[المطففين : 36] هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
36 - (هل ثوب) جوزي (الكفار ما كانوا يفعلون) نعم
وقوله : " هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون " يقول تعالى ذكره : هل أثيب الكفار وجزوا ثواب ما كانوا في الدنيا يفعلون بالمؤمنين من سخريتهم منهم ، وضحكهم بهم ، بضحك المؤمنين منهم في الآخرة ، والمؤمنون على الأرائك ينظرون ، وهم في النار يعذبون .
و " ثوب " فعل من الثواب والجزاء ، يقال منه : ثوب فلان فلاناً على صنيعه ، وأثابه منه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون " قال : جرى .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان : " هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون " حين كانوا يسخرون .
قوله تعالى:" على الأرائك ينظرون * هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون" وقد مضى هذا في أول سورة ((البقرة)). ومعنى ((هل ثوب)) أي هل جوزي بسخريتهم في الدنيا بالمؤمنين إذا فعل بهم ذلك. وقيل: إنه متعلق بـ((ـينظرون)) أي ينظرون: هل جوزي الكفار؟ فيكون معنى هل التقرير وموضعها نصباً بـ((ـينظرون)). وقيل: استئناف لا موضع له من الإعراب. وقيل: هو إضمار على القول، والمعنى، يقول بعض المؤمنين لبعض ((هل ثوب الكفار)) أي أثيب وجوزي. وهو من ثاب يثوب أي رجع، فالثواب ما يرجع على العبد في مقابلة عمله، ويستعمل في الخير والشر. ختمت السورة والله أعلم.
يخبر تعالى عن المجرمين أنهم كانوا في الدار الدنيا يضحكون من المؤمنين, أي يستهزئون بهم ويحتقرونهم, وإذا مروا بالمؤمنين يتغامزون عليهم, أي محتقرين لهم "وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين" أي وإذا انقلب أي رجع هؤلاء المجرمون إلى منازلهم انقلبوا إليها فاكهين أي مهما طلبوا وجدوا, ومع هذا ما شكروا نعمة الله عليهم بل اشتغلوا بالقوم المؤمنين يحقرونهم ويحسدونهم "وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون" أي لكونهم على غير دينهم.
قال الله تعالى: "وما أرسلوا عليهم حافظين" أي وما بعث هؤلاء المجرمون حافظين على هؤلاء المؤمنين ما يصدر منهم من أعمالهم وأقوالهم ولا كلفوا بهم ؟ فلم اشتغلوا بهم وجعلوهم نصب أعينهم, كما قال تعالى: " قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون * إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين * فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون * إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون " ولهذا قال ههنا "فاليوم" يعني يوم القيامة "الذين آمنوا من الكفار يضحكون" أي في مقابلة ما ضحك بهم أولئك "على الأرائك ينظرون" أي إلى الله عز وجل في مقابلة من زعم فيهم أنهم ضالون ليسوا بضالين بل هم من أولياء الله المقربين ينظرون إلى ربهم في دار كرامته. وقوله تعالى: " هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون " أي هل جوزي الكفار على ما كانوا يقابلون به المؤمنين من الاستهزاء والتنقيص أم لا, يعني قد جوزوا أوفر الجزاء وأتمه وأكمله. آخر تفسير سورة المطففين, و لله الحمد والمنة.
36- "هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون" الجملة مستأنفة لبيان أنه قد وقع الجزاء للكفار بما كان يقع منهم في الدنيا من الضحك من المؤمنين والاستهزاء بهم، والاستفهام للتقرير، وثوب بمعنى أثيب، والمعنى: هل جوزي الكفار بما كانوا يفعلونه بالمؤمنين؟ وقيل الجملة في محل نصب بينظرون، وقيل هي على إضمار القول: أي يقول بعض المؤمنين لبعض هل ثوب الكفار، والثواب ما يرجع على العبد في مقابلة عمله ويطلق على الخير والشر.
وقد أخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر من طريق شمر بن عطية أن ابن عباس سأل كعب الأحبار عن قوله: "إن كتاب الأبرار لفي عليين" قال: روح المؤمن إذا قبضت عرج بها إلى السماء، ففتح لها أبواب السماء وتلقاها الملائكة بالبشرى حتى تنتهي بها إلى العرش وتعرج الملائكة، فيخرج لها من تحت العرش رق فيرقم ويختم ويوضع تحت العرش لمعرفة النجاة لحساب يوم الدين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "لفي عليين" قال: الجنة، وفي قوله: "يشهده المقربون" قال: أهل السماء. وأخرج أحمد وأبو داود والطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين". وأخرج ابن المنذر عن علي بن أبي طالب في قوله: "نضرة النعيم" قال: عين في الجنة يتوضأون منها ويغتسلون فتجري عليهم نضرة النعيم. وأخرج عبد بن حميد وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وهناد وابن المنذر والبيهقي في البعث عن ابن مسعود في قوله: "يسقون من رحيق مختوم" قال: الرحيق الخمر، والمختوم يجدون عاقبتها طعم المسك. وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن المنذر عنه في قوله: "مختوم" قال: ممزوج "ختامه مسك" قال: طعمه وريحه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله: "من رحيق" قال: خمر، وقوله: "مختوم" قال: ختم بالمسك. وأخرج الفريابي والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن مسعود في قوله: "ختامه مسك" قال: ليس بخاتم يختم به، ولكن خلطه مسك، ألم تر إلى المرأة من نسائكم تقول خلطه من الطيب كذا وكذا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن أبي الدرداء "ختامه مسك" قال: هو شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم، ولو أن رجلاً من أهل الدنيا أدخل أصابعه فيه ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد ريحها. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: "تسنيم" أشرف شراب أهل الجنة، وهو صرف للمتقين ويمزج لأصحاب اليمين. وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود "مزاجه من تسنيم" قال: عين في الجنة تمزج لأصحاب اليمين ويشربها المقربون صرفاً. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس أنه سئل عن قوله: "ومزاجه من تسنيم" قال: هذا مما قال الله "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين".
قال الله تعالى: 36- "هل ثوب"، هل جوزي، "الكفار ما كانوا يفعلون"، أي جزاء استهزائهم بالمؤمنين. ومعنى الاستفهام ها هنا: التقرير. وثوب وأثيب وأثاب بمعنى واحد.
36-" هل ثوب الكفار " أي هل أثيبوا . "ما كانوا يفعلون " وقرأ حمزة و الكسائي بادغام اللام في الثاء .
عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة المطففين سقاه الله من الرحيق المختوم يوم القيامة " .
36. Are not the disbelievers paid for what they used to do?
36 - Will not the Unbelievers have been paid back for what they did?