[المزمل : 1] يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ
1 - (يا أيها المزمل) النبي وأصله المتزمل ادغمت التاء في الزاي أي المتلفف بثيابه حين مجيء الوحي خوفا منه لهيبته
أخرج البزار والطبراني بسند واه عن جابر قال اجتمعت قريش في دار الندوة فقالت سموا هذا الرجل اسما يصدر عنه الناس قالوا كاهن قالوا ليس بكاهن قالوا مجنون قالوا ليس بمجنون قالوا ساحر قالوا ليس بساحر فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فتزمل في ثيابه فتدثر فيها فأتاه جبريل فقال يا ايها المزمل يا أيها المدثر
وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله يا أيها المزمل قال نزلت وهو في قطيفة
يعني بقوله " يا أيها المزمل " هو الملتف بثيابه ، وإنما عني بذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم .
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي وصف الله به نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية من التزمل ، فقال بعضهم : وصفه بأنه متزمل في ثيابه ، متأهب للصلاة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد عن قتادة " يا أيها المزمل " : أي المتزمل في ثيابه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن قتادة " يا أيها المزمل " هو الذي تزمل بثيابه .
وقال آخرون : وصفه بأنه متزمل النبوة والرسالة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ن قال : ثنا داود ، عن عكرمة ، في قوله " يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلا " قال : زملت هذا الأمر فقم به .
قال أبو جعفر : والذي هو أولى القولين بتأويل ذلك ، ما قاله قتادة ، لأنه قد عقبه بقوله " قم الليل " فكان ذلك بياناً عن أن وصفه بالتزمل بالثياب للصلاة ، وأن ذلك هو أظهر معنييه .
وهي سبع وعشرون آية . مكية كلها في قول الحسن و عكرمة و عطاء و جابر
وقال ابن عباس و قتادة : إلا آيتين منها " واصبر على ما يقولون " والتي تليها ، ذكره المارودي . وقال الثعلبي : قوله تعالى : " إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى " إلى آخر السورة ، فإنه نزل بالمدينة .
فيه ثمان مسائل :
الأولى :قوله تعالى"يا أيها المزمل " قال الاخفش سعيد((المزمل)) أصله المتزمل فأدغمت التاء في الزاي وكذالك ((المدثر )) وقرأ ابي بن كعب علىالاصل المتزمل والمتدثر )) وسعيد : ((المزمل )) وفي اصل ((المزمل )) قولان :احداهما أنه المحتمل ، يقال:زمل الشيء إذا حمله ،ومنه الزامله ،لانها تحمل القماش . الثاني ان المزمل هو المتلفف، يقال : تزمل وتدثر بثوبه اذا تغطي . وزمل غيره اذا غطاه وكل شيء لفف فقد زمل ودثر ، قال امروء القيس :
كبير اناس فى بجاد مزمل
الثانية : قوله تعلى : " يا أيها المزمل " هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه ثلاثة أقوال: الأول قول عكرمة" يا أيها المزمل" بالنبوة والملتزم للرسالة. وعنه أيضاً: يا أيها الذي زمل هذا الأمر أي حمله ثم فتر، وكان يقرأ (( يا أيها المزمل)) بتخفيف الزاي وفتح الميم وتشديدها على حذف المفعول، وكذلك ((المدثر )) والمعنى المزمل نفسه والمدثر نفسه، أو الذي زمله غيره. الثاني (( يا أيها المزمل)) بالقرآن، قاله بان عباس. الثالث المزمل بثيابه، قاله قتادة وغيره. قال النخعي : كان متزملاً بقطيفة عائشة: بمرط طوله أربعة عشر ذراعاً، نصفه علي وأنا نائمة ، ونصفه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، والله ما كان خزاً ولا قزاً ولا مرعزاء ولا ابريسما ولا صوفا، كان سداه شعراً، ولحمته وبراً، ذكره الثعلبي.
قلت: وهذا القول من عائشة يدل على أن السورة مدنية; فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبن بها الا في المدينة. وما ذكر من أنها مكية لا يصح. والله أعلم. وقال الضحاك: تزمل بثيابه لمنامه. " يا أيها المزمل" و " يا أيها المدثر ". وقيل كان هذا في ابتداء ما اوحي اليه، فإنه لما سمع قول الملك ونظر اليه اخذته الرعدة فأتى اهله فقال: ((زملوني دثروني) روي معناه عن ابن عباس. وقالت الحكماء: انما خاطبه بالمزمل والمدثر في أول الأمر، لأنه لم يكن بعد ادثر شيئاً من تبليغ الرسالة. قال ابن العربي : واختلف في تأويل ((يا أيها المزمل)) فمنهم من حمله على حقيقته، قيل له : يا من تلفف في ثيابه او في قطيفته قم، قاله ابراهيم وقتادة. ومنهم من حمله على المجاز، كأنه قيل له : يا من تزمل بالنبوة، قاله عكرمة. وإنما يسوغ هذا التفسير لو كانت الميم مفتوحة مشددة بصيغة المفعول الذي لم يسم فاعله، واما هو بلفظ الفاعل فهو باطل.
قلت: وقد بينا انها على حذف المفعول: وقد قرئ بها، فهي صحيحة المعنى. قال : وأما من قال انه زمل القرآن فهو صحيح في المجاز، لكنه قد قدمنا انه لا يحتاج اليه.
الثالثة: قال السهيلي: ليس المزمل باسم من اسماء النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعرف به كما ذهب اليه بعض الناس وعدوه في اسمائه عليه السلام، وانما المزمل اسم مشتق من حالته التي كان عليها حين الخطاب، وكذلك المدثر. وفي خطابه بهذا الاسم فائدتان: إحداهما الملاطفة، فإن العرب اذا قصدت ملاطفة المخاطب وترك المعاتبة سموه، باسم مشتق من حالته التي هو عليها، كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي حين غاضب فاطمة رضي الله عنهما، فأتاه وهو نائم وقد لصق بجنبه التراب فقال له : (( قم يا أبا تراب)) اشعاراً له انه غير عاتب عليه، وملاطفة له، وكذلك قوله عليهه السلام لحذيفة : (( قم يا نومان)) وكان نائماً ملاطفة له، واشعاراً لترك العتب والتأنيب. فقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : (( يا أيها المزمل قم)) فيه تأنيس وملاطفة، ليستشعر انه غير عاتب عليه. والفائدة الثانية: التنبيه لكل متزمل راقد ليله ليتنبه الى قيام الليل وذكر الله تعالى فيه، لأن الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه مع المخاطب كل من عمل ذلك العمل واتصف بتلك الصفة.
تفسير سورة المزمل
قال الحافظ أبو بكر بن عمرو بن عبد الخالق البزار : حدثنا محمد بن موسى القطان الواسطي , حدثنا معلى بن عبد الرحمن , حدثنا شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال: اجتمعت قريش في دار الندوة فقالوا: سموا هذا الرجل اسماً يصد الناس عنه, فقالوا: كاهن. قالوا: ليس بكاهن. قالوا: مجنون. قالوا: ليس بمجنون. قالوا: ساحر. قالوا: ليس بساحر, فتفرق المشركون على ذلك فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فتزمل في ثيابه وتدثر فيها. فأتاه جبريل عليه السلام فقال: "يا أيها المزمل" "يا أيها المدثر" ثم قال البزار : معلى بن عبد الرحمن قد حدث عنه جماعة من أهل العلم واحتملوا حديثه لكنه تفرد بأحاديث لا يتابع عليها.
بسم الله الرحمـن الرحيم
يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يترك التزمل وهو التغطي في الليل وينهض إلى القيام لربه عز وجل كما قال تعالى: "تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون" وكذلك كان صلى الله عليه وسلم ممتثلاً ما أمره الله تعالى به من قيام الليل, وقد كان واجباً عليه وحده كما قال تعالى: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" وههنا بين له مقدار ما يقوم فقال تعالى: "يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلاً" قال ابن عباس والضحاك والسدي "يا أيها المزمل" يعني يا أيها النائم. وقال قتادة : المزمل في ثيابه. وقال إبراهيم النخعي : نزلت وهو متزمل بقطيفة, وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس "يا أيها المزمل" قال: يا محمد زملت القرآن وقوله تعالى: "نصفه" بدل من الليل "أو انقص منه قليلاً * أو زد عليه" أي أمرناك أن تقوم نصف الليل بزيادة قليلة أو نقصان قليل لاحرج عليك في ذلك.
وقوله تعالى: "ورتل القرآن ترتيلاً" أي اقرأه على تمهل فإنه يكون عوناً على فهم القرآن وتدبره. وكذلك كان يقرأ صلوات الله وسلامه عليه, قالت عائشة رضي الله عنها: كان يقرأ السورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها. وفي صحيح البخاري عن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كانت مداً ثم قرأ "بسم الله الرحمن الرحيم" يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم. وقال ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان يقطع قراءته آية آية "بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين" رواه أحمد وأبو داود والترمذي . وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن عاصم عن ذر عن عبد الله بن عمرو " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقال لقارىء القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها" ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث سفيان الثوري به, وقال الترمذي : حسن صحيح.
وقد قدمنا في أول التفسير الأحاديث الدالة على استحباب الترتيل وتحسين الصوت بالقراءة كما جاء في الحديث "زينوا القرآن بأصواتكم" و "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" و "لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود" يعني أبا موسى, فقال أ بو موسى : لو كنت أعلم أنك كنت تسمع قراءتي لحبرته لك تحبيراً: وعن ابن مسعود أنه قال: لا تنثروه نثر الرمل ولا تهذوه هذ الشعر, قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة, رواه البغوي . وقال البخاري : حدثنا آدم , حدثنا شعبة حدثنا عمرو بن مرة : سمعت أبا وائل قال: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: قرأت المفصل الليلة في ركعة. فقال هذاً كهذ الشعر لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن, فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين في ركعة. وقوله تعالى: "إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً" قال الحسن وقتادة : أي العمل به وقيل: ثقيل وقت نزوله من عظمته, كما قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي فكادت ترض فخذي.
وقال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة , حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد عن عبد الله بن عمرو قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: " يا رسول الله هل تحس بالوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك فما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تقبض" تفرد به أحمد . وفي أول صحيح البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: أن الحارث بن هشام " سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يأتيك الوحي ؟ فقال: أحياناً يأتي في مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال, وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول" قالت عائشة : " ولقد رأيته ينزل عليه الوحي صلى الله عليه وسلم في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً " , هذا لفظه. وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود , أخبرنا عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: " إن كان ليوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته فتضرب بجرانها " , وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى , حدثنا ابن ثور عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها, فما تستطيع أن تحرك حتى يسرى عنه " وهذا مرسل, الجران هو باطن العنق, واختار ابن جرير أنه ثقيل من الوجهين معاً, كما قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم , كما ثقل في الدنيا ثقل يوم القيامة في الموازين.
وقوله تعالى: " إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا " قال أبو إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : نشأ, قام بالحبشية, وقال عمر وابن عباس وابن الزبير : الليل كله ناشئة, وكذا قال مجاهد وغير واحد, يقال نشأ إذا قام من الليل وفي رواية عن مجاهد : بعد العشاء, وكذا قال أبو مجلز وقتادة وسالم وأبو حازم ومحمد بن المنكدر : والغرض أن ناشئة الليل هي ساعاته وأوقاته وكل ساعة منه تسمى ناشئة وهي الانات, والمقصود أن قيام الليل هو أشد مواطأة بين القلب واللسان وأجمع على التلاوة, ولهذا قال تعالى: " هي أشد وطئا وأقوم قيلا " أي أجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهمها من قيام النهار, لأنه وقت انتشار الناس ولغط الأصوات وأوقات المعاش, وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري , حدثنا أبو أسامة , حدثنا الأعمش أن أنس بن مالك قرأ هذه الاية " إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا " فقال له رجل: إنما نقرؤها وأقوم قيلاً, فقال له: إن أصوب وأقوم وأهيأ وأشباه هذا واحد.
ولهذا قال تعالى: "إن لك في النهار سبحاً طويلاً" قال ابن عباس وعكرمة وعطاء بن أبي مسلم : الفراغ والنوم, وقال أبو العالية ومجاهد وأبو مالك والضحاك والحسن وقتادة والربيع بن أنس وسفيان الثوري : فراغاً طويلاً. وقال قتادة : فراغاً وبغية ومتقلباً. وقال السدي "سبحاً طويلاً" تطوعاً كثيراً. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى: "إن لك في النهار سبحاً طويلاً" قال: لحوائجك فأفرغ لدينك الليل, قال وهذا حين كانت صلاة الليل فريضة ثم إن الله تبارك وتعالى من على عباده فخففها ووضعها وقرأ "قم الليل إلا قليلاً" إلى آخر الاية ثم قرأ " إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه " وقال تعالى: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" وهذا الذي قاله كما قاله.
والدليل عليه ما رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال: حدثنا يحيى , حدثنا سعيد وهو ابن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى , عن سعيد بن هشام أنه طلق امرأته ثم ارتحل إلى المدينة ليبيع عقاراً له بها, ويجعله في الكراع والسلاح ثم يجاهد الروم حتى يموت, فلقي رهطاً من قومه فحدثوه أن رهطاً من قومه ستة أرادوا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أليس لكم في أسوة حسنة ؟" فنهاهم عن ذلك فأشهدهم على رجعتها, ثم رجع إلينا فأخبرنا أنه أتى ابن عباس فسأله عن الوتر فقال: ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال نعم, قال: ائت عائشة فسلها ثم ارجع إلي فأخبرني بردها عليك. قال: فأتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها فقال: ما أنا بقاربها إني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئاً فأبت فيها إلا مضياً, فأقسمت عليه فجاء معي فدخلنا عليها فقالت: حكيم وعرفته قال: نعم. قالت: من هذا الذي معك ؟ قال: سعيد بن هشام . قالت: من هشام ؟ قال: ابن عامر . قالت: فترحمت عليه وقالت: نعم المرء كان عامراً. قلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: ألست تقرأ القرآن ؟ قلت: بلى. قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن, فهممت أن أقوم ثم بدا لي قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم, قلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: ألست تقرأ هذه السورة "يا أيها المزمل" ؟ قلت: بلى. قالت: فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة, فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم, وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً, ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعاً من بعد فريضة.
فهممت أن أقوم ثم بدا لي وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله لما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ثم يتوضأ ثم يصلي ثمان ركعات ولا يجلس فيهن إلا عند الثامنة, فيجلس ويذكر ربه تعالى ويدعو ثم ينهض وما يسلم, ثم يقول ليصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله وحده ثم يدعوه ثم يسلم تسليماً يسمعنا, ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعد ما يسلم, فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني, فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم أوتر بسبع ثم صلى ركعتين وهو جالس بعد ما يسلم فتلك تسع يا بني, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها, وكان إذا شغله عن قيام الليل نوم أو وجع أومرض صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة, ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة حتى أصبح ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان. فأتيت ابن عباس فحدثته بحديثها فقال: صدقت أما لو كنت أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني مشافهة, هكذا رواه الإمام أحمد بتمامه وقد أخرجه مسلم في صحيحه من حديث قتادة بنحوه.
(طريق أخرى عن عائشة رضي الله عنها في هذا المعنى) قال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع , حدثنا زيد بن الحباب , وحدثنا ابن حميد , حدثنا مهران قالا جميعاً, واللفظ لابن وكيع عن موسى بن عبيدة , حدثني محمد بن طحلاء عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أجعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيراً يصلي عليه من الليل فتسامع الناس به فاجتمعوا فخرج كالمغضب, وكان بهم رحيماً, فخشي أن يكتب عليهم قيام الليل فقال: "أيها الناس اكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل وخير الأعمال ما ديم عليه" ونزل القرآن " يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه " حتى كان الرجل يربط الحبل ويتعلق, فمكثوا بذلك ثمانية أشهر فرأى الله ما يبتغون من رضوانه فرحمهم فردهم إلى الفريضة وترك قيام الليل. ورواه ابن أبي حاتم من طريق موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف, والحديث في الصحيح بدون زيادة نزول هذه السورة وهذا السياق قد يوهم أن نزول هذه السورة بالمدينة وليس كذلك, وإنما هي مكية وقوله في هذا السياق إن بين نزول أولها وآخرها ثمانية أشهر غريب, فقد تقدم في رواية أحمد أنه كان بينهما سنة.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا أبو أسامة عن مسعر عن سماك الحنفي , سمعت ابن عباس يقول: أول ما نزل أول المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان, وكان بين أولها وآخرها قريب من سنة, وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن أبي أسامة به, وقال الثوري ومحمد بن بشر العبدي , كلاهماعن مسعر عن سماك عن ابن عباس كان بينهما سنة, وروى ابن جرير عن أبي كريب عن وكيع عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس مثله.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا مهران عن سفيان عن قيس بن وهب عن أبي عبد الرحمن قال: لما نزلت "يا أيها المزمل" قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم و سوقهم حتى نزلت " فاقرؤوا ما تيسر منه " قال: فاستراح الناس. وكذا قال الحسن البصري والسدي . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري , حدثنا معاذ بن هشام , حدثنا أبي عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعيد بن هشام قال: فقلت يعني لعائشة أخبرينا عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: ألست تقرأ "يا أيها المزمل" قلت بلى, قالت: فإنها كانت قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى انتفخت أقدامهم وحبس آخرها في السماء ستة عشر شهراً ثم نزل, وقال معمر عن قتادة "قم الليل إلا قليلاً" قاموا حولاً أو حولين حتى انتفخت سوقهم وأقدامهم, فأنزل الله تخفيفها بعد في آخر السورة. وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد حدثنا يعقوب القمي عن جعفر عن سعيد هو ابن جبير قال: لما أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم "يا أيها المزمل" قال: مكث النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحال عشر سنين يقوم الليل كما أمره, وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه فأنزل الله تعالى عليه بعد عشر سنين " إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة " فخفف الله تعالى عنهم بعد عشر سنين, ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن عمرو بن رافع عن يعقوب القمي به.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: "قم الليل إلا قليلاً * نصفه أو انقص منه قليلاً" فشق ذلك على المؤمنين ثم خفف الله تعالى عنهم ورحمهم فأنزل بعد هذا " علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه " فوسع الله تعالى وله الحمد ولم يضيق, وقوله تعالى: "واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً" أي أكثر من ذكره وانقطع إليه وتفرغ لعبادته إذا فرغت من أشغالك وما تحتاج إليه من أمور دنياك كما قال تعالى: "فإذا فرغت فانصب" أي إذا فرغت من أشغالك فانصب في طاعته وعبادته لتكون فارغ البال, قاله ابن زيد بمعناه أو قريب منه, قال ابن عباس ومجاهد وأبو صالح وعطية والضحاك والسدي "وتبتل إليه تبتيلاً" أي أخلص له العبادة, وقال الحسن : اجتهد وأبتل إليه نفسك. وقال ابن جرير : يقال للعابد متبتل, ومنه الحديث المروي: نهى عن التبتل يعني الانقطاع إلى العبادة وترك التزوج. وقوله تعالى: "رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً" أي هو المالك المتصرف في المشارق والمغارب الذي لا إله إلا هو, وكما أفردته بالعبادة فأفرده بالتوكل فاتخذه وكيلاً كما قال تعالى في الاية الأخرى: "فاعبده وتوكل عليه" وكقوله: "إياك نعبد وإياك نستعين" وآيات كثيرة في هذا المعنى فيها الأمر بإفراد العبادة والطاعة لله وتخصيصه بالتوكل عليه.
هي تسع عشرة آية، وقيل عشرون آية
وهي مكية. قال الماوردي: كلها في قول الحسن وعكرمة وجابر، قال: وقال ابن عباس وقتادة: إلا آيتين منها "واصبر على ما يقولون" والتي تليها. وقال الثعلبي: إلا قوله: "إن ربك يعلم أنك تقوم" إلى آخر السورة، فإنه نزل بالمدينة. وأخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت "يا أيها المزمل" بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج النحاس عن ابن عباس قال: نزلت سورة المزمل بمكة إلا آيتين "إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى". وأخرج البزار والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال: اجتمعت قريش في دار الندوة، فقالوا سموا هذا الرجل اسماً تصدون الناس عنه، فقالوا كاهن، قالوا ليس بكاهن، قالوا مجنون، قالوا ليس بمجنون، قالوا سحار، قالوا ليس بساحر، فتفرق المشركون على ذلك. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فتزمل في ثيابه وتدثر فيها، فأتاه جبريل، فقال: "يا أيها المزمل" "يا أيها المدثر". قال البزار: بعد إخراجه من طريق معلى بن عبد الرحمن إن معلى قد حدث عنه جماعة من أهل العلم واحتملوا حديثه، لكنه إذا تفرد بالأحاديث لا يتابع عليها. وأخرج أبو داود والبيهقي في السنن عن ابن عباس قال: "بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فصلى ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر، فحزرت قيامه في كل ركعة بقدر يا أيها المزمل".
قوله: 1- "يا أيها المزمل" أصله المتزمل فأدغمت التاء في الزاي، والتزمل التلفف في الثوب. قرأ الجمهور المزمل بالإدغام. وقرأ أبي المتزمل على الأصل. وقرأ عكرمة بتخفيف الزاي، ومثل هذه القراءة قول امرئ القيس:
كأن ثبيرا في أفانين وبله كبير أناس في لحاد مزمل
وهذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف في معناه. فقال جماعة: إنه كان يتزمل صلى الله عليه وسلم بثيابه في أول ما جاءه جبريل بالوحي فرقاً منه حتى أنس به، وقيل المعنى: يا أيها المزمل بالنبوة والملتزم للرسالة. وبهذا قال عكرمة وكان يقرأ "يا أيها المزمل" بتخفيف الزاي وفتح الميم مشددة اسم مفعول وقيل المعنى: يا أيها المزمل بالقرآن. وقال الضحاك: تزمل بثيابه لمنامه، وقيل بلغة من المشركين سوء قول، فتزمل في ثيابه وتذثر، فنزلت "يا أيها المزمل" و"يا أيها المدثر". وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت الملك ونظر إليه أخذته الرعدة، فأتى أهله وقال: زملوني دثروني، وكان خطابه صلى الله عليه وسلم بهذا الخطاب في أول نزول الوحي. ثم بعد ذلك خوطب بالنبوة والرسالة.
1- "يا أيها المزمل"، أي المتلفف بثوبه. وأصله المتزمل، أدغمت التاء في الزاي، ومثله المدثر، أي: المتدثر أدغمت التاء في الدال، يقال: تزمل وتدثر بثوبه، إذا تغطى به.
وقال السدي: أراد يا أيها النائم قم فصل.
قال العلماء: كان هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في أول الوحي قبل تبليغ الرسالة، ثم خوطب بعد بالنبي والرسول.
1-" يا أيها المزمل " أصله المتزمل من تزمل بثيابه إذا تلفف بها فأدغم التاء في الزاي وقد قرئ به ، وبـ المزمل مفتوحة الميم ومكسورتها أي الذي زمله غيره ، أو زمل نفسه ، سمي به النبي عليه الصلاة والسلام تهجيناً لما كان عليه فإنه كان نائماً ، أو مرتعداً مما دهشه من بدء الوحي متزملاً في قطيفة أو تحسيناً له . إذ روي : " أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلى متلففاً بمرط مفروش على عائشة رضي الله تعالى عنها فنزلت " . أو تشبيهاً له في تثاقله بالمتزمل لأنه لم يتمرن بعد في قيام الليل ن أو من تزمل الزمل إذا تحمل الحمل أي الذي تحمل أعباء النبوة .
Surah 73. Al-Muzzammil
1. O thou wrapped up in thy raiment!
SURA 73: MUSSAMMIL
1 - O thou folded in garments!