[النازعات : 29] وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا
29 - (وأغطش ليلها) أظلمه (وأخرج ضحاها) أبرز نور شمسها وأضيف إليها الليل لأنه ظلمها والشمس لأنها سراجها
وقوله : " وأغطش ليلها " يقول تعالى ذكره : وأظلم ليل السماء ، فأضاف الليل إلى السماء ، لأن غروب الشمس ، وغروبها وطلوعها فيها ، فأضيف إليها لما كان فيها ، كما قيل نجوم الليل ، إذ كان فيه الطلوع والغروب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " وأغطش ليلها " يقول : أظلم ليلها .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " وأغطش ليلها " يقول : أظلم ليلها .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحصسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " وأغطش ليلها " قال : أظلم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " وأغطش ليلها " قال : أظلم ليلها .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " وأغطش ليلها " قال : أظلم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " وأغطش ليلها " قال : الظلمة .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " وأغطش ليلها " قال : أظلم ليلها .
حدثنا محمد بن سنان القزاز ، قال : ثنا حفص بن عمر ، قال : ثنا الحكم عن عكرمة " وأغطش ليلها " قال : أظلم ليلها .
وقوله : " وأخرج ضحاها " يقول : وأخرج ضياءها ، يعني : أبرز نهارها فأظهره ، ونور ضحاها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " وأخرج ضحاها " نورها .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " وأخرج ضحاها " يقول : نور ضياءها .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " وأخرج ضحاها " قال : نهارها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ابن زيد ، في قوله " وأخرج ضحاها " قال : ضوء النهار .
قوله تعالى:" وأغطش ليلها" أي جعله مظلماً، غطش الليل وأغطشه الله، كقولك: ظلم الليل وأظلم الله، ويقال أيضاً : أغطش الليل بنفسه، وأغطشه الله، كما يقال: أظلم الليل، وأظلمه الله. والغطش والغبش: الظلمة. ورجل أغطش: أي أعمى، أو شبيه به، وقد غطش، والمرأة غطشاء، ويقال: ليلة غطشاء، وليل أغطش، وفلاة غطشى لا يهتدي لها، قال الأعشى :
ويهماء بالليل غطشى الفلا ة يؤنسني صوت فيادها
وقال الأعشى أيضاً:
عقرت لهم موهناً ناقتي وغامرهم مدلهم غطش
يعني بغامرهم ليلهم، لأنه غمرهم بسواده. وأضاف الليل إلى السماء لأن الليل يكون بغروب الشمس، والشمس مضاف إلى السماء، ويقال: نجوم الليل، لأن ظهورها بالليل. " وأخرج ضحاها" أي أبرز نهارها وضوءها وشمسها. وأضاف الضحا إلى السماء كما أضاف إليها الليل، لأن فيها سبب الظلام والضياء وهو غروب الشمس وطلوعها.
يقول تعالى محتجاً على منكري البعث في إعادة الخلق بعد بدئه: "أأنتم" أيها الناس "أشد خلقاً أم السماء" يعني بل السماء أشد خلقاً منكم, كما قال تعالى: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس" وقال تعالى: " أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم " وقوله تعالى: "بناها" فسره بقوله: "رفع سمكها فسواها" أي جعلها عالية البناء بعيدة الفناء مستوية الأرجاء مكللة بالكواكب في الليلة الظلماء, وقوله تعالى: "وأغطش ليلها وأخرج ضحاها" أي جعل ليلها مظلماً أسود حالكاً ونهارها مضيئاً مشرقاً نيراً واضحاً , وقال ابن عباس : أغطش ليلها أظلمه, وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وجماعة كثيرون "وأخرج ضحاها" أي أنار نهارها. وقوله تعالى: "والأرض بعد ذلك دحاها" فسره بقوله تعالى: "أخرج منها ماءها ومرعاها" وقد تقدم في سورة حم السجدة أن الأرض خلقت قبل خلق السماء ولكن إنما دحيت بعد خلق السماء, بمعنى أنه أخرج ما كان فيها بالقوة إلى الفعل, وهذا معنى قول ابن عباس وغير واحد واختاره ابن جرير . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي , حدثنا عبيد الله يعني ابن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس "دحاها" ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى وشقق فيها الأنهار, وجعل فيها الجبال والرمال والسبل والاكام, فذلك قوله: "والأرض بعد ذلك دحاها" وقد تقدم تقرير ذلك هنالك.
وقوله تعالى: "والجبال أرساها" أي قررها وأثبتها وأكدها في أماكنها وهو الحكيم العليم, الرؤوف بخلقه الرحيم. وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون , أخبرنا العوام بن حوشب عن سليمان بن أبي سليمان عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت فتعجبت الملائكة من خلق الجبال فقالت يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الجبال ؟ قال نعم: الحديد, قالت يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الحديد ؟ قال نعم: النار, قالت يا رب فهل من خلقك شيء أشد من النار, قال: نعم الماء, قالت يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الماء ؟ قال: نعم الريح, قالت يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الريح ؟ قال: نعم, ابن آدم يتصدق بيمينه يخفيها عن شماله" وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا ابن حميد حدثنا جرير عن عطاء عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: لما خلق الله الأرض قمصت وقالت تخلق علي آدم وذريته يلقون علي نتنهم ويعلون علي بالخطايا, فأرساها الله بالجبال فمنها ما ترون ومنها ما لا ترون, وكان أول قرار الأرض كلحم الجزور إذا نحر يختلج لحمه. غريب جداً. وقوله تعالى: "متاعاً لكم ولأنعامكم" أي دحا الأرض فأنبع عيونها, وأظهر مكنونها, وأجرى أنهارها, وأنبت زروعها وأشجارها وثمارها. وثبت جبالها لتستقر بأهلها ويقر قرارها, كل ذلك متاعاً لخلقه ولما يحتاجون إليه من الأنعام التي يأكلونها ويركبونها مدة احتياجهم إليها في هذا الدار, إلى أن ينتهي الأمد وينقضي الأجل.
29- "وأغطش ليلها" الغطش الظلمة: أي جعله مظلماً، يقال غطش الليل وأغطشه الله، كما يقال أظلم الليل وأظلمه الله، ورجل أغطش وامرأة غطشى لا يهتديان. قال الراغب: وأصله من الأغطش، وهو الذي في عينه عمش، ومنه فلاة غطشى لا يهتدي فيها، والتغاطش التعامي. قال الأعشى:
ودهماء بالليل غطشي الفلا ة يؤنسني صوت قيادها
وقوله:
وغامرهم مدلهم غطش
يعني غمرهم سواد الليل، وأضاف الليل إلى السماء لأن الليل يكون بغروب الشمس والشمس مضافاً إلى السماء "وأخرج ضحاها" أي أبرز نهارها المضيء بإضاءة الشمس، وعبر عن النهار بالضحى، لأنه أشرف أوقاته وأطيبها، وأضافه إلى السماء لأن يظهر بظهور الشمس، وهي منسوبة إلى السماء.
29- "وأغطش"، أظلم، "ليلها"، والغطش والغبش الظلمة، "وأخرج ضحاها"، أبرز وأظهر نهارها ونورها، وأضافهما إلى السماء لأن الظلمة والنور كلاهما ينزل من السماء.
29-" وأغطش ليلها " أظلمه منقول من غطش الليل إذا أظلم ، وإنما أضافه إليها لأنه يحدث حركتها " وأخرج ضحاها " وأبرز ضوء شمسها .كقوله تعالى : " والشمس وضحاها " يريد النهار .
29. And He made dark the night thereof, and He brought forth the morn thereof.
29 - Its night doth He endow with darkness, and its splendour doth He bring out (with light).