[التوبة : 21] يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ
21 - (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم) دائم
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يبشر هؤلاء الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله، " ربهم برحمة منه "، لهم، أنه قد رحمهم من أن يعذبهم، وبرضوان منه لهم، بأنه قد رضي عنهم بطاعتهم إياه، وأدائهم ما كلفهم، " وجنات "، يقول: وبساتين، " لهم فيها نعيم مقيم "، لا يزول ولا يبيد، ثابت دائم أبداً لهم.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد الزبير قال، حدثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال الله سبحانه: أعطيكم أفضل من هذا! فيقولون: ربنا، أي شيء أفضل من هذا؟ قال: رضواني.
قوله تعالى: "يبشرهم ربهم" أي يعلمهم في الدنيا ما لهم في الآخرة من الثواب الجزيل والنعيم المقيم. والنعيم: لين العيش ورغده.
قال العوفي في تفسيره عن ابن عباس في تفسير هذه الاية قال: إن المشركين قالوا: عمارة بيت الله وقيام على السقاية خير ممن آمن وجاهد, وكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون به من أجل أنهم أهله وعماره, فذكر الله استكبارهم وإعراضهم, فقال لأهل الحرم من المشركين "قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون * مستكبرين به سامراً تهجرون" يعني أنهم كانوا يستكبرون بالحرم قال "به سامراً" كانوا يسمرون به ويهجرون القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم فخير الله الإيمان والجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم على عمارة المشركين البيت وقيامهم على السقاية ولم يكن ينفعهم عند الله مع الشرك به, وإن كانوا يعمرون بيته ويحرمون به. قال الله تعالى: " لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " يعني الذين زعموا أنهم أهل العمارة فسماهم الله ظالمين بشركهم فلم تغن عنهم العمارة شيئاً.
وقال علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الاية قال: قد نزلت في العباس بن عبد المطلب حين أسر ببدر قال: لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقي ونفك العاني, قال الله عز وجل: " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " يعني أن ذلك كله كان في الشرك ولا أقبل ما كان في الشرك, وقال الضحاك بن مزاحم: أقبل المسلمون على العباس وأصحابه الذين أسروا يوم بدر يعيرونهم بالشرك, فقال العباس: أما والله لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونفك العاني ونحجب البيت ونسقي الحاج, فأنزل الله "أجعلتم سقاية الحاج" الاية.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن عيينة عن إسماعيل عن الشعبي: قال: نزلت في علي والعباس رضي الله عنهما بما تكلما في ذلك, وقال ابن جرير: حدثني يونس, أخبرنا ابن وهب, أخبرني ابن لهيعة عن أبي صخر قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار وعباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب فقال طلحة: أنا صاحب البيت معي مفتاحه ولو أشاء بت فيه. وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها ولو أشاء بت في المسجد, فقال علي رضي الله عنه: ما أدري ما تقولان لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد, فأنزل الله عز وجل "أجعلتم سقاية الحاج ؟" الاية كلها, وهكذا قال السدي إلا أنه قال: افتخر علي والعباس وشيبة بن عثمان وذكر نحوه, وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن عمرو عن الحسن قال: نزلت في علي وعباس وعثمان وشيبة تكلموا في ذلك, فقال العباس: ما أراني إلا أني تارك سقايتنا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيراً" ورواه محمد بن ثور: عن معمر عن الحسن فذكر نحوه, وقد ورد في تفسير هذه الاية حديث مرفوع فلا بد من ذكره هنا, قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رجلاً قال: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم. فزجرهم عمر رضي الله عنه وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذلك يوم الجمعة, ولكن إذا صلينا الجمعة دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم فسألناه. فنزلت " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستون ".
(طريق أخرى) قال الوليد بن مسلم حدثني معاوية بن سلام عن جده أبي سلام الأسود عن النعمان بن بشير الأنصاري قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فقال رجل منهم: ما أبالي أن لا أعمل لله عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: بل عمارة المسجد الحرام وقال آخر: بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم فزجرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فيما اختلفتم فيه. قال ففعل فأنزل الله عز وجل " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " ورواه مسلم في صحيحه وأبو داود وابن جرير وهذا لفظه, وابن مردويه وابن أبي حاتم في تفاسيرهم وابن حبان في صحيحه.
ثم فسر الفوز بقوله: 21- "يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم" والتنكير في الرحمة والرضوان والجنات للتعظيم، والمعنى أنها فوق وصف الواصفين وتصور المتصورين. والنعيم المقيم: الدائم المستمر الذي لا يفارق صاحبه.
21-" يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم ".
21. " يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها " في الجنات . " نعيم مقيم " دائم ، وقرأ حمزة " يبشرهم " بالتخفيف ،وتنكير المبشر به إشعار بأنه وراء التعيين والتعريف .
21. Their Lord giveth them good tidings of mercy from Him, and acceptance, and Gardens where enduring pleasure will be theirs;
21 - Their Lord doth give them Glad tidings of a mercy from himself, of his good pleasure, and of gardens for them, wherein are delights that endure: