى " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حين نزلت هذه الآية قال: لأزيدن في الاستغفار لهم على سبعين مرة ، رجاءً من أن يغفر الله لهم، فنزلت: " سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم " [ المنافقون: 6] " .
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه:"أن عبد الله بن أبي ابن سلول قال لأصحابه: لولا أنكم تنفقون على محمد وأصحابه لانفضوا من حوله! وهو القائل: " لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل " [المنافقون: 8]، فأنزل الله: " استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم "، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأزيدن على السبعين! فانزل الله: " سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم " [المنافقون: 8] فأبى الله تبارك وتعالى أن يغفر لهم ".
حدثنا ابن حميد وابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن شباك، عن الشعبي قال: " دعا عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنازة أبيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من أنت؟ قال: حباب بن عبد الله بن أبي. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: بل أنت عبد الله بن أبي ابن سلول، إن ((الحباب)) هو الشيطان. ثم قال النبي عليه السلام: إنه قد قيل لي: " استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم "، فأنا أستغفر لهم سبعين وسبعين وسبعين، وألبسه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه وهو عرق ".
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " إن تستغفر لهم سبعين مرة "، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سأزيد على سبعين استغفارة! فأنزل الله في السورة التي يذكر فيها النافقون: " لن يغفر الله لهم "، [المنافقون: 6]، عزماً.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، مثله.
... قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، بنحوه.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج ، عن مجاهد ،
... قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن الشعبي قال: " لما ثقل عبد الله بن أبي، انطلق ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إن أبي قد احتضر، فأحب أن تشهده وتصلي عليه! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما اسمك؟ قال: الحباب بن عبد الله. قال: بل أنت عبد الله بن عبد الله بن أبي، إن ((الحباب)) اسم الشيطان. قال: فانطلق معه حتى شهده وألبسه قميصه وهو عرق، وصلى عليه، فقيل له: أتصلي عليه وهو منافق؟ فقال: إن الله قال: " إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم "، ولأستغفرن له سبعين وسبعين!، قال هشيم: وأشك في الثالثة ".
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"" استغفر لهم أو لا تستغفر لهم " إلى قوله: " القوم الفاسقين "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية: أسمع ربي قد رخص لي فيهم، فوالله لأستغفرن أكثر من سبعين مرة فلعل الله أن يغفر لهم! فقال الله، من شدة غضبه عليهم: " سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين " [المنافقون: 6]، الآية ".
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم "، فقال نبي الله: " قد خيرني ربي، فلأزيدنهم على سبعين! فأنزل الله: " سواء عليهم أستغفرت لهم " [المنافقون: 6] ".
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ، " لما نزلت: " إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم "، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأزيدن على سبعين! فقال الله: " سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم " المنافقون: 6] ".
قوله تعالى: "استغفر لهم" يأتي بيانه عند قوله تعالى: "ولا تصل على أحد منهم مات أبداً".
يخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن هؤلاء المنافيقين ليسوا أهلاً للاستغفار وأنه لو استغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم, وقد قيل إن السبعين إنما ذكرت حسماً لمادة الاستغفار لهم, لأن العرب في أساليب كلامها تذكر السبعين في مبالغة كلامها, ولا تريد التحديد بها ولا أن يكون ما زاد عليها بخلافها, وقيل بل لها مفهوم كما روى العوفي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما نزلت هذه الاية أسمع ربي قد رخص لي فيهم فو الله لأستغفرن لهم أكثر من سبعين مرة لعل الله أن يغفر لهم" فقال الله من شدة غضبه عليهم: "سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم" الاية. وقال الشعبي لما ثقل عبد الله بن أبي انطلق ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي قد احتضر فأحب أن تشهده وتصلي عليه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما اسمك ؟" قال: الحباب بن عبد الله قال: "بل أنت عبد الله بن عبد الله إن الحباب اسم شيطان", فانطلق معه حتى شهده وألبسه قميصه وهو عرق وصلى عليه فقيل له: أتصلي عليه وهو منافق ؟ فقال: "إن الله قال "إن تستغفر لهم سبعين مرة" ولأستغفرن لهم سبعين و سبعين وسبعين" وكذا روي عن عروة بن الزبير ومجاهد بن جبير وقتادة بن دعامة ورواه ابن جرير بأسانيده .
أخبر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بأن صدور الاستغفار منه للمنافقين وعدمه سواء، وذلك لأنهم ليسوا بأهل لاستغفاره صلى الله عليه وسلم ولا للمغفرة من الله سبحانه لهم، فهو كقوله تعالى: "قل أنفقوا طوعاً أو كرهاً لن يتقبل منكم"، ثم قال: 80- "إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم" وفيه بيان لعدم المغفرة من الله سبحانه للمنافقين وإن أكثر النبي صلى الله عليه وسلم من الاستغفار لهم، وليس المراد من هذا أنه لو زاد على السبعين لكان ذلك مقبولاً كما في سائر مفاهيم الأعداد، بل المراد بهذا المبالغة في عدم القبول. فقد كانت العرب تجري ذلك مجرى المثل في كلامها عند إرادة التكثير، والمعنى: أنه لن يغفر الله لهم وإن استغفرت لهم استغفاراً بالغاً في الكثرة غاية المبالغ. وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن التقييد بهذا العدد المخصوص يفيد قبول الزيادة عليه، ويدل لذلك ما سيأتي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لأزيدن على السبعين". وذكر بعضهم لتخصيص السبعين وجهاً فقال: إن السبعة عدد شريف، لأنها عدد السموات والأرضين والبحار والأقاليم والنجوم السيارة والأعضاء وأيام الأسبوع، فصير كل واحد من السبعة إلى عشرة، لأن الحسنة بعشر أمثالها. وقيل: خصت السبعون بالذكر لأنه صلى الله عليه وسلم كبر على عمه الحمزة سبعين تكبيرة، فكأنه قال: إن تستغفر لهم سبعين مرة بإزاء تكبيراتك على حمزة. وانتصاب سبعين على المصدر كقولهم: ضربته عشرين ضربة. ثم علل عدم المغفرة لهم بقوله: "ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله" أي ذلك الامتناع بسبب كفرهم بالله ورسوله "والله لا يهدي القوم الفاسقين" أي المتمردين الخارجين عن الطاعة المتجاوزين لحدودها، والمراد هنا الهداية الموصلة إلى المطلوب، لا الهداية التي بمعنى الدلالة وإراءة الطريق.
80-"استغفر لهم أو لا تستغفر لهم"، لفظه أمر، معناه خبر، تقديره: أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم. "إن تستغفر لهم سبعين مرةً فلن يغفر الله لهم"، وذكر عدد السبعين للمبالغة في اليأس عن طمع المغفرة.
قال الضحاك: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد رخص لي فلأزيدن على السبعين لعل الله أن يغفر لهم"، فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم " سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم ".
" ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين ".
80." استغفر لهم أو لا تستغفر لهم "يريد به التساوي بين الأمرين في عدم الإفادة لهم كما نص عليه بقوله:" إن تستغفر لهم سبعين مرةً فلن يغفر الله لهم"".روي أن عبدالله بن عبدالله بن أبي وكان من المخلصين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض أبيه أن يستغفر له، ففعل عليه الصلاة والسلام فنزلت ، فقال عليه الصلاة والسلام : لأزيدن علي السبعين فنزلت":" سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم ".وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام فهم من السبعين العدد المخصوص لأنه الأصل فجوز أن يكون ذلك حداً يخالفه حكم ما وراءه ، فبين له أن المراد به التكثير دون التحديد،وقد شاع استعمال السبعين والسبعين والسبعمائة ونحوها في التكثير،لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد فكأنه العدد بأسره ."ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله" إشارة إلى أن اليأس من المغفرة وعدم قبول استغفارك ليس لبخل منا ولا قصور فيك بل لعدم قابليتهم بسبب الكفر الصارف عنها ."والله لا يهدي القوم الفاسقين"المتمردين في كفرهم ، وهو كالدليل على الحكم السابق فإن مغفرة الكافر بالإقلاع عن الكفر والإرشاد إلى الحق ، والمنهمك في كفره المطبوع عليه لا ينقلع ولا يهتدي ، والتنبيه على عذر الرسول في استغفاره وهو عدم يأسه من إيمانهم ما لم يعلم أنهم مطبوعون على الضلالة ، والممنوع هو الاستغفار بعد العلم لقوله تعالى : " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ".
80. Ask forgiveness for them (O Muhammad), or ask not forgiveness for them; though thou ask forgiveness for them seventy times Allah will not forgive them. That is because they disbelieved in Allah and His messenger, and Allah guideth not wrongdoing folk.
80 - Whether thou ask for their forgiveness, or not, (their sin is unforgivable): if thou ask seventy times for their forgiveness, God will not forgive them: because they have rejected God and his Apostle: and God guideth not those who are perversely rebellious.