[عبس : 42] أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ
42 - (أولئك) أهل هذه الحالة (هم الكفرة الفجرة) الجامعون بين الكفر والفجور
وقوله : " أولئك هم الكفرة الفجرة " يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين هم صفتهم يوم القيامة هم الكفرة بالله كانوا في الدنيا الفجرة في دينهم ، لا يبالون ما أتوا به من معاصي الله ، وركبوا من محارمه ، فجزاهم الله بسوء أعمالهم ما أخبر به عباده .
قوله تعالى:" أولئك هم الكفرة " جمع كافر" الفجرة" جمع فاجر، وهو الكاذب المفتري على الله تعالى. وقيل :الفاسق ، يقال: فجر فجوراً: أي فسق، وفجر: أي كذب. وأصله : الميل، والفاجر: المائل. وقد مضى بيانه والكلام فيه.
قال ابن عباس : الصاخة اسم من أسماء يوم القيامة عظمه الله وحذره عباده, وقال ابن جرير : لعله اسم للنفخة في الصور وقال البغوي : الصاخة يعني صيحة يوم القيامة, سميت بذلك لأنها تصخ الأسماع أي تبالغ في إسماعها حتى تكاد تصمها " يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه " أي يراهم ويفر منهم ويبتعد منهم لأن الهول عظيم والخطب جليل. قال عكرمة : يلقى الرجل زوجته فيقول لها: يا هذه أي بعل كنت لك ؟ فتقول: نعم البعل كنت وتثني بخير ما استطاعت فيقول لها: فإني أطلب إليك اليوم حسنة واحدة تهبينها لي لعلي أنجو مما ترين, فتقول له: ما أيسر ما طلبت ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئاً أتخوف مثل الذي تخاف. قال: وإن الرجل ليلقى ابنه فيتعلق به فيقول: يا بني أي والد كنت لك ؟ فيثني بخير. فيقول له: يا بني إني احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترى. فيقول ولده: يا أبت ما أيسر ما طلبت ولكني أتخوف مثل الذي تتخوف فلا أستطيع أن أعطيك شيئاً, يقول الله تعالى: " يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه ". وفي الحديث الصحيح في أمر الشفاعة أنه إذا طلب إلى كل من أولي العزم أن يشفع عند الله في الخلائق يقول: نفسي نفسي لا أسألك اليوم إلا نفسي, حتى إن عيسى ابن مريم يقول لا أسأله اليوم إلا نفسي لا أسأله مريم التي ولدتني, ولهذا قال تعالى: " يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه " قال قتادة : الأحب فالأحب والأقرب فالأقرب من هول ذلك اليوم.
وقوله تعالى: " لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه " أي هو في شغل شاغل عن غيره, قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار بن الحارث , حدثنا الوليد بن صالح , حدثنا ثابت أبو زيد العباداني عن هلال بن خباب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحشرون حفاة عراة مشاة غرلاً قال: فقالت زوجته يا رسول الله ننظر أو يرى بعضنا عورة بعض ؟ قال: لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه ـ أو قال : ما أشغله عن النظر ـ".
وقد رواه النسائي منفرداً به عن أبي داود عن عارم عن ثابت بن يزيد هو أبو زيد الأحول البصري أحد الثقات عن هلال بن خباب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به. وقد رواه الترمذي عن عبد بن حميد عن محمد بن الفضل عن ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تحشرون حفاة عراة غرلاً فقالت امرأة: أيبصر أو يرى بعضنا عورة بعض ؟ قال: يا فلانة لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه" ثم قال الترمذي : وهذا حديث حسن صحيح, وقد روى من غير وجه عن ابن عباس رضي الله عنهما, وقال النسائي : أخبرني عمرو بن عثمان , حدثنا بقية , حدثنا الزبيدي , أخبرني الزهري عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً فقالت عائشة: يا رسول الله فكيف بالعورات ؟ فقال: لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه" انفرد به النسائي من هذا الوجه, ثم قال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا أبي , حدثنا أزهر بن حاتم , حدثنا الفضل بن موسى عن عائذ بن شريح عن أنس بن مالك قال: سألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: " يا رسول الله بأبي أنت وأمي, إني سائلتك عن حديث فتخبرني أنت به قال: إن كان عندي منه علم قالت: يا نبي الله كيف يحشر الرجال ؟ قال حفاة عراة ثم انتظرت ساعة فقالت: يا رسول الله كيف يحشر النساء ؟ قال: كذلك حفاة عراة قالت: واسوأتاه من يوم القيامة قال: وعن أي ذلك تسألين إنه قد نزل علي آية لا يضرك كان عليك ثياب أو لا يكون.
قالت: أية آية هي يا نبي الله ؟ قال: " لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه " " وقال البغوي في تفسيره: أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنبأنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرني الحسين بن عبد الله , حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن , حدثنا محمد بن عبد العزيز , حدثنا ابن أبي أويس , حدثنا أبي عن محمد بن أبي عياش , عن عطاء بن يسار , عن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يبعث الناس حفاة عراة غرلاً قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الاذان, فقلت يا رسول الله: واسوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض ؟ فقال: قد شغل الناس لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه" هذا حديث غريب من هذا الوجه جداً وهكذا رواه ابن جرير عن أبي عمار الحسين بن حريث المروزي عن الفضل بن موسى به ولكن قال أبو حاتم الرازي عائذ بن شريح ضعيف وفي حديثه ضعف, وقوله تعالى: " وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة " أي يكون الناس هنالك فريقين وجوه مسفرة أي مستنيرة "ضاحكة مستبشرة" أي مسروة فرحة من السرور في قلوبهم قد ظهر البشر على وجوههم وهؤلاء هم أهل الجنة "ووجوه يومئذ عليها غبرة * ترهقها قترة" أي يعلوها ويغشاها قترة أي سواد, قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا سهل بن عثمان العسكري حدثنا أبو علي محمد مولى جعفر بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يلجم الكافر العرق ثم تقع الغبرة على وجوههم" قال فهو قوله تعالى: "ووجوه يومئذ عليها غبرة" وقال ابن عباس "ترهقها قترة" أي يغشاها سواد الوجوه وقوله تعالى: "أولئك هم الكفرة الفجرة" أي الكفرة قلوبهم الفجرة في أعمالهم كما قال تعالى: "ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً". آخر تفسير سورة عبس ولله الحمد والمنة.
42- "أولئك" يعني أصحاب الوجوه "هم الكفرة الفجرة" أي الجامعون بين الكفر بالله والفجور، يقال فجر: أي فسق، وفجر: أي كذب، وأصله الميل، والفاجر المائل عن الحق.
وقد أخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن عائشة قالت: "أنزلت عبس وتولى في أم متكوم الأعمى، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول: أترى بما أقول بأساً؟ فيقول لا، ففي هذا أنزلت". وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو يعلى عن أنس قال: "جاء عبد الله ابن أم مكتوم، وهو يكلم أبي بن خلف، فأعرض عنه، فأنزل الله " عبس وتولى * أن جاءه الأعمى " فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه". وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال: "بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عتبة بن ربيعة والعباس بن عبد المطلب وأبا جهل بن هشام وكان يتصدى لهم كثيراً ويحرص عليهم أن يؤمنوا، فأقبل عليهم رجل أعمى يقال له عبد الله بن أم مكتوم يمشي، وهو يناجيهم، فجعل علد الله يستقرئ النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن قال: يا رسول الله علمني مما علمك الله، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبس في وجهه وتولى وكره كلامه وأقبل على الآخرين، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نجواه، وأخذ ينقلب إلى أهله أمسك الله ببعض بصره، ثم خفق برأسه، ثم أنزل الله "عبس وتولى" الآية، فلما نزل فيه ما نزل أكرمه نبي الله صلى الله عليه وسلم وكلمه وقال له: ما حاجتك؟ هل تريد من شيء؟ وإذا ذهب من عنده قال: هل لك حاجة في شيء؟ "قال ابن كثير: فيه غرابة، وقد تكلم في إسناده. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "بأيدي سفرة" قال: كتبة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه "بأيدي سفرة" قال: هم بالنبطية القراء. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً "كرام بررة" قال: الملائكة: وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأه وهو عليه شاق له أجران". وأخرج ابن جرير عن ابن عباس "ثم السبيل يسره" قال: يعني بذلك خروجه من بطن أمه يسره له. وأخرج ابن المنذر عن عبد الله ابن الزبير في قوله: "فلينظر الإنسان إلى طعامه" قال: إلى مدخله ومخرجه. وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عباس "فلينظر الإنسان إلى طعامه" قال: إلى خرئه. وأخرج ابن المنذر عنه "أنا صببنا الماء صباً" قال: المطر "ثم شققنا الأرض شقاً" قال: عن النبات. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "وقضباً" قال: الفصفصة يعني القت "وحدائق غلباً" قال: طوالاً "وفاكهة وأبا" قال: الثمار الرطبة. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: الحدائق كل ملتف، والغلب ما غلظ، والأب ما أنبتت الأرض مما تأكله الدواب ولا يأكله الناس. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أيضاً "وحدائق غلباً" قال: شجر في الجنة يستظل به لا يحمل شيئاً. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال: الأب الكلأ والمرعى. وأخرج أبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد عن إبراهيم التيمي قال: سئل أبو بكر الصديق عن الأب ما هو؟ فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟. وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن يزيد: أن رجلاً سأل عمر عن قوله: "وأبا" فلما رآهم يقولون أقبل عليهم بالدرة. وأخرج ابن سعد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب والخطيب عن أنس أن عمر قرأ على المنبر " فأنبتنا فيها حبا * وعنبا " إلى قوله: "وأبا" قال: كل هذا قد عرفناه، فما الأب؟ ثم رفض عصا كانت في يده فقال: هذا لعمر الله هو التكلف، فما عليك أن لا تدري ما الأب، اتبعوا ما بين لكم من هذا الكتاب فاعملوا عليه، وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال الصاخة من أسماء يوم القيامة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "مسفرة" قال: مشرقة، وفي قوله: "ترهقها قترة" قال: تغشاها شدة وذلة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه "قترة" قال: سواد الوجه.
42- "أولئك"، الذين يصنع بهم هذا، "هم الكفرة الفجرة"، جمع الكافر والفاجر.
42-" أولئك هم الكفرة الفجرة" الذين جمعوا إلى الكفر الفجور ، فلذلك يجمع إلى سواد وجوههم الغبرة .
عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة عبس جاء يوم القيامة ووجهه ضاحك مستبشر " .
42. Those are the disbelievers, the wicked.
42 - Such will be the Rejecters of God, the Doers of Iniquity.