[نوح : 28] رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا
28 - (رب اغفر لي ولوالدي) وكانا مؤمنين (ولمن دخل بيتي) منزلي أو مسجدي (مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات) إلى يوم القيامة (ولا تزد الظالمين إلا تبارا) هلاكا فأهلكوا
وقوله : " رب اغفر لي ولوالدي " يقول : رب اعف عني ، واستر على ذنوبي وعلى والدي " ولمن دخل بيتي مؤمنا " يقول : ولمن دخل مسجدي ، ومصلاي مصلياً مؤمناً ، يقول : مصدقاً بواجب فرضك عليه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن آدم ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي سنان عن الضحاك " ولمن دخل بيتي مؤمنا " قال : مسجدي .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي سلمة ، عن أبي سنان سعيد ، عن الضحاك مثله .
وقوله : " وللمؤمنين والمؤمنات " يقول : وللمصدقين بتوحيدك والمصدقات .
وقوله : " ولا تزد الظالمين إلا تبارا " يقول : ولا تزد الظالمين أنفسهم بكفرهم إلا خساراً .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " إلا تبارا " قال : خساراً .
وقد بينت معنى قول القائل : تبرت ، فيما مضى بشواهده ، وذكرت أقوال أهل التأويل فيه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، قال : قال معمر : ثنا الأعمش ، عن مجاهد ، قال : كانوا يضربون نوحاً حتى يغشى عليه ، فإذا أفاق قال : رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .
قوله تعالى: "رب اغفر لي ولوالدي" دعا لنفسه ولوالديه وكانا مؤمنين. وهما لمك بن متوشلخ وشمخى بنت أنوش، ذكره القشيري والثعلبي. وحكى الماوردي في اسم أمه منجل. وقال سعيد بن جبير: أراد بوالديه أباه وجده. وقرأ سعيد بن جبير لوالدي بكسر الدال على الواحد. قال الكلبي: كان بينه وبين آدم عشرة آباء كلهم مؤمنون. وقال ابن عباس: لم يكفر لنوح والد فيما بينه وبين آدم عليهما السلام. "ولمن دخل بيتي مؤمنا" أي مسجدي ومصلاي مصلياً مصدقاً بالله. وكان إنما يدخل بيوت الأنبياء من آمن منهم فجعل المسجد سبباً للدعاء بالغفرة. وقد-: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه ما لم يحدث فيه تقول اللهم اغفر له اللهم ارحمه " الحديث. وقد تقدم . وهذا قول ابن عباس: بيتي مسجدي، حكاه الثعلبي وقاله الضحاك. وعن ابن عباس أيضاً: أي ولمن دخل ديني، فالبيت بمعنى الدين، حكاه القشيري وقاله جويبر. وعن ابن عباس أيضاً: يعني صديقي الداخل إلى منزلي، حكاه الماوردي. وقيل: أراد داري. وقيل سيفنتي. "وللمؤمنين والمؤمنات" عامة إلى يوم القيامة، قاله الضحاك وقال الكلبي: من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: من قومه، والأول أظهر. "ولا تزد الظالمين" أي الكافرين. "إلا تبارا" إلا هلاكاً، فهي عامة في كل كافر ومشرك. وقيل: أراد مشركي قومه. والتبار: الهلاك. وقيل: الخسران، حكاهما السدي. ومنه قوله تعالى: "إن هؤلاء متبر ما هم فيه" الأعراف:139 . وقيل: التبار الدمار، والمعنى واحد. والله أعلم بذلك. وهو الموفق للصواب.
تم بعون الله الجزء الثامن عشر من تفسير القرطبي، يتلوه إن شاء الله تعالى الجزء التاسع عشر، وأوله سورة الجن.
يقول تعالى: "مما خطيئاتهم" وقرىء خطاياهم "أغرقوا" أي من كثرة ذنوبهم وعتوهم وإصرارهم على كفرهم ومخالفتهم رسولهم "أغرقوا فأدخلوا ناراً" أي نقلوا من تيار البحار إلى حرارة النار "فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً" أي لم يكن لهم معين ولا مغيث ولا مجير ينقذهم من عذاب الله كقوله تعالى: "لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم" "وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً" أي لا تترك على وجه الأرض منهم أحداً ولا دياراً وهذه من صيغ تأكيد النفي, قال الضحاك : دياراً واحداً, وقال السدي : الديار الذي يسكن الدار, فاستجاب الله له فأهلك جميع من على وجه الأرض من الكافرين حتى ولد نوح لصلبه الذي اعتزل عن أبيه, وقال: " سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين " وقال ابن أبي حاتم : قرأ علي يونس بن عبد الأعلى , أخبرنا ابن وهب , أخبرني شبيب بن سعيد عن أبي الجوزاء عن ابن عباس , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو رحم الله من قوم نوح أحداً لرحم امرأة لما رأت الماء حملت ولدها ثم صعدت الجبل, فلما بلغها الماء صعدت به منكبها فلما بلغ الماء منكبها وضعت ولدها على رأسها, فلما بلغ الماء رأسها رفعت ولدها بيدها, فلو رحم الله منهم أحداً لرحم هذه المرأة" هذا حديث غريب ورجاله ثقات, ونجى الله أصحاب السفينة الذين آمنوا مع نوح عليه السلام وهم الذين أمره الله بحملهم معه.
وقوله تعالى: "إنك إن تذرهم يضلوا عبادك" أي إنك إن أبقيت منهم أحداً أضلوا عبادك, أي الذين تخلقهم بعدهم "ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً" أي فاجراً في الأعمال كافر القلب وذلك لخبرته بهم ومكثه بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عاماً, ثم قال: "رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً" قال الضحاك : يعني مسجدي, ولا مانع من حمل الاية على ظاهرها وهو أنه دعا لكل من دخل منزله وهو مؤمن, وقد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن , حدثنا حيوة أنبأنا سالم ين غيلان أن الوليد بن قيس , أخبره أنه سمع أبا سعيد الخدري أو عن أبي الهيثم , عن أبي سعيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تصحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي" ورواه أبو داود والترمذي من حديث عبد الله بن المبارك عن حيوة بن شريح به, ثم قال الترمذي : إنما نعرفه من هذا الوجه. وقوله تعالى: "وللمؤمنين والمؤمنات" دعاء لجميع المؤمنين والمؤمنات وذلك يعم الأحياء منهم والأموات, ولهذا يستحب مثل هذا الدعاء اقتداء بنوح عليه السلام وبما جاء في الاثار والأدعية المشهورة المشروعة, وقوله تعالى: "ولا تزد الظالمين إلا تباراً" قال السدي : إلا هلاكاً, وقال مجاهد : إلا خساراً أي في الدنيا والاخرة. آخر تفسير سورة نوح عليه السلام ولله الحمد والمنة.
ثم لما دعا على الكافرين أتبعه بالدعاء لنفسه ووالديه والمؤمنين، فقال: 28- "رب اغفر لي ولوالدي" وكانا مؤمنين، وأبوه لامك بن متوشلخ كما تقدم، وأمه سمحاء بنت أنوش، وقيل أراد آدم وحواء. وقال سعيد بن جبير: أراد بوالديه أباه وجده. وقرأ سعيد بن جبير ولوالدي بكسر الدال على الأفراد. "ولمن دخل بيتي" قال الضحاك والكلبي: يعني مسجده، وقيل منزله الذي هو ساكن فيه، وقيل سفينته، وقيل لمن دخل في دينه، وانتصاب "مؤمناً" على الحال: أي لمن دخل بيتي متصفاً بصفة الإيمان فيخرج من دخله غير متصف بهذه الصفة كامرأته وولده الذي قال: "سآوي إلى جبل يعصمني من الماء" ثم عمم الدعوة، فقال: "وللمؤمنين والمؤمنات" أي واغفر لكل متصف بالإيمان من الذكور والإناث. ثم عاد إلى الدعاء على الكافرين، فقال: " ولا تزد الظالمين إلا تبارا " أي لا تزد المتصفين بالظلم إلا هلاكاً وخسراناً ودماراً، وقد شمل دعاؤه هذا كل ظالم إلى يوم القيامة كما شمل دعاؤه للمؤمنين والمؤمنات كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "ولا تذرن ودا ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً" قال: هذه الأصنام كانت تعبد في زمن نوح. وأخرج البخاري وابن المنذر وابن مردويه عنه قال: صارت الأوثان التي كانت تعبد في قوم نوح في العرب. أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجلسهم الذي كانوا يجلسون فيه أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد حتى هلك أولئك ونسخ العلم فعبدت.
28- "رب اغفر لي ولوالدي"، واسم أبيه: لمك بن متوشلخ، واسم أمه: سمحاء بنت أنوش، وكانا مؤمنين، وقيل اسمها هيجل بنت لاموش بن متوشلخ فكانت بنت عمه، "ولمن دخل بيتي"، داري، "مؤمناً"، وقال الضحاك والكلبي: مسجدي. وقيل سفينتي، "وللمؤمنين والمؤمنات"، هذا عام في كل من آمن بالله وصدق الرسل، "ولا تزد الظالمين إلا تباراً"، هلاكاً ودماراً، فاستجاب الله دعاءه فأهلكهم.
28-" رب اغفر لي ولوالدي " لملك من متوشلخ وشمخا بن أنوش وكانا مؤمنين " ولمن دخل بيتي " منزلي أو مسجدي أو سفينتي . " مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات " إلى يوم القيامة ." ولا تزد الظالمين إلا تباراً " هلاكاً .
عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة نوح كان من المؤمنين الذين تدركهم دعوة نوح " .
28. My Lord! Forgive me and my parents and him who entereth my house believing, and believing men and believing women, and increase not the wrong doers in aught save ruin.
28 - O my Lord! Forgive me, my parents, all who enter my house in Faith, and (all) believing men and believing women: and to the wrong doers grant Thou no increase but in Perdition!