[الأنفال : 74] وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
74 - (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرةٌ ورزق كريم) في الجنة
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره: " والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا " آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين معه ونصروهم، ونصروا دين الله، أولئك هم أهل الإيمان بالله ورسوله حقاً، لا من آمن ولم يهاجر دار الشرك، وأقام بين أظهر أهل الشرك، ولم يغز مع المسلمين عدوهم، " لهم مغفرة "، يقول: لهم ستر من الله على ذنوبهم، بعفوه لهم عنها، " ورزق كريم "، يقول: لهم في الجنة مطعم ومشرب هني كريم، لا يتغير في أجوافهم فيصير نجواً، ولكنه يصير رشحاً كرشح المسك.
وهذه الآية تنبىء عن صحة ما قلنا: أن معنى قول الله: " بعضهم أولياء بعض "، في هذه الآية، قوله: " ما لكم من ولايتهم من شيء "، إنما هو النصرة والمعونة، دون الميراث، لأنه جل ثناؤه عقب ذلك بالثناء على المهاجرين والأنصار والخبر عما لهم عنده، دون من لم يهاجر بقوله: " والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا "، الآية، ولو كان مراداً بالآيات قبل ذلك، الدلالة على حكم ميراثهم، لم يكن عقيب ذلك إلا الحث على إمضاء الميراث على ما أمر. وفي صحة ذلك كذلك، الدليل الواضح على أن لا ناسخ في هذه الآيات لشيء، ولا منسوخ.
وحقق الله إيمانهم بالبشارة في قوله: "لهم مغفرة ورزق كريم" أي ثواب عظيم في الجنة.
لما ذكر تعالى حكم المؤمنين في الدنيا عطف بذكر مالهم في الاخرة, فأخبر عنهم بحقيقة الإيمان كما تقدم في أول السورة وأنه سبحانه سيجازيهم بالمغفرة والصفح عن الذنوب إن كانت, وبالرزق الكريم وهو الحسن الكثير الطيب الشريف دائم مستمر أبداً لا ينقطع ولا ينقضي ولا يسأم ولا يمل لحسنه وتنوعه. ثم ذكر أن الأتباع لهم في الدنيا على ما كانوا عليه من الإيمان والعمل الصالح فهم معهم في الاخرة, كما قال "والسابقون الأولون" الاية وقال " والذين جاؤوا من بعدهم " الاية. وفي الحديث المتفق عليه بل المتواتر من طرق صحيحة, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "المرء مع من أحب" وفي الحديث الاخر "من أحب قوماً فهو منهم" وفي رواية "حشر معهم". وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن شريك عن عاصم عن أبي وائل عن جرير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء لبعض, والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة" قال شريك: فحدثنا الأعمش عن تميم بن سلمة عن عبد الرحمن بن هلال عن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله, تفرد به أحمد من هذين الوجهين. وأما قوله تعالى: "وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله" أي في حكم الله وليس المراد بقوله: "وأولو الأرحام" خصوصية ما يطلقه علماء الفرائض على القرابة الذين لا فرض لهم ولا هم عصبة, بل يدلون بوارث كالخالة والخال والعمة وأولاد البنات وأولاد الأخوات ونحوهم, كما قد يزعمه بعضهم ويحتج بالاية ويعتقد ذلك صريحاً في المسألة بل الحق أن الاية عامة تشمل جميع القرابات, كما نص عليه ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة وغير واحد على أنها ناسخة للإرث بالحلف والإخاء اللذين كانوا يتوارثون بهما أولاً, وعلى هذا فتشمل ذوي الأرحام بالاسم الخاص, ومن لم يورثهم يحتج بأدلة من أقواها حديث "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" قالوا: فلو كان ذا حق لكان ذا فرض في كتاب الله مسمى فلما لم يكن كذلك لم يكن وارثاً, والله أعلم .
آخر تفسير سورة الأنفال . ولله الحمد والمنة، وعليه التكلان وهو حسبنا ونعم الوكيل .
ثم بين سبحانه حكماً آخر يتعلق بالمؤمنين المهاجرين المجاهدين في سبيل الله والمؤمنين الذين أووا من هاجر إليهم ونصروهم وهم الأنصار، فقال: 74- "أولئك هم المؤمنون حقاً" أي الكاملون في الإيمان، وليس في هذا تكرير لما قبله فإنه وارد في الثناء على هؤلاء، والأول وارد في إيجاب الموالاة والنصرة، ثم أخبر سبحانه أن "لهم" منه "مغفرة" لذنوبهم في الآخرة "و" لهم في الدنيا "رزق كريم" خالص عن الكدر طيب مستلذ.
74 - " والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا " لا مرية ولا ريب في إيمانهم . قيل : حققوا إيمانهم بالهجرة والجهاد وبذل المال في الدين ، " لهم مغفرة ورزق كريم " في الجنة . فإن قيل : أي معنى في تكرار هذه الآية ؟ قيل : المهاجرون كانوا على طبقات : فكان بعضهم أهل الهجرة الأولى ، وهم الذين هاجروا قبل الحديبية ، وبعضهم أهل الهجرة الثانية ،وهم الذين هاجروا بعد صلح الحديبية قبل فتح مكة ، وكان بعضهم ذا هجرتين هجرة الحبشة والهجرة إلى المدينة ، فالمراد من الآية الأولى الهجرة الأولى ، ومن الثانية الهجرة الثانية .
74." والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا " لما قسم المؤمنين ثلاثة أقسام بين أن الكاملين في الإيمان منهم هم الذين حققوا إيمانهم بتحصيل مقتضاه من الهجرة والجهاد وبذل المال ونصرة الحق ، ووعد لهم الموعد الكريم فقال ." لهم مغفرة ورزق كريم " لا تبعة له ولا منة فيه ، ثم ألحق بهم في الأمرين من سيلحق بهن ويتسم بسمتهم فقال :
74. Those who believed and left their homes and strove for the cause of Allah, and those who took them in and helped them these are the believers in truth. For them is pardon, and a bountiful provision.
74 - Those who believe, and adopt exile, and fight for the faith, in the cause of God, as well as those who give (them) asylum and aid, these are (all) in very truth the believers: for them is the forgiveness of sins and a provision most generous.