[القيامة : 22] وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ
22 - (وجوه يومئذ) أي يوم القيامة (ناضرة) حسنة مضيئة
وقوله : " وجوه يومئذ ناضرة " يقول تعالى ذكره : وجوه يومئذ ، يعني يوم القيامة ناضرة : يقول حسنة جميلة من النعيم ، يقال من ذلك : نضر وجه فلان : إذا حسن من النعمة ونضر الله وجهه : إذا حسنه كذلك .
واختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم بالذي قلنا فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن إسماعيل البخاري ، قال : ثنا آدم ، قال : ثنا المبارك ، عن الحسن " وجوه يومئذ ناضرة " قال : حسنة .
حدثنا ابو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد " وجوه يومئذ ناضرة " قال : نضرة الوجوه : حسنها .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " وجوه يومئذ ناضرة " قال : الناضرة : الناعمة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد " وجوه يومئذ ناضرة " قال : الوجوه الحسنة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد " وجوه يومئذ ناضرة " قال : من السرور والنعيم والغبطة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك أنها مسرورة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " وجوه يومئذ ناضرة " قال : مسرورة " إلى ربها ناظرة " .
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : أنها تنظر إلى ربها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن منصور الطوسي ، و إبراهيم بن سعيد الجوهري قالا : ثنا علي بن الحسن بن شقيق ، قال : ثنا الحسين بن واقد ، عن زيد النحوي ، عن عكرمة " وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة " قال : تنظر إلى ربها نظراً .
حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ، قال : سمعت أبي يقول : أخبرني الحسين بن واقد في قوله " وجوه يومئذ ناضرة " من النعيم " إلى ربها ناظرة " قال : أخبرني يزيد النحوي عن عكرمة وإسماعيل بن أبي خالد وأشياخ من أهل الكوفة قال : تنظر إلى ربها نظرا .
حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال : ثنا آدم قال ثنا المبارك عن الحسن في قوله " وجوه يومئذ ناضرة " قال : حسنة " إلى ربها ناظرة " قال : تنظر إلى الخالق ، وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق .
حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : ثنا خالد بن عبد الرحمن ، قال : ثنا أبو عرفجة ، عن عطية العوفي ، في قوله " وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة " قال : هم ينظرون إلى الله لا تحيط أبصارهم به من عظمته ، وبصره محيط بهم ، فذلك قوله " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار " [ الأنعام : 103 ] .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنها تنتظر الثواب من ربها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عمر بن عبيد ، عن منصور ، عن مجاهد " وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة " قال : تنتظر منه الثواب .
قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، " إلى ربها ناظرة " قال : تنتظر الثواب من ربها .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد " إلى ربها ناظرة " قال : تنتظر الثواب .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد " إلى ربها ناظرة " قال : تنتظر الثواب من ربها ، لا يراه من خلقه شيء .
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : ثنا أبي عن أبيه ، عن جده عن الأعمش ، عن مجاهد " وجوه يومئذ ناضرة " قال : نضرة من النعيم " إلى ربها ناظرة " قال : تنتظر رزقه وفضله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : كان أناس يقولون في حديث ( فيرون ربهم ) فقلت لـ مجاهد : إن ناساً يقولون إنه يرى ، قال : يرى ولا يراه شيء .
قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله " إلى ربها ناظرة " قال : تنتظر من ربها ما لها .
حدثني أبو الخطاب الحساني ، قال : ثنا مالك ، عن سفيان ، قال : ثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله " وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة " قال : تنتظر الثواب .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن ثوير ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى ملكه وسروره وخدمه مسيرة ألف سنة ، يرى أقصاه كما يرى أدناه ، وإن أرفع أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى وجه الله بكرة وعشية .
قال : ثنا ابن يمان ، قال : ثنا أشجع ، عن أبي الصهباء الموصلي ، قال : إن أدنى أهل الجنة منزلة ، من يرى سرره وخدمه وملكه في مسيرة ألف سنة ، فيرى أقصاه كما يرى أدناه ، وإن أفضلهم منزلة ، من ينظر إلى وجه الله غدوة وعشية .
وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب القول الذي ذكرناه عن الحسن و عكرمة ، من أن معنى ذلك تنظر إلى خالقها ، وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
"حدثني علي بن الحسين بن أبجر ، قال : ثنا مصعب بن المقدام ، قال : ثنا إسرائيل بن يونس ، عن ثوير ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أدنى أهل الجنة منزلة ، لمن ينظر في ملكه ألفي سنة ، قال : وإن أفضلهم منزلة لمن ينظر في وجه الله كل يوم مرتين ، قال : ثم تلا " وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة " قال : بالبياض والصفاء ، قال : " إلى ربها ناظرة " قال : تنظر كل يوم في وجه الله عز وجل " .
قوله تعالي :" وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة " الاول من النضرة التي هي الحسن والنعمة والثاني من النظر أي وجوه المؤمنين مشرقة حسنة ناعمة ، يقال : نضرهم الله ينضرهم نضرة ونضارة وهو الاشراق والعيش والغني ، ومنه الحديث : "نضرة الله امرا سمع مقالتي فوعاها".

هذا تعليم من الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في كيفية تلقيه الوحي من الملك, فإنه كان يبادر إلى أخذه ويسابق الملك في قراءته, فأمره الله عز وجل إذا جاءه الملك بالوحي أن يستمع له وتكفل الله له أن يجمعه في صدره وأن ييسره لأدائه على الوجه الذي ألقاه عليه, وأن يبينه له ويفسره ويوضحه. فالحالة الأولى جمعه في صدره والثانية تلاوته والثالثة تفسيره وإيضاح معناه. ولهذا قال تعالى: "لا تحرك به لسانك لتعجل به" أي بالقرآن كما قال تعالى: "ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علماً" ثم قال تعالى: "إن علينا جمعه" أي في صدرك "وقرآنه" أي أن تقرأه "فإذا قرأناه" أي إذا تلاه عليك الملك عن الله تعالى: "فاتبع قرآنه" أي فاستمع له ثم اقرأه كما أقرأك "ثم إن علينا بيانه" أي بعد حفظه وتلاوته نبينه لك ونوضحه ونلهمك معناه على ما أردنا وشرعنا. قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن عن أبي عوانة عن موسى بن أبي عائشة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة فكان يحرك شفتيه " قال: فقال لي ابن عباس : أنا أحرك شفتي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه, وقال لي سعيد : وأنا أحرك شفتي كما رأيت ابن عباس يحرك شفتيه, فأنزل الله عز وجل " لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه " قال: جمعه في صدرك ثم تقرأه "فإذا قرأناه فاتبع قرآنه" أي فاستمع له وأنصت "ثم إن علينا بيانه" فكان بعد ذلك إذا انطلق جبريل قرأه كما أقرأه. وقد رواه البخاري ومسلم من غير وجه عن موسى بن أبي عائشة به. ولفظ البخاري فكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعده الله عز وجل.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا أبو يحيى التيمي , حدثنا موسى بن أبي عائشة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يلقى منه شدة, وكان إذا نزل عليه عرف في تحريكه شفتيه يتلقى أوله ويحرك به شفتيه, خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره " فأنزل الله تعالى: "لا تحرك به لسانك لتعجل به" وهكذا قال الشعبي والحسن البصري وقتادة ومجاهد والضحاك وغير واحد: إن هذه الاية نزلت في ذلك. وقد روى ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس "لا تحرك به لسانك لتعجل به" قال: كان لا يفتر من القراءة مخافة أن ينساه فقال الله تعالى: " لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه " أن نجمعه لك "وقرآنه" أن نقرئك فلا تنسى, وقال ابن عباس وعطية العوفي "ثم إن علينا بيانه" تبيين حلاله وحرامه وكذا قال قتادة . وقوله تعالى: " كلا بل تحبون العاجلة * وتذرون الآخرة " أي إنما يحملهم على التكذيب بيوم القيامة ومخالفة ما أنزله الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم من الوحي الحق والقرآن العظيم, أنهم إنما همتهم إلى الدار الدنيا العاجلة وهم لاهون متشاغلون عن الاخرة. ثم قال تعالى: "وجوه يومئذ ناضرة" من النضارة أي حسنة بهية مشرقة مسرورة "إلى ربها ناظرة" أي تراه عياناً كما رواه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه "إنكم سترون ربكم عياناً". وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الاخرة في الأحاديث الصحاح من طرق متواترة عند أئمة الحديث لا يمكن دفعها ولا منعها, لحديث أبي سعيد وأبي هريرة وهما في الصحيحين أنا ناساً قالوا: " يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال: هل تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب ؟ قالوا: لا, قال: فإنكم ترون ربكم كذلك".
وفي الصحيحين عن جرير قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر فقال: "إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر! فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس ولا قبل غروبها فافعلوا" وفي الصحيحين عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما, وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما, وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى الله عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن" . وفي أفراد مسلم عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة ـ قال ـ يقول الله تعالى: تريدون شيئاً أزيدكم ؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا! ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار! قال: فيكشف الحجاب, فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم وهي الزيادة" ثم تلا هذه الاية "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" وفي أفراد مسلم عن جابر في حديثه "إن الله يتجلى للمؤمنين يضحك" يعني في عرصات القيامة ففي هذه الأحاديث أن المؤمنين ينظرون إلى ربهم عز وجل في العرصات وفي روضات الجنات, وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية , حدثنا عبد الملك بن أبحر , حدثنا ثوير بن أبي فاخته عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أدنى أهل الجنة منزلة لينظر في ملكه ألفي سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه, ينظر إلى أزواجه وخدمه, وإن أفضلهم منزلة لينظر في وجه الله كل يوم مرتين" ورواه الترمذي عن عبد بن حميد عن شبابة عن إسرائيل عن ثوير قال: سمعت ابن عمر فذكره, قال: ورواه عبد الملك بن أبحر عن نوير عن مجاهد عن ابن عمر , وكذلك رواه الثوري عن نوير عن مجاهد عن ابن عمر ولم يرفعه, ولولا خشية الإطالة لأوردنا الأحاديث بطرقها وألفاظها من الصحاح والحسان والمسانيد والسنن, ولكن ذكرنا ذلك مفرقاً في مواضع من هذا التفسير وبالله التوفيق.
وهذا بحمد الله مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة كما هو متفق عليه بين أئمة الإسلام, وهداة الأنام, ومن تأول ذلك بأن المراد بإلى مفرد الالاء وهي النعم كما قال الثوري عن منصور عن مجاهد "إلى ربها ناظرة" قال: تنتظر الثواب من ربها, رواه ابن جرير من غير وجه عن مجاهد وكذا قال أبو صالح أيضاً فقد أبعد هذا القائل النجعة وأبطل فيما ذهب إليه, وأين هو من قوله تعالى: " كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " قال الشافعي رحمه الله تعالى: ما حجب الكفار إلا وقد علم أن الأبرار يرونه عز وجل ثم قد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما دل عليه سياق الاية الكريمة وهي قوله تعالى: "إلى ربها ناظرة" قال ابن جرير : حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري , حدثنا آدم , حدثنا المبارك عن الحسن "وجوه يومئذ ناضرة" قال حسنة "إلى ربها ناظرة" قال: تنظر إلى الخالق وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق.
وقوله تعالى: "ووجوه يومئذ باسرة * تظن أن يفعل بها فاقرة" هذه وجوه الفجار تكون يوم القيامة باسرة, قال قتادة : كالحة, وقال السدي : تغير ألوانها, وقال ابن زيد "باسرة" أي عابسة "تظن" أي تستيقن "أن يفعل بها فاقرة" قال مجاهد : داهية, وقال قتادة : شر, وقال السدي . تستيقن أنها هالكة, وقال ابن زيد : تظن أن ستدخل النار, وهذا المقام كقوله تعالى: "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه" وكقوله تعالى: " وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة * ووجوه يومئذ عليها غبرة * ترهقها قترة * أولئك هم الكفرة الفجرة " وكقوله تعالى: " وجوه يومئذ خاشعة * عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية " إلى قوله " وجوه يومئذ ناعمة * لسعيها راضية * في جنة عالية " في أشباه ذلك من الايات والسياقات.
22- "وجوه يومئذ ناضرة" أي ناعمة غضة حسنة، يقال: شجر ناضر وروض ناضر: أي حسن ناعم، ونضارة العيش حسنه وبهجته. قال الواحدي والمفسرون: يقولون مضيئة مفسرة مشرقة.
22- "وجوه يومئذ"، يعني يوم القيامة "ناضرة"، قال ابن عباس: حسنة، وقال مجاهد: مسرورة. وقال ابن زيد: ناعمة. وقال مقاتل/: بيض يعلوها النور. وقال السدي: مضيئة. وقال يمان: مسفرة. وقال الفراء: مشرقة بالنعيم. يقال: نضر الله وجهه ينضر نضراً، ونضره الله وأنضره ونضر وجهه ينضر نضرةً ونضارة. قال الله تعالى: "تعرف في وجوههم نضرة النعيم"، (المطففين- 24).
22-" وجوه يومئذ ناضرة " بهية متهللة .
22. That day will faces be resplendent,
22 - Some faces, that Day, will beam (in brightness and beauty);