[البروج : 22] فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ
22 - (في لوح) هو في الهواء فوق السماء السابعة (محفوظ) بالجر من الشياطين ومن تغيير شيء منه طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب وهو من درة بيضاء قاله ابن عباس رضي الله عنهما
وقوله : " في لوح محفوظ " يقول تعالى ذكره : هو قرآن ، مثبت في لوح محفوظ .
واختلفت القراء في قراءة قوله " محفوظ " فقرأ ذلك من قرأه من أهل الحجاز ، أبو جعفر القارئ ، و ابن كثير ، ومن قرأه من قراء الكوفة عاصم و الأعمش و حمزة و الكسائي ، ومن البصريين أبو عمرو " محفوظ " خفضاً على معنى أن اللوح هو المنعوت بالحفظ ، وإذا كان ذلك كذلك كان التأويل في لوح محفوظ من الزيادة فيه ، والنقصان منه ، عما أثبته الله فيه ، وقرأ ذلك من المكيين ابن محيصن ، ومن المدنيين نافع ( محفوظ ) رفعاً ، رداً على القرآن ، على أنه من نعته وصفته ، وكأن معنى ذلك على قراءتهما : بل هو قرآن مجيد ، محفوظ من التغيير والتبديل في لوح .
والصواب من القول في ذلك عندنا : أنهما قراءتان معروفتان في قرأة الأمصار ، صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، وإذ كان ذلك كذلك ، فبأي القراءتين قرأ القارئ فتأويل القراءة التي يقرؤها على ما بينا .
وقد حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد " في لوح " قال : في أم الكتاب .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " في لوح محفوظ " عند الله .
وقال آخرون : إنما قيل محفوظ ، لأنه في جبهة إسرافيل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا عمرو بن علي ، قال : سمعت قرة بن سليمان ، قال : ثنا حرب بن سريج ، قال : ثنا عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس بن مالك ، في قوله " بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ " قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكر الله ، " بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ " في جبهة إسرافيل .
قوله تعالى:" في لوح محفوظ" أي مكتوب في لوح. وهومحفوظ عندالله تعالى من وصول الشياطين إليه. وقيل: هو أم الكتاب، ومنه انتسخ القرآن والكتب. وروى الضحاك عن ابن عباس قال: اللوح من ياقوته حمراء، أعلاه معقود بالعرش وأسفله في حجر ملك يقال له ماطريون، كتابه نور، وقلمه نور، ينظر الله عز وجل فيه كل يوم ثلثمائة وستين نظرة، ليس منها نظرة إلا وهو يفعل ما يشاء، يرفع وضيعا، ويضع رفيعاً))، ويغني فقيراً، ويفقر غنياً، يحي ويميت، ويفعل ما يشاء، لا إله إلا هو. وقال أنس بن مالك ومجاهد: إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله تعالى في جبهة إسرافيل. وقال مقاتل : اللوح المحفوظ عن يمين العرش. وقيل: اللوح المحفوظ الذي فيه أصناف الخلق والخليقة، وبيان أمورهم، وذكر آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم، والأقضية النافذة فيهم، ومآل عواقب أمورهم، وهو أم الكتاب. وقال ابن عباس : أول شيء كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ ((إني أنا الله لا إله إلا أنا ، محمد رسولي، من استسلم لقضائي، وصبر على بلائي، وشكر نعمائي، كتبته صديقاً وبعثته مع الصديقين، ومن لم يستسلم لقضائي ولم يصبر على بلائي، ولم يشكر نعمائي، فليتخذ إلهاً سواي)) وكتب الحجاج إلى محمد بن الحنيفة رضي الله عنه يتوعده، فكتب إليه ابن الحنيفة: ((بلغني أن الله تعالى في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة في اللوح المحفوظ، يعز ويذل، ويبتلي ويفرح، ويفعل ما يريد، فلعل نظرة منها تشغلك بنفسك، فتشتغل بها ولا تتفرغ)). وقال بعض المفسرين: اللوح شيء يلوح للملائكة فيقرءونه. وقرأ ابن السميفع وأبو حيوة((قرآن مجيد)) على الإضافة، أي قرآن رب مجيد. وقرأ نافع((في لوح محفوظ)) بالرفع نعتاً للقرآن، أي بل هو قرآن مجيد محفوظ في لوح. الباقون(بالجر) نعتاً للوح. والقراء متفقون على فتح اللام من ((لوح)) إلا ما روي عن يحي بن يعمر، فإنه قرآن ((لوح)) بضم اللام، أي إنه يلوح، وهو ذو نور وعلو وشرف. قال الزمخشري: واللوح الهواء، يعني اللوح في السماء السابعة الذي فيه اللوح. وفي الصحاح: لاح الشيء يلوح لوحاً أي لمح. ولاحة السفر: غيره. لاح لوحاً ولواحاً: عطش، والتاج مثله. واللوح: الكتف، وكل عظم عريض. واللوح: الذي يكتب فيه. اللوح (بالضم): الهواء بين السماء والأرض. والحمد لله.
يخبر تعالى عن عباده المؤمنين أن "لهم جنات تجري من تحتها الأنهار" بخلاف ما أعد لأعدائه من الحريق والجحيم, ولهذا قال: "ذلك الفوز الكبير" ثم قال تعالى: "إن بطش ربك لشديد" أي إن بطشه وانتقامه من أعدائه الذين كذبوا رسله وخالفوا أمره لشديد عظيم قوي, فإنه تعالى ذو القوة المتين الذي ما شاء كان كما يشاء في مثل لمح البصر أو هو أقرب, ولهذا قال تعالى: " إنه هو يبدئ ويعيد " أي من قوته وقدرته التامة يبدىء الخلق ويعيده كما بدأه بلا ممانع ولا مدافع "وهو الغفور الودود" أي يغفر ذنب من تاب إليه وخضع لديه ولو كان الذنب من أي شيء كان, والودود قال ابن عباس وغيره: هو الحبيب "ذو العرش" أي صاحب العرش العظيم العالي على جميع الخلائق, والمجيد فيه قراءتان: الرفع على أنه صفة للرب عز وجل, والجر على أنه صفة للعرش وكلاهما معنى صحيح "فعال لما يريد" أي مهما أراد فعله لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل لعظمته وقهره وحكمته وعدله كما روينا عن أبي بكر الصديق أنه قيل له وهو في مرض الموت: هل نظر إليك الطبيب ؟ قال: نعم. قالوا فما قال لك ؟ قال: قال لي إني فعال لما أريد.
وقوله تعالى: "هل أتاك حديث الجنود * فرعون وثمود" أي هل بلغك ما أحل الله بهم من البأس وأنزل عليهم من النقمة التي لم يردها عنهم أحد ؟ وهذا تقرير لقوله تعالى: "إن بطش ربك لشديد" أي إذا أخذ الظالم أخذه أخذاً أليماً شديداً أخذ عزيز مقتدر قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة تقرأ "هل أتاك حديث الجنود" فقام يستمع فقال: "نعم قد جاءني" وقوله تعالى: "بل الذين كفروا في تكذيب" أي هم في شك وريب وكفر وعناد "والله من ورائهم محيط" أي هو قادر عليهم قاهر لا يفوتونه ولا يعجزونه "بل هو قرآن مجيد" أي عظيم كريم "في لوح محفوظ" أي هو في الملأ الأعلى محفوظ من الزيادة والنقص والتحريف والتبديل.
قال ابن جرير : حدثنا عمرو بن علي , حدثنا قرة بن سليمان , حدثنا حرب بن سريج , حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك في قوله تعالى: " بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ " قال: إن اللوح المحفوظ الذي ذكر الله "بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ" في جبهة إسرافيل. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أبو صالح , حدثنا معاوية بن صالح أن أبا الأعبس هو عبد الرحمن بن سلمان قال: ما من شيء قضى الله: القرآن, فما قبله وما بعده إلا وهو في اللوح المحفوظ, واللوح المحفوظ بين عيني إسرافيل لا يؤذن له بالنظر فيه, وقال الحسن البصري : إن هذا القرآن المجيد عند الله في لوح محفوظ ينزل منه ما يشاء على من يشاء من خلقه, وقد روى البغوي من طريق إسحاق بن بشر : أخبرني مقاتل وابن جريج عن مجاهد عن ابن عباس قال: إن في صدر اللوح لا إله إلا الله و حده, دينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله, فمن آمن بالله وصدق بوعده واتبع رسله أدخله الجنة, قال: واللوح لوح من درة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض, وعرضه ما بين المشرق والمغرب, وحافتاه من الدر والياقوت, ودفتاه ياقوتة حمراء, وقلمه نور, وكلامه معقود بالعرش, وأصله في حجر ملك.
وقال مقاتل : اللوح المحفوظ عن يمين العرش, وقال الطبراني : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة , حدثنا منجاب بن الحارث , حدثنا إبراهيم بن يوسف , حدثنا زياد بن عبد الله عن ليث عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى خلق لوحاً محفوظاً من درة بيضاء صفحاتها من ياقوتة حمراء, قلمه نور وكتابه نور, لله فيه في كل يوم ستون وثلاثمائة لحظة, يخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعز ويذل ويفعل ما يشاء" آخر تفسير سورة البروج, ولله الحمد والمنة.
22- "في لوح محفوظ" أي مكتوب في لوح، وهو أم الكتاب محفوظ عند الله من وصول الشياطين إليه. قرأ الجمهور "محفوظ" بالجر على أنه نعت للوح وقرأ نافع برفعه على أنه نعت للقرآن: أي بل هو قرآن مجيد محفوظ في لوح. واتفق القراء على فتح اللام من لوح إلا يحيى بن يعمر وابن السميفع فإنهما قرآ بضمها. قال مقاتل: اللوح المحفوظ عن يمين العرش. قيل والمراد باللوح بضم اللام: الهواء الذي فوق السماء السابعة. قال أبو الفضل: اللوح بضم اللام: الهواء، وكذا قال ابن خالويه. قال في الصحاح: اللوح بالضم: الهواء بين السماء والأرض.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: "البروج" قصور في السماء. وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله "أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن "السماء ذات البروج" فقال: الكواكب، وسئل عن قوله: "الذي جعل في السماء بروجاً" قال: الكواكب، وعن قوله: "في بروج مشيدة" قال: القصور". وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: " واليوم الموعود * وشاهد ومشهود " قال: اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، وهو الحج الأكبر، فيوم الجمعة جعله الله عيداً لمحمد وأمته وفضله بها على الخلق أجمعين وهو سيد الأيام عند الله، وأحب الأعمال فيه إلى الله، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه. وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة، وما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل منه، فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجاب الله له، ولا يستعذ من شيء إلا أعاذه منه". وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة رفعه "وشاهد ومشهود" قال: الشاهد يوم عرفة ويوم الجمعة، والمشهود هو الموعود يوم القيامة. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال: اليوم الموعود يوم القيامة، والمشهود يوم النحر، والشاهد يوم الجمعة. وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة". وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية: "الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة". وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة" وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب. وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة". وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن علي بن أبي طالب في الآية قال: الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أن رجلاً سأله عن قوله: "وشاهد ومشهود" قال: هل سألت أحداً قبلي؟ قال: نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا: يوم الذبح ويوم الجمعة. قال: لا ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ "وجئنا بك على هؤلاء شهيداً" والمشهود يوم القيامة، ثم قرأ "ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود". وأخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه عن الحسين بن علي في الآية قال: الشاهد جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا "إنا أرسلناك شاهداً" "ذلك يوم مشهود". وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال: اليوم الموعود يوم القيامة والشهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، ثم تلا "ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود" وأخرج ابن جرير عنه قال: الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: الشاهد الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: الشاهد الله، والمشهود يوم القيامة.
قلت: وهذه التافسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى، وكذلك اختلت تفاسير التابعين بعدهم واستدل من استدل منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود، فجعله دليلاً على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة، وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو ذلك الشاهد والمشهود الذي ذكر في آية أخرى، وإلا لزم أن يكون قوله هنا "وشاهد ومشهود" هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز أو السنة المطهرة أنه يشهد أن أنه مشهود، وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض، ولم يقل قائل بذلك. فإن قلت: هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة، وحديث أبي مالك، وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود، والشاهد والمشهود؟ قلت: أما اليوم الموعود فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها، بل اتفقت على أنه يوم القيامة، وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأول أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة، وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة، وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة، فاتفقت هذه الأحاديث عليه، ولا تضر زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني، وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأول أنه يوم عرفة، وفي حديث الثاني أنه يوم القيامة، وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة، وفي حديث جبير ابن معطم أنه يوم عرفة، وكذا في حديث سعيد فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة، وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة، فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة، وأما اليوم الموعود فقد قدمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن: انظروا لي غلاماً فهماً، أو قال فطناً لقناً فأعلمه علمي، فإن أخاف أن أموت فينقطع منكم هذا العلم ولا يكون فيكم من يعلمه، قال: فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلالم راهب في صومعة، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مر به، فلم يزل به حتى أخبره فقال: إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب ويبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب: إذا قال لك أين كنت؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن، فبينهما الغلام على ذلك إذ مر بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، يقال إنها كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال: [اللهم] إن كان ما يقول ذلك الراهب حقاً فأسألك أن أقتل هذه الدابة وإن كان ما يقول الكاهن حقاً فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس: من قتلها؟ فقالوا الغلام، ففزع الناس وقالوا: قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه فقال له: إن أنت رددت علي بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام: لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي رده عليك؟ قال نعم، فدعا الله فرد عليه بصره فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم فقال: لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام فقال: انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك: إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني: بسم الله رب الغلام، فأمر به فصلت ثم رماه وقال: بسم الله رب الغلام، فرقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات، فقال الناس: لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن برب هذا الغلام، فقيل للملك: أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال: فخذ أخدوداً ثم ألقي فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال: من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فقال: يقول الله: " قتل أصحاب الأخدود * النار ذات الوقود " حتى بلغ "العزيز الحميد"" فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج، فيذكر أنه أخرج في زمن عمر ابن الخطاب وأصبعه على صدغة كما وضعها حين قتل. ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف. وقد رواها مسلم في أوخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب في قوله: "أصحاب الأخدود" قال: هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: هم ناس من بني إسرائيل خدوا أخدوداً في الأرض أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساءً، فعرضوا عليها. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: "والسماء ذات البروج" إلى قوله: "وشاهد ومشهود" قال: هذا قسم على "إن بطش ربك لشديد" إلى آخرها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "إنه هو يبدئ ويعيد" قال: يبدئ العذاب ويعيده. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: "الودود" قال: الحبيب، وفي قوله: "ذو العرش المجيد" قال: الكريم. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله: "في لوح محفوظ" قال: أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر، وإن ذلك اللوح من نور، وإنه مسيرة ثلثمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن أنس قال: إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله: " بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ " في جبهة إسرافيل. وأخرج أبو الشيخ، قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال: خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق: اكتب علمي في خلقي، فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة اهـ.
22- "في لوح محفوظ"، قرأ نافع: "محفوظ" بالرفع على نعت القرآن، فإن القرآن محفوظ من التبديل والتغيير والتحريف، قال الله تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" (الحجر- 9).
وقرأ الآخرون بالجر على نعت اللوح، وهو الذي يعرف باللوح المحفوظ، وهو أم الكتاب، ومنه نسخ الكتب، محفوظ من الشياطين، ومن الزيادة فيه والنقصان.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه، أخبرنا مخلد بن جعفر، حدثنا الحسين بن علويه، أخبرنا إسماعيل بن عيسى، حدثنا إسحاق بن بشر، أخبرني مقاتل وابن جريج، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: إن في صدر اللوح: لا إله إلا الله وحده، دينه الإسلام، ومحمد عبده ورسوله، فمن آمن بالله عز وجل وصدق بوعده واتبع رسله أدخله الجنة، قال: واللوح لوح من درة بيضاء، طوله ما بين السماء والأرض، وعرضه ما بين المشرق إلى المغرب، وحافتاه الدر والياقوت، ودفناه ياقوتة حمراء، وقلمه نور، وكلامه معقود بالعرش، وأصله في حجر ملك.
قال مقاتل: اللوح المحفوظ عن يمين العرش.
22-" في لوح محفوظ " من التحريف ،وقرأ نافع محفوظ بالرفع صفة لـ" القرآن " ، وقرئ " في لوح " وهو الهواء يعني ما فوق السماء السابعة الذي فيه اللوح .
عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة البروج أعطاه الله بعدد كل جمعة وعرفة تكون في الدنيا عشر حسنات " .
22. On a guarded tablet.
22 - (Inscribed) in a Tablet Preserved!