[الأنفال : 1] يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
1 - (يسألونك) يا محمد (عن الأنفال) الغنائم لمن هي (قل) لهم (الأنفال لله) يجعلها حيث شاء (والرسول) يقسمها بأمر الله فقسمها صلى الله عليه وسلم بينهم على السواء ، رواه الحاكم في المستدرك (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) أي حقيقة ما بينكم بالمودة وترك النزاع (وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) حقاً
روى أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فله كذا وكذا ومن أسر أسيرا فله كذا وكذا فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات وأما الشبان فسارعوا إلى القتل والغنائم فقالت المشيخة للشبان أشركونا معكم فإنا كنا لكم ردءا ولو كان منكم شيء للجأتم إلينا فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول
وروى أحمد عن سعد بن أبي وقاص قال لما كان يوم بدر قتل أخي عمير فقتلت به سعيد بن العاص وأخذت سيفه فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقال إذهب فاطرحه في القبض فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي فما جاوزت إلا يسيرا حتى نزلت سورة الأنفال فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم إذهب فخذ سيفك
وروى أبو داود والترمذي والنسائي عن سعد قال لما كان يوم بدر جئت بسيف فقلت يا رسول الله قد شفى صدري من المشركين هب لي هذا السيف فقال هذا ليس لي ولا لك فقلت عسى أن يعطى هذا من لا يبلي بلائي فجاءني الرسول صلى الله عليه وسلم فقال إنك سألتني وليس لي وإنه قد صار لي وهو لك قال فنزلت يسألونك عن الآنفال الآية
ك واخرج ابن جرير عن مجاهد أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمس بعد الأربعة الأخماس فنزلت يسألونك عن الأنفال الآية
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى " الأنفال " التي ذكرها الله في هذا الموضع.
فقال بعضهم: هي الغنائم، وقالوا: معنى الكلام: يسألك أصحابك، يا محمد، عن الغنائم التي غنمتها أنت وأصحابك يوم بدر، لمن هي؟ فقل: هي لله ولرسوله.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا سويد بن عمرو، عن حماد بن زيد، عن عكرمة، " يسألونك عن الأنفال "، قال: " الأنفال "، الغنائم.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: " يسألونك عن الأنفال "، قال: " الأنفال "، الغنائم.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن مجاهد قال: " الأنفال "، المغنم.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك : " يسألونك عن الأنفال "، قال: الغنائم.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " الأنفال "، قال: يعني الغنائم.
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " يسألونك عن الأنفال "، قال: " الأنفال "، الغنائم.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " يسألونك عن الأنفال "، " الأنفال "، الغنائم.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: " يسألونك عن الأنفال "، قال: " الأنفال "، الغنائم.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: " الأنفال "، الغنائم.
حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا ابن المبارك، عن ابن جريج : عن عطاء : " يسألونك عن الأنفال "، قال: الغنائم.
وقال آخرون: هي أنفال السرايا.
ذكر من قال ذلك:
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا علي بن صالح بن حي قال: بلغني في قوله: " يسألونك عن الأنفال "، قال: السرايا.
وقال آخرون: " الأنفال "، ما شذ من المشركين إلى المسلمين، من عبد أو دابة، وما أشبه ذلك.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح، عن عبد الملك، عن عطاء في قوله: " يسألونك عن الأنفال "، قال: هو ما شذ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال، دابة أو عبد أو متاع، ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما يشاء.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن عبد الملك، عن عطاء : " يسألونك عن الأنفال "، قال: هي ما شذ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال، من عبد أو أمة أو متاع أو ثقل، فهو للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع به ما يشاء.
...قال، حدثنا عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري : أن ابن عباس سئل عن. " الأنفال "، فقال: السلب والفرس.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ويقال: " الأنفال "، ما أخذ مما سقط من المتاع بعد ما تقسم الغنائم، فهي نفل لله ولرسوله.
حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، أخبرني عثمان بن أبي سليمان، عن محمد بن شهاب: أن رجلاً قال لابن عباس: ما " الأنفال "؟ قال: الفرس والدرع والرمح.
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، قال ابن جريج ، قال عطاء : " الأنفال "، الفرس الشاذ والدرع والثوب.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري ، عن ابن عباس قال: كان ينفل الرجل سلب الرجل وفرسه.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن القاسم بن محمد قال: سمعت رجلاً سأل ابن عباس عن ((الأنفال))، فقال ابن عباس: الفرس من النفل، والسلب من النفل. ثم عاد لمسألته، فقال ابن عباس ذلك أيضاً. ثم قال الرجل: " الأنفال "، التي قال الله في كتابه، ما هي؟ قال القاسم: فلم يزل يسأله حتى كاد يحرجه، فقال ابن عباس: أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري ، عن القاسم بن محمد قال، قال ابن عباس: كان عمر رضي الله عنه إذا سئل عن شيء قال: ((لا آمرك ولا أنهاك)). ثم قال ابن عباس: والله ما بعث الله نبيه عليه السلام إلا زاجراً آمراً، محللاً محرماً. قال القاسم: فسلط على ابن عباس رضي يسأله عن: " الأنفال "، فقال ابن عباس: كان الرجل ينفل الرجل وسلاحه. فأعاد عليه الرجل، فقال له مثل ذلك، ثم أعاد عليه حتى أغضبه، فقال ابن عباس: أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صبيغ الذي ضربه عمر حتى سالت الدماء على عقبيه - أو: على رجليه - فقال الرجل: أما أنت فقد انتقم الله لعمر منك!
حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا ابن المبارك، عن عبد الملك، عن عطاء : " يسألونك عن الأنفال "، قال: يسألونك فيما شذ من المشركين إلى المسلمين في غير قتال، من دابة أو عبد، فهو نفل للنبي صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: ((النفل))، الخمس الذي جلعه الله لأهل الخمس.
ذكر من قال ذلك:
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " يسألونك عن الأنفال "، قال: هو الخمس. قال المهاجرون: لم يرفع عنا هذا الخمس، لم يخرج منا؟ فقال الله: هو لله والرسول.
حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عباد بن العوام، عن الحجاج، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمس بعد الأربعة الأخماس، فنزلت: " يسألونك عن الأنفال ".
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في معنى: " الأنفال "، قول من قال: هي زيادات يزيدها الإمام بعض الجيش أو جميعهم، إما من سهمه على حقوقهم من القسمة، وإما مما وصل إليه بالنفل أو ببعض أسبابه، ترغيباً له، وتحريضاً لمن معه من جيشه على ما فيه صلاحهم وصلاح المسلمين، أو صلاح أحد الفريقين. وقد يدخل في ذلك ما قال ابن عباس من أنه الفرس والدرع ونحو ذلك، ويدخل فيه ما قاله عطاء من أن ذلك ما عاد من المشركين إلى المسلمين من عبد أو فرس، لأن ذلك أمره إلى الإمام، إذا لم يكن ما وصلوا إليه بغلبة وقهر، يفعل ما فيه صلاح أهل الإسلام، وقد يدخل فيه ما غلب عليه الجيش بقهر.
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب، لأن ((النفل)) في كلام العرب، إنما هو الزيادة على الشيء، يقال منه: ((نفلتك كذا)) و((أنفلتك))، إذا زدتك.
و((الأنفال))، جمع ((نفل))، ومنه قول لبيد بن ربيعة:
إن تقوى ربنا خير نفل وبإذن الله ريثي وعجل
فإذ كان معناه ما ذكرنا، فكل من زيد من مقاتلة الجيش على سهمه من الغنيمة - إن كان ذلك لبلاء أبلاه، أو لغناء كان منه عن المسلمين - بتنفيل الوالي ذلك إياه، فيصير حكم ذلك له كالسلب الذي يسلبه القاتل، فهو منفل ما زيد من ذلك، لأن الزيادة نفل، والنفل، وإن كان مستوجبه في بعض الأحوال لحق، ليس هو من الغنيمة التي تقع فيها القسمة. وكذلك كل ما رضخ لمن لا سهم له في الغنيمة، فهو ((نفل))، لأنه وإن كان مغلوباً عليه، فليس مما وقعت عليه القسمة.
فالفصل - إذا كان الأمر على ما وصفنا - بين ((الغنيمة)) و((النفل))، أن ((الغنيمة))، هي ما أفاء الله على المسلمين من أموال المشركين بغلبة وقهر، نفل منه منفل أو لم ينفل، و((النفل)) هو ما أعطيه المرء على البلاء والغناء عن الجيش على غير قسمة.
وإذ كان ذلك معنى ((النفل))، فتأويل الكلام: يسألك أصحابك، يا محمد، عن الفضل من المال الذي تقع فيه القسمة من غنيمة كفار قريش الذين قتلوا ببدر، لمن هو؟ قل لهم يا محمد: هو لله ولرسوله دونكم، يجعله حيث شاء.
واختلف في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية.
فقال بعضهم: نزلت في غنائم بدر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان نفل أقواماً على بلاء، فأبلى أقوام، وتخلف آخرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختلفوا فيها بعد انقضاء الحرب، فأنزل الله هذه الآية على رسوله، يعلمهم أن ما فعل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فماض جائز.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا معتمر بن سليمان قال، سمعت داود بن أبي هند يحدث، عن عكرمة، عن ابن عباس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى مكان كذا وكذا، فله كذا وكذان أو فعل كذا وكذا، فله كذا وكذا، فتسارع إليه الشبان، وبقي الشيوخ عند الرايات، فلما فتح الله عليهم جاءوا يطلبون ما جعل لهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم الأشياخ: لا تذهبوا به دوننا! فأنزل الله عليه الآية: " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " ".
حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى، وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: " لما كان يوم بدر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صنع كذا وكذا، فله كذا وكذا، قال: فتسارع في ذلك شبان الرجال، وبقيت الشيوخ تحت الرايات. فلما كان الغنائم، جاءوا يطلبون الذي جعل لهم، فقالت الشيوخ: لا تستأثروا علينا، فإنا كنا ردءاً لكم، وكنا تحت الرايات، ولو انكشفتم انكشفتم إلينا! فتنازعوا، فأنزل الله: " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين " ".
حدثني إسحق بن شاهين قال، حدثنا خالد بن عبد الله، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: " لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا من النفل. قال فتقدم الفتيان، ولزم المشيخة الرايات، فلم يبرحوا. فلما فتح عليهم، قالت المشيخة: كنا ردءاً لكم، فلو انهزمتم انحزتم إلينا، لا تذهبوا بالمغنم دوننا! فأبى الفتيان وقالوا: جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا! فأنزل الله: " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول " "، قال: فكان ذلك خيراً لهم، وكذلك أيضاً أطيعوني فإني أعلم.
حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن عكرمة في هذه الآية: " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول "، قال: " لما كان يوم بدر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من صنع كذا فله من النفل كذا! فخرج شبان الرجال، فجعلوا يصنعونه، فلما كان عند القسمة قال الشيوخ: نحن أصحاب الرايات، وقد كنا ردءاً لكم! فأنزل الله في ذلك: " قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين " ".
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا يعقوب الزهري قال، حدثني المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبيه عن سليمان بن موسى، عن مكحول مولى هذيل، عن أبي سلام، عن أبي أمامة الباهلي، عن عبادة بن الصامت قال: أنزل الله حين اختلف القوم في الغنائم يوم بدر: " يسألونك عن الأنفال " إلى قوله: " إن كنتم مؤمنين "، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، عن بواء.
حدثنا ابن حميق قال، حدثنا سلمة، عن محمد قال، حدثني عبد الرحمن بن الحارث وغيره من أصحابنا، عن سليمان الأشدق، عن مكحول، عن أبي أمامة الباهلي قال: سألت عبادة بن الصامت عن " الأنفال "، فقال: فينا معشر أصحاب بدر نزلت، حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا، فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن بواء - يقول: على السواء - فكان في ذلك تقوى الله، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وصلاح ذات البين.
وقال آخرون: بل إنما أنزلت هذه الآية، لأن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله من المغنم شيئاً قبل قسمتها، فلم يعطه إياه، إذ كان شركاً بين الجيش، فجعل الله جميع ذلك لرسوله صلى الله عليه وسلم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني إسمعيل بن موسى السدي قال، حدثنا أبو الأحوص، عن عاصم، عن مصعب بن سعد، " عن سعد قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر بسيف فقلت: يا رسول الله، هذا السيف قد شفى الله به المشركين! فسألته إياه، فقال: ليس هذا لي ولا لك! قال: فلما وليت قلت: أخاف أن يعطيه من لم يبل بلائي! فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفي، قال فقلت: أخاف أن يكون نزل في شيء! قال: إن السيف قد صار لي! قال: فأعطانيه، ونزلت: " يسألونك عن الأنفال " ".
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر قال، حدثنا عاصم، عن مصعب بن سعد، " عن سعد بن مالك قال: لما كان يوم بدر جئت بسيف. قال: فقلت: يا رسول الله، إن الله قد شفى صدري من المشركين - أو نحو هذا - فهب لي هذا السيف! فقال لي: هذا ليس لي ولا لك! فرجعت فقلت: عسى أن يعطى هذا من لم يبل بلائي! فجاءني الرسول، فقلت: حدث في حدث! فلما انتهيت قال: يا سعد، إنك سألتني السيف وليس لي، وإنه قد صار لي، فهو لك! ونزلت: " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول " ".
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: أصبت سيفاً يوم بدر فأعجبني، فقلت: يا رسول الله، هبه لي! فأنزل الله: " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ".
حدثنا بن المثنى وبان وكيع - قال ابن المثنى: حدثني أبو معاوية، وقال ابن وكيع: حدثنا أبو معاوية - قال، حدثنا الشيباني، عن محمد بن عبيد الله، " عن سعد بن أبي وقاص قال: فلما كان يوم بدر، قتل أخي عمير، وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه، وكان يسمى ((ذا الكتيفة))، فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اذهب فاطرحه في القبض! فطرحته ورجعت، وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي، وأخذ سلبي! قال: فما جاوزت إلا قريباً، حتى نزلت عليه ((سورة الأنفال))، فقال: اذهب فخذ سيفك! " ولفظ الحديث لابن المثنى.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير، وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، جميعاً عن محمد بن إسحق قال، حدثني عبد الله بن أبي بكير، عن بعض بني ساعدة قال: " سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة يقول: أصبت سيف بني عائذ يوم بدر، وكان السيف يدعى ((المرزبان))، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردوا ما في أيديهم من النفل، أقبلت به فألقيته في النفل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع شيئاً يسأله، فرآه الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه إياه ".
حدثني يحيى بن جعفر قال، حدثنا أحمد بن أبي بكر، عن يحيى بن عمران، عن جده عثمان بن الأرقم، وعن عمه، عن جده قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: ردوا ما كان من الأنفال! فوضع أبو أسيد الساعدي سيف ابن عائذ، ((المرزبان))، فعرفه الأرقم فقال: هبه لي، يا رسول الله! قال: فإأعطاه إياه ".
حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شبعة، عن سماك بن حرب، " عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: أصبت سيفاً، قال: فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يار رسول الله، نفلنيه! فقال: ضعه! ثم قام فقال: يا رسول الله، نفلنيه! قال: ضعه! قال: ثم قام فقال: يا رسول الله، نفلنيه! أجعل كمن لا غناء له؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ضعه من حيث أخذته! فنزلت هذه الآية: " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول " ".
حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن مصعب بن سعد، " عن سعد قال: أخذت سيفاً من المغنم فقلت: يا رسول الله، هب لي هذا! فنزلت: " يسألونك عن الأنفال " ".
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد في قوله: " يسألونك عن الأنفال "، قال: " قال سعد: كنت أخذت سيف سعيد بن العاص بن أمية، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أعطني هذا السيف يا رسول الله! فسكت، فنزلت: " يسألونك عن الأنفال " إلى قوله: " إن كنتم مؤمنين "، قال: فأعطانيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وقال آخرون: بل نزلت، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا قسمة الغنيمة بينهم يوم بدر، فأعلمهم الله أن ذلك لله ولرسوله دونهم، ليس لهم فيه شيء. وقالوا: معنى " عن " في هذا الموضع ((من))، وإنما معنى الكلام: يسألونك من الأنفال. وقالوا: قد كان ابن مسعود يقرأه: ((يسألونك الأنفال))، على هذا التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش قال: كان أصحاب عبد الله يقرأونها: ((يسألونك الأنفال)).
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي عن جويبر، عن الضحاك ، قال: هي في قراءة ابن مسعود: ((يسألونك الأنفال)).
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول "، قال: " الأنفال "، المغانم، كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة، ليس لأحد منها شيء، ما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به، فمن حبس منه إبرة أو سلكاً فهو غلول. فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم منها، قال الله: يسألونك عن الأنفال، قل: الأنفال لي جعلتها لرسولي، ليس لكم فيها شيء، " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين "، ثم أنزل الله " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول " [الأنفال: 41]. ثم قسم ذلك الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولمن سمي في الآية.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج : " يسألونك عن الأنفال "، قال: نزلت في المهاجرين والأنصار ممن شهد بدراً. قال: واختلفوا، فكانوا أثلاثاً. قال: فنزلت: " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول "، وملكه الله رسوله، يقسمه كما أراه الله.
حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عباد بن العوام، عن الحجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن الناس سألوا النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم يوم بدر، فنزلت: " يسألونك عن الأنفال ".
... قال، حدثنا عباد بن العوام، عن جويبر، عن الضحاك : " يسألونك عن الأنفال "، قال: يسألونك أن تنفلهم.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا حماد بن زيد قال، حدثنا أيوب، عن عكرمة في قوله: " يسألونك عن الأنفال "، قال: يسألونك الأنفال.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى أخبر في هذه الآية عن قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنفال أن يعطيهموها، فأخبرهم الله أنها لله، وأنه جلعها لرسوله.
وإذا كان ذلك معناه، جاز أن يكون نزولها كان من أجل اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، وجائز أن يكون كان من أجل مسألة من سألة السيف الذي ذكرنا عن سعد أنه سأله إياه، وجائز أن يكون من أجل مسألة من سأله قسم ذلك بين الجيش.
واختلفوا فيها: أمنسوخة هي أم غير منسوخة؟
فقال بعضهم: هي منسوخة. وقالوا: نسخها قوله: " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول " [الأنفال: 41]، الآية.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة قالا: كانت الأنفال لله وللرسول، فنسختها: " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول "،الأنفال: 41].
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " يسألونك عن الأنفال "، قال: أصاب سعد بن أبي وقاص يوم بدر سيفاً، فاختصم فيه وناس معه. فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم منهم، فقال الله: " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول "، الآية، فكانت الغنائم للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، فنسخها الله بالخمس.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني سليم موسى أم محمد، عن مجاهد في قوله: " يسألونك عن الأنفال "، قال: نسختها: " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه " [الأنفال: 41].
حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة - أو: عكرمة وعامل - قالا: نسخت الأنفال: " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه " [الأنفال: 41].
وقال آخرون: هي محكمة، وليست منسوخة. وإنما معنى ذلك: " قل الأنفال لله "، وهي لا شك لله مع الدنيا بما فيها والآخرة، وللرسول، يضعها في مواضعها التي أمره الله بوضعها فيه.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " يسألونك عن الأنفال "، فقرأ حتى بلغ: " إن كنتم مؤمنين "، فسلموا لله ولرسوله يحكمان فيها بما شاءا، ويضعانها حيث أرادا، فقالوا: نعم! ثم جاء بعد الأربعين: " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول " الآية، [الأنفال: 41]، ولكم أربعة أخماس. و" قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: وهذا الخمس مردود على فقرائكم "، يصنع الله ورسوله في ذلك الخمس ما أحبا، ويضعانه حيث أحبا. ثم أخبرنا الله بالذي يحب من ذلك. ثم قرأ الآية: " لذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم " [الحشر: 7].
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر أنه جعل الأنفال لنبيه صلى الله عليه وسلم، ينفل من شاء، فنفل القاتل السلب وجعل للجيش في البدأة الربع، وفي الرجعة الثلث بعد الخمس. ونفل قوماً بعد سهمانهم بعيراً بعيراً في بعض المغازي. فجعل الله تعالى ذكره حكم الأنفال إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، ينفل على ما يرى مما فيه صلاح المسلمين، وعلى من بعده من الأئمة أن يستنوا بسنته في ذلك.
وليس في الآية دليل على أن حكمها منسوخ، لاحتمالها ما ذكرت من المعنى الذي وصفت. وغير جائز أن يحكم بحكم قد نزل به القرآن أنه منسوخ، إلا بحجة يجب التسليم لها، فقد دللنا في غير موضع من كتبنا على أن لا منسوخ إلا ما أبطل حكمه حادث حكم بخلافه، ينفيه من كل معانيه، أو يأتي خبر يوجب الحجة أن أحدهما ناسخ الآخر.
وقد ذكر عن سعيد بن المسيب: أنه كان ينكر أن يكون التنفيل لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، تأويلاً منه لقول الله تعالى: " قل الأنفال لله والرسول ".
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبدة بن سليمان، عن محمد بن عمرو قال: أرسل سعيد بن المسيب غلامه إلى قوم سألوه عن شيء، فقال: إنكم أرسلتم إلى تسألوني عن الأنفال: فلا نفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد بينا أن للأئمة أن يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيهم بفعله، فينفلوا على نحو ما كان ينفل، إذا كان التنفيل صالحاً للمسلمين.
القول في تأويل قوله: " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ".
قال أ[و جعفر: يقول تعالى ذكره: فخافوا الله، أيها القوم، واتقوه بطاعته واجتناب معاصيه، وأصلحوا الحال بينكم.
واختلف أهل التأويل في الذي عني بقوله: " وأصلحوا ذات بينكم ".
فقال بعضهم: هو أمر من الله الذين غنموا الغنيمة يوم بدر، وشهدوا الوقعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ اختلفوا في الغنيمة: أن يرد ما أصابوا منها بعضهم على بعض.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم "، قال: كان نبي الله ينفل الرجل من المؤمنين سلب الرجل من الكفار إذا قتله، ثم أنزل الله: " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم "، أمرهم أن يرد بعضهم على بعض.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل الرجل على قدر جده وغنائه على ما رأى، حتى إذا كان يوم بدر، وملأ الناس أيديهم غنائم، قال أهل الضعف من الناس: ذهب أهل القوة بالغنائم! فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت: " قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم "، ليرد أهل القوة على أهل الضعف.
وقال آخرون: هذا تحريج من الله على القوم، ونهي لهم عن الاختلاف فيما اختلفوا فيه من أمر الغنيمة وغيره.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمارة قال، حدثنا خالد بن يزيد، وحدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد، قالا، حدثنا أبو إسرائيل، عن فضيل، عن مجاهد في قول الله: " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم "، قال: حرج عليهم.
حدثني الحارث قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن مجاهد ، عن ابن عباس: " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم "، قال: هذا تحريج من الله على المؤمنين، أن يتقوا ويصلحوا ذات بينهم. قال عباد، قال سفيان: هذا حين اختلفوا في الغنائم يوم بدر.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم "، أي لا تستبوا.
واختلف أهل العربية في وجه تأنيث ((البين)).
فقال بعض نحويي البصرة: أضاف ((ذات)) إلى ((البين))، وجعله ((ذاتاً))، لأن بعض الأشياء يوضع عليه اسم مؤنث، وبعضاً يذكر، نحو ((الدار)) و((الحائط))، أنث ((الدار)) وذكر ((الحائط)).
وقال بعضهم: إنما أراد بقوله: " ذات بينكم "، الحال التي للبين، فقال: وكذلك ((ذات العشاء))، يريد الساعة التي فيها العشاء، قال: ولم يضعوا مذكراً للمؤنث، ولا مؤنثاً لمذكر، إلا لمعنى.
قال أبو جعفر: وهذا القول أولى القولين بالصواب، للعلة التي ذكرتها له.
وأما قوله: " وأطيعوا الله ورسوله "، فإن معناه: وانتهوا، أيها القوم الطالبون الأنفال، إلى أمر الله وأمر رسوله فيما أفاء الله عليكم، فقد بين لكم وجوهه وسبله، " إن كنتم مؤمنين "، يقول: إن كنتم مصدقين رسول الله فيما آتاكم من عند ربكم، كما:
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين "، فسلموا لله ولرسوله، يحكمان فيها بما شاءا، ويضعانها حيث أرادا.
مدنية بدرية في قول الحسن وعكرمة وجابر وعطاء. وقال ابن عباس: هي مدنية إلا سبع آيات، من قوله تعالى: "وإذ يمكر بك الذين كفروا" [الأنفال: 30] إلى آخر السبع آيات.
فيه سبع مسائل:
الأولى- روى عبادة بن الصامت قال:
"خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فلقوا العدو، فلما هزمهم الله اتبعتهم طائفة من المسلمين يقتلونهم، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم، واستولت طائفة على العسكر والنهب، فلما نفى الله العدو ورجع الذين طلبوهم قالوا: لنا النفل، نحن الذين طلبنا العدو وبنا نفاهم الله وهزمه. وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنتم أحق به منا، بل هو لنا، نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا ينال العدو منه غرة. وقال الذين استولوا على العسكر والنهب: ما أنتم بأحق منا، هو لنا، نحن حويناه واستولينا عليه، فأنزل الله عز وجل: "يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين". فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فواق بينهم". قال أبو عمر: قال أهل العلم بلسان العرب: استلووا أطافوا وأحاطوا، يقال: الموت مستلو على العباد. وقوله: "قسمه على فواق" يعني عن سرعة. قالوا: والفواق ما بين حلبتي الناقة. يقال: انتظره فواق ناقة، أي هذا المقدار. ويقولونها بالضم والفتح: فواق وفواق. وكان هذا قبل أن ينزل: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه" [الأنفال: 41] الآية. وكأن المعنى عند العلماء: أي إلى الله وإلى الرسول الحكم فيها والعمل بها بما يقرب من الله تعالى. وذكر محمد بن إسحاق قال: حدثني عبد الرحمن بن الحارث وغيره من أصحابنا عن سليمان بن موسى الأشدق عن مكحول "عن أبي أمامة الباهلي قال: سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال: فينا معشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل، وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا وجعله إلى الرسول، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بواء". يقول: على السواء. فكان ذلك تقوى الله وطاعة رسوله وصلاح ذات البين. وروي في الصحيح "عن سعد بن أبي وقاص قال:
اغتنم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيمة عظيمة، فإذا فيها سيف، فأخذته فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: نفلني هذا السيف، فأنا من قد علمت حاله. قال: رده من حيث أخذته فانطلقت حتى أردت أن ألقيه في القبض لامتني نفسي فرجعت إليه فقلت: أعطنيه. قال: فشد لي صوته رده من حيث أخذته فانطلقت حتى أردت أن ألقيه في القبض لامتني نفسي فرجعت إليه فقلت: أعطنيه، قال: فشد لي صوته رده من حيث أخذته فأنزل الله "يسألونك عن الأنفال"". لفظ مسلم. والروايات كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية، والله الموفق للهداية.
الثانية- الأنفال واحدها نفل بتحريك الفاء، قال:
إن تقوى ربنا خير نفل وبإذن الله ريثي والعجل
أي خير غنيمة. والنفل: اليمين، ومنه الحديث "فتبرئكم يهود بنفل خمسين منهم". والنفل الانتفاء، ومنه الحديث "فانتفل من ولدها". والنفل: نبت معروف. والنفل: الزيادة على الواجب، وهو التطوع. وولد الولد نافلة، لأنه زيادة على الولد. والغنيمة نافلة، لأنها زيادة فيما أحل الله لهذه الأمة مما كان محرماً على غيرها. "قال صلى الله عليه وسلم:
فضلت على الأنبياء بست -وفيها- وأحلت لي الغنائم". والأنفال: الغنائم أنفسها. قال عنترة:
إنا إذا احمر الوغى نروي القنا ونعف عند مقاسم الأنفال
أي الغنائم.
الثالثة- واختلف العلماء في محل الأنفال على أربعة أقوال: الأول- محلها فيما شذ عن الكافرين إلى المسلمين أو أخذ بغير حرب. الثاني- محلها الخمس. الثالث- خمس الخمس. الرابع- رأس الغنيمة، حسب ما يراه الإمام. ومذهب مالك رحمه الله أن الأنفال مواهب الإمام من الخمس، على ما يرى من الاجتهاد، وليس في الأربعة الأخماس نفل، وإنما لم ير النفل من رأس الغنيمة لأن أهلها معينون وهم الموجفون، والخمس مردود قسمه إلى اجتهاد الإمام. وأهله غير معينين. "قال صلى الله عليه وسلم:
مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم". فلم يمكن بعد هذا أن يكون النفل من حق أحد، وإنما يكون من حق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الخمس. هذا هو المعروف من مذهبه وقد روي عنه أن ذلك من خمس الخمس. وهو قول ابن المسيب والشافعي وأبي حنيفة. وسبب الخلاف حديث ابن عمر، رواه مالك قال:
"بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية قبل نجد فغنموا إبلاً كثيرة، وكانت سهمانهم اثني عشر بعيراً أو أحد عشر بعيراً، ونفلوا بعيراً بعيراً". هكذا رواه مالك على الشك في رواية يحيى عنه، وتابعه على ذلك جماعة رواة الموطأ إلا الوليد بن مسلم فإنه رواه عن مالك بن نافع عن ابن عمر، فقال فيه: فكانت سهمانهم اثني عشر بعيراً، ونفلوا بعيراً بعيراً. ولم يشك. وذكر الوليد بن مسلم والحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن نافع "عن ابن عمر قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش قبل نجد -في رواية الوليد: أربعة آلاف- وانبعث سرية من الجيش -في رواية الوليد: فكنت ممن خرج فيها- فكان سهمان الجيش اثني عشر بعيراً، اثني عشر بعيراً، ونفل أهل السرية بعيراً بعيراً، فكان سهمانهم ثلاثة عشر بعيراً"، ذكره أبو داود. فاحتج بهذا من يقول إن النفل إنما يكون من جملة الخمس. وبيانه أن هذه السرية لو نزلت على أن أهلها كانوا عشرةً مثلاً أصابوا في غنيمتهم مائة وخمسين، أخرج منها خمسها ثلاثين وصار لهم مائة وعشرون، قسمت على عشرة وجب لكل واحد اثنا عشر بعيراً، اثنا عشر بعيراً، ثم أعطى القوم من الخمس بعيراً بعيراً، لأن خمس الثلاثين لا يكون فيه عشرة أبعرة. فإذا عرفت ما للعشرة عرفت ما للمائة والألف وأزيد. واحتج من قال: إن ذلك كان من خمس الخمس بأن قال: جائز أن يكون هناك ثياب تباع ومتاع غير الإبل، فأعطى من لم يبلغه البعير قيمة البعير من تلك العروض. ومما يعضد هذا ما روى مسلم في بعض طرق هذا الحديث: فأصبنا إبلاً وغنماً، الحديث. وذكر محمد بن إسحاق في هذا الحديث أن الأمير نفلهم قبل القسم، وهذا يوجب أن يكون النفل من رأس الغنيمة، وهو خلاف قول مالك. وقول من روى خلافه أولى لأنهم حفاظ، قاله أبو عمر رحمه الله. وقال مكحول والأوزاعي: لا ينفل بأكثر من الثلث، وهو قول الجمهور من العلماء. قال الأوزاعي: فإن زادتهم فليف لهم ويجعل ذلك من الخمس. وقال الشافعي: ليس في النفل حد لا يتجاوزه الإمام.
الرابعة- ودل حديث ابن عمر في الإمام يقول قبل القتال: من هدم كذا من الحصن فله كذا، ومن بلغ إلى موضع كذا فله كذا، ومن جاء برأس فله كذا، ومن جاء بأسير فله كذا، يضريهم. فروي عن مالك أنه كرهه. وقال: هو قتال على الدنيا. وكان لا يجيزه. قال الثوري: ذلك جائز ولا بأس به.
قلت: وقد جاء هذا المعنى مرفوعاً من حديث ابن عباس قال: "لما كان يوم بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم:
من قتل قتيلاً فله كذا ومن أسر أسيراً فله كذا". الحديث بطوله. وفي رواية عكرمة عنه "عن النبي صلى الله عليه وسلم: من فعل كذا وكذا وأتى مكان كذا وكذا فله كذا". فتسارع الشبان وثبت الشيوخ مع الرايات، فلما فتح لهم جاء الشبان يطلبون ما جعل لهم فقال لهم الأشياخ: لا تذهبون به دوننا، فقد كنا ردءاً لكم، فأنزل الله تعالى: "وأصلحوا ذات بينكم" ذكره إسماعيل بن إسحاق أيضاً. وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال لجرير بن عبد الله البجلي لما قدم عليه في قومه وهو يريد الشأم: هل لك أن تأتي الكوفة ولك الثلث بعد الخمس من كل أرض وسبي؟. وقال بهذا جماعة فقهاء الشأم: الأوزاعي ومكحول وابن حيوة وغيرهم. ورأوا الخمس من جملة الغنيمة، والنفل بعد الخمس ثم الغنيمة بين أهل العسكر، وبه قال إسحاق وأحمد و أبو عبيد. قال أبو عبيد: والناس اليوم على أن لا نفل من جهة الغنيمة حتى تخمس. وقال مالك: لا يجوز أن يقول الإمام لسرية، ما أخذتم فلكم ثلثه. قال سحنون: يريد ابتداء. فإن نزل مضى، ولهم أنصباؤهم في الباقي. وقال سحنون: إذا قال الإمام لسرية ما أخذتم فلا خمس عليكم فيه، فهذا لا يجوز، فإن نزل رددته، لأن هذا حكم شاذ لا يجوز ولا يمضي.
السادسة- واستحب مالك رحمه الله ألا ينفل الإمام إلا ما يظهر كالعمامة والفرس والسيف. ومنع بعض العلماء أن ينفل الإمام ذهباً أو فضة أو لؤلؤاً ونحوه. وقال بعضهم: النفل جائز من كل شيء. وهو الصحيح لقول عمر ومقتضى الآية، والله أعلم.
السابعة- قوله تعالى: "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم" أمر بالتقوى والإصلاح، أي كونوا مجتمعين على أمر الله في الدعاء: اللهم أصلح ذات البين، أي الحال التي يقع بها الاجتماع. فدل هذا على التصريح بأنه شجر بينهم خلاف. أو مالت النفوس إلى التشاح، كما هو منصوص في الحديث. وتقدم معنى التقوى، أي اتقوا الله في أقوالكم، وأفعالكم، وأصلحوا ذات بينكم. "وأطيعوا الله ورسوله" في الغنائم ونحوها. "إن كنتم مؤمنين" أي إن سبيل المؤمن أن يمتثل ما ذكرنا. وقيل: إن بمعنى إذ.
قال البخاري: قال ابن عباس: الأنفال المغانم, حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا سعيد بن سليمان, أخبرنا هشيم أخبرنا أبو بشر, عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما سورة الأنفال قال: نزلت في بدر. أما ما علقه عن ابن عباس فكذلك رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال: الأنفال الغنائم, كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ليس لأحد منها شيء, وكذا قال مجاهد وعكرمة وعطاء والضحاك وقتادة وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد أنها المغانم, وقال الكلبي, عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال: الأنفال الغنائم, قال فيها لبيد:
إن تقوى ربنا خير نفل وبإذن الله ريثى وعجل
وقال ابن جرير: حدثني يونس أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك بن أنس عن ابن شهاب عن القاسم بن محمد قال: سمعت رجلاً يسأل ابن عباس عن الأنفال, فقال ابن عباس رضي الله عنهما: الفرس من النفل والسلب من النفل. ثم عاد لمسألته فقال ابن عباس ذلك أيضاً ثم قال الرجل: الأنفال التي قال الله في كتابه ما هي ؟ قال القاسم فلم يزل يسأله حتى كاد يحرجه, فقال ابن عباس: أتدرون ما مثل هذا مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب. وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن القاسم بن محمد قال: قال ابن عباس: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إذا سئل عن شيء قال لا آمرك ولا أنهاك. ثم قال ابن عباس: والله ما بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلا زاجراً آمراً محللاً محرماً. قال القاسم فسلط على ابن عباس رجل فسأله عن الأنفال فقال ابن عباس: كان الرجل ينفل فرس الرجل وسلاحه, فأعاد عليه الرجل فقال له مثل ذلك, ثم عاد عليه حتى أغضبه, فقال ابن عباس: أتدرون ما مثل هذا ؟ مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب حتى سالت الدماء على عقبيه أو على رجليه, فقال الرجل أما أنت فقد انتقم الله لعمر منك. وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس, أنه فسر النفل بما ينفله الإمام لبعض الأشخاص من سلب أو نحوه بعد قسم أصل المغنم وهو المتبادر إلى فهم كثير من الفقهاء من لفظ النفل, والله أعلم.
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: إنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمس بعد الأربعة من الأخماس, فنزلت "يسألونك عن الأنفال" وقال ابن مسعود ومسروق: لا نفل يوم الزحف, إنما النفل قبل التقاء الصفوف, رواه ابن أبي حاتم عنهما, وقال ابن المبارك وغير واحد عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح في الاية "يسألونك عن الأنفال" قال يسألونك فيما شذ من المشركين إلى المسلمين في غير قتال, من دابة أو عبد أو أمة أو متاع فهو نفل للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع به ما يشاء, وهذا يقتضي أنه فسر الأنفال بالفيء وهو ما أخذ من الكفار من غير قتال. قال ابن جرير: وقال آخرون: هي أنفال السرايا حدثني الحارث حدثنا عبد العزيز حدثنا علي بن صالح بن حيي, قال بلغني في قوله تعالى: "يسألونك عن الأنفال" قال السرايا, ومعنى هذا ما ينفله الإمام لبعض السرايا زيادة على قسمهم مع بقية الجيش. وقد صرح بذلك الشعبي, واختار ابن جرير أنها زيادة على القسم, ويشهد لذلك ما ورد في سبب نزول الاية وهو ما رواه الإمام أحمد, حيث قال: حدثنا أبو معاوية حدثنا أبو إسحاق الشيباني عن محمد بن عبيد الله الثقفي عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم بدر وقتل أخي عمير قتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه, وكان يسمى ذا الكتيفة, فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اذهب فاطرحه في القبض" قال فرجعت وبي مالا يعلمه إلا الله, من قتل أخي وأخذ سلبي, قال فما جاوزت إلا يسيراً حتى نزلت سورة الأنفال, فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "اذهب فخذ سلبك".
وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أسود بن عامر, أخبرنا أبو بكر عن عاصم بن أبي النجود عن مصعب بن سعد عن سعد بن مالك, قال: قلت يا رسول الله قد شفاني الله اليوم من المشركين, فهب لي هذا السيف, فقال: "إن هذا السيف لا لك ولا لي, ضعه" قال: فوضعته, ثم رجعت فقلت: عسى أن يعطي هذا السيف من لا يبلي بلائي, قال: فإذا رجل يدعوني من ورائي قال: قلت قد أنزل الله في شيئاً ؟ قال: كنت سألتني السيف وليس هو لي, وإنه قد وهب لي, فهو لك. قال: وأنزل الله هذه الاية "يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول". ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من طرق عن أبي بكر بن عياش به, وقال الترمذي: حسن صحيح, وهكذا رواه أبو داود الطيالسي, أخبرنا شعبة أخبرنا سماك بن حرب قال سمعت مصعب بن سعد يحدث عن سعد, قال: نزلت في أربع آيات, أصبت سيفاً يوم بدر فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت نفلنيه, فقال "ضعه من حيث أخذته" مرتين, ثم عاودته فقال النبي صلى الله عليه وسلم "ضعه من حيث أخذته" فنزلت هذه الاية "يسألونك عن الأنفال" الاية وتمام الحديث, في نزول "ووصينا الإنسان بوالديه حسناً" وقوله تعالى: "إنما الخمر والميسر" وآية الوصية وقد رواه مسلم في صحيحه من حديث شعبة به, وقال محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر عن بعض بني ساعدة قال: سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة يقول: أصبت سيف ابن عائذ يوم بدر, وكان السيف يدعى بالمرزبان, فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يردوا ما في أيديهم من النفل, أقبلت به فألقيته في النفل, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع شيئاً يسأله, فرآه الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي, فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه إياه, ورواه ابن جرير من وجه آخر.
(سبب آخر في نزول الاية)
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن سلمة عن ابن إسحاق عن عبد الرحمن عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي أمامة قال: سألت عبادة عن الأنفال فقال: فينا أصحاب بدر, نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فانتزعه الله من أيدينا وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين, عن بواء يقول عن سواء. وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أبو معاوية بن عمر أخبرنا أبو إسحاق عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة, عن سليمان بن موسى عن أبي سلامة عن أبي أمامة عن عبادة بن الصامت, قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدراً, فالتقى الناس, فهزم الله تعالى العدو, فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون, وأقبلت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه, وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة, حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض, قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها فليس لأحد فيها نصيب, وقال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم بأحق به منا, نحن منعنا عنه العدو وهزمناهم, وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: خفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به, فنزلت "يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم" فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أغار في أرض العدو نفل الربع, فإذا أقبل راجعاً نفل الثلث, وكان يكره الأنفال, ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن الحارث به نحوه, قال الترمذي: هذا حديث حسن, ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه, من حديث عبد الرحمن بن الحارث, وقال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه, وروى أبو داود والنسائي وابن جرير وابن مردويه واللفظ له, وابن حبان والحاكم من طرق عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس, قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا" فتسارع في ذلك شبان القوم وبقي الشيوخ تحت الرايات, فلما كانت المغانم جاؤوا يطلبون الذي جعل لهم, فقال الشيوخ: لا تستأثروا علينا فإنا كنا ردءاً لكم لو انكشفتم لفئتم إلينا. فتنازعوا فأنزل الله تعالى: " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ". وقال الثوري عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس, قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قتل قتيلاً فله كذا وكذا, ومن أتى أسيراً فله كذا وكذا". فجاء أبو اليسر بأسيرين فقال: يا رسول الله صلى الله عليك, أنت وعدتنا, فقام سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله, إنك لو أعطيت هؤلاء لم يبق لأصحابك شيء, وإنه لم يمنعنا من هذا زهادة في الأجر, ولا جبن عن العدو, وإنما قمنا هذا المقام محافظة عليك مخافة أن يأتوك من ورائك, فتشاجروا ونزل القرآن "يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول", قال ونزل القرآن "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه" إلى آخر الاية, وقال الإمام أبو عبيد الله القاسم بن سلام, رحمه الله, في كتاب الأموال الشرعية وبيان جهاتها ومصارفها, أما الأنفال فهي المغانم وكل نيل ناله المسلمون من أموال أهل الحرب, فكانت الأنفال الأولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم, يقول الله تعالى: "يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول", فقسمها يوم بدر على ما أراه الله من غير أن يخمسها على ما ذكرناه في حديث سعد, ثم نزلت بعد ذلك آية الخمس فنسخت الأولى, قلت هكذا روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس سواء, وبه قال مجاهد وعكرمة والسدي. وقال ابن زيد: ليست منسوخة بل هي محكمة, قال أبو عبيد وفي ذلك آثار, والأنفال أصلها جماع الغنائم, إلا أن الخمس منها مخصوص لأهله على ما نزل به الكتاب وجرت به السنة, ومعنى الأنفال في كلام العرب كل إحسان فعله فاعل تفضلاً, من غير أن يجب ذلك عليه, فذلك النفل الذي أحله الله للمؤمنين من أموال عدوهم, وإنما هو شيء خصهم الله به تطولاً منه عليهم بعد أن كانت الغنائم محرمة على الأمم قبلهم, فنفلها الله تعالى هذه الأمة, فهذا أصل النفل, قلت: شاهد هذا ما في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي ـ فذكر الحديث إلى أن قال ـ وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي". وذكر تمام الحديث, ثم قال أبو عبيد: ولهذا سمى ما جعل الإمام للمقاتلة نفلاً, وهو تفضيله بعض الجيش على بعض بشيء سوى سهامهم يفعل ذلك بهم على قدر الغناء عن الإسلام والنكاية في العدو, وفي النفل الذي ينفله الإمام سنن أربع لكل واحدة منهن موضع غير موضع الأخرى (فإحداهن) في النفل لا خمس فيه وذلك السلب, (والثانية) النفل الذي يكون من الغنيمة بعد إخراج الخمس وهو أن يوجه الإمام السرايا في أرض الحرب, فتأتي بالغنائم, فيكون للسرية مما جاءت به الربع أو الثلث بعد الخمس, (والثالثة) في النفل من الخمس نفسه, وهو أن تحاز الغنيمة كلها, ثم تخمس فإذا صار الخمس في يدي الإمام, نفل منه على قدر ما يرى. (والرابعة) في النفل في جملة الغنيمة قبل أن يخمس منها شيء, وهو أن يعطي الأدلاء ورعاة الماشية والسواق لها. وفي كل ذلك اختلاف.
قال الربيع: قال الشافعي: الأنفال أن لا يخرج من رأس الغنيمة قبل الخمس شيء غير السلب. قال أبو عبيد: والوجه الثاني من النفل هو شيء زيدوه غير الذي كان لهم وذلك من خمس النبي صلى الله عليه وسلم, فإن له خمس الخمس من كل غنيمة, فينبغي للإمام أن يجتهد, فإذا كثر العدو واشتدت شوكتهم وقل من بإزائه من المسلمين, نفل منه اتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا لم يكن ذلك لم ينفل, (والوجه الثالث) من النفل إذا بعث الإمام سرية أو جيشاً فقال لهم قبل اللقاء من غنم شيئاً, فهو له, بعد الخمس فهو لهم على ما شرط الإمام, لأنهم على ذلك غزوا وبه رضوا, انتهى كلامه. وفيما تقدم من كلامه وهو قوله: إن غنائم بدر لم تخمس نظر. ويرد عليه حديث علي بن أبي طالب, في شارفيه اللذين حصلا له من الخمس يوم بدر, وقد بينت ذلك في كتاب السيرة بياناً شافياً, ولله الحمد والمنة. وقوله تعالى: "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم" أي اتقوا الله في أموركم وأصلحوا فيما بينكم ولا تظالموا ولا تخاصموا ولا تشاجروا فما آتاكم الله من الهدى والعلم خير مما تختصمون بسببه "وأطيعوا الله ورسوله" أي في قسمه بينكم على ما أراده الله, فإنه إنما يقسمه كما أمره الله من العدل والإنصاف, وقال ابن عباس: هذا تحريج من الله ورسوله أن يتقوا ويصلحوا ذات بينهم وكذا قال مجاهد, وقال السدي "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم" أي لاتستبوا. ولنذكر ههنا حديثاً أورده الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي رحمه الله , في مسنده فإنه قال: حدثنا مجاهد بن موسى, حدثنا عبد الله بن بكر, حدثنا عباد بن شيبة الحبطي عن سعيد بن أنس عن أنس رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه, فقال عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي ؟ فقال: "رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة تبارك وتعالى, فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي. فقال الله تعالى, أعط أخاك مظلمته, قال: يا رب لم يبق من حسناتي شيء قال: رب فليحمل عني من أوزاري". قال: ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال "إن ذلك ليوم عظيم يوم يحتاج الناس إلى من يتحمل عنهم من أوزارهم, فقال الله تعالى للطالب: ارفع بصرك وانظر في الجنان فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من فضة وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ, لأي نبي هذا ؟ لأي صديق هذا ؟ لأي شهيد هذا ؟ قال: هذا لمن أعطى ثمنه, قال رب ومن يملك ثمنه ؟ قال أنت تملكه, قال: ماذا يا رب ؟ قال: تعفو عن أخيك, قال: يا رب, فإني قد عفوت عنه, قال الله تعالى: خذ بيد أخيك, فادخلا الجنة". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم, فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة".
صرح كثير من المفسرين بأنها مدنية ولم يستثنوا منها شيئاً، وبه قال الحسن وعكرمة وجابر بن زيد وعطاء. وقد روي مثل هذا عن ابن عباس، أخرجه النحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه عنه قال: سورة الأنفال نزلت بالمدينة. وأخرجه ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير. وأخرجه ابن مردويه أيضاً عن زيد بن ثابت. وأخرج سعيد بن منصور والبخاري وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال: نزلت في بدر. وفي لفظ: تلك سورة بدر. قال القرطبي: قال ابن عباس هي مدنية إلا سبع آيات من قوله: "وإذ يمكر بك الذين كفروا" إلى آخر سبع آيات، وجملة آيات هذه السورة ست وسبعون آية، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في صلاة المغرب كما أخرجه الطبراني بسند صحيح عن أبي أيوب. وأخرج أيضاً زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في الركعتين من المغرب بسورة الأنفال.
الأنفال جمع نفل محركاً، وهو الغنيمة، ومنه قول عنترة:
إنا إذا احمر الوغى نروي القنا ونعف عند مقاسم الأنفال
أي الغنائم، وأصل النفل: الزيادة، وسميت الغنيمة به لأنها زيادة فيما أحل الله لهذه الأمة مما كان محرماً على غيرهم، أو لأنها زيادة على ما يحصل للمجاهد من أجر الجهاد، ويطلق النفل على معان أخر منها اليمين، والابتغاء ونبت معروف. والنافلة التطوع لكونها زائدة على الواجب، والنافلة: ولد الولد، لأنه زيادة على الولد. وكان سبب نزول الآية: اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في يوم بدر كما سيأتي بيانه فنزع الله ما غنموه من أيديهم وجعله لله والرسول، فقال: 1- "قل الأنفال لله والرسول" أي حكمها مختص بهما يقسمها بينكم رسول الله عن أمر الله سبحانه وليس لكم حكم في ذلك.
وقد ذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن الأنفال كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ليس لأحد فيها شيء حتى نزل قوله تعالى: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه". ثم أمرهم بالتقوى، وإصلاح ذات البين، وطاعة الله والرسول بالتسليم لأمرهما، وترك الاختلاف الذي وقع بينهم، ثم قال: "إن كنتم مؤمنين" أي امتثلوا هذه الأوامر الثلاثة إن كنتم مؤمنين بالله، وفيه من التهييج والإلهاب ما لا يخفى، مع كونهم في تلك الحال على الإيمان فكأنه قال: إن كنتم مستمرين على الإيمان بالله، لأن هذه الثلاثة الأمور التي هي تقوى الله، وإصلاح ذات البين، وطاعة الله والرسول، لا يكمل الإيمان بدونها، بل لا يثبت أصلاً لمن لم يمتثلها، فإن من ليس بمتق وليس بمطيع لله ورسوله ليس بمؤمن.
وقد أخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي أمامة قال: سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال: فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا، فانتزعه الله من أيدينا وجعله إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقسمه رسول الله بين المسلمين عن بواء يقول عن سواء. وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عبادة بن الصامت قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدراً، فالتقى الناس فهزم الله العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون، وأكبت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة، حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب، وقال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم بأحق بها منا نحن نفينا عنه العدو وهزمناهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: لستم بأحق بها منا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وخفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به، فنزلت: "يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول" قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أغار في أرض العدو نفل الربع، وإذا أقبل راجعاً وكل الناس نفل الثلث، وكان يكره الأنفال ويقول: ليرد قوي المسلمين على ضعيفهم. وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري قال:" بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فنصرها الله وفتح عليها، فكان من آتاه بشيء نفله من الخمس، فرجع رجال كانوا يستقدمون ويقتلون ويأسرون وتركوا الغنائم خلفهم، فلم ينالوا من الغنائم شيئاً، فقالوا: يا رسول الله ما بال رجال منا يستقدمون ويأسرون، وتخلف رجال لم يصلوا بالقتال فنفلتهم بالغنيمة؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل: "يسألونك عن الأنفال" الآية، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:ردوا ما أخذتم واقتسموا بالعدل والسوية فإن الله يأمركم بذلك، فقالوا: قد أنفقنا وأكلنا، فقال: احتسبوا ذلك". وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن سعد بن أبي وقاص قال: "قلت: يا رسول الله قد شفاني الله اليوم من المشركين، فهب لي هذا السيف، فقال:إن هذا السيف لا لك ولا لي، ضعه، فوضعته، ثم رجعت قلت: عسى يعطى هذا السيف اليوم من لا يبلي بلائي إذا رجل يدعوني من ورائي، قلت: قد أنزل الله في شيئاً؟ قال: كنت سألتني هذا السيف وليس هو لي، وإنه قد وهب لي فهو لك وأنزل الله هذه الآية "يسألونك عن الأنفال"" وفي لفظ لأحمد "أن سعداً قال: لما قتل أخي يوم بدر وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكنيفة فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر نحو ما تقدم" وقد روي هذا الحديث عن سعد من وجوه أخر. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن الناس سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم يوم بدر فنزلت: "يسألونك عن الأنفال".". وأخرج ابن مروديه عنه قال: لم ينفل النبي صلى الله عليه وسلم بعد إذ نزلت عليه "يسألونك عن الأنفال" إلا من الخمس فإنه نفل يوم خيبر من الخمس. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن حبان وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال لما كان يوم بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلاً فله كذا وكذا، ومن أسر أسيراً فله كذا وكذا، فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات، وأما الشبان فسارعوا إلى القتل والغنائم، فقالت المشيخة للشبان: أشركونا معكم فإنا كنا لكم ردءاً، ولو كان منكم شيء للجأتم إلينا، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت: "يسألونك عن الأنفال" الآية، فقسم النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم بينهم بالسوية". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: "يسألونك عن الأنفال" قال: الأنفال المغانم، كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ليس لأحد منها شيء ما أصاب من سرايا المسلمين من شيء أتوه به، فمن حبس منه إبرة أو سلكاً فهو غلول فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم منها شيئاً فأنزل الله: "يسألونك عن الأنفال قل الأنفال" لي جعلتها لرسولي ليس لكم فيها شيء "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم" إلى قوله: "إن كنتم مؤمنين" ثم أنزل الله "واعلموا أنما غنمتم من شيء" الآية، ثم قسم ذلك الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولذي القربى واليتامى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله، وجعل أربعة أخماس الناس فيه سواء، للفرس سهمان، ولصاحبه سهم، وللراجل سهم. وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "يسألونك عن الأنفال" قال: هي المغانم، ثم نسخها "واعلموا أنما غنمتم من شيء" الآية. وأخرج مالك وابن أبي شيبة وأبو عبيد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن القاسم بن محمد قال: سمعت رجلاً يسأل ابن عباس عن الأنفال فقال: الفرس من النفل والسلب من النفل، فأعاد المسألة فقال ابن عباس: هذا مثل ضبيع الذي ضربه عمر، وفي لفظ: فقال ما أحوجك أن يصنع بك كما صنع عمر بضبيع العراقي، وكان عمر ضربه حتى سالت الدماء على عقبيه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال: الأنفال المغانم، أمروا أن يصلحوا ذات بينهم فيها فيرد القوي على الضعيف. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والنحاس وأبو الشيخ عن عطاء في قوله: "يسألونك عن الأنفال" قال: هو ما شذ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال، من عبد أو دابة أو متاع فذلك للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع به ما شاء. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن عمرو قال: أرسلنا إلى سعيد بن المسيب نسأله عن الأنفال فقال: تسألوني عن الأنفال وإنه لا نفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج عبد الرزاق عن سعيد أيضاً قال: ما كانوا ينفلون إلا من الخمس وروى عبد الرزاق عنه أنه قال: لا نفل في غنائم المسلمين إلا في خمس الخمس. وأخرج عبد الرزاق عن أنس أن أميراً من الأمراء أراد أن ينفله قبل أن يخمسه فأبى أنس أن يقبله حتى يخمسه. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله: "يسألونك عن الأنفال" قال: ما أصابت السرايا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير والنحاس في ناسخه عن مجاهد وعكرمة قال: كانت الأنفال لله والرسول حتى نسخها آية الخمس "واعلموا أنما غنمتم من شيء" الآية. وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب المفرد، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله: "وأصلحوا ذات بينكم" قال: هذا تخريج من الله على المؤمنين أن يتقوا الله وأن يصلحوا ذات بينهم حيث اختلفوا في الأنفال. وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول، قال: كان صلاح ذات بينهم أن ردت الغنائم، فقسمت بين من ثبت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين من قاتل وغنم. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله: "وأطيعوا الله ورسوله" قال: طاعة الرسول اتباع الكتاب والسنة.
مدنية ، وهي خمس وسبعون آية . قيل : إلا سبع آيات من قوله " وإذ يمكر بك الذين كفروا " إلى آخر سبع آيات ، فإنها نزلت بمكة . والأصح أنها نزلت بالمدينة ، وإن كانت الواقعة بمكة .
1 - " يسألونك عن الأنفال " الآية ، قال أهل التفسير : سبب نزول هذه الآية هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر " من أتى مكان كذا فله من النفل كذا ومن قتل قتيلاً فله كذا ومن أسر أسيراً فله كذا ". ، فلما التقوا تسارع إليه الشبان وأقام الشيوخ ووجوه الناس عند الرايات ، فلما فتح الله على المسلمين جاؤوا يطلبون ماجعل لهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال الأشياخ : كنا ردءاً لكم ولو انهزمتم لانحزتم إلينا ، فلا تذهبوا بالغنائم دوننا ، وقام أبو اليسر بن عمرو الأنصاري أخو بني سلمة فقال : يا رسول الله إنك وعدت من قتل قتيلاً فله كذا ومن أسر أسيراً فله كذا وإنا قد قتلنا منهم سبعين وأسرنا منهم سبعين ، فقام سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال : والله يا رسول الله ما منعنا أن نطلب ما طلب هؤلاء زهادة في الأجر ولا جبن عن العدو ، ولكن كرهنا أن نعري مصافك { فيعطف عليه } خيل من المشركين فيصيبوك ، فأعرض عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال سعيد : يا رسول الله إن الناس كثير والغنيمة دون ذلك ، فإن تعط هؤلاء { الذين } ذكرت لا يبقى لأصحابك كبير شيء ، فنزلت: " يسألونك عن الأنفال " .
وقال ابن إسحاق : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما في العسكر فجمع فاختلف المسلمون فيه ، فقال من جمعه : هو لنا ، قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل كل امرئ ما أصاب ، وقال الذين كانوا يقاتلون العدو : لولا نحن ما أصبتموه ، وقال الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد رأينا أن نقتل العدو وأن نأخذ المتاع ولكنا خفنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كرة العدو ، وقمنا دونه فما أنتم بأحق به منا .
وروى مكحول عن أبي أمامة الباهلي قال : سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال ، قال : فينا معشر أصحاب بدر نزلت ، حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا ، فنزعه الله من أيدينا ، فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا عن بواء - يقول على سواء - وكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله وصلاح ذات البين .
وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه :" لما كان يوم بدر قتل أخي عمير ، وقتلت سعيد بن العاص بن أمية ، وأخذت سيفه ،وكان يسمى ذا الكثيفة ، فأعجبني فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله إن الله قد شفى صدري من المشركين فهب لي هذا السيف . فقال : ليس هذا لي ولا لك ، اذهب فاطرحه في القبض ، فطرحته ورجعت ، وبي مالا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلاحي ، وقلت : عسى أن يعطى هذا السيف من لم يبل بلائي فما جاوزت إلا قليلاً حتى جاءني الرسول ، وقد أنزل الله عز وجل : " يسألونك عن الأنفال " ، الآية . فخفت أن يكون قد نزل في شيء ، فلما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا سعد إنك سألتني السيف وليس لي ،وإنه قد صار لي الآن فاذهب فخذه فهو لك " .
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت المغانم لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ليس لأحد فيه شيء ، وما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به فمن حبس منه إبرةً أو سلكاً فهو غلول .
قوله : " يسألونك عن الأنفال " أي : عن حكم الأنفال وعلمها، وهو سؤال استخبار لا سؤال طلب . وقيل :هو سؤال طلب . قاله الضحاك وعكرمة . وقوله : " عن الأنفال " أي : من الأنفال ، عن بمعنى من . وقيل : عن صلة أي : يسألونك الأنفال ، وهكذا قراءة ابن مسعود بحذف عن . والأنفال : الغنائم ، واحدها : نفل ، وأصله الزيادة ، يقال : نفلتك وأنفلتك ، أي : زدتك ، سميت الغنائم أنفالاً : لأنها زيادة من الله تعالى لهذه الأمة على الخصوص .
وأكثر المفسرين على أن الآية في غنائم بدر . وقال عطاء : هي ما شذ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال، من عبد أو أمة ومتاع فهو للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع به ما شاء .
قوله تعالى : " قل الأنفال لله والرسول " { يقسمها كما شاء } واختلفوا فيه ، فقال مجاهد و عكرمة و السدي : هذه الآية منسوخة بقوله عز وجل : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول " الآية . كانت الغنائم يومئذ للنبي صلى الله عليه وسلم فنسخها الله عز وجل بالخمس .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هي ثابتة غير منسوخة ، ومعنى الآية : قل الأنفال لله مر الدنيا والآخرة وللرسول يضعها حيث أمره الله تعالى ، أي : الحكم فيها لله ولرسوله ، وقد بين الله مصارفها في قوله عز وجل : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول " الآية .
" فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " ، أي : اتقوا الله بطاعته وأصلحوا الحال بينكم بترك المنازعة والمخالفة ، وتسليم أمر الغنيمة إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم . " وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين " .
بسم الله الرحمن الرحيم
1." يسألونك عن الأنفال " أي الغنائم يعني حكمها ، وإنما سميت الغنيمة نفلا لأنها عطية من الله وفضل كما سمي به ما يشرطه الإمام لمقتحم خطر عطية له وزيادة على سهمه . " قل الأنفال لله والرسول " أي أمرها مختص بهما يقسمها الرسول على ما يأمره الله به . وسبب نزوله اختلاف المسلمين في غنائم بدر أنها كيف تقسم ومن يقسم المهاجرون منهم أو الأنصار . وقيل شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان له غناء أن ينفله ، فتسارع شبانهم حتى قتلوا سبعين وأسروا سبعين ثم طلبوا نفلهم - وكان المال قليلا - فقال الشيوخ والوجوه الذين كانوا عند الرايات كنا ردءا لكم وفئة تنحازون إلينا ، فنزلت فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم على السواء ن ولهذا قيل لا يلزم الإمام أن يفي بما وعد وهو قول الشافعي رضي الله عنه ، و"عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال: لما كان يوم بدر قتل أخي عمير فقتلت به سعيد بن العاص وأخذت سيفه ، فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم واستوهبته منه فقال :ليس هذا لي ولا لك اطرحه في القبض فطرحته ، وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي فما جاوزت إلا قليلا حتى نزلت سورة الأنفال ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :سألتني السيف وليس لي وأنه قد صار لي فاذهب فخذه . " وقرئ (يسألونك علنفال ) بحذف الهمزة والفاء حركتها على اللام وإدغام نون عن فيها ، ويسألونك الأنفال أي يسألك الشبان ما شرطت لهم " فاتقوا الله " في الاختلاف والمشاجرة . " وأصلحوا ذات بينكم " الحال التي بينكم بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم الله وتسليم أمره إلى الله والرسول . " وأطيعوا الله ورسوله " فيه . " إن كنتم مؤمنين " فإن الإيمان يقتضي ذلك ، أو إن كنتم كاملي الإيمان فإن كمال الإيمان بهذه الثلاثة :طاعة الأوامر ن والاتقاء عن المعاصي ، وإصلاح ذات البين بالعدل والإحسان .
Surah 8. Al-Anfal
1. They ask thee (O Muhammad) of the spoils of war. Say: The spoils of war belong to Allah and the messenger, so keep your duty to Allah, and adjust the matter of your difference, and obey Allah and His messenger, if ye are (true) believers.
SURA 8: ANFAL
1 - They ask thee concerning (things taken as) spoils of war. say: (such) spoils are at the disposal of God and the Apostle: so fear God, and keep straight the relations between yourself: Obey God and his apostle, if ye do believe.