[الجن : 8] وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا
8 - قال الجن (وأنا لمسنا السماء) رمنا استراق السمع (فوجدناها ملئت حرسا) من الملائكة (شديدا وشهبا) نجوما محرقة وذلك لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم
وقوله " وأنا لمسنا السماء " يقول عز وجل مخبراً عن قيل هؤلاء النفر : وأنا طلبنا السماء وأردناها ، " فوجدناها ملئت " يقول : فوجدناها ملئت " حرسا شديدا " يعني حفظة " وشهبا " وهي جمع شهاب ، وهي النجوم التي كانت ترجم بها الشياطين .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن زياد ، عن سعيد بن جبير ، ، قال : كانت الجن تستمع ، فلما رجعوا قالوا : إن هذا الذي حدث في السماء لشيء حدث في الأرض ، قال : فذهبوا يطلبون حتى رأوا النبي صلى الله عليه وسلم خارجاً من سوق عكاظ يصلي بأصحابه الفجر ، فذهبوا إلى قومهم منذرين .
قوله تعالى : " وأنا لمسنا السماء" هذا من قول الجن، أي طلبنا خبرها كما جرت عادتنا " فوجدناها" قد " ملئت حرسا شديدا" أي حفظة، يعني الملائكة. والحرس: جمع حارس " وشهبا" جمع شهاب، وهو انقضاض الكواكب المحرقة لهم عن استراق السمع. وقد مضى القول فيه في سورة (( الحجر)) و (( الصافات)). و ((وجد)) يجوز ان يقدر متعديا إلى مفعولين، فالأول الهاء والألف، و(( ملئت)) في موضع المفعول الثاني ويجوز ان يتعدى الى مفعول واحد ويكون ((ملئت)) في موضع الحال على إضمار قد. و((حرساً)) نصب على مفعول الثاني بـ(( ملئت)). و ((شديداً)) من نعت الحرس، أي ملئت ملائكة شدادا. ووحد الشديد على لفظ الحرص، وهو كما يقال : السلف الصالح بمعنى الصالحين، وجمع السلف أسلاف وجمع الحرس أحراس، قال:
تجاوزت أحراساً وأهوال معشر
ويجوز أن يكون (( حرساً)) مصدراً على معنى حرست حراسة شديدة.
يخبر تعالى عن الجن حين بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن, وكان من حفظه له أن السماء ملئت حرساً شديداً وحفت من سائر أرجائها, وطردت الشياطين عن مقاعدها التي كانت تقعد فيها قبل ذلك لئلا يسترقوا شيئاً من القرآن, فيلقوه على ألسنة الكهنة فيلتبس الأمر ويختلط ولا يدرى من الصادق, وهذا من لطف الله تعالى بخلقه, ورحمته بعباده, وحفظه لكتابه العزيز, ولهذا قال الجن " وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا * وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا " أي من يروم أن يسترق السمع يجد له شهاباً مرصداً له لا يتخطاه ولا يتعداه بل يمحقه اليوم ويهلكه. "وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً" أي ما ندري هذا الأمر الذي قد حدث في السماء, لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً, وهذا من أدبهم في العبارة حيث أسندوا الشر إلى غير فاعل والخير أضافوه إلى الله عز وجل.
وقد ورد في الصحيح "والشر ليس إليك" وقد كانت الكواكب يرمى بها قبل ذلك, ولكن ليس بكثير بل في الأحيان بعد الأحيان, كما في حديث ابن عباس : " بينما نحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ رمي بنجم فاستنار فقال: ما كنتم تقولون في هذا ؟ فقلنا: كنا نقول يولد عظيم, يموت عظيم فقال: ليس كذلك, ولكن الله إذا قضى الأمر في السماء" وذكر تمام الحديث وقد أوردناه في سورة سبأ بتمامه, وهذا هو السبب الذي حملهم على تطلب السبب في ذلك فأخذوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها, فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بأصحابه في الصلاة, فعرفوا أن هذا هو الذي حفظت من أجله السماء, فآمن من آمن منهم وتمرد في طغيانه من بقي كما تقدم حديث ابن عباس في ذلك عند قوله في سورة الأحقاف: "وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن" الاية.
ولا شك أنه لما حدث هذا الأمر, وهو كثرة الشهب في السماء والرمي بها, هال ذلك الإنس والجن وانزعجوا له وارتاعوا لذلك, وظنوا أن ذلك لخراب العالم, كما قال السدي : لم تكن السماء تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو دين لله ظاهر, فكانت الشياطين قبل محمد صلى الله عليه وسلم قد اتخذت المقاعد في السماء الدنيا, يستمعون ما يحدث في السماء من أمر, فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً رجموا ليلة من الليالي ففزع لذلك أهل الطائف فقالوا: هلك أهل السماء لما رأوا من شدة النار في السماء واختلاف الشهب, فجعلوا يعتقون أرقاءهم ويسيبون مواشيهم, فقال لهم عبد ياليل بن عمير : ويحكم يا معشر أهل الطائف أمسكوا عن أموالكم وانظروا إلى معالم النجوم, فإن رأيتموها مستقرة في أمكنتها فلم يهلك أهل السماء, إنما هذا من أجل ابن أبي كبشة يعني محمداً صلى الله عليه وسلم, وإن نظرتم فلم تروها فقد هلك أهل السماء, فنظروا فرأوها فكفوا عن أقوالهم وفزعت الشياطين في تلك الليلة, فأتوا إبليس فحدثوه بالذي كان من أمرهم فقال: ائتوني من كل أرض بقبضة من تراب أشمها, فأتوه فشم فقال: صاحبكم بمكة, فبعث سبعة نفر من جن نصيبين فقدموا مكة فوجدوا نبي الله صلى الله عليه وسلم قائماً يصلي في المسجد الحرام يقرأ القرآن, فدنوا منه حرصاً على القرآن حتى كادت كلاكلهم تصيبه, ثم أسلموا فأنزل الله تعالى أمرهم على رسوله صلى الله عليه وسلم, وقد ذكرنا هذا الفصل مستقصى في أول البعث من (كتاب السيرة) المطول, والله أعلم, ولله الحمد والمنة.
8- "وأنا لمسنا السماء" هذا من قول الجن أيضاً: أي طلبنا خبرا كما به جرت عادتنا "فوجدناها ملئت حرساً" من الملائكة يحرسونها عن استراق السمع، والحرس جمع حارس، و"شديدا" صفة لحرساً: أي قوياً "وشهباً" جمع شهاب، وهو الشعلة المقتبسة من نار الكوكب كما تقدم بيانه في تفسير قوله: "وجعلناها رجوماً للشياطين" ومحل قوله: "ملئت حرساً شديداً" النصب على أنه ثاني مفعولي وجدنا، لأنه يتعدى إلى مفعولين، ويجوز أن يكون متعدياً إلى مفعول واحد، فيكون محل الجملة النصب على الحال بتقدير قد، وحرسا منصوب على التمييز، ووصفه بالمفرد اعتباراً باللفظ، كما يقال السلف الصالح: أي الصالحين.
8- "وأنا"، تقول الجن: "لمسنا السماء"، قال الكلبي: السماء الدنيا، "فوجدناها ملئت حرساً شديداً"، من الملائكة، "وشهباً"، من النجوم.
8-" وأنا لمسنا السماء " طلبنا بلوغ السماء أو خبرها ، واللمس مستعار من المس للطلب كالجس يقال ألمسه والتمسه وتلمسه كطلبه واطلبه وتطلبه . " فوجدناها ملئت حرساً " حراساً اسم جمع كالخدم " شديداً " قوياً وهم الملائكة الذين يمنعونهم عنها . " وشهباً " جمع شهاب وهو المضيء المتولد من النار .
8. And (the Jinn who had listened to the Quran said): We had sought the heaven but had found it filled with strong warders and meteors.
8 - And We pried into the secrets of heaven; but we found it filled with stern guards and flaming fires.