[الانفطار : 19] يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ
19 - (يوم) بالرفع أي هو يوم (لا تملك نفس لنفس شيئا) من المنفعة (والأمر يومئذ لله) أي لا أمر لغيره فيه أي لم يمكن أحدا من التوسط فيه بخلاف الدنيا
ثم فسر جل ثناؤه بعض شأنه فقال : " يوم لا تملك نفس لنفس شيئا " يقول : ذلك اليوم ، يوم لا تملك نفس : يقول : يوم لا تغني نفس عن نفس شيئاً ، فتدفع عنها بلية نزلت بها ، ولا تنفعها بنافعة ، وقد كانت في الدنيا تحميها ، وتدفع عنها من بغاها سوءاً ، فبطل ذلك يومئذ ، لأن الأمر صار لله الذي لا يغلبه غالب ، ولا يقهره قاهر ، واضمحلت هنالك الممالك ، وذهبت الرياسات ، وحصل الملك للملك الجبار ، وذلك قوله " والأمر يومئذ لله " يقول : والأمر كله يومئذ يعني الدين لله دون سائر خلقه ، ليس لأحد من خلقه معه يومئذ أمر ولا نهي .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " والأمر يومئذ لله " قال : ليس ثم أحد يومئذ يقضي شيئاً إلا رب العالمين .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله " والأمر والله اليوم لله ، ولكنه يومئذ لا ينازعه أحد .
واختلفت القراء في قراءة قوله " يوم لا تملك نفس " فقرأته عامة قراء الحجاز والكوفة بنصب " يوم " إذ كانت إضافته غير محضة ، وقرأه بعض قراء البصرة بضم ( يوم ) ورفعه رداً على اليوم الأول ، والرفع فيه أفصح في كلام العرب ، وذلك أن اليوم مضاف إلى يفعل ، والعرب إذا أضافت اليوم إلى تفعل أو يفعل أو أفعل رفعوه فقالوا : هذا يوم أفعل كذا ، وإذا أضافته إلى فعل ماض نصبوه ، ومنه قول الشاعر :
على حين عاتبت المشيب على الصبا وقلت ألما تصح والشيب وازع
قوله تعالى:" يوم لا تملك نفس" قرأ ابن كثير وأبو عمرو ((يوم)) بالرفع على البدل من ((يوم الدين)) أو رداً على اليوم الأول، فيكون صفة ونعتاً لـ((ـيوم الدين)). ويجوز أن يرفع بإضمار هو. الباقون بالنصب على أنه في موضع رفع إلا أنه، نصب، لأنه مضاف غير متمكن، كما تقول:أعجبني يوم يقوم زيد. وأنشد المبرد:
من أي يومي من الموت أفر أيوم لم يقدر أم يوم قدر
فاليومان الثانيان مخفوضان بالإضافة، عن الترجمة عن اليومين الأولين، إلا أنهما نصبا في اللفظ، لأنهما أضيفا إلى غير محض. وهذا اختيار الفراء والزجاج. وقال قوم: اليوم الثاني منصوب على المحل، كأنه قال في يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً. وقيل : بمعنى: إن هذه الأشياء تكون يوم، أو على معنى يدانون يوم، لأن الدين يدل عليه، أو بإضمار اذكر. " والأمر يومئذ لله" لا ينازعه فيه أحد، كما قال:" لمن الملك اليوم لله الواحد القهار * اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم" [ غافر :16-17]. تمت السورة والحمد لله.
يخبر تعالى عما يصير الأبرار إليه من النعيم, وهم الذين أطاعوا الله عز وجل ولم يقابلوه بالمعاصي, وقد روى ابن عساكر في ترجمة موسى بن محمد عن هشام بن عمار عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق عن عبيد الله عن محارب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما سماهم الله الأبرار لأنهم بروا الاباء والأبناء" ثم ذكر ما يصير إليه الفجار من الجحيم والعذاب المقيم ولهذا قال: "يصلونها يوم الدين" أي يوم الحساب والجزاء والقيامة " وما هم عنها بغائبين " أي لا يغيبون عن العذاب ساعة واحدة ولا يخفف عنهم من عذابها ولا يجابون إلى ما يسألون من الموت أو الراحة ولو يوماً واحداً, وقوله تعالى: "وما أدراك ما يوم الدين" تعظيم لشأن يوم القيامة ثم أكده بقوله تعالى: "ثم ما أدراك ما يوم الدين" ثم فسره بقوله: "يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً" أي لا يقدر أحد على نفع أحد ولا خلاصه مما هو فيه إلا أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى, ونذكر ههنا حديث "يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار لا أملك لكم من الله شيئاً" وقد تقدم في آخر تفسير سورة الشعراء ولهذا قال: "والأمر يومئذ لله" كقوله "لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار" وكقوله: "الملك يومئذ الحق للرحمن" وكقوله: "مالك يوم الدين" قال قتادة "يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله" والأمر والله اليوم لله, ولكنه لا ينازعه فيه يومئذ أحد. آخر تفسير سورة الانفطار, و لله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة.
19- "يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله" قرأ ابن كثير وأبو عمرو برفع "يوم" على أنه بدل من يوم الدين، أو خبر مبتدأ محذوف. وقرأ أبو عمرو في رواية يوم بالتنوين، والقطع عن الإضافة. وقرأ الباقون بفتحه على أنها فتحة إعراب بتقدير أعني أو أذكر، فيكون مفعولاً به، أو على أنها فتحة بناءً لإضافته إلى الجملة على رأي الكوفيين، وهو في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أو على أنه بدل من يوم الدين. قال الزجاج: يجوز أن يكون في موضع رفع إلا أنه مبني على الفتح لإضافته إلى قوله: "لا تملك" وما أضيف إلى غير المتمكن فقد يبنى على الفتح، وإن كان في موضع رفع، وهذا الذي ذكره إنما يجوز عند الخليل وسيبويه إذا كانت الإضافة إلى الفعل الماضي، وأما إلى الفعل المستقبل فلا يجوز عندهما، وقد وافق الزجاج على ذلك أبو علي الفارسي والفراء وغيرهما، والمعنى: أنها لا تملك نفس من النفوس لنفس أخرى شيئاً من النفع أو الضر "والأمر يومئذ لله" وحده لا يملك شيئاً من الأمر غيره كائناً ما كان. قال مقاتل: يعني لنفس كافرة شيئاً من المنفعة. قال قتادة. ليس ثم أحد يقضي شيئاً، أو يصنع شيئاً إلا الله رب العالمين، والمعنى: أن الله لا يملك أحداً في اليوم شيئاً من الأمور كما ملكهم في الدنيا. ومثل هذا قوله: "لمن الملك اليوم لله الواحد القهار".
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله: "وإذا البحار فجرت" قال: بعضها في بعض، وفي قوله: "وإذا القبور بعثرت" قال: بحثت. وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله: "علمت نفس ما قدمت وأخرت" قال: ما قدمت من خير وما أخرت من سنة صالحة يعمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس نحوه. وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "من استن خيراً فاستن به فله أجره ومثل أجور من اتبعه من غير منتقص من أجورهم، ومن استن شراً فاستن به فعليه وزره ومثل أوزار من اتبعه من غير منتقص من أوزارهم، وتلا حذيفة "علمت نفس ما قدمت وأخرت"". وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه قرأ هذه الآية "ما غرك بربك الكريم" قال: غره الله جهله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل وحافظين في النهار يحفظان عمله ويكتبان أثره.
19- "يوم لا تملك"، قرأ أهل الكوفة والبصرة: "يوم" برفع الميم، رداً على اليوم الأول، وقرأ الآخرون بنصبها، أي: في يوم، يعني: هذه الأشياء في يوم لا تملك "نفس لنفس شيئاً"، قال مقاتل: يعني لنفس كافرة شيئاً من المنفعة، "والأمر يومئذ لله"، أي لم يملك الله في ذلك اليوم أحداً شيئاً كما ملكهم في الدنيا.
19-" يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله " تقرير لشدة هوله وفخامة أمره إجمالاً ، ورفع ابن كثير و البصريان " يوم " على البدل من " يوم الدين " ، أو الخبر المحذوف .
عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة إذا السماء انفطرت كتب الله له بعدد كل قطرة من السماء حسنة ، وبعدد كل قبر حسنة " . والله أعلم .
19. A day on which no soul hath power at all for any (other) soul. The (absolute) command on that day is Allah's.
19 - (It will be) the Day when no soul shall have power (to do) aught for another: for the Command, that Day, will be (wholly) with God.