[المدثر : 4] وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ
4 - (وثيابك فطهر) عن النجاسة أو قصرها خلاف جر العرب ثيابهم خيلاء فربما أصابتها نجاسة
ك واخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة صنع لقريش طعاما فلما أكلوا قال ما تقولون في هذا الرجل فقال بعضهم ساحر وقال بعضهم ليس بساحر وقال بعضهم كاهن وقال بعضهم ليس بكاهن وقال بعضهم شاعر وقال بعضهم ليس بشاعر وقال بعضهم سحر يؤثر فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحزن وقنع رأسه وتدثر فأنزل الله يا أيها المدثر قم فأنذر إلى قوله تعالى ولربك فاصبر
وقوله : " وثيابك فطهر " اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : لا تلبس ثيابك على معصية ، ولا على غدرة .
ذكر من قال ذلك .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " وثيابك فطهر " قال : أما سمعت قول غيلان بن سلمة :
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا مصعب بن سلام ، عن الأجلح ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أتاه رجل وأنا جالس فقال : أرأيت قول الله " وثيابك فطهر " قال : لا تلبسها على معصية ولا على غدرة ، ثم قال : أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي :
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع
حدثنا سعيد بن يحيى ، قال : ثنا حفص بن غياث ، عن الأجلح ، عن عكرمة ، وقله " وثيابك فطهر " قال : لا تلبسها على غدرة ، ولا على فجرة ، ثم تمثل بشعر غيلان بن سلمة هذا .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، قال : ثنا سفيان ، عن الأجلح بن عبد الله الكندي ، عن عكرمة " وثيابك فطهر " قال : لا تلبس ثيابك على معصية ، ألم تسمع قول غيلان بن سلمة الثقفي :
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : ثنا حجاج ، قال ابن جريج ، أخبرني عطاء ، أنه سمع ابن عباس يقول : " وثيابك فطهر " قال : من الإثم ، قال : نقي الثياب في كلام العرب .
حدثنا سعيد بن يحيى ، قال : ثنا حفص بن غياث القاضي ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قوله " وثيابك فطهر " قال : في كلام العرب : نقي الثياب .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم " وثيابك فطهر " قال : من الذنوب .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس " وثيابك فطهر " قال : من الذنوب .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " وثيابك فطهر " قال : هي كلمة من العربية كانت العرب تقولها ، طهر ثيابك : أي من الذنوب .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " وثيابك فطهر " يقول : طهرها من المعاصي ، فكانت العرب تسمي الرجل إذا نكث ولم يف بعد أنه دنس الثياب ، وإذا وفى وأصلح قالوا : مطهر الثياب .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس : " وثيابك فطهر " قال : من الإثم .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم " وثيابك فطهر " قال : من الإثم .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " وثيابك فطهر " يقول : لا تلبس ثيابك على معصية .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس " وثيابك فطهر " قال : من الإثم .
قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : من الإثم .
قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن الأجلح ، سمع عكرمة قال : لا تلبس ثيابك على معصية .
قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عامر و عطاء قالا : من الخطايا .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : لا تلبس ثيابك من مكسب غير طيب .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " وثيابك فطهر " قال : لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب غير طائب ، ويقال : لا تلبس ثيابك على معصية .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أصلح عملك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : ثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله " وثيابك فطهر " قال : عملك فأصلح .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي رزين ، في قوله " وثيابك فطهر " قال : عملك فأصلحه ، وكان الرجل إذا كان خبيث العمل ، قالوا : فلان خبيث الثياب ، وإذا كان حسن العمل قالوا : فلان طاهر الثياب .
وقال آخرون في ذلك ما :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " وثيابك فطهر " لست بكاهن ولا ساحر ، فأعرض عما قالوا .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : اغسلها بالماء ، وطهرها من النجاسة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني عباس بن أبي طالب ، قال : ثنا علي بن عبد الله بن جعفر ، عن أحمد بن موسى بن أبي مريم صاحب اللؤلؤ قال : أخبرنا ابن عون ، عن محمد بن سيرين " وثيابك فطهر " قال : اغسلها بالماء .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " وثيابك فطهر " قال : كان المشركون لا يتطهرون ، فأمره أن يتطهر ، ويطهر ثيابه .
وهذا القول الذي قاله ابن سيرين و ابن زيد ، في ذلك أظهر معانيه ، والذي قاله ابن عباس و عكرمة و أبن زكريا قول عليه أكثر السلف من أنه عني به : جسمك فطهر من الذنوب ، والله أعلم بمراده من ذلك .
السادسة - قوله تعالى : " وثيابك فطهر" فيه ثمانية اقوال: احدهما ان المراد بالثياب العمل. الثاني القلب. الثالث النفس. الرابع الجسم. الخامس الأهل. السادس الخلق. السابع الدين. الثامن الثياب الملبوسات على الظاهر. فمن ذهب الى القول الأول قال: تأويل الآية وعملك فأصلح قاله مجاهد وابن زيد. وروى منصور عن ابي رزين قال : يقول وعملك فأصلح، قال : واذا كان الرجل خبيث العمل قالوا ان فلانا خبيث الثياب، واذا كان حسن العمل قالوا ان فلانا طاهر الثياب، ونحوه عن السدي . ومنه قول الشاعر:
لا هم ان عامر بن جهم اودم حجا في ثياب دسم
ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال:
(( يحسر المرء في ثوبيه اللذين مات عليهما)) يعني عمله الصالح والطالح، ذكره الماوردي. ومن ذهب الى القول الثاني قال: ان تأويل الآية وقلبك فطهر، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير ، دليله قول امرئ القيس:
فسلى ثيابي من ثيابك تنسل
أي قلبي من قلبك. قال الماوردي : ولهم في تأويل الآية وجهان: احدهما - معناه وقلبك فطهر من الإثم والمعاصي، قاله ابن عباس وقتادة. الثاني - وقلبك فطهر من الغدر، أي لا تغدر فتكون دنس الثياب. وهذا مروي عن ابن عباس، واستشهد بقول غيلان بن سلمة الثقفي:
فإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة اتقنع
ومن ذهب الى القول الثالث قال: تأويل الآية ونفسك فطهر، أي من الذنوب. والعرب تكني عن النفس بالثياب، قاله ابن عباس.ومنه قول عنترة:
فشككت بالرمح الطويل ثيابه ليس الكريم على القنا بمحرم
وقال امرؤ القيس:
فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
وقال :
ثياب بني عوف طهاري نقية وأوجههم بيض المسافر غران
أي نفس بني عوف. ومن ذهب الى القول الرابع قال: تأويل الآية وجسمك فطهر، أي عن المعاصي الظاهرة. ومما جاء عن العرب في الكناية عن الجسم بالثياب قول ليلى، وذكرت إبلاً:
رموها بأثياب خفاف فلا ترى لها شبهاً الا النعام المنفرا
أي ركبوها فرموها بأنفسهم. ومن ذهب الى القول الخامس قال: تأويل الآية وأهلك فطهرهم من الخطايا بالوعظ والتأديب، والعرب تسمي الأهل ثوباً ولباساً وإزاراً، قال تعالى : " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن". [ البقرة : 187] الماوردي : ولهم في تأويل الآية وجهان : أحدهما - معناه ونساءك فطهر، باختيار المؤمنات العفائف. الثاني- الاستمتاع بهن في القبل دون الدبر، في الطهر لا في الحيض. حكاه ابن بحر. ومن ذهب الى القول السادس قال: تأويل الآية وخلقك فحسن. قاله الحسن والقرظي، لأن خلق الإنسان مشتمل على احواله اشتمال ثيابه على نفسه. وقال الشاعر:
ويحي لا يلام بسوء خلق ويحي طاهر الأثواب حر
أي حسن الأخلاق. ومن ذهب الى القول السابع قال : تأويل الآية ودينك فطهر. وفي الصحيحين عنه عليه السلام قال:
(( ورأيت الناس وعليهم ثياب، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، ورأيت عمر بن الخطاب وعليه إزار يجره)) . قالوا : يا رسول الله فما اولت ذلك ؟ قال (( الدين)) وروى ابن وهب عن مالك انه قال : ما يعجبني ان اقرأ القرآن الا في الصلاة والمساجد لا في الطريق، قال الله تعالى: " وثيابك فطهر" يريد مالك انه كنى عن الثياب بالدين. وقد روى عبد الله بن نافع عن ابي بكر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن مالك بن انس في قوله تعالى :" وثيابك فطهر" أي لا تلبسها على غدرة، ومنه قول ابي كبشة:
ثياب بني عوف طهارى نقيه وأوجههم بيض المسافر غران
يعني بطهارة ثيابهم : سلامتهم من الدناءات، ويعني بغرة وجوهم تنزيههم عن المحرمات، او جمالهم في الخلقة او كليهما، قاله ابن العربي. وقال سفيان بن عيينة : لا تلبس ثيابك على كذب ولا جور ولا غدر ولا اثم، قالهعكرمه. ومنه قول الشاعر: اوذم حجاً في ثياب دسم
أي قد دنسها بالمعاصي. وقال النابغة:
رقاق النعال طيب حجزاتهم يحيون بالريحان يوم السباسب
ومن ذهب الى القول الثامن قال: ان المراد بها الثياب الملبوسات، فلهم في تأويله اربعة اوجه: احدهما - معناه وثيابك فأنق، ومنه قول امرئ القيس:
ثياب بني عوف طهاري نقية
الثاني - وثيابك فشمر وقصر، فإن تقصير الثياب ابعد عن النجاسة، فإذا انجزت على الأرض لم يؤمن ان يصيبها ما ينجسها، قاله الزجاج وطاوس . الثالث- " وثيابك فطهر" من النجاسة بالماء، قاله محمد بن سيرين وابن زيد والفقهاء. الرابع - لا تلبس ثيابك الا من كسب حلال لتكون مطهرة من الحرام. وعن ابن عباس : لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب غير طاهر. ابن العربي وذكر بعض ما ذكرناه: ليس بممتنع ان تحمل الآية على عموم المراد فيها بالحقيقة والمجاز، وإذا حملناها على الثياب العلومة الطاهرة فهي تتناول معنيين: احدهما - تقصير الأذيال، لأنها اذا ارسلت تدنست، ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لغلام من الأنصار وقد رأى ذيله مسترخياً : ارفع إزارك فإنه اتقى وأنقى وأبقى. "وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( أزرة المؤمن الى انصاف ساقية، لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، وما كان اسفل من ذلك ففي النار)) فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الغاية في لباس الإزار الكعب وتوعد ما تحته بالنار، فما بال رجال يرسلون اذيالهم، ويطيلون ثيابهم، ثم يتكلفون رفعها بأيديهم، وهذه حالة الكبر ، وقائدة العجب، واشد ما في الأمر انهم يعصون وينجسون ويلحقون انفسهم بمن لم يجعل الله معه غيره ولا الحق به سواه." قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( لا ينظر الله الى من جر ثوبه خيلاء )) "ولفظ الصحيح :
(( من جر إزاره خيلاء لم ينظر الله اليه يوم القيامة)) "قال ابو بكر : يا رسول الله ! ان احد إزاري يسترخي الا ان اتعاهد ذلك منه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لست ممن يصنعه خيلاء)) فعم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي، واستثنى الصديق، فأراد الأدنياء الحق انفسهم بالرفعاء، وليس ذلك لهم. والمعنى الثاني - غسلها من النجاسة وهو ظاهر منها، صحيح فنها. المهدوي وبه استدل بعض العلماء على وجوب طهارة الثوب، قال ابن سيرين وابن زيد: لا تصل الا في ثوب طاهر. واحتج بها الشافعي على وجوب طهارة الثوب. وليست عند مالك واهل المدينة بفرض، وكذلك طهارة البدن، ويدل على ذلك الإجماع على جواز الصلاة بالاستجمار من غير غسل. وقد مضى هذا القول في سورة (( براءة)) مستوفى.
ثبت ,في صحيح البخاري من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر أنه كان يقول: أول شيء نزل من القرآن "يا أيها المدثر" وخالفه الجمهور فذهبوا إلى أن أول القرآن نزولاً قوله تعالى: "اقرأ باسم ربك الذي خلق" كما سيأتي ذلك هنالك إن شاء الله تعالى. قال البخاري : حدثنا يحيى , حدثنا وكيع عن علي بن المبارك , عن يحيى بن أبي كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن فقال: "يا أيها المدثر" قلت: "اقرأ باسم ربك الذي خلق" فقال أبو سلمة : سألت جابر بن عبد الله عن ذلك وقلت له مثل ما قلت لي فقال جابر: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت فنوديت, فنظرت عن يميني فلم أر شيئاً, ونظرت عن شمالي فلم أر شيئاً, ونظرت أمامي فلم أر شيئاً ونظرت خلفي فلم أر شيئاً, فرفعت رأسي فرأيت شيئاً, فأتيت خديجة فقلت دثروني وصبوا علي ماء بارداً ـ قال ـ فدثروني وصبوا علي ماء بارداً ـ قال ـ فنزلت " يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر "" هكذا ساقه من هذا الوجه. وقد رواه مسلم من طريق عقيل عن ابن شهاب عن أبي سلمة قال: أخبرني جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: "فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتاً من السماء فرفعت بصري قبل السماء, فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض فجثثت منه حتى هويت إلى الأرض, فجئت إلى أهلي فقلت: زملوني زملوني فزملوني, فأنزل الله تعالى " يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر " قال أبو سلمة : والرجز الأوثان ـ ثم حمي الوحي وتتابع" هذا لفظ البخاري , وهذا السياق هو المحفوظ وهو يقتضي أنه قد نزل الوحي قبل هذا لقوله: "فإذا الملك الذي جاءني بحراء" وهو جبريل حين أتاه بقوله: "اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم" ثم إنه حصل بعد هذا فترة ثم نزل الملك بعد هذا.
ووجه الجمع أن أول شيء نزل بعد فترة الوحي هذه السورة, كما قال الإمام أحمد : حدثنا حجاج , حدثنا ليث , حدثنا عقيل عن ابن شهاب قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول: أخبرني جابر بن عبد الله " أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ثم فتر الوحي عني فترة فبينا أنا أمشي سمعت صوتاً من السماء, فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك الذي جاءني قاعد على كرسي بين السماء والأرض فجثيت منه فرقاً حتى هويت إلى الأرض, فجئت أهلي فقلت لهم زملوني زملوني فزملوني, فأنزل الله تعالى: "يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر" ثم حمي الوحي وتتابع" أخرجاه من حديث الزهري به. وقال الطبراني : حدثنا محمد بن علي بن شعيب السمسار , حدثنا الحسن بن بشر البجلي , حدثنا المعافى بن عمران عن إبراهيم بن يزيد : سمعت ابن أبي مليكة يقول سمعت ابن عباس يقول: إن الوليد بن المغيرة صنع لقريش طعاماً, فلما أكلوا منه قال: ما تقولون في هذا الرجل ؟ فقال بعضهم: ساحر, وقال بعضهم ليس بساحر, وقال بعضهم كاهن, وقال بعضهم ليس بكاهن, وقال بعضهم: شاعر, وقال بعضهم: ليس بشاعر, وقال بعضهم: بل سحر يؤثر, فأجمع رأيهم على أنه سحر يؤثر, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحزن وقنع رأسه وتدثر, فأنزل الله تعالى: "يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر * ولا تمنن تستكثر * ولربك فاصبر" وقوله تعالى: "قم فأنذر" أي شمر عن ساق العزم وأنذر الناس, وبهذا حصل الإرسال كما حصل بالأول النبوة.
"وربك فكبر" أي عظم. وقوله تعالى: "وثيابك فطهر" قال الأجلح الكندي عن عكرمة , عن ابن عباس أنه أتاه رجل فسأله عن هذه الاية "وثيابك فطهر" قال: لا تلبسها على معصية ولا على غدرة. ثم قال: أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي :
فإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع
وقال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في الاية "وثيابك فطهر" قال: في كلام العرب نقي الثياب وفي رواية بهذا الإسناد فطهر من الذنوب, وكذا قال إبراهيم والشعبي وعطاء , وقال الثوري عن رجل عن عطاء عن ابن عباس في هذه الاية "وثيابك فطهر" قال: من الإثم, وكذا قال إبراهيم النخعي وقال مجاهد "وثيابك فطهر" قال: نفسك ليس ثيابك, وفي رواية عنه "وثيابك فطهر" أي عملك فأصلح, وكذا قال أبو رزين , وقال في رواية أخرى "وثيابك فطهر" أي لست بكاهن ولا ساحر فأعرض عما قالوا. وقال قتادة "وثيابك فطهر" أي طهرها من المعاصي, وكانت العرب تسمي الرجل إذا نكث ولم يف بعهد الله إنه لدنس الثياب, وإذا وفى وأصلح إنه لمطهر الثياب, وقال عكرمة والضحاك : لا تلبسها على معصية. وقال الشاعر:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه فكل رداء يرتديه جميل
وقال العوفي عن ابن عباس "وثيابك فطهر" يعني لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب غير طائب, ويقال: لا تلبس ثيابك على معصية, وقال محمد بن سيرين "وثيابك فطهر" أي اغسلها بالماء, وقال ابن زيد : وكان المشركون لا يتطهرون فأمره الله أن يتطهر وأن يطهر ثيابه, وهذا القول اختاره ابن جرير , وقد تشمل الاية جميع ذلك مع طهارة القلب, فإن العرب تطلق الثياب عليه كما قال امرؤ القيس:
أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل وإن كنت قد أزمعت هجري فأجملي
وإن تك قد ساءتك مني خليقة فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
وقال سعيد بن جبير "وثيابك فطهر" وقلبك ونيتك فطهر, وقال محمد بن كعب القرظي والحسن البصري : وخلقك فحسن, وقوله تعالى: "والرجز فاهجر" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : والرجز وهو الأصنام فاهجر, وكذا قال مجاهد وعكرمة وقتادة والزهري وابن زيد : إنها الأوثان, وقال إبراهيم والضحاك "والرجز فاهجر" أي اترك المعصية, وعلى كل تقدير فلا يلزم تلبسه بشيء من ذلك كقوله تعالى: "يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين" "وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين". وقوله تعالى: "ولا تمنن تستكثر" قال ابن عباس : لا تعط العطية تلتمس أكثر منها, وكذا قال عكرمة ومجاهد وعطاء وطاوس وأبو الأحوص وإبراهيم النخعي والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم, وروي عن ابن مسعود أنه قرأ " ولا تمنن تستكثر " وقال الحسن البصري : لا تمنن بعملك على ربك تستكثره وكذا قال الربيع بن أنس واختاره ابن جرير , وقال خصيف عن مجاهد في قوله تعالى: "ولا تمنن تستكثر" قال: لا تضعف أن تستكثر من الخير, قال: تمنن في كلام العرب تضعف, وقال ابن زيد : لا تمنن بالنبوة على الناس تستكثرهم بها تأخذ عليه عوضاً من الدنيا. فهذه أربعة أقوال والأظهر القول الأول, والله أعلم.
وقوله تعالى: "ولربك فاصبر" أي اجعل صبرك على أذاهم لوجه ربك عز وجل قاله مجاهد . وقال إبراهيم النخعي : اصبر عطيتك لله عز وجل. وقوله تعالى: " فإذا نقر في الناقور * فذلك يومئذ يوم عسير * على الكافرين غير يسير " قال ابن عباس ومجاهد والشعبي وزيد بن أسلم والحسن وقتادة والضحاك والربيع بن أنس والسدي وابن زيد "الناقور" الصور, قال مجاهد : وهو كهيئة القرن. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا أسباط بن محمد عن مطرف عن عطية العوفي عن ابن عباس "فإذا نقر في الناقور" فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ ؟ فقال: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا"وهكذا رواه الإمام أحمد عن أسباط به, ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن ابن فضيل وأسباط كلاهما عن مطرف به, ورواه من طريق أخرى عن العوفي عن ابن عباس به.
وقوله تعالى: "فذلك يومئذ يوم عسير" أي شديد "على الكافرين غير يسير" أي غير سهل عليهم كما قال تعالى: "يقول الكافرون هذا يوم عسر", وقد روينا عن زرارة بن أوفى قاضي البصرة أنه صلى بهم الصبح, فقرأ هذه السورة فلما وصل إلى قوله تعالى: " فإذا نقر في الناقور * فذلك يومئذ يوم عسير * على الكافرين غير يسير " شهق شهقة ثم خر ميتاً رحمه الله تعالى.
4- "وثيابك فطهر" المراد بها الثياب الملبوسة على ما هو المعنى اللغوي، أمره الله سبحانه بتطهير ثيابه وحفظها عن النجاسات، وإزالة ما وقع فيها منها، وقيل المراد بالثياب العمل، وقيل القلب، وقيل النفس، وقيل الجسم، وقيل الأهل، وقيل الدين، وقيل الأخلاق. قال مجاهد وابن زيد وأبو رزين: أي عملك فأصلح. وقال قتادة: نفسك فطهر من الذنب، والثياب عبارة عن النفس. وقال سعيد بن جبير: قلبك فطهر، ومن هذا قول امرئ القيس:
فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
وقال عكرمة: المعنى ألبسها على غير غدر وغير فجرة. وقال: أما سمعت قول الشاعر:
وإني بحمد الله لا ثوب فــاجر لبست ولا من غدرة أتـقـنـع
والشاعر هو غيلان بن سلمة الثقفي، ومن إطلاق الثياب على النفس قول عنترة:
فشككت بالرمح الطويل ثيابه ليس الكريم على القنا بمحرم
وقول الآخر:
ثياب بني عوف طهارى نقية
وقال الحسن والقرظي: إن المعنى وأخلاقك فطهر لأن خلق الإنسان مشتمل على أحواله اشتمال ثيابه على نفسه، ومنه قول الشاعر:
ويحيى لا يلام بسوء خلق ويحيى طاهر الأثواب حر
وقال الزجاج: المعنى وثيابك فقصر، لأن تقصير الثوب ابعد من النجاسات إذا انجر على الأرض، وبه قال طاوس، والأول أولى لأنه المعنى الحقيقي. وليس في استعمال الثياب مجاز عن غيرها لعلاقة مع قرينه ما يدل على أنه المراد عند الإطلاق، وليس في مثل هذا الأصل: أعني الحمل على الحقيقة عند الإطلاق خلاف، وفي الآية دليل على وجوب طهارة الثياب في الصلاة.
4- "وثيابك فطهر"، قال قتادة ومجاهد: نفسك فطهر عن الذنب، فكنى عن النفس بالثوب، وهو قول إبراهيم والضحاك والشعبي والزهري. وقال عكرمة: سئل ابن عباس عن قوله: "وثيابك فطهر"، فقال: لا تلبسها على معصية ولا على غدر، ثم قال: أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي:
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع
والعرب تقول في وصف الرجل بالصدق والوفاء: إنه طاهر الثياب، وتقول لمن غدر: إنه لدنس الثياب. وقال أبي بن كعب: لا تلبسها على غدر ولا على ظلم ولا إثم، البسها وأنت بر جواد طاهر.
وروى أبو روق عن الضحاك معناه: وعملك فأصلح.
قال السدي: يقال للرجل إذا كان صالحاً: إنه لطاهر الثياب، وإذا كان فاجراً إنه لخبيث الثياب.
وقال سعيد بن جبير: وقلبك ونيتك فطهر. وقال الحسن والقرظي: وخلقك فحسن.
وقال ابن سيرين وابن زيد: أمر بتطهير الثياب من النجاسات التي لا تجوز الصلاة معها، وذلك أن المشركين كانوا لا يتطهرون ولا يطهرون ثيابهم.
وقال طاووس: وثيابك فقصر لأن تقصير الثياب طهرة لها.
4-" وثيابك فطهر " من النجاسات فإن التطهير واجب في الصلوات محبوب في غيرها ن وذلك بغسلها أو بحفظها عن النجاسة بتقصيرها مخافة جر الذيول فيها ، وهو أول ما أمر به من رفض العادات المذمومة ، أو طهر نفسك من الأخلاق الذميمة والأفعال الدنيئة ، فيكون أمراً باستكمال القوة العملية بعد أمره باستكمال القوة النظرية والدعاء إليه ، أو فطهر دثار النبوة عما يدنسه من الحقد والضجر وقلة الصبر .
4. Thy raiment purify,
4 - And thy garments keep free from stain!