[الإنسان : 9] إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا
9 - (إنما نطعمكم لوجه الله) لطلب ثوابه (لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) شكرا فيه علة الاطعام وهل تكلموا بذلك أو علمه الله منهم فأثنى عليهم به قولان
وقوله : " إنما نطعمكم لوجه الله " يقول تعالى ذكره : يقولون : إنما نطعمكم إذا هم أطعموهم لوجه الله ، يعنون رضا الله ، والقربه إليه " لا نريد منكم جزاء ولا شكورا " يقولون للذين يطعمونهم ذلك الطعام : لا نريد منكم أيها الناس على إطعامناكم ثواباً ولا شكوراً .
وفي قوله " ولا شكورا " وجهان من المعنى : أحدهما أن يكون جمع الشكر كما الفلوس جمع فلس ، والكفور جمع كفر ، والآخر : أن يكون مصدراً واحداً في معنى جمع ، كما يقال : قعد قعوداً ، وخرج خروجاً .
وقد حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن سالم ، عن مجاهد " إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا " قال : أما إنهم ما تكلموا به ، ولكن علمه الله من قلوبهم ، فأثنى به عليهم ليرغب في ذلك راغب .
حدثنا محمد بن سنان القزاز ، قال : ثنا موسى بن إسماعيل ، قال : ثنا محمد بن مسلم بن أبي الوضاح ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير " إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا " قال : أما والله ما قالوه بألسنتهم ، ولكن علمه الله من قلوبهم ، فأثنى عليهم ليرغب في ذلك راغب .
قوله تعالى:" إنما نطعمكم لوجه الله " أي يقولون بألسنتهم واليتيم والأسير " إنما نطعمكم" في الله جل ثناؤه فزعاً من عذابه وطعماً في ثوابه. " لا نريد منكم جزاء" أي مكافأة. " ولا شكورا" أي ولا تثنوا علينا بذلك، قال ابن عباس: كذلك كانت نياتهم في الدنيا حين اطعموا. وعن سالم عن مجاهد قال: اما إنهم ما تكلموا به ولكن علمه الله جل ثناؤه منهم فأثنى به عليهم، ليرغب في ذلك راغب. وقاله سعيد بن جبير حكاه عنه القشيري. وقيل : ان هذه الآية نزلت في مطعم بن ورقاء الأنصاري نذر نذراً فوفى به. وقيل: نزلت فيمن تكفل بأسرى بدر وهم سبعة من المهاجرين: أبو بكر وعمر وعلي والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وأبو عبيدة رضي الله عنهم، ذكره الماوردي.
وقال مقاتل :" نزلت في رجل من الأنصار أطعم في يوم واحد مسكيناً ويتيماً وأسيراً". وقال أبو حمزة الثمالي: بلغني ان رجلاً قال يا رسول الله أطعمني فإني والله مجهود، فقال: ((والذي نفسي بيده ما عندي ما أطعمك ولكن اطلب)) فأتى رجلاً من الأنصار وهو يتعشى مع امرأته فسأله، واخبره بقول النبي صلى الله عليه وسلم فقالت المرأة: أطعمه واسقه. ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتيم فقال: يا رسول الله ! أطعمني فإني مجهودفقال ما عندي ما أطعمك ولكن اطلب فاستطعم ذلك الانصاري فقالت المرأة: اطعمه واسقه فأطعمه ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم أسير فقال يارسول الله أطعمني فإني مجهود فقال والله ما معي ما أطعمك ولكن اطلب فجاء الأنصاري فطلب فقالت المرأة اطعمه وأسقيه . فنزلت:" ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا" ذكره الثعلبي . وقال أهل التفسير: نزلت في علي وفاطمة رضي الله عنهما وجارية لهما اسمها فضة.
قلت: والصحيح أنها نزلت في جميع الأبرار، ومن فعل فعلاً حسناً، فهي عامة. وقد ذكر النقاش والثعلبي والقشيري وغير واحد من المفسرين في قصة على وفاطمة وجاريتهم حديثاً لا يصح ولا يثبتن رواه ليث عن مجاهد عن ابن عباس:
في قوله عز وجل: " يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا * ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا" قال :" مرض الحسن والحسين فعادهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعادهما عامة العرب، فقالوا: يا أبا الحسن" - ورواه جابر الجعفي عن قنبر مولى علي قال: مرض الحسن والحسين حتى عادهما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا أبا الحسن - رجع الحديث إلى حديث ليث بن أبي سليم- لو نذرت عن ولديك شيئاً، وكل نذر ليس له وفاء فليس بشيء. فقال رضي الله عنه: إن برأ ولداي صمت لله ثلاثة أيام شكراً. وقالت جارية لهم نوبية: إن برأ سيداي صمت لله ثلاثة أيام شكراً. وقالت فاطمة مثل ذلك. وفي حديث الجعفي فقال الحسن والحسين: علينا مثل ذلك فألبس الغلامان العافية، وليس عند آل محمد قليل ولا كثير، فانطلق علي الى شمعون بن حاريا الخيبري، وكان يهودياً، فاستقرض منه ثلاثة أصوع من شعير، فجاء به، فوضعه ناحية البيت، فقامت فاطمة إلى صاع فطحنته واختبرته، وصلى علي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم اتى المنزل فوضع الطعام بين يديه. وفي حديث الجعفي: فقامت الجارية الى صاع من شعير فخبزت منه خمسة اقراص، لكل واحد منهم قرص، فلما مضى صيامهم الأول وضع بن أيديهم الخبز والملح الجريش، إذ اتاهم مسكين، فوقف بالباب وقال: السلام عليكم أهل بيت محمد - في حديث الجعفي - أنا مسكين من مساكين امة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنا والله جائع، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة. فسمعه علي رضي الله عنه، فأنشأ يقول:
فاطم ذات الفضل واليقين با بنت خير الناس أجمعين
أما ترين البائس المسكين قد قام بالباب له حنين
يشكو إلى الله ويستكين يشكو إلينا جائع حزين
كل امرئ بكسبه رهين وفاعل الخيرات يستبين
موعدنا جنة عليين حرمها الله على الضنين
وللبخيل موقف مهين تهوي به النار إلى سجين
شرابه الحميم والغسلين من يفعل الخير يقم سمين
يدخل الجنة أي حين
فأنشأت فاطمة رضي الله عنها تقول:
أمرك عندي يا بن عم طاعه ما بي من لؤم ولا وضاعة
غديت في الخبز له صناعة اطعمه ولا أبالي الساعة
أرجو إذا أشبعت ذا المجاعة ان ألحق الأخبار والجماعة
وأدخل الجنة لي شفاعة
فأطعموه الطعام، ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئاً إلا الماء القراح، فلما أن كان في اليوم الثاني قامت إلى صاع فطحنته واختبزته، وصلى علي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين أيديهم، فوقف بالباب يتيم فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد- في حديث الجعفي - أنا مسكين من مساكين أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وانا والله جائع، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة. فسمعه علي رضي الله عنه، فأنشأ يقول:
فأطعموه الطعام، ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح، فما أن كان في اليوم الثاني قامت إلى صاع فطحنته واختبرته، وصلى علي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين ايديهم، فوقف بالباب يتيم فقال: السلام عليكم اهل بيت محمد، يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة. أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة. فسمعه علي فأنشأ يقول:
فاطم بنت السيد الكريم بنت نبي ليس بالزنيم
لقد أتى الله بذي اليتيم من يرحم اليوم يكن رحيم
ويدخل الجنة أي سليم قد حرم الخلد على اللئيم
ألا يجوز الصراط المستقيم يزل في النار إلى الجحيم
شرابه الصديد والحميم
فأنشأت فاطمة رضي الله عنها تقول:
أطعمه اليوم ولا ابالي وأوثر الله على عيالي
أمسوا جياعاً وهم أشبالي أصغرهم يقتل في القتال
بكر بلا يقتل باغتيال يا ويل للقاتل مع وبال
تهوي به النار إلى سفال وفي يديه الغل والأغلال
كبولة زادت على الأكبال
فاطعموه الطعام ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئاً الا الماء القراح، فلما كانت في اليوم الثالث قامت الى الصاع الباقي فطحنته واختبرته، وصلى علي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم اتى المنزل فوضع الطعام بين أيديهم، إذ اتاهم أسير فوقف بالباب فقال: السلام عليكم اهل بيت محمد، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا! أطعموني فإني أسير محمد. فسمعه علي فأنشأ يقول:
فاطم يا بنت النبي أحمد بنت نبي سيد مسود
وسماه الله فهو محمد قد زانه الله بحسن أغيد
هذا أسير للنبي المهتد مثقل في غلة مقيد
يشكو الينا الجوع قد تمدد من يطعم اليوم يجده في غد
عند العلي الواحد الموحد ما يزرع الزارع سوف يحصد
أعطيه لا لا تجعليه أقعد
فأنشأت فاطمة رضي الله تعالى عنها تقول:
لم يبق مما جاء صاع قد ذهبت كفي مع الذراع
ابناي والله هما جياع يا رب لا تتركهما ضياع
أبوهما للخير ذو اصطناع يصطنع المعروف بابتداع
عبل الذراعين شديد الباع وما على رأسي من قناع
إلا قناعاً نسجة أنساع
فأعطوه الطعام ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح، فلما ان كان في اليوم الرابع، وقد قضى الله النذر أخذ بيده اليمنى الحسن، وبيده اليسرى الحسين، وأقبل نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، فلما أبصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( يا أبا الحسن ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم انطلق بنا إلى ابنتي فاطمة)) فانطلقوا إليها وهي في محرابها، وقد لصق بطنها بظهرها، وغارت عيناها من شدة الجوع، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف المجاعة في وجهها بكى وقال: ((واغوثاه يا الله، أهل بيت محمد يموتون جوعاً)) فهبط جبريل عليه السلام وقال: السلام عليك، ربك يقرئك السلام يا محمد، خذه هنيئاً في اهل بيتك. قال: ((وما آخذ يا جبريل)) فأقرأه " هل أتى على الإنسان حين من الدهر " الى قوله:" ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا" ، " إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا" قال الترمذي الحكيم ابو عبد الله في نوادر الأًول : فهذا حديث مزوق مزيف، قد تطرف فيه صاحبه حتى تشبه على المستمعين، فالجاهل بهذا الحديث يعض شفتيه تلهفاً الا يكون بهذا الصفة، ولا يعلم ان صاحب هذا الفعل مذموم، وقد قال الله تعالى في تنزيله: " ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو" [ البقرة: 219] وهو الفضل الذي يفضل عن نفسه وعيالك، وجرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متواترة بان((خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى)). ((وابدأ بنفسك ثم بمن تعول)) وافترض الله على الأزواج نفقة أهاليهم وأولادهم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ((كفى بالمرء إثماً ان يضيع من يقوت)) " أفيحسب عاقل ان علياً جهل هذا الأمر حتى أجهد صبيانا صغارا من ابناء خمس او ست على جوع ثلاثة أيام ولياليهن؟ حتى تضوروا من الجوع، وغارت العيون منهم، لخلاء أجوافهم،حتى أبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بهم من الجهد. هب انه آثر على نفسه هذا السائل، فهل كان يجوز له ان يحمل اهله على ذلك ؟! ما يروح مثل هذا الا على حمقى جهال، أبى الله لقلوب متنبهة ان تظن بعلي مثل هذا. وليت شعري من حفظ هذه الأبيات كل ليلة عن علي وفاطمة، وإجابة كل واحد منهما صاحبه، حتى أداه الى هؤلاء الرواة؟! فهذا و أشباهه من احاديث اهل السجون فيما أرى. بلغني ان قوماص يخلدون في السجون فيبقون بلا حيلة، فيكتبون أحاديث في السمر وأشباهه، ومثل هذه الأحاديث مفتعلة، فإذا صارت الى الجهابذة رموا بها وزيفوها، وما من شيء الا له آفة ومكيدة، وآفة الدين وكيده اكثر.
يخبر تعالى عما أرصده للكافرين من خلقه به من السلاسل والأغلال والسعير, وهو اللهب والحريق في نار جهنم كما قال تعالى: "إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون * في الحميم ثم في النار يسجرون" ولما ذكر ما أعده لهؤلاء الأشقياء من السعير قال بعده: "إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً" وقد علم ما في الكافور من التبريد والرائحة الطيبة مع ما يضاف إلى ذلك من اللذاذة في الجنة. قال الحسن : برد الكافور في طيب الزنجبيل ولهذا قال: "عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً" أي هذا الذي مزج لهؤلاء الأبرار من الكافور هو عين يشرب بها المقربون من عباد الله صرفاً بلا مزج ويروون بها, ولهذا ضمن يشرب معنى يروى حتى عداه بالباء ونصب عيناً على التمييز, قال بعضهم: هذا الشراب في طيبه كالكافور, وقال بعضهم: هو من عين كافور, وقال بعضهم: يجوز أن يكون منصوباً بيشرب حكى هذه الأقوال الثلاثة ابن جرير . وقوله تعالى: "يفجرونها تفجيراً" أي يتصرفون فيها حيث شاؤوا وأين شاؤوا من قصورهم ودورهم ومجالسهم ومحالهم, والتفجير هو الإنباع كما قال تعالى: " وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا " وقال "وفجرنا خلالهما نهراً".
وقال مجاهد : "يفجرونها تفجيراً" يقودونها حيث شاؤوا وكذا قال عكرمة وقتادة , وقال الثوري يصرفونها حيث شاؤوا, وقوله تعالى: "يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً" أي يتعبدون لله فيما أوجبه عليهم من فعل الطاعات الواجبة بأصل الشرع وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر. قال الإمام مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن مالك عن عائشة رضي الله عنها " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" رواه البخاري من حديث مالك . ويتركون المحرمات التي نهاهم عنها خيفة من سوء الحساب يوم المعاد وهو اليوم الذي شره مستطير أي منتشر عام على الناس إلا من رحم الله, قال ابن عباس : فاشياً, وقال قتادة : استطار والله شر ذلك اليوم حتى ملأ السموات والأرض, وقال ابن جرير : ومنه قولهم: استطار الصدع في الزجاجة واستطال, ومنه قول الأعشى :
فبانت وقد أسأت في الفؤا د صدعاً على نأيها مستطيراً
يعني ممتداً فاشياً. وقوله تعالى: "ويطعمون الطعام على حبه" قيل على حب الله تعالى, وجعلوا الضمير عائداً إلى الله عز وجل لدلالة السياق عليه, والأظهر أن الضمير عائد على الطعام أي ويطعمون الطعام في حال محبتهم وشهوتهم له, قاله مجاهد ومقاتل واختاره ابن جرير كقوله تعالى: "وآتى المال على حبه" وكقوله تعالى: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" وروى البيهقي من طريق الأعمش عن نافع قال: مرض ابن عمر فاشتهى عنباً أول ما جاء العنب فأرسلت صفية, يعني امرأته , فاشترت عنقوداً بدرهم فاتبع الرسول سائل فلما دخل به قال السائل: السائل. فقال ابن عمر : أعطوه إياه فأعطوه إياه, فأرسلت بدرهم آخر فاشترت عنقوداً فاتبع الرسول السائل, فلما دخل قال السائل: السائل. فقال ابن عمر : أعطوه إياه فأعطوه إياه, فأرسلت صفية إلى السائل فقالت والله إن عدت لا تصيب منه خيراً أبداً, ثم أرسلت بدرهم آخر فاشترت به. وفي الصحيح "أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر" أي في حال محبتك للمال وحرصك عليه وحاجتك إليه, ولهذا قال تعالى: "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً" أما المسكين واليتيم فقد تقدم بيانهما وصفتهما, وأما الأسير فقال سعيد بن جبير والحسن والضحاك : الأسير من أهل القبلة, وقال ابن عباس : كان أسراؤهم يومئذ مشركين, ويشهد لهذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى, فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء, وقال عكرمة : هم العبيد, واختاره ابن جرير لعموم الاية للمسلم والمشرك, وهكذا قال سعيد بن جبير وعطاء والحسن وقتادة , وقد وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الأرقاء في غير ما حديث, وحتى أنه كان آخر ما أوصى أن جعل يقول: "الصلاة وما ملكت أيمانكم" قال مجاهد : هو المحبوس, أي يطعمون الطعام لهؤلاء وهم يشتهونه ويحبونه قائلين بلسان الحال "إنما نطعمكم لوجه الله" أي رجاء ثواب الله ورضاه "لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً" أي لا نطلب منكم مجازاة تكافئوننا بها ولا أن تشكرونا عند الناس.
قال مجاهد وسعيد بن جبير : أما والله ما قالوه بألسنتهم ولكن علم الله به من قلوبهم, فأثنى عليهم به. ليرغب في ذلك راغب "إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً" أي إنما نفعل هذا لعل الله أن يرحمنا ويتلقانا بلطفه في اليوم العبوس القمطرير. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : عبوساً ضيقاً, قمطريراً طويلاً, وقال عكرمة وغيره عنه في قوله "يوماً عبوساً قمطريراً" قال: يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران. وقال مجاهد "عبوساً" العابس الشفتين "قمطريراً" قال: يقبض الوجه بالبسور. وقال سعيد بن جبير وقتادة : تعبس فيه الوجوه من الهول, قمطريراً تقليص الجبين وما بين العينين من الهول. وقال ابن زيد , العبوس الشر, والقمطرير الشديد, وأوضح العبارات, وأجلاها, وأحلاها, وأعلاها وأولاها قول ابن عباس رضي الله عنه, قال ابن جرير : والقمطرير هو الشديد يقال: هو يوم قمطرير ويوم قماطر ويوم عصيب وعصبصب, وقد اقمطر اليوم يقمطر اقمطراراً, وذلك أشد الأيام وأطولها في البلاء والشدة ومنه قول بعضهم:
بني عمنا هل تذكرون بلاءنا ؟ عليكم إذا ما كان يوم قماطر
قال الله تعالى: "فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً" وهذا من باب التجانس البليغ "فوقاهم الله شر ذلك اليوم" أي آمنهم مما خافوا منه "ولقاهم نضرة" أي في وجوههم "وسروراً" أي في قلوبهم, قاله الحسن البصري وقتادة وأبو العالية والربيع بن أنس , وهذه كقوله تعالى: "وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة" وذلك أن القلب إذا سر استنار الوجه, قال كعب بن مالك في حديثه الطويل. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سراستنار وجهه حتى كأنه فلقة قمر, وقالت عائشة رضي لله عنها: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسروراً تبرق أسارير وجهه الحديث. وقوله تعالى: "وجزاهم بما صبروا" أي بسبب صبرهم أعطاهم ونولهم وبوأهم جنة وحريراً أي منزلاً رحباً وعيشاً رغيداً ولباساً حسناً. وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة هشام بن سليمان الداراني قال: قرىء على أبي سليمان الداراني سورة "هل أتى على الإنسان ؟" فلما بلغ القارىء إلى قوله تعالى: "وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً" قال: بما صبروا على ترك الشهوات في الدنيا ثم أنشد يقول:
كم قتيل بشهوة وأسير أف من مشتهى خلاف الجميل
شهوات الإنسان تورثه الذل وتلقيه في البلاء الطويل
ويؤيد هذا قوله: 9- " إنما نطعمكم لوجه الله" والمسكين ذو المسكنة، وهو الفقير، أو من هو أفقر من الفقير، والمراد باليتيم يتامى المسلمين، والأسير الذي يؤسر فيحبس. قال قتادة ومجاهد: الأسير المحبوس. وقال عكرمة: الأسير العبد. وقال أبو حمزة الثمالي: الأسير المرأة. قال سعيد بن جبير: نسخ هذا الإطعام آية الصدقات وآية السيف في حق الأسير الكافر, وقال غيره: بل هي محكمة، وإطعام المسكين واليتيم على التوع، وإطعام الأسير لحفظ نفسه إلى أن يتخير فيه الإمام، وجملة "إنما نطعمكم لوجه الله" في محل نصب على الحال بتقدير القول: أي يقولون إنما نطعمكم، أو قائلين إنما نطعمكم: يعني أنهم يستكملوا بهذا ولكن عمله الله من قلوبهم فأثنى عليهم بذلك. قال الواحدي: قال المفسرون: لم يستكملوا بهذا ولكن علمه الله من قلوبهم فأثنى عليهم وعلم من ثنائه أنهم فعلوا ذلك خوفاً من الله ورداء ثوابه "لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا" أي لا نطلب منكم المجازاة على هذا الإطعام ولا نريد منكم الشكر لنا، بل هو خالص لوجه الله، وهذه الجملة مقررة لما قبلها، لأن من أطعم لوجه الله لا يريد المكافأة ولا يطلب الشكر له ممن أطعمه.
9- "إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً"، والشكور مصدر كالعقود والدخول والخروج. قال مجاهد وسعيد بن جبير: إنهم لم يتكلموا به ولكن علم الله ذلك من قلوبهم، فأثنى عليهم.
9-" إنما نطعمكم لوجه الله " على إرادة القول بلسان الحال أو المقال إزاحة لتوهم المن وتوقع المكافأة المنقصة للأجر . وعن عائشة رضي الله تعالى عنها : أنها كانت تبعث بالصدقة إلى أهل بيت ثم تسأل المبعوث ما قالوا ،فإن ذكر دعاء دعت لهم بمثله ليبقى ثواب الصدقة لها خالصاً عند الله . " لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً " أي شكراً .
9. (Saying): We feed you, for the sake of Allah only. We wish for no reward nor thanks from you;
9 - (Saying), We feed you for the sake of God alone: no reward do we desire from you, nor thanks.