[التكوير : 15] فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ
15 - (فلا أقسم) لا صلة (بالخنس)
وقوله : " فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس " اختلف أهل التأويل في الخنس الجوار الكنس فقال بعضهم : هي النجوم الدراري الخمسة ، تخنس في مجراها فترجع ، وتكنس فتستتر في بيوتها ، كما تكنس الظباء في المغار ، والنجوم الخمسة : بهرام ، وزحل ، وعطارد والزهرة والمشتري .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن خالد بن عرعرة ، أن رجلاً قام إلى علي رضي الله عنه ، فقال : ما " الجوار الكنس " ؟ قال : هي الكواكب .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، قال : سمعت خالد بن عرعرة سمعت عليه السلام ، وسئل عن ( لا أقسم بالخنس الجوار الكنس ) قال : هي النجوم تخنس بالنهار ، وتكنس بالليل .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سماك ، عن خالد بن عرعرة ، عن علي رضي الله عنه قال : النجوم .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن رجل من مراد ، عن علي ، أنه قال : هل تدرون ما الخنس ؟ هي النجوم تجري الليل ، وتخنس بالنهار .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : ثني جرير بن حازم ، أنه سمع الحسن يسئل ، فقيل : يا أبا سعيد ما الجواري الكنس ؟ قال : النجوم .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا هوذة بن خليفة ، قال : ثنا عوف ، عن بكر بن عبد الله في قوله " فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس " قال : هي النجوم الدراري ، التي تجري تستقبل المشرق .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، قال : هي النجوم .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن رجل من مراد ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه " فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس " قال : يعني النجوم ، تكنس بالنهار ، وتبدو بالليل .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس " قال : هي النجوم تبدو بالليل وتخنس بالنهار .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ، في قوله " فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس " قال : هي النجوم تخنس بالنهار ، والجوار الكنس : سيرهن إذا غبن .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ن في قوله " الخنس * الجوار الكنس " قال : الخنس والجواري الكنس : النجوم الخنس ، إنها تخنس تتأخر عن مطلعها ، هي تتأخر كل عام لها في كل عام تأخر عن تعجيل ذلك الطلوع تخنس عنه ، والكنس : تكنس بالنهار فلا ترى قال : والجواري تجري بعد ، فهذا الخنس الجواري الكنس .
وقال آخرون : هي بقر الوحش التي تكنس في كناسها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : ثنا هشيم بن بشير ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي ميسرة ، عن عبد الله بن مسعود أنه قال لـ أبي ميسرة : ما الجواري الكنس ؟ قال : فقال بقر الوحش قال : فقال : وأنا أرى ذلك .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، عن عبد الله ، في قوله " الجوار الكنس " قال : بقر الوحش .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن شرحبيل ، قال : قال ابن مسعود : يا عمرو م الجواري الكنس ، أو ما تراها ؟ قال : عمرو : أراها البقر ، قال عبد الله : وأنا أراها البقر .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، قال : سألت عنها عبد الله ، فذكر نحوه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني جرير بن حازم ، قال : ثني العجاج بن المنذر ، قال : سألت أبا الشعثاء جابر بن زيد عن الجواري الكنس ، قال : هي البقر إذا كنست كوانسها .
قال يونس ، قال لي عبد الله بن وهب : هي البقر إذا فرت من الذئاب ، فذلك الذي أراد بقوله كنست كوانسها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال جرير ، وحدثني الصلت بن راشد ، عن مجاهد ، مثل ذلك .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، في قوله " الجوار الكنس " قال : هي بقر الوحش .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، قال : سئل مجاهد ونحن عند إبراهيم ، عن قوله " الجوار الكنس " قال : لا أدري ، فانتهره إبراهيم وقال : لم لا تدري ؟ فقال : إنهم يروون عن علي رضي الله عنه ، وكنا نسمع أنها البقر ، فقال إبراهيم : هي البقر ، الجواري الكنس : جحرة بقر الوحش التي تأوي إليها ، والخنس الجواري : البقر .
حدثنا يعقوب قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم و مجاهد أنهما تذاكرا هذه الآية " فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس " فقال إبراهيم لـ مجاهد : قل فيها ما سمعت ، قال : فقال مجاهد : كنا نسمع فيها شيئاً ، وناس يقولون : إنها النجوم ، قال : فقال إبراهيم : إنهم يكذبون على علي رضي الله عنه ، هذا كما رووا عن علي رضي الله عنه ، أنه ضمن الأسفل الأعلى ، والأعلى الأسفل .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن المغيرة ، قال : سئل مجاهد عن الجواري الكنس قال : لا أدري ، يزعمون أنها البقر ، قال : فقال إبراهيم : ما لا تدري هي البقر ؟ قال : يذكرون عن علي رضي الله عنه أنها النجوم ، قال : يكذبون على علي عليه السلام .
وقال آخرون :هي الظباء .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله " فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس " يعني الظباء .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث بن إسحاق ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير " فلا أقسم بالخنس " قال : الظباء .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس " قال : كنا نقول أظنه قال : الظباء حتى زعم سعيد بن جبير أنه سأل ابن عباس عنها ، فأعاد عليه قراءتها .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " الخنس * الجوار الكنس " يعني الظباء .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره أقسم بأشياء تخنس أحياناً : أي تغيب ، وتجري أحياناً وتكنس أخرى ، وكنوسها : أن تأوي في مكانسها ، والمكانس عند العرب ، هي المواضع التي تأوي إليها بقر الوحش والظباء ، واحدها مكنس وكناس ، كما قال الأعشى :
فلما لحقنا الحي أتلع أنس كما أتلعت تحت المكانس ربرب ‌
فهذه جمع مكنس ، وكما قال في الكناس طرفة بن العبد :
كأن كناسي ضالة يكنفانها وأطر قسي تحت صلب مؤيد
وأما الدلالة على أن الكناس قد يكون للظباء ، فقول أوس بن حجر :
ألم تر أن الله أنزل مزنةً وعفر الظباء في الكناس تقمع
فالكناس في كلام العرب ما وصفت ، وغير منكر أن يستعار ذلك في المواضع التي تكون بها النجوم من السماء ، فإذا كان ذلك كذلك ، ولم يكن في الآية دلالة على أن المراد بذلك النجوم دون البقر ، ولا البقر دون الظباء ، فالصواب أن يعم بذلك كل ما كانت صفته الخنوس أحياناً ، والجري أخرى ، والكنوس بآنات على ما وصف جل ثناؤه من صفتها .
قوله تعالى:" فلا أقسم بالخنس" أي أقسم، و((لا)) زائدة، كما تقدم. " بالخنس * الجوار الكنس" هي الكواكب الخمسة الدراري: زحل والمشتري وعطارد والمريخ والزهرة، فيما ذكر أهل التفسير. والله أعلم. وهو مروي عن علي كرم الله وجهه. وفي تخصيصها بالذكر من بين سائر النجوم وجهان: أحدهما - لأنها تستقبل الشمس، قاله بكر بن عبد الله المزني . الثاني - لأنها تقطع المجرة، قاله ابن عباس. وقال الحسن وقتادة: هي النجوم التي تخنس بالنهار وإذا غربت، وقاله علي رضي الله عنه، قال: هي النجوم تخنس بالنهار، وتظهر بالليل، وتكنس في وقت غروبها، أي تتأخر عن البصر لخفائها، فلا ترى. وفي الصحاح: و((الخنس)) : الكواكب كلها. لأنها تخنس في المغيب، أو لأنها تخنس نهاراً. ويقال: هي الكواكب السيارة منها دون الثابتة. وقال الفراء في قوله تعالى: والزهرة وعطارد، لأنها تخنس في مجراها، وتكنس، أي تستتر كما تكنس الظباء في المغار، وهو الكناس. ويقال: سميت خنسا لتأخرها، لأنها الكواكب المتحيرة التي ترجع عنه. والخنس تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة، والرجل أخنس، والمرأة خنساء، والبقر كلها خنس. وقد روي عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى:" فلا أقسم بالخنس" : هي بقرة الوحش. روى هشيم عن زكريا عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال قال لي عبد الله بن مسعود: إنكم قوم عرب فما الخنس؟ قلت : هي بقر الوحش، قال : وأنا أرى ذلك. وقاله إبراهيم وجابر بن عبد الله. وروي عن ابن عباس: إنما أقسم الله ببقر الوحش. وروى عنه عكرمة قال:((الخنس )): البقر و ((الكنس)): هي الظباء، فهي خنس إذا رأين الإنسان خنسن وانقبضن وتأخرن ودخلن كناسهن. القشيري: وقيل على هذا ((الخنس )) من الخنس في الأنف، وهو تأخر الأرنبة وقصر القصبة، وأنوف البقر والظباء خنس. والأصح الحمل على النجوم، لذكر الليل والصبح بعد هذا، فذكر النجوم أليق بذلك.
روى مسلم في صحيحه والنسائي في تفسيره عند هذه الاية من حديث مسعر بن كدام عن الوليد بن سريع عن عمرو بن حريث قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم الصبح فسمعته يقرأ "فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس * والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس" ورواه النسائي عن بندار عن غندر عن شعبة عن الحجاج بن عاصم عن أبي الأسود عن عمرو بن حريث به نحوه, قال ابن أبي حاتم وابن جرير من طريق الثوري عن أبي إسحاق عن رجل من مراد عن علي " فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس " قال: هي النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليل. وقال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى , حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة عن سماك بن حرب , سمعت خالد بن عرعرة , سمعت علياً وسئل عن لا أقسم بالخنس الجوار الكنس فقال: هي النجوم تخنس بالنهار وتكنس بالليل. وحدثنا أبو كريب , حدثنا وكيع عن إسرائيل عن سماك عن خالد عن علي قال: هي النجوم, وهذا إسناد جيد صحيح إلى خالد بن عرعرة وهو السهمي الكوفي . قال أبو حاتم الرازي : روى عن علي وروى عنه سماك والقاسم بن عوف الشيباني ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً فالله أعلم, وروى يونس عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي : أنها النجوم, رواه ابن أبي حاتم . وكذا روي عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة والسدي وغيرهم أنها النجوم.
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار حدثنا هوذة بن خليفة حدثنا عوف عن بكر بن عبد الله في قوله تعالى: " فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس " قال: هي النجوم الدراري التي تجري تستقبل المشرق, وقال بعض الأئمة, إنما قيل للنجوم الخنس أي في حال طلوعها ثم هي جوار في فلكها وفي حال غيبوبتها يقال لها كنس, من قول العرب أوى الظبي إلى كناسه إذا تغيب فيه. وقال الأعمش عن إبراهيم قال: قال عبد الله فلا أقسم بالخنس قال بقر الوحش, وكذا قال الثوري عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عن عبد الله فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ما هي يا عمرو ؟ قلت البقر قال وأنا أرى ذلك, وكذا روى يونس عن أبي إسحاق عن أبيه وقال أبو داود الطيالسي عن عمرو عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الجوار الكنس قال البقر تكنس إلى الظل وكذا قال سعيد بن جبير , وقال العوفي عن ابن عباس هي الظباء, وكذا قال سعيد أيضاً ومجاهد والضحاك , وقال أبو الشعثاء جابر بن زيد هي الظباء والبقر, وقال ابن جرير حدثنا يعقوب حدثنا هشيم أخبرنا مغيرة عن إبراهيم ومجاهد أنهما تذاكرا هذه الاية " فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس " فقال إبراهيم لمجاهد قل فيها بما سمعت, قال: فقال مجاهد كنا نسمع فيها شيئاً وناس يقولون إنها النجوم, قال: فقال إبراهيم قل فيها بما سمعت, قال: فقال مجاهد كنا نسمع أنها بقر الوحش حين تكنس في حجرتها, فقال إبراهيم إنهم يكذبون على علي, هذا كما رووا عن علي أنه ضمن الأسفل الأعلى والأعلى الأسفل, وتوقف ابن جرير في المراد بقوله: " الخنس * الجوار الكنس " هل هو النجوم أو الظباء وبقر الوحش قال ويحتمل أن يكون الجميع مراداً.
وقوله تعالى: "والليل إذا عسعس" فيه قولان أحدهما إقباله بظلامه وقال مجاهد أظلم وقال سعيد بن جبير إذا نشأ, وقال الحسن البصري إذا غشي الناس, وكذا قال عطية العوفي وقال علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس "إذا عسعس" إذا أدبر, وكذا قال مجاهد وقتادة والضحاك وكذا قال زيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن "إذا عسعس" أي إذا ذهب فتولى.
وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البحتري سمع أبا عبد الرحمن السلمي قال: خرج علينا علي رضي الله عنه حين ثوب المثوب بصلاة الصبح فقال: أين السائلون عن الوتر " والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس " هذا حين أدبر حسن. وقد اختار ابن جرير أن المراد بقوله: "إذا عسعس" إذا أدبر قال لقوله "والصبح إذا تنفس" أي أضاء, واستشهد بقول الشاعر أيضاً:
حتى إذا الصبح له تنفسا وانجاب عنها ليلها وعسعسا
أي أدبر, وعندي أن المراد بقوله "إذا عسعس" إذا أقبل وإن كان يصح استعماله في الإدبار أيضاً لكن الإقبال ههنا أنسب, كأنه أقسم بالليل وظلامه إذا أقبل وبالفجر وضيائه إذا أشرق كما قال تعالى: " والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى " وقال تعالى: " والضحى * والليل إذا سجى " وقال تعالى: "فالق الإصباح وجعل الليل سكناً" وغير ذلك من الايات, وقال كثير من علماء الأصول: إن لفظة عسعس تستعمل في الإقبال والإدبار على وجه الاشتراك, فعلى هذا يصح أن يراد كل منهما والله أعلم. وقال ابن جرير : وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب يزعم أن عسعس دنا من أوله وأظلم, وقال الفراء : كان أبو البلاد النحوي ينشد بيتاً.
عسعس حتى لو يشا أدنى كان له من ضوئه مقبس
يريد لو يشاء إذ دنا أدغم الذال في الدال, قال الفراء وكانوا يزعمون أن هذا البيت مصنوع وقوله تعالى: "والصبح إذا تنفس" قال الضحاك : إذا طلع, وقال قتادة, إذ أضاء وأقبل, وقال سعيد بن جبير : إذا نشأ, وهو المروي عن علي رضي الله عنه. وقال ابن جرير : يعني ضوء النهار إذا أقبل وتبين. وقوله تعالى: "إنه لقول رسول كريم" يعني إن هذا القرآن لتبليغ رسول كريم أي ملك شريف حسن الخلق بهي المنظر وهو جبريل عليه الصلاة والسلام, قاله ابن عباس والشعبي وميمون بن مهران والحسن وقتادة والربيع بن أنس والضحاك وغيرهم "ذي قوة" كقوله تعالى: "علمه شديد القوى * ذو مرة" أي شديد الخلق شديد البطش والفعل "عند ذي العرش مكين" أي له مكانة عند الله عز وجل ومنزلة رفيعة, قال أبو صالح في قوله تعالى: "عند ذي العرش مكين" قال جبريل يدخل في سبعين حجاباً من نور بغير إذن "مطاع ثم" أي له وجاهة وهو مسموع القول مطاع في الملأ الأعلى قال قتادة "مطاع ثم" أي في السموات يعني ليس هو من أفناد الملائكة بل هو من السادة والأشراف معتنى به انتخب لهذه الرسالة العظيمة.
وقوله تعالى: "أمين" صفة لجبريل بالأمانة, وهذا عظيم جداً أن الرب عز وجل يزكي عبده ورسوله الملكي جبريل كما زكى عبده ورسوله البشري محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: "وما صاحبكم بمجنون" قال الشعبي وميمون بن مهران وأبو صالح ومن تقدم ذكرهم: المراد بقوله: "وما صاحبكم بمجنون" يعني محمداً صلى الله عليه وسلم, وقوله تعالى: "ولقد رآه بالأفق المبين" يعني ولقد رأى محمد جبريل الذي يأتيه بالرسالة عن الله عز وجل على الصورة التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح "بالأفق المبين" أي البين وهي الرؤية الأولى التي كانت بالبطحاء وهي المذكورة في قوله: " علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالأفق الأعلى * ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده ما أوحى " كما تقدم تفسير ذلك وتقريره, والدليل عليه أن المراد بذلك جبريل عليه السلام, والظاهر والله أعلم أن هذه السورة نزلت قبل ليلة الإسراء لأنه لم يذكر فيها إلا هذه الرؤيا وهي الأولى, وأما الثانية وهي المذكورة في قوله تعالى: " ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى " فتلك إنما ذكرت في سورة النجم وقد نزلت بعد سورة الإسراء.
وقوله تعالى: "وما هو على الغيب بضنين" أي وما محمد على ما أنزله الله إليه بظنين أي بمتهم. ومنهم من قرأ ذلك بالضاد أي ببخيل بل يبذله لكل أحد. قال سفيان بن عيينة : ظنين وضنين سواء أي ما هو بكاذب وما هو بفاجر. والظنين المتهم والضنين البخيل. وقال قتادة: كان القرآن غيباً فأنزله الله على محمد فما ضن به على الناس بل نشره وبلغه وبذله لكل من أراده, وكذا قال عكرمة وابن زيد وغير واحد واختار ابن جرير قراءة الضاد "قلت": وكلاهما متواتر ومعناه صحيح كما تقدم, وقوله تعالى: "وما هو بقول شيطان رجيم" أي وما هذا القرآن بقول شيطان رجيم أي لا يقدر على حمله ولا ينبغي له كما قال تعالى: " وما تنزلت به الشياطين * وما ينبغي لهم وما يستطيعون * إنهم عن السمع لمعزولون ", وقوله تعالى: " فأين تذهبون " أي فأين تذهب عقولكم في تكذيبكم بهذا القرآن مع ظهوره ووضوحه وبيان كونه حقاً من عند الله عز وجل كما قال الصديق رضي الله عنه لوفد بني حنيفة حين قدموا مسلمين وأمرهم فتلوا عليه شيئاً من قرآن مسيلمة الكذاب الذي هو في غاية الهذيان والركاكة فقال: ويحكم أين تذهب عقولكم ؟ والله إن هذا الكلام لم يخرج من إل, أي من إله, وقال قتادة "فأين تذهبون" أي عن كتاب الله وعن طاعته.
وقوله تعالى: "إن هو إلا ذكر للعالمين" أي هذا القرآن ذكر لجميع الناس يتذكرون به ويتعظون "لمن شاء منكم أن يستقيم" أي من أراد الهداية فعليه بهذا القرآن فإنه منجاة له وهداية, ولا هداية فيما سواه " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين " أي ليست المشيئة موكولة إليكم فمن شاء اهتدى ومن شاء ضل, بل ذلك كله تابع لمشيئة الله تعالى رب العالمين. قال سفيان الثوري عن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى : لما نزلت هذه الاية "لمن شاء منكم أن يستقيم" قل أبو جهل: الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم فأنزل الله تعالى: " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين ". آخر تفسير سورة التكوير. و لله الحمد والمنة.
15- "فلا أقسم بالخنس" لا زائدة كما تقدم تحقيقه وتحقيق ما فيه من الأقوال في أول سورة القيامة: أي فأقسم بالخنس، وهي الكواكب، وسميت الخنس، من خنس: إذا تأخر لأنها تخنس بالنهار فتخفى ولا ترى، وهي زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد كما ذكره أهل التفسير. ووجه تخصيصها بالذكر من بين سائر النجوم أنها تستقبل الشمس وتقطع المجرة. وقال في الصحاح: الخنس الكواكب كلها، لأنها تخنس في المغيب، أو لأنها تخفى نهاراً، أو يقال هي الكواكب السيارة منها دون الثابتة. قال الفراء: إنها الكواكب الخمسة المذكورة، لأنها تخنس في مجراها، وتكنس: أي تستتر كما تكنس الظباء في المغار، ويقال سميت خنساً لتأخرها، لأها الكواكب المتحيرة التي ترجع وتستقيم. يقال خنس عنه يخنس خنوساً إذا تأخر، وأخنسه غيره: إذا خلفه ومضى عنه، والخنس: تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة.
قوله عز وجل:15- "فلا أقسم بالخنس"، لا زائدة، معناه: أقسم بالخنس.
15-" فلا أقسم بالخنس " بالكواكب الرواجع من خنس إذا تأخر ،وهي ما سوى النيرين من الكواكب السيارات ولذلك وصفها بقوله :
15. Oh, but I call to witness the planets,
15 - So verily I call to witness the Planets that recede,