[المدثر : 8] فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ
8 - (فإذا نقر في الناقور) نفخ في الصور وهو القرن النفخة الثانية
يعني جل ثناؤه بقوله : فإذا نفخ في الصور ، فذلك يومئذ يوم شديد .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن فضيل و أسباط ، عن مطرف ، عن عطية العوفي ، عن ابن عباس ، في قوله " فإذا نقر في الناقور * فذلك يومئذ يوم عسير " " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته يستسمع متى يؤمر ينفخ فيه ؟ فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف نقول ؟ فقال : تقولون : حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا " .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أبو رجاء ، عن عكرمة في قوله " فإذا نقر في الناقور " قال : إذا نفخ في الصور .
حدثنا محمد بن المثنى قال : ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله ، قال : ثنا شعبة ،عن أبي رجاء ، عن عكرمة ، في قوله " فإذا نقر في الناقور " مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن شريك ، عن جابر ، عن مجاهد " فإذا نقر في الناقور " قال : إذا نفخ في الصور .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " فإذا نقر في الناقور " قال : في الصور ، قال : هو شيء كهيئة البوق .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " فإذا نقر في الناقور " قال : هو يوم ينفخ في الصور الذي ينفخ فيه ، قال ابن عباس : " إن نبي الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أصحابه فقال : كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن ، وحنى جبهته ثم أقبل بأذنه يستسمع متى يؤمر بالصيحة ؟ فاشتد ذلك على أصحابه ، فأمرهم أن يقولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا " .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " فإذا نقر في الناقور " يقول : الصور .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : الحسن " فإذا نقر في الناقور " قال : إذا نفخ في الصور .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " فإذا نقر في الناقور " والناقور : الصور والصور : الخلق .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله " فإذا نقر في الناقور " يعني : الصور .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، قوله " فإذا نقر في الناقور " قال : الناقور : الصور .
حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " فإذا نقر في الناقور " قال : الصور .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
قوله تعالى : " فإذا نقر في الناقور" اذا نفخ في الصور. والناقور: فاعول من النقر، كأنه الذي من شأنه ان ينقر فيه للتصويت، والنقر في كلام العرب: الصوت، ومنه قول امرئ القيس:
أخفضه بالنقر لما علوته ويرفع طرفاً غير خاف غضيض
وهم يقولون: نقر باسم الرجل إذ دعاه مختصاً له بدعائه. وقال مجاهد وغيره: هو كهيئة البوق، ويعني به النفخة الثانية. وقيل : الأولى ، لأنها اول الشدة الهائلة العامة. وقد مضى الكلام في هذا مستوفى في (( النمل )) و ((الأنعام)) وفي كتاب (( التذكرة )) والحمد لله. وعن ابي حبان قال :
امنا زرارة بن اوفى فلما بلغ " فإذا نقر في الناقور" خر ميتاً.
ثبت ,في صحيح البخاري من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر أنه كان يقول: أول شيء نزل من القرآن "يا أيها المدثر" وخالفه الجمهور فذهبوا إلى أن أول القرآن نزولاً قوله تعالى: "اقرأ باسم ربك الذي خلق" كما سيأتي ذلك هنالك إن شاء الله تعالى. قال البخاري : حدثنا يحيى , حدثنا وكيع عن علي بن المبارك , عن يحيى بن أبي كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن فقال: "يا أيها المدثر" قلت: "اقرأ باسم ربك الذي خلق" فقال أبو سلمة : سألت جابر بن عبد الله عن ذلك وقلت له مثل ما قلت لي فقال جابر: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت فنوديت, فنظرت عن يميني فلم أر شيئاً, ونظرت عن شمالي فلم أر شيئاً, ونظرت أمامي فلم أر شيئاً ونظرت خلفي فلم أر شيئاً, فرفعت رأسي فرأيت شيئاً, فأتيت خديجة فقلت دثروني وصبوا علي ماء بارداً ـ قال ـ فدثروني وصبوا علي ماء بارداً ـ قال ـ فنزلت " يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر "" هكذا ساقه من هذا الوجه. وقد رواه مسلم من طريق عقيل عن ابن شهاب عن أبي سلمة قال: أخبرني جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: "فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتاً من السماء فرفعت بصري قبل السماء, فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض فجثثت منه حتى هويت إلى الأرض, فجئت إلى أهلي فقلت: زملوني زملوني فزملوني, فأنزل الله تعالى " يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر " قال أبو سلمة : والرجز الأوثان ـ ثم حمي الوحي وتتابع" هذا لفظ البخاري , وهذا السياق هو المحفوظ وهو يقتضي أنه قد نزل الوحي قبل هذا لقوله: "فإذا الملك الذي جاءني بحراء" وهو جبريل حين أتاه بقوله: "اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم" ثم إنه حصل بعد هذا فترة ثم نزل الملك بعد هذا.
ووجه الجمع أن أول شيء نزل بعد فترة الوحي هذه السورة, كما قال الإمام أحمد : حدثنا حجاج , حدثنا ليث , حدثنا عقيل عن ابن شهاب قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول: أخبرني جابر بن عبد الله " أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ثم فتر الوحي عني فترة فبينا أنا أمشي سمعت صوتاً من السماء, فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك الذي جاءني قاعد على كرسي بين السماء والأرض فجثيت منه فرقاً حتى هويت إلى الأرض, فجئت أهلي فقلت لهم زملوني زملوني فزملوني, فأنزل الله تعالى: "يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر" ثم حمي الوحي وتتابع" أخرجاه من حديث الزهري به. وقال الطبراني : حدثنا محمد بن علي بن شعيب السمسار , حدثنا الحسن بن بشر البجلي , حدثنا المعافى بن عمران عن إبراهيم بن يزيد : سمعت ابن أبي مليكة يقول سمعت ابن عباس يقول: إن الوليد بن المغيرة صنع لقريش طعاماً, فلما أكلوا منه قال: ما تقولون في هذا الرجل ؟ فقال بعضهم: ساحر, وقال بعضهم ليس بساحر, وقال بعضهم كاهن, وقال بعضهم ليس بكاهن, وقال بعضهم: شاعر, وقال بعضهم: ليس بشاعر, وقال بعضهم: بل سحر يؤثر, فأجمع رأيهم على أنه سحر يؤثر, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحزن وقنع رأسه وتدثر, فأنزل الله تعالى: "يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر * ولا تمنن تستكثر * ولربك فاصبر" وقوله تعالى: "قم فأنذر" أي شمر عن ساق العزم وأنذر الناس, وبهذا حصل الإرسال كما حصل بالأول النبوة.
"وربك فكبر" أي عظم. وقوله تعالى: "وثيابك فطهر" قال الأجلح الكندي عن عكرمة , عن ابن عباس أنه أتاه رجل فسأله عن هذه الاية "وثيابك فطهر" قال: لا تلبسها على معصية ولا على غدرة. ثم قال: أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي :
فإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع
وقال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في الاية "وثيابك فطهر" قال: في كلام العرب نقي الثياب وفي رواية بهذا الإسناد فطهر من الذنوب, وكذا قال إبراهيم والشعبي وعطاء , وقال الثوري عن رجل عن عطاء عن ابن عباس في هذه الاية "وثيابك فطهر" قال: من الإثم, وكذا قال إبراهيم النخعي وقال مجاهد "وثيابك فطهر" قال: نفسك ليس ثيابك, وفي رواية عنه "وثيابك فطهر" أي عملك فأصلح, وكذا قال أبو رزين , وقال في رواية أخرى "وثيابك فطهر" أي لست بكاهن ولا ساحر فأعرض عما قالوا. وقال قتادة "وثيابك فطهر" أي طهرها من المعاصي, وكانت العرب تسمي الرجل إذا نكث ولم يف بعهد الله إنه لدنس الثياب, وإذا وفى وأصلح إنه لمطهر الثياب, وقال عكرمة والضحاك : لا تلبسها على معصية. وقال الشاعر:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه فكل رداء يرتديه جميل
وقال العوفي عن ابن عباس "وثيابك فطهر" يعني لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب غير طائب, ويقال: لا تلبس ثيابك على معصية, وقال محمد بن سيرين "وثيابك فطهر" أي اغسلها بالماء, وقال ابن زيد : وكان المشركون لا يتطهرون فأمره الله أن يتطهر وأن يطهر ثيابه, وهذا القول اختاره ابن جرير , وقد تشمل الاية جميع ذلك مع طهارة القلب, فإن العرب تطلق الثياب عليه كما قال امرؤ القيس:
أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل وإن كنت قد أزمعت هجري فأجملي
وإن تك قد ساءتك مني خليقة فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
وقال سعيد بن جبير "وثيابك فطهر" وقلبك ونيتك فطهر, وقال محمد بن كعب القرظي والحسن البصري : وخلقك فحسن, وقوله تعالى: "والرجز فاهجر" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : والرجز وهو الأصنام فاهجر, وكذا قال مجاهد وعكرمة وقتادة والزهري وابن زيد : إنها الأوثان, وقال إبراهيم والضحاك "والرجز فاهجر" أي اترك المعصية, وعلى كل تقدير فلا يلزم تلبسه بشيء من ذلك كقوله تعالى: "يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين" "وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين". وقوله تعالى: "ولا تمنن تستكثر" قال ابن عباس : لا تعط العطية تلتمس أكثر منها, وكذا قال عكرمة ومجاهد وعطاء وطاوس وأبو الأحوص وإبراهيم النخعي والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم, وروي عن ابن مسعود أنه قرأ " ولا تمنن تستكثر " وقال الحسن البصري : لا تمنن بعملك على ربك تستكثره وكذا قال الربيع بن أنس واختاره ابن جرير , وقال خصيف عن مجاهد في قوله تعالى: "ولا تمنن تستكثر" قال: لا تضعف أن تستكثر من الخير, قال: تمنن في كلام العرب تضعف, وقال ابن زيد : لا تمنن بالنبوة على الناس تستكثرهم بها تأخذ عليه عوضاً من الدنيا. فهذه أربعة أقوال والأظهر القول الأول, والله أعلم.
وقوله تعالى: "ولربك فاصبر" أي اجعل صبرك على أذاهم لوجه ربك عز وجل قاله مجاهد . وقال إبراهيم النخعي : اصبر عطيتك لله عز وجل. وقوله تعالى: " فإذا نقر في الناقور * فذلك يومئذ يوم عسير * على الكافرين غير يسير " قال ابن عباس ومجاهد والشعبي وزيد بن أسلم والحسن وقتادة والضحاك والربيع بن أنس والسدي وابن زيد "الناقور" الصور, قال مجاهد : وهو كهيئة القرن. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا أسباط بن محمد عن مطرف عن عطية العوفي عن ابن عباس "فإذا نقر في الناقور" فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ ؟ فقال: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا"وهكذا رواه الإمام أحمد عن أسباط به, ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن ابن فضيل وأسباط كلاهما عن مطرف به, ورواه من طريق أخرى عن العوفي عن ابن عباس به.
وقوله تعالى: "فذلك يومئذ يوم عسير" أي شديد "على الكافرين غير يسير" أي غير سهل عليهم كما قال تعالى: "يقول الكافرون هذا يوم عسر", وقد روينا عن زرارة بن أوفى قاضي البصرة أنه صلى بهم الصبح, فقرأ هذه السورة فلما وصل إلى قوله تعالى: " فإذا نقر في الناقور * فذلك يومئذ يوم عسير * على الكافرين غير يسير " شهق شهقة ثم خر ميتاً رحمه الله تعالى.
8- "فإذا نقر في الناقور" الناقور فاعول من النقر كأنه من شأنه أن ينقر فيه للتصويت، والنقر في كلام العرب الصوت، ومنه قول امرئ القيس:
أخفضه بالنقر لما علوته
ويقولون نقر باسم الرجل إذا دعاه، والمراد هنا النفخ في الصور، والمراد النفخة الثانية، وقيل الأولى، وقد تقدم الكلام في هذا في سورة الأنعام وسورة النحل والفاء للسببية، كأنه قيل: اصبر على أذاهم، فبين أيديهم يوم هائل يلقون فيه عاقبة أمرهم.
8- "فإذا نقر في الناقور"، أي: نفخ في الصور، وهو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل، يعني النفخة الثانية.
8-" فإذا نقر " نفخ . " في الناقور " في الصور فاعول من النقر بمعنى التصويت وأصله القرع الذي هو سبب الصوت ، والفاء للسببية كأنه قال : اصبر على زمان صعب تلقى فيه عاقبة صبرك وأعداؤك عاقبة ضرهم ، و إذا ظرف لما دل عليه قوله :
8. For when the trumpet shall sound,
8 - Finally, when the trumpet is sounded,