[الأعلي : 9] فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى
9 - (فذكر) عظ بالقرآن (إن نفعت الذكرى) من تذكرة المذكور في سيذكر يعني وإن لم تنفع ونفعها البعض وعدم النفع لبعض آخر
وقوله : " فذكر إن نفعت الذكرى " يقول تعالى ذكره : فذكر عباد الله يا محمد عظمته ، وعظهم ، وحذرهم عقوبته " إن نفعت الذكرى " يقول : إن نفعت الذكرى الذين قد آيستك من إيمانهم ، فلا تنفعهم الذكرى ، وقوله : " فذكر " أمر من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بتذكير جميع الناس ، ثم قال : إن نفعت الذكرى هؤلاء الذين قد آيستك من إيمانهم .
قوله تعالى:" فذكر " أي فعظ قومك يا محمد بالقرآن. " إن نفعت الذكرى" أي الموعظة. وروى يونس عن الحسن قال: تذكرة للمؤمن، وحجة علىالكافر. وكان ابن عباس يقول: تنفع أوليائي، ولا تنفع أعدائي. وقال الجرجاني: التذكر واجب وإن لم ينفع. والمعنى: فذكر إن نفعت الذكرى، أو لم تنفع، فحذف، كما قال :" سرابيل تقيكم الحر" [ النخل :81] وقيل : إنه مخصوص بأقوام بأعيانهم. وقيل:إن ((إن)) بمعنى ما ، أي فذكر ما نفعت الذكرى، فتكون((إن ))بمعنى ما، لا بمعنى الشرط، لأن الذكرى نافعة بكل حال، قاله ابن شجرة. وذكر بعض أهل العربية: أن ((إن)) بمعنى إذ، أي إذ نفعت، كقوله تعالى:" وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" [آل عمران:139] أي إذ كنتم، فلم يخبر بعلوها إلا بعد إيمانهم. وقيل: بمعنى قد.
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا موسى يعني ابن أيوب الغافقي , حدثنا عمي إياس بن عامر سمعت عقبة بن عامر الجهني : لما نزلت "فسبح باسم ربك العظيم" قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم" فلما نزلت "سبح اسم ربك الأعلى" قال: "اجعلوها في سجودكم" ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث ابن المبارك عن موسى بن أيوب به. وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ "سبح اسم ربك الأعلى" قال: "سبحان ربي الأعلى" وهكذا رواه أبو داود عن زهير بن حرب عن وكيع به قال وخولف فيه وكيع رواه أبو وكيع وشعبة عن أبي إسحاق عن سعيد عن ابن عباس موقوفاً. وقال الثوري عن السدي عن عبد خير قال: سمعت علياً قرأ "سبح اسم ربك الأعلى" فقال: سبحان ربي الأعلى.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا حكام عن عنبسة عن أبي إسحاق الهمداني أن ابن عباس كان إذا قرأ "سبح اسم ربك الأعلى" يقول: سبحان ربي الأعلى, وإذا قرأ "لا أقسم بيوم القيامة" فأتى على آخرها "أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى" يقول: سبحانك وبلى, وقال قتادة "سبح اسم ربك الأعلى" ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال: سبحان ربي الأعلى, وقوله تعالى: "الذي خلق فسوى" أي خلق الخليقة وسوى كل مخلوق في أحسن الهيئات. وقوله تعالى: "والذي قدر فهدى" قال مجاهد : هدى الإنسان للشقاوة والسعادة وهدى الأنعام لمراتعها وهذه الاية كقوله تعالى إخباراً عن موسى أنه قال لفرعون: "ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" أي قدر قدراً وهدى الخلائق إليه, كما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء" وقوله تعالى: "والذي أخرج المرعى" أي من جميع صنوف النباتات والزروع "فجعله غثاء أحوى" قال ابن عباس : هشيماً متغيراً, وعن مجاهد وقتادة وابن زيد نحوه.
قال ابن جرير : وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يرى أن ذلك من المؤخر الذي معناه التقديم, وأن معنى الكلام والذي أخرج المرعى, أحوى: أخضر إلى السواد فجعله غثاء بعد ذلك, ثم قال ابن جرير : وهذا وإن كان محتملاً إلا أنه غير صواب لمخالفته أقوال أهل التأويل, وقوله تعالى: "سنقرئك" أي يا محمد "فلا تنسى" وهذا إخبار من الله تعالى ووعد منه له. بأنه سيقرئه قراءة لا ينساها "إلا ما شاء الله" وهذا اختيار ابن جرير . وقال قتادة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينسى شيئاً إلا ما شاء الله: وقيل: المراد بقوله: "فلا تنسى" طلب, وجعل معنى الاستثناء على هذا ما يقع من النسخ أي لا تنسى ما نقرئك إلا ما شاء الله رفعه فلا عليك أن تتركه. وقوله تعالى: "إنه يعلم الجهر وما يخفى" أي يعلم ما يجهر به العباد وما يخفونه من أقوالهم وأفعالهم لا يخفى عليه من ذلك شيء.
وقوله تعالى: "ونيسرك لليسرى" أي نسهل عليك أفعال الخير وأقواله ونشرع لك شرعاً سهلاً سمحاً مستقيماً عدلاً لا اعوجاج فيه ولا حرج ولا عسر. وقوله تعالى: "فذكر إن نفعت الذكرى" أي ذكر حيث تنفع التذكرة, ومن ههنا يؤخذ الأدب في نشر العلم فلا يضعه عند غير أهله كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم, وقال: حدث الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله, وقوله تعالى: "سيذكر من يخشى" أي سيتعظ بما تبلغه يا محمد من قلبه يخشى الله ويعلم أنه ملاقيه " ويتجنبها الأشقى * الذي يصلى النار الكبرى * ثم لا يموت فيها ولا يحيا " أي لا يموت فيستريح ولا يحيى حياة تنفعه بل هي مضرة عليه, لأن بسببها يشعر ما يعاقب به من أليم العذاب وأنواع النكال. قال الإمام أحمد : حدثنا ابن أبي عدي عن سليمان يعني التيمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أهل النار الذين هم أهلها لا يموتون ولا يحيون وأما أناس يريد الله بهم الرحمة فيميتهم في النار فيدخل عليهم الشفعاء فيأخذ الرجل أنصاره فينبتهم ـ أو قال ـ ينبتون ـ في نهر الحيا ـ أو قال الحياة ـ أو قال الحيوان ـ أو قال نهر الجنة ـ فينبتون نبات الحبة في حميل السيل" قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما ترون الشجرة تكون خضراء ثم تكون صفراء ثم تكون خضراء ؟ قال: فقال بعضهم: كأن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالبادية " .
وقال أحمد أيضاً: حدثنا إسماعيل , حدثنا سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن أناس ـ أو كما قال ـ تصيبهم النار بذنوبهم ـ أو قال بخطاياهم ـ فيميتهم إماتة حتى إذا صاروا فحماً أذن في الشفاعة, فجيء بهم ضبائر ضبائر فنبتوا على أنهار الجنة فيقال: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم, فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل" قال: فقال رجل من القوم حينئذ: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالبادية, ورواه مسلم من حديث بشر بن المفضل وشعبة كلاهما عن أبي سلمة سعيد بن يزيد به مثله, ورواه أحمد أيضاً عن يزيد عن سعيد بن إياس الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل النار الذين لا يريد الله إخراجهم لا يموتون فيها ولا يحيون, وإن أهل النار الذين يريد الله إخراجهم يميتهم فيها إماتة حتى يصيروا فحماً, ثم يخرجون ضبائر فيلقون على أنهار الجنة فيرش عليهم من أنهار الجنة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل". وقد قال الله تعالى إخباراً عن أهل النار: "ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون" وقال تعالى: "لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها" إلى غير ذلك من الايات في هذا المعنى.
9- "فذكر إن نفعت الذكرى" أي عظ يا محمد الناس بما أوحينا إليك وأرشدهم إلى سبل الخير واهدهم إلى شرائع الدين. قال الحسن: تذكره للمؤمن وحجة على الكافر. قال الواحدي: إن نفعت أو لم تنفع، ولم يذكر الحالة الثانية كقوله: "سرابيل تقيكم الحر" الآية. قال الجرجاني: التذكير واجب وإن لم ينفع، فالمعنى: إن نفعت الذكرى أو لم تنفع. وقيل إنه مخصوص في قوم بأعيانهم، وقيل إن بمعنى ما: أي فذكر ما نفعت الذكرى، لأن الذكرى نافعة بكل حال، وقيل إنها بمعنى قد، وقيل إنها بمعنى إذ. وما قاله الواحدي والجرجاني أولى وقد سبقهما إلى القول به الفراء والنحاس. قال الرازي: إن قوله: "إن نفعت الذكرى" للتنبيه على أشرف الحالين وهو وجود النفع الذي لأجله شرعت الذكرى، والمعلق بإن على الشري لا يلزم أن يكون عدماً عند عدم ذلك الشيء، ويدل عليه آيات: منها هذه الآية، ومنها قوله تعالى: " واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون " ومنها قوله: " جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم " فإن القصر جائز عند الخوف وعدمه، ومنها قوله: "فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله" والمراجعة جائزة بدون هذا الظن، فهذا الشرط فيه فوائد: منها ما تقدم، ومنها البعث على الانتفاع بالذكر كما يقول الرجل لمن يرشده: قد أوضحت لك إن كنت تعقل، وهو تنبيه للنبي صلى الله عليه وسلم على أنها لا تنفعهم الذكرى، أو يكون هذا في تكرير الدعوة، فأما الدعاء الأول فعام انتهى.
9- "فذكر"، عظ بالقرآن، " إن نفعت الذكرى"، الموعظة والتذكير. والمعنى: نفعت أو لم تنفع، وإنما لم يذكر الحالة الثانية، كقوله: "سرابيل تقيكم الحر"، وأراد: الحر والبرد جميعاً.
9-" فذكر " بعد ما استتب لك الأمر " إن نفعت الذكرى " لعل هذه الشرطية إنما جاءت بعد تكرير وحصول اليأس من البعض لئلا يتعب نفسه ويتلهف عليهم كقوله : " وما أنت عليهم بجبار " ، أو لذك المذكورين واستبعاد تأثير الذكرى فيهم ، أو للإشعار بأن التذكير إنما يجب إذا ظن نفعه ولذلك أمر بالإعراض عمن تولى .
9. Therefor remind (men), for of use is the reminder.
9 - Therefore give admonition in case the admonition profits (the hearer).