[الأنفال : 33] وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
33 - قال تعالى (وما كان الله ليعذبهم) بما سألوه (وأنت فيهم) لأن العذاب إذا نزل عمَّ ولم تعذب أمة إلا بعد خروج نبيها والمؤمنين منها (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) حيث يقولون في طوافهم غفرانك غفرانك وقيل هم المؤمنون المستضعفون فيهم كما قال تعالى {لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: تأويله: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم "، أي: وأنت مقيم بين أظهرهم. قال: وأنزلت هذه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقيم بمكة. قال: ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، فاستغفر من بها من المسلمين، فأنزل بعد خروجه عليه، حين استغفر أولئك بها: " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ". قال: ثم خرج أولئك البقية من المسلمين من بينهم، فعذب الكفار.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن ابن أبزى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فأنزل الله عليه: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم "، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأنزل الله: " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ".
لما قال أبو جهل: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك" الآية، نزلت "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" كذا في صحيح مسلم. وقال ابن عباس: لم يعذب أهل قرية حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم منها والمؤمنون، ويلحقوا بحيث أمروا. "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ابن عباس: كانوا يقولون في الطواف: غفرانك. والاستغفار وإن وقع من الفجار يدفع به ضرب من الشرور والإضرار. وقيل: إن الاستغفار راجع إلى المسلمين الذين هم بين أظهرهم. أي وما كان الله معذبهم وفيهم من يستغفر من المسلمين، فلما خرجوا عذبهم الله يوم بدر وغيره قاله الضحاك وغيره. وقيل: إن الاستغفار هنا يراد به الإسلام. أي "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" أي يسلمون، قاله مجاهد وعكرمة. وقيل: وهم يستغفرون أي في أصلابهم من يستغفر الله. روي عن مجاهد أيضاً. وقيل: معنى يستغفرون لو استغفروا. أي لو استغفروا لم يعذبوا. استدعاهم إلى الاستغفار، قاله قتادة وابن زيد. وقال المدائني عن بعض العلماء قال: كان رجل من العرب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مسرفاً على نفسه، لم يكن يتحرج، فلما أن توفي النبي صلى الله عليه وسلم لبس الصوف ورجع عما كان عليه، وأظهر الدين والنسك. فقيل له: لو فعلت هذا والنبي صلى الله عليه وسلم حي لفرح بك. قال: كان لي أمانان، فمضى واحد وبقي الآخر، قال الله تبارك وتعالى: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" فهذا أمان. والثاني "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون".
يخبر تعالى عن كفر قريش وعتوهم وتمردهم وعنادهم ودعواهم الباطل عند سماع آياته إذا تتلى عليهم أنهم يقولون "قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا" وهذا منهم قول بلا فعل وإلا فقد تحدوا غير ما مرة أن يأتوا بسورة من مثله فلا يجدون إلى ذلك سبيلاً وإنما هذا القول منهم يغرون به أنفسهم ومن تبعهم على باطلهم, وقد قيل إن القائل لذلك هو النضر بن الحارث لعنه الله كما قد نص على ذلك سعيد بن جبير والسدي وابن جريج وغيرهم فإنه لعنه الله كان قد ذهب إلى بلاد فارس وتعلم من أخبار ملوكهم رستم واسفنديار, ولما قدم وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه الله وهو يتلو على الناس القرآن فكان عليه الصلاة والسلام إذا قام من مجلس جلس فيه النضر فحدثهم من أخبار أولئك ثم يقول بالله أينا أحسن قصصاً أنا أو محمد ؟ ولهذا لما أمكن الله تعالى منه يوم بدر ووقع في الأسارى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تضرب رقبته صبراً بين يديه ففعل ذلك, ولله الحمد وكان الذي أسره المقداد بن الأسود رضي الله عنه كما قال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال قتل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر صبراً عقبة بن أبي معيط وطعيمة بن عدي والنضر بن الحارث وكان المقداد أسر النضر فلما أمر بقتله قال المقداد يا رسول الله أسيري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه كان يقول في كتاب الله عز وجل ما يقول فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله فقال المقداد يا رسول الله أسيري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم أغن المقداد من فضلك" فقال المقداد هذا الذي أردت, قال وفيه أنزلت هذه الاية "وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين" وكذا رواه هشيم عن أبي بشر جعفر بن أبي دحية عن سعيد بن جبير أنه قال المطعم بن عدي بدل طعيمة وهو غلط لأن المطعم بن عدي لم يكن حياً يوم بدر, ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: لو كان المطعم بن عدي حياً ثم سألني في هؤلاء النتنى لوهبتهم له يعني الأسارى لأنه كان قد أجار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم رجع من الطائف, ومعنى "أساطير الأولين" وهو جمع أسطورة أي كتبهم اقتبسها فهو يتعلم منها ويتلوها على الناس وهذا هو الكذب البحت كما أخبر الله عنهم في الاية الأخرى "وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً * قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً" أي لمن تاب إليه وأناب فإنه يتقبل منه ويصفح عنه, وقوله "وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم" هذا من كثرة جهلهم وشدة تكذيبهم وعنادهم وعتوهم, وهذا مما عيبوا به وكان الأولى لهم أن يقولوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له ووفقنا لاتباعه ولكن استفتحوا على أنفسهم واستعجلوا العذاب, وتقديم العقوبة كقوله تعالى: "ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون" "وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب" وقوله "سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين ليس له دافع * من الله ذي المعارج" وكذلك قال الجهلة من الأمم السالفة كما قال قوم شعيب له "فأسقط علينا كسفاً من السماء إن كنت من الصادقين" وقال هؤلاء "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم" قال شعبة عن عبد الحميد صاحب الزيادي عن أنس بن مالك قال هو أبو جهل بن هشام قال "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم" فنزلت "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" رواه البخاري عن أحمد ومحمد بن النضر كلاهما عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة به وأحمد هذا هو أحمد بن النضر بن عبد الوهاب قاله الحاكم أبو أحمد والحاكم أبو عبيد الله النيسابوري, والله أعلم. وقال الأعمش عن رجل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله "وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم" قال هو النضر بن الحارث بن كلدة قال: فأنزل الله "سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين ليس له دافع" وكذا قال مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والسدي: إنه النضر بن الحارث زاد عطاء فقال الله تعالى: "وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب" وقال "ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة" وقال " سأل سائل بعذاب واقع* للكافرين " قال عطاء ولقد أنزل الله فيه بضع عشرة آية من كتاب الله عز وجل, وقال ابن مردويه حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا الحسن بن أحمد بن الليث حدثنا أبو غسان حدثنا أبو نميلة حدثنا الحسين عن ابن بريدة عن أبيه قال: رأيت عمرو بن العاص واقفاً يوم أحد على فرس وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فاخسف بي وبفرسي. وقال قتادة في قوله "وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك" الاية قال: قال ذلك سفهة هذه الأمة وجهلتها فعاد الله بعائدته ورحمته على سفهة هذه الأمة وجهلتها وقوله تعالى: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود حدثنا عكرمة بن عمار عن أبي زميل سماك الحنفي عن ابن عباس قال كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك, فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: قد, قد, ويقولون: اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك, تملكه وما ملك. ويقولون غفرانك غفرانك فأنزل الله "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" الاية قال ابن عباس كان فيهم أمانان النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي الاستغفار. وقال ابن جرير حدثني الحارث حدثني عبد العزيز حدثنا أبو معشر عن يزيد بن رومان ومحمد بن قيس قالا: قالت قريش بعضها لبعض محمد أكرمه الله من بيننا "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك" الاية فلما أمسوا ندموا على ما قالوا فقالوا غفرانك اللهم. فأنزل الله " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون * وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون " وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" يقول: ما كان الله ليعذب قوماً وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم ثم قال "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" يقول وفيهم من قد سبق له من الله الدخول في الإيمان وهو الاستغفار يستغفرون يعني يصلون يعني بهذا أهل مكة وروي عن مجاهد وعكرمة وعطية والعوفي وسعيد بن جبير والسدي نحو ذلك. وقال الضحاك وأبو مالك "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" يعني المؤمنين الذين كانوا بمكة, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عبد الغفار بن داود حدثنا النضر بن عربي قال: قال ابن عباس: إن الله جعل في هذه الأمة أمانين لا يزالون معصومين مجارين من قوارع العذاب ما داما بين أظهرهم, فأمان قبضه الله إليه وأمان بقي فيكم, قوله " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ". وقال أبو صالح عبد الغفار: حدثني بعض أصحابنا أن النضر بن عدي حدثه هذا الحديث عن مجاهد عن ابن عباس. وروى ابن مردويه عن أبي موسى الأشعري نحواً من هذا. وكذا روي عن قتادة وأبي العلاء النحوي المقرى. وقال الترمذي حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا ابن نمير عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن عباد بن يوسف عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنزل الله علي أمانين لأمتي "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة", ويشهد لهذا ما رواه الإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن الشيطان قال وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم. فقال الرب: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني". ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه, وقال الإمام أحمد: حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا رشدين هو ابن سعد حدثني معاوية بن سعد التجيبي عمن حدثه عن فضالة بن عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله عز وجل".
فأجاب الله عليهم بقوله: 33- "وما كان الله ليعذبهم وأنت" يا محمد "فيهم" موجود فإنك ما دمت فيهم فهم في مهلة من العذاب الذي هو الاستئصال "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون". روي أنهم كانوا يقولون في الطواف غفرانك: أي وما كان الله معذبهم في حال كونهم يستغفرون، وقيل المعنى: لو كانوا ممن يؤمن بالله ويستغفره لم يعذبهم، وقيل: إن الاستغفار راجع إلى المسلمين الذين هم بين أظهرهم: أي وما كان الله ليعذبهم وفيهم من يستغفر من المسلمين، فلما خرجوا من بين أظهرهم عذبهم بيوم بدر وما بعده، وقيل المعنى: وما كان الله معذبهم وفي أصلابهم من يستغفر الله.
وقد أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والخطيب عن ابن عباس في قوله: "وإذ يمكر بك الذين كفروا" قال: تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق، يريدون النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه، فاطلع الله نبيه على ذلك، فبات علي على فراش النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوه علياً رد الله مكرهم فقالوا: أين صاحبك هذا؟ فقال: لا أدري، فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم، فصعدوا في الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا: لو دخل هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس فذكر القصة بأطول مما هنا. وفيها ذكر الشيخ النجدي: أي إبليس ومشورته عليهم عند اجتماعهم في دار الندوة للمشاورة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن أبا جهل أشار بأن يأخذوا من كل قبيلة من قبائل قريش غلاماً ويعطوا كل واحد منهم سيفاً ثم يضربونه ضربة رجل واحد، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل، فقال الشيخ النجدي: هذا والله هو الرأي، فتفرقوا على ذلك. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبيد بن عمير قال: لما ائتمروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه قال له عمه أبو طالب: هل تدري ما ائتمروا بك؟ قال: يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني، قال: من حدثك بهذا؟ قال: ربي، قال: نعم الرب ربك استوص به خيراً، قال: أنا أستوصي به؟ بل هو يستوصي بي. وأخرجه ابن جرير من طريق أخرى عنه. وهذا لا يصح، فقد كان أبو طالب مات قبل وقت الهجرة بسنين. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: "وإذ يمكر بك الذين كفروا" قال: "ليثبتوك" يعني ليوثقوك. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن جبير قال: "قتل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدراً صبراً عقبة بن أبي معيط وطعيمة بن عدي والنضر بن الحارث، وكان المقداد أسر النضر، فلما أمر بقتله قال المقداد: يا رسول الله أسيري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول، قال: وفيه أنزلت هذه الآية: " وإذا تتلى عليهم آياتنا "" وهذا مرسل. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في النضر بن الحارث. وأخرج البخاري وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن أنس بن مالك قال: قال أبو جهل بن هشام "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك" الآية فنزلت: "وما كان الله ليعذبهم" الآية. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أنها نزلت في أبي جهل. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية أنها نزلت في النضر بن الحارث. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير عن عطاء نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك. ويقولون: غفرانك غفرانك. فأنزل الله: "وما كان الله ليعذبهم" الآية. قال ابن عباس، كان فيهم أمانان: النبي صلى الله عليه وسلم، والاستغفار، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي الاستغفار. وأخرج الترمذي وضعفه عن أبي موسى الأشعري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنزل الله علي أمانين لأمتي "وما كان الله ليعذبهم" الآية، فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار". وأخرج
أبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: كان فيكم أمانان مضى أحدهما وبقي الآخر قال: "وما كان الله ليعذبهم" الآية. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس نحوه. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه والحاكم وابن عساكر عن أبي موسى الأشعري نحوه أيضاً، والأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مطلق الاستغفار كثيرة جداً معروفة في كتب الحديث.
33 - " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون * وما لهم أن لا يعذبهم الله " .
قوله تعالى : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، اختلفوا في معنى هذه الآية ، فقال محمد بن إسحاق : هذا حكاية عن المشركين أنهم قالوها وهي متصلة بالآية الأولى، وذلك أنهم كانوا يقولون إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفره ، ولا يعذب أمة ونبيها معها ، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يذكر جهالتهم وغرتهم واستفتاحهم على أنفسهم : " وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك " الآية ، وقالوا " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ثم قال رداً عليهم " وما لهم أن لا يعذبهم الله "؟ وإن كنت بين أظهرهم وإن كانوا يستغفرون " وهم يصدون عن المسجد الحرام " .
وقال الآخرون : هذا كلام مستأنف يقول الله عز وجل إخباراً عن نفسه : " وما كان الله ليعذبهم "
واختلفوا في تأويلها، فقال الضحاك وجماعة : تأويلها وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم مقيم بين أظهرهم ، قالوا: أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مقيم في مكة ، ثم خرج من بين أظهرهم وبقيت بها بقية من المسلمين يستغفرون ،فأنزل الله تعالى : " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، ثم خرج أولئك من بينهم فعذبوا، وأذن الله في فتح مكة ، فهو العذاب الذي وعدهم .
قال ابن عباس رضي الله تعال عنهما : لم يعذب الله قرية حتى يخرج النبي منها والذين آمنوا ويلحق بحيث أمر . فقال : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " يعني المسلمين فلما خرجوا قال الله تعالى : " وما لهم أن لا يعذبهم الله " فعذبهم الله يوم بدر .
وقال أبو موسى الأشعري : كان فيكم أمانان " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " فأما النبي صلى الله عليه وسلم فقد مضى والاستغفار كائن فيكم إلى يوم القيامة .
وقال بعضهم : هذا الاستغفار راجع إلى المشركين وذلك أنهم كانوا يقولون بعد الطواف : غفرانك غفرانك .
وقال يزيد بن رومان : قالت قريش إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء ، فلما أمسوا ندموا على ما قالوا ، فقالوا غفرانك اللهم ، فقال الله عز وجل " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " .
وقال قتادة و السدي :معناه : وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ، أي : لو استغفروا، ولكنهم لم يكونوا يستغفرون ، ولو أنهم أقروا بالذنب ، واستغفروا ، لكانوا مؤمنين .
وقيل : هذا دعاء إلى الإسلام والاستغفار بهذه الكلمة ، كالرجل يقول لغيره لا أعاقبك وأنت تطيعني ، أي أطعني حتى لا أعاقبك .
وقال مجاهد و عكرمة : وهم يستغفرون أي يسلمون ،يقول : لو أسلموا لم عذبوا . وروى الوالبي عن ابن عباس : أي وفيهم من سبق له من الله أن يسلم ويؤمن ويستغفر ، وذلك مثل : أبي سفيان ،وصفوان بن أمية ،وعكرمة بن أبي جهل ، وسهيل بن عمرو ، وحكيم بن حزام وغيرهم . وروى عبد الوهاب عن مجاهد : وهم يستغفرون أي وفي أصلابهم من يستغفر .
33. " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " بيان لما كان الموجب لإمهالهم والتوقف في إجابة دعائهم ، واللام لتأكيد النفي والدلالة على أن تعذيبهم عذاب استئصال والنبي صلى الله عليه وسلم أظهرهم خارج عن عادته غير مستقيم في قضائه ، والمراد باستغفارهم إما استغفار من بقي فيهم من المؤمنين أو قولهم اللهم غفرانك ،أو فرصة على معنى لو استغفروا لم يعذبوا كقوله : " وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " .
33. But Allah would not punish them while thou wast with them, nor will He punish them while they seek forgiveness.
33 - But God was not going to send them a penalty whilst thou wast amongst them; nor was he going to send it whilst they could ask for pardon