[التوبة : 117] لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ
117 - (لقد تاب الله) أي أدام توبته (على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة) أي وقتها وهي حالهم في غزوة تبوك كان الرجلان يقتسمان تمرة والعشرة يعتقبون البعير الواحد ، واشتد الحرب حتى شربوا الفَرث (من بعد ما كاد يزيغ) بالياء والتاء تميل (قلوب فريق منهم) عن اتباعه إلى التخلف لما هم فيه من الشدة (ثم تاب عليهم) بالثبات (إنه بهم رؤوف رحيم)
ك قوله تعالى لقد تاب الله على النبي الآيات روى البخاري وغيره عن كعب بن مالك قال لم أتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا بدرا حتى كانت غزوة تبوك وهي آخر غزوة غزاها وآذن الناس بالرحيل فذكر الحديث بطوله وفيه فأنزل الله توبتنا لقد تاب الله على النبي والمهاجرين إلى قوله إن الله هو التواب الرحيم قال وفينا أنزل أيضا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لقد رزق الله الإنابة إلى أمره وطاعته، نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، والمهاجرين ديارهم وعشيرتهم إلى دار الإسلام، وأنصار رسوله في الله، الذين اتبعوا رسول الله في ساعة العسرة منهم من النفقة والظهر والزاد والماء، " من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم "، يقول: من بعد ما كاد يميل قلوب بعضهم عن الحق، ويشك في دينه ويرتاب، بالذي ناله من المشقة والشدة في سفره وغزوه، " ثم تاب عليهم "، يقول: ثم رزقهم جل ثناؤه الإنابة والرجوع إلى الثبات على دينه، وإبصار الحق الذي كان قد كاد يلتبس عليهم، " إنه بهم رؤوف رحيم "، يقول: إن ربكم بالذين خالط قلوبهم ذلك لما نالهم في سفرهم من الشدة والمشقة رؤوف بهم، " رحيم " أن يهلكهم، فينزع منهم الإيمان، بعد ما قد أبلوا في الله ما أبلوا مع رسوله، وصبروا عليه من البأساء والضراء.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل:
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " في ساعة العسرة "، في غزوة تبوك.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل: " في ساعة العسرة "، قال: خرجوا في غزوة، الرجلان والثلاثة على بعير. وخرجوا في حر شديد، وأصابهم يومئذ عطش شديد، فجعلوا ينحرون إبلهم فيعصرون أكراشها، ويشربون ماءه، وكان ذلك عسرة من الماء، وعسرة من الظهر، وعسرة من النفقة.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج ، عن مجاهد : " ساعة العسرة "، قال: غزوة تبوك. قال: ((العسرة))، أصابهم جهد شديد، حتى إن الرجلين ليشقان التمرة بينهما، وإنهم ليمصون التمرة الواحدة، ويشربون عليها الماء.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " الذين اتبعوه في ساعة العسرة "، قال: غزوة تبوك.
... قال، حدثنا زكريا بن عدي، عن ابن مبارك ، عن معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر: " الذين اتبعوه في ساعة العسرة "، قال: عسرة الظهر، وعسرة الزاد، وعسرة الماء.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة "، الآية، الذين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك قبل الشأم في لهبان الحر، على ما يعلم الله من الجهد، أصابهم فيها جهد شديد، حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما، وكان النفر يتناولون التمرة بينهم، يمصها هذا ثم يشرب عليها، ثم يمصها هذا ثم يشرب عليها، فتاب الله عليهم وأقفلهم من غزوهم.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن عتبة بن أبي عتبة، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن عبد الله بن عباس: أنه قيل لعمر بن الخطاب رحمة الله عليه في شأن العسرة، " فقال عمر: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء، فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، حتى إن الرجل لينحر بعيره، فيعصر فرثه فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن الله قد عودك في الدعاء خيراً، فادع لنا! قال: تحب ذلك؟ قال: نعم! فرفع يديه، فلم يرجعهما حتى قالت السماء، فأظلت، ثم سكبت، فملأوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جازت العسكر ".
حدثني إسحق بن زيادة العطار قال، حدثنا يعقوب بن محمد قال، حدثنا عبد الله بن وهب قال، حدثنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس قال: قيل لعمر بن الخطاب رحمة الله عليه: حدثنا عن شأن جيش العسرة! فقال عمر: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر نحوه.
روى الترمذي: حدثنا عبد بن حميد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال:
"لم أتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها حتى كانت غزوة تبوك إلا بدراً، ولم يعاتب النبي صلى الله عليه وسلم أحداً تخلف عن بدر، إنما خرج يريد العير فخرجت قريش مغوثين لعيرهم، فالتقوا عن غير موعد، كما قال الله تعالى، ولعمري إن أشرف مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس لبدر، وما أحب أني كنت شهدتها مكان بيعتي ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، ثم لم أتخلف بعد عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى كانت غزوة تبوك، وهي آخر غزوة غزاها، وآذن النبي صلى الله عليه وسلم بالرحيل، فذكر الحديث بطوله قال: فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو جالس في المسجد وحوله المسلمون، وهو يستنير كاستنارة القمر، وكان إذا سر بالأمر استنار، فجئت فجلست بين يديه فقال: أبشر يا كعب بن مالك بخير يوم أتى عليك منذ ولدتك أمك فقلت: يا نبي الله، أمن عند الله أم من عندك؟ قال: بل من عند الله" -ثم تلا هذه الآية- "لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة" حتى بلغ- "إن الله هو التواب الرحيم" قال: وفينا أنزلت أيضاً "اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" وذكر الحديث. وسيأتي بكماله من صحيح مسلم في قصة الثلاثة إن شاء الله تعالى.
واختلف العلماء في هذه التوبة التي تابها الله على النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار على أقوال، فقال ابن عباس: كانت التوبة على النبي صلى الله عليه وسلم لأجل إذنه للمنافقين في القعود، دليله قوله: "عفا الله عنك لم أذنت لهم" [التوبة: 43] وعلى المؤمنين من ميل قلوب بعضهم إلى التخلف عنه. وقيل: توبة الله عليهم استنقاذهم من شدة العسرة. وقيل: خلاصهم من نكاية العدو، وعبر عن ذلك بالتوبة وإن خرج عن عرفها لوجود معنى التوبة فيه، وهو الرجوع إلى الحالة الأولى. وقال أهل المعاني: إنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في التوبة لأنه لما كان سبب توبتهم ذكر معهم، كقوله: "فأن لله خمسه وللرسول" [الأنفال: 41].
قوله تعالى: "الذين اتبعوه في ساعة العسرة" أي في وقت العسرة، والمراد جميع أوقات تلك الغزاة ولم يرد ساعة بعينها. وقيل: ساعة العسرة أشد الساعات التي مرت بهم في تلك الغزاة. والعسرة صعوبة الأمر. قال جابر: اجتمع عليهم عسرة الظهر وعسرة الزاد وعسرة الماء. قال الحسن: كانت العسرة من المسلمين يخرجون على بعير يعتقبونه بينهم، وكان زادهم التمر المتسوس والشعير المتغير والإهالة المنتنة، وكان النفر يخرجون ما معهم -إلا التمرات- بينهم، فإذا بلغ الجوع من أحدهم أخذ التمرة فلاكها حتى يجد طعمها، ثم يعطيها صاحبه حتى يشرب عليها جرعة من ماء كذلك حتى تأتي على آخرهم، فلا يبقى من التمرة إلا النواة، فمضوا مع النبي صلى الله عليه وسلم على صدقهم ويقينهم رضي الله عنهم. وقال عمر رضي الله عنه وقد سئل عن ساعة العسرة:
"خرجنا في قيظ شديد فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش شديد حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع من العطش، وحتى أن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده. فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن الله قد عودك في الدعاء خيراً فادع لنا. قال: أتحب ذلك؟ قال: نعم، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى أظلت السماء ثم سكبت فملئوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر". وروى أبو هريرة وأبو سعيد قالا:
"كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأصاب الناس مجاعة وقالوا: يا رسول الله، لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلوا فجاء عمر وقال: يا رسول الله إن فعلوا قل الظهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم فادع الله عليها بالبركة لعل الله أن يجعل في ذلك البركة. قال: نعم ثم دعا بنطع فبسط، ثم دعا بفضل الأزواد، فجعل الرجل يجيء بكف ذرة، ويجيء الآخر بكف تمر، ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير. قال أبو هريرة، فحزرته فإذا هو قدر ربضة العنز، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة. ثم قال: خذوا في أوعيتكم فأخذوا في أوعيتهم حتى -والذي لا إله إلا هو- ما بقي في العسكر وعاء إلا ملأوه، وأكل القوم حتى شبعوا، وفضلت فضلة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما فيحجب عن الجنة". خرجه مسلم في صحيحه بلفظه ومعناه، والحمد لله. وقال ابن عرفة: سمي جيش تبوك جيش العسرة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب الناس إلى الغزو في حمارة الغيظ، فغلظ عليهم وعسر، وكان إبان ابتياع الثمرة. قال: وإنما ضرب المثل بجيش العسرة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يغز قبله في عدد مثله، لأن أصحابه يوم بدر كانوا ثلثمائة وبضعة عشر، ويوم أحد سبعمائة، ويوم خيبر ألفاً وخمسمائة، ويوم الفتح عشرة آلاف، ويوم حنين اثني عشر ألفاً، وكان جيشه في غزوة تبوك ثلاثين ألفاً وزيادة، وهي آخر مغازيه صلى الله عليه وسلم. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب وأقام بتبوك شعبان وأياماً من رمضان، وبث سراياه وصالح أقواماً على الجزية. "وفي هذه الغزاة خلف علياً على المدينة فقال المنافقون: خلفه بغضاً له، فخرج خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره، فقال عليه السلام:
أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى" وبين أن قعوده بأمره عليه السلام يوازي في الأجر خروجه معه، لأن المدار على أمر الشارع. "وإنما قيل لها: غزوة تبوك لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى قوماً من أصحابه يبكون حسي تبوك، أي يدخلون فيه القدح ويحركونه ليخرج الماء، فقال: ما زلتم تبكونها بوكاً" فسميت تلك الغزوة تبوك. الحسي (بالكسر) ما تنشفه الأرض من الرمل، فإذا صار إلى صلابه أمسكته، فتحفر عنه الرمل فتستخرجه، وهو الاحتساء، قاله الجوهري.
قوله تعالى: "من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم" قلوب رفع بـ تزيغ عند سيبويه. ويضمر في كاد الحديث تشبيهاً بكان، لأن الخبر يلزمها كما يلزم كان. وإن شئت رفعتها بكاد، ويكون التقدير: من بعد ما كاد قلوب فريق منهم تزيغ. وقرأ الأعمش وحمزة وحفص يزيغ بالياء، وزعم أبو حاتم أن من قرأ يزيغ بالياء فلا يجوز له أن يرفع القلوب بكاد. قال النحاس: والذي لم يجزه جائز عند غيره على تذكير الجميع. حكى الفراء: رحب البلاد وأرحبت، ورحبت لغة أهل الحجاز. واختلف في معنى تزيغ، فقيل: تتلف بالجهد والمشقة والشدة. وقال ابن عباس: تعدل -أي تميل- عن الحق في الممانعة والنصرة. وقيل: من بعد ما هم فريق منهم بالتخلف والعصيان ثم لحقوا به. وقيل: هموا بالقفول فتاب الله عليهم وأمرهم به.
قوله تعالى: "ثم تاب عليهم" قيل: توبته عليهم أن تدارك قلوبهم حتى لم تزغ، وكذلك سنة الحق مع أوليائه إذا أشرفوا على العطب، ووطنوا أنفسهم على الهلاك أمطر عليهم سحائب الجود فأحيا قلوبهم. وينشد:
منك أرجوا ولست أعرف رباً يرتجى منه بعض ما منك أرجو
وإذا اشتدت الشدائد في الأر ض على الخلق فاستغاثوا وعجوا
وابتليت العباد بالخوف والجو ع وصروا على الذنوب ولجوا
لم يكن لي سواك ربي ملاذ فتيقنت أنني بك أنجو
وقال في حق الثلاثة: "ثم تاب عليهم ليتوبوا" فقيل: معنى "ثم تاب عليهم" أي وفقهم للتوبة ليتوبوا. وقيل: المعنى تاب عليهم، أي فسح لهم ولم يجعل عقابهم ليتوبوا. وقيل: تاب عليهم ليثبتوا على التوبة. وقيل: المعنى تاب عليهم ليرجعوا إلى حال الرضا عنهم. وبالجملة فلولا ما سبق لهم في علمه أنه قضى لهم بالتوبة ما تابوا، دليله قوله عليه السلام:
"اعملوا فكل ميسر لما خلق له".
قال مجاهد وغير واحد: نزلت هذه الاية في غزوة تبوك, وذلك أنهم خرجوا إليها في شدة من الأمر في سنة مجدبة وحر شديد وعسر من الزاد والماء, قال قتادة: خرجوا إلى الشام عام تبوك في لهبان الحر على ما يعلم الله من الجهد, أصابهم فيها جهد شديد حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما, وكان النفر يتداولون التمرة بينهم يمصها هذا ثم يشرب عليها ثم يمصها هذا ثم يشرب عليها, فتاب الله عليهم وأقفلهم من غزوتهم, وقال ابن جرير: حدثني يونس بن عبد الأعلى, أخبرنا ابن وهب, أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عتبة بن أبي عتبة عن نافع بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن عباس, أنه قيل لعمر بن الخطاب في شأن العسرة, فقال عمر بن الخطاب: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في قيظ شديد, فنزلنا منزلاً فأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع, وحتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع, وحتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده, فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله إن الله عز وجل قد عودك في الدعاء خيراً فادع لنا, فقال "تحب ذلك ؟" قال نعم, فرفع يديه فلم يرجعهما حتى سالت السماء فأهطلت ثم سكنت, فملؤا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر, وقال ابن جرير: في قوله "لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة" أي من النفقة والطهر والزاد والماء "من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم" أي عن الحق, ويشك في دين الرسول صلى الله عليه وسلم ويرتاب للذي نالهم من المشقة والشدة في سفرهم وغزوهم "ثم تاب عليهم" يقول: ثم رزقهم الإنابة إلى ربهم والرجوع إلى الثبات على دينه "إنه بهم رؤوف رحيم".
قوله: 117- "لقد تاب الله على النبي" فيما وقع منه صلى الله عليه وسلم من الإذن في التخلف، أو فيما وقع منه من الاستغفار للمشركين، وليس من لازم التوبة أن يسبق الذنب ممن وقعت منه أو له، لأن كل العباد محتاج إلى التوبة والاستغفار، وقد تكون التوبة منه تعالى على النبي من باب أنه ترك ما هو الأولى والأليق كما في قوله: "عفا الله عنك لم أذنت لهم"، ويجوز أن يكون ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لأجل التعريف للمذنبين بأن يتجنبوا الذنوب ويتوبوا عما قد لابسوه منها، وكذلك تاب الله سبحانه على المهاجرين والأنصار فيما قد اقترفوه من الذنوب. ومن هذا القبيل ما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: "إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" ثم وصف سبحانه المهاجرين والأنصار بأنهم الذين اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتخلفوا عنه، وساعة العسرة هي غزوة تبوك، فإنهم كانوا في عسرة شديدة، فالمراد بالساعة جميع أوقات تلك الغزاة، ولم يرد ساعة بعينها، والعسرة صعوبة الأمر. قوله: " من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم " في كاد ضمير الشأن، وقلوب مرفوع بتزيغ عند سيبويه، وقيل: هي مرفوعة بكاد، ويكون التقدير من بعد ما كاد قلوب فريق منهم تزيغ. وقرأ الأعمش وحمزة وحفص "يزيغ" بالتحتية. قال أبو حاتم: من قرأ بالياء التحتية، فلا يجوز له أن يرفع القلوب بكاد. قال النحاس: والذي لم يجزه جائز عند غيره على تذكير الجمع، ومعنى " يزيغ " تتلف بالجهد والمشقة والشدة، وقيل معناه: تميل عن الحق وتترك المناصرة والممانعة، وقيل معناه: تهم بالتخلف عن الغزو لما هم فيه من الشدة العظيمة. وفي قراءة ابن مسعود من بعد ما زاغت وهم المتخلفون على هذه القراءة، وفي تكرير التوبة عليهم بقوله: "ثم تاب عليهم ليتوبوا" تأكيد ظاهر واعتناء بشأنها، هذا إن كان الضمير راجعاً إلى من تقدم ذكر التوبة عنهم، وإن كان الضمير إلى الفريق فلا تكرار.
117-قوله عز وجل: "لقد تاب الله على النبي" الآية، تاب الله أي: تجاوز وصفح. ومعنى توبته على النبي صلى الله عليه وسلم بإذنه للمنافقين بالتخلف عنه. وقيل: افتتح الكلام به لأنه كان سبب توبتهم، فذكره معهم، كقوله تعالى: "فأن لله خمسه وللرسول" (الأنفال -41)، ونحوه. "والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة"، أي: في وقت العسرة، ولم يرد ساعة بعينها، وكانت غزوة تبوك تسمى عزوة العسرة، والجيش يسمى جيش العسرة. والعسرة: الشدة، وكانت عليهم غزوة عسرة في الظهر والزاد والماء.
قال الحسن: كان العشرة منهم يخرجون على بعير واحد يعتقبونه، يركب الرجل ساعة، ثم ينزل فيركب صاحبه كذلك، وكان زادهم التمر المسوس والشعير المتغير، وكان النفر منهم يخرجون ما معهم إلا التمرات بينهم، فإذا بلغ الجوع من أحدهما أخذ التمرة فلاكها حتى يجد طعمها ثم يعطيها صاحبه فيمصها، ثم يشرب عليها جرعة من ماء كذلك حتى يأتي على آخرهم، ولا يبقى من التمرة إلا النواة، فمضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك على صدقهم ويقينهم.
وقال عمر بن الخطاب: " خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، وحتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيرا فادعوا الله لنا...قال أتحب ذلك؟قل: نعم، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأظلت ثم سكبت، فملؤوا ما معهم، ثم ذهبنا فلم نجدها جازت العسكر". "من بعد ما كاد يزيغ" قرأ حمزة وحفص: "يزيغ" بالياء لقوله: "كاد" ولم يقل: كادت. وقرأ الآخرون بالتاء. والزيغ: الميل، أي: من بعد ما/ كاد تميل، "قلوب فريق منهم"، أي: قلوب بعضهم، ولم يرد الميل عن الدين، بل أراد الميل إلى التخلف والانصراف للشدة التي عليهم.
قال الكلبي: هم ناس بالتخلف ثم لحقوه.
"ثم تاب عليهم"، فإن قيل: كيف أعاد ذكر التوبة وقد قال في أول الآية: "لقد تاب الله على النبي"؟.
قيل: ذكر التوبة في أول الآية قبل ذكر الذنب، وهو محض الفضل من الله عز وجل، فلما ذكر الذنب أعاد التوبة، والمراد منه قبولها.
"إنه بهم رؤوف رحيم". قال ابن عباس: من تاب الله عليه لم يعذبه أبدا.
قوله عز وجل: "وعلى الثلاثة الذين خلفوا"، أي خلفوا عن غزوة تبوك. وقيل: خلفوا أي: أرجىء أمرهم، عن توبة أبي لبابة وأصحابه، وهؤلاء الثلاثة هم: كعب بن مالك الشاعر، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، كلهم من الأنصار.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا يحيى ين بكير، حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب بن مالك -وكان قائد كعب من بنيه حين عمي- قال:" سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن غزوة تبوك، قال كعب: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفت عن غزوة بدر، ولم يعاتب أحدا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها، وكان من خبري أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزاة، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط، حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة، غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا وعدوا كثيرا، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير، ولا يجمعهم كتاب حافظ -يريد الديوان- قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم، فأرجع ولم أقض شيئا، وأقول في نفسي: أنا قادر عليه إذا أردت، فلم يزل يتمادى بي الأمر حتى اشتد بالناس الجد، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئا، فقلت: أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم، فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا، ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئا فلم يزل يتمادى بي حتى أسرعوا، وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم، وليتني فعلت، فلم يقدر لي ذلك، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى لي أسوة إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: ما فعل كعب؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه ونظره في عطفيه، فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال كعب بن مالك: فلما بلغني أنه توجه قافلا حضرني همي، فطفقت أتذكر الكذب وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدا؟ واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني الباطل، وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقة، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد، فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول الله علانيتهم، وبايعهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب، ثم قال: تعال، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي:ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟فقلت: بلى يا رسول الله، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا، ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه، إني لأرجو فيه عفو الله، لا والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت أقوى قط ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هذا
فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك.
فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع وأكذب نفسي، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم، رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قبل لك، فقلت: من هما قالوا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة، فمضيت حين ذكروهما لي.
قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق، ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا؟. ثم أصلي قريبا منه وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل على صلاتي أقبل إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي وأحب الناس إلي، فسلمت عليه/ فوالله ما رد علي السلام، فقلت له: ياأبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فسكت: فعدت له فنشدته فسكت،فعدت فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم.ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار.
قال: فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك، فطفق الناس يشيرون له نحوي، حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان فقرأته فإذا فيه: أما بعد: فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك، فقلت لما قرأته: وهذا أيضا من البلاء، فتيممت به التنور فسجرته.
حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول لرسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ فقال: لا بل اعتزلها ولا تقربها، وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك، ففلت لامرأتي إلحقي بأهلك وكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر.
قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه؟ قال:لا، ولكن لا يقربك، قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا.
قال كعب: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه. فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يدريني ما يقول لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب، فلبثت بعد ذلك عشر ليالي حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا، فلما صليت الفجر صبح خمسين ليلة، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع، يقول بأعلى صوته: ياكعب بن مالك أبشر. فخررت لله ساجدا وعرفت أنه قد جاء فرج، وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض رجل إلي فرسا وسعى ساع من أسلم، فأوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشراه، ووالله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنؤنني بالتوبة ويقولون: ليهنك توبة الله
علك قال كعب: حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس، فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة.
قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور: أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك! قال قلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: لا، بل من عند الله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك، قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر.
فقلت: يا رسول الله إنما نجاني الله بالصدق، وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقا ما بقيت، فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذبا، وإني لأرجو أن يخفظني الله فيما بقيت. وأنزل الله على رسوله: "لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار"، إلى قوله: "وكونوا مع الصادقين"".
وروى إسحاق بن راشد عن الزهري بهذا الإسناد عن كعب، قال:" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامي وكلام صاحبي، فلبثت كذلك حتى طال علي الأمر، وما من شيء أهم إلي من أن أموت ولا يصلي علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون من الناس بتلك المنزلة، فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلي علي! وأنزل الله توبتنا على نبيه صلى الله عليه وسلم حين بقى الثلث الأخير من الليل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة وكانت أم سلمة محسنة في شأني، معينة في أمري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:يا أم سلمة تيب على كعب، قالت: أفلا أرسل إليه فأبشره؟ قال: إذا يحطمكم الناس، فيمنعونكم النوم سائر الليلة، حتى إذا صلى صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر آذن بتوبة الله علينا".
117."لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار"من إذن المنافقين في التخلف أو برأهم عن علقة الذنوب كقوله تعالى:"ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر "وقيل: هو بعث على التوبة والمعنى: ما من أحد إلا وهو محتاج إلى التوبة حتى النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار لقوله تعالى :" وتوبوا إلى الله جميعاً"إذ ما من أحد إلا وله مقام يستنقص دونه ما هو فيه والترقي إليه توبة من تلك النقيصة وإظهار لفضلها بأنه مقام الأنبياء والصالحين من عباده ."الذين اتبعوه في ساعة العسرة"في وفتها هي حالهم في غزوة تبوك كانوا في عسرة الظهر يعتقب العشرة على بعير واحد والزاد حتى قيل إن الرجلين كانا يقتسمان تمرة والماء حتى شربوا القيظ."من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم "عن الثبات على الإيمان أو اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام وفي"كاد "ضمير الشأن أو ضمير القوم والعائد إليه الضمير في "منهم".وقرأ حمزة وحفص"يزيغ"بالياء لأن تأنيث القلوب غير حقيقي . وقرئ (من بعد ما زاغت قلوب فريق منهم ) يعني المتخلفين ."ثم تاب عليهم"تكرير للتأكيد وتنبيه على أنه تاب عليه من أدل ما كابدوا من العسرة ن أو المراد أنه تاب نعليهم لكيدودتهم ."إنه بهم رؤوف رحيم".
117. Allah hath turned in mercy to the Prophet, and to the Muhajirin and the Ansar who followed him in the hour of hardship. After the hearts of a party of them had almost swerved aside, then turned He unto them in mercy. Lo! He is Full of Pity, Merciful for them.
117 - God turned with favour to the prophet, the Muhajirs, and the Ansar, who followed him in a time of distress, after that the hearts of a part of them had nearly swerved (for duty); but he turned to them (also): for he is unto them most kind, most merciful.