[نوح : 26] وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا
26 - (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) أي نازل دار والمعنى أحدا
وقوله : " وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا " ويعني الديار من يدور في الأرض ، فيذهب ، ويجيء هو فيعال من الدوران ديواراً ، اجتمعت الياء والواو ، فسبقت الياء الواو وهي ساكنة ، وأدغمت الواو فيها ، وصيرتا ياء مشددة ، كما قيل : الحي القيام من قمت ، وإنما هو قيوام ، والعرب تقوم ما بها ديار ولا عريب ، ولا دوي ، ولا صافر ، ولا نافخ ضرمة ، يعني بذلك كله : ما بها أحد .
قوله تعالى: "وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا" فهي أربع مسائل:
الأولى: دعا عليهم حين يئس من اتباعهم إياه. وقال قتادة: دعا عليهم بعد أن أوحى الله إليه: "أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن" هود:36 فأجاب الله دعوته وأغرق أمته، وهذا: كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم منزل الكتاب سريع الحساب وهازم الأحزاب أهزمهم وزلزلهم" وقيل: سبب دعائه أن رجلاً من قومه حمل ولداً صغيراً على كتفه فمر بنوح فقال: احذر هذا فإنه يضلك. فقال: يا أبت أنزلني، فأنزله فرماه فشجه، فحينئذ غضب ودعا عليهم. وقال محمد بن كعب ومقاتل والربيع وعطية وابن زيد: إنما قال هذا حينما أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم. وأعقم أرحام النساء وأصلاب الرجال قبل العذاب بسبعين سنة. وقيل: بأربعين. قال قتادة: ولم يكن فيهم صبي وقت العذاب. وقال الحسن وأبو العالية: لو أهلك الله أطفالهم معهم كان عذاباً من الله لهم وعدلاً فيهم، ولكن الله أهلك أطفالهم وذريتهم بغير عذاب، ثم أهلكهم بالعذاب، بدليل قوله تعالى: "وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم" الفرقان:37.
الثانية: قال ابن العربي: دعا نوح على الكافرين أجمعين، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم على من تحزب على المؤمنين وألب عليهم. وكان هذا أصلاً في الدعاء على الكافرين في الجملة، فأما كافر معين لم تعلم خاتمته فلا يدعى عليه، لأن ماله عندنا مجهول، وربما كان عند الله معلوم الخاتمة بالسعادة. وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء عبتة وشيبة وأصحابهما، لعلمه بمالهم وما كشف له من الغطاء عن حالهم. والله أعلم.
قلت:قد مضت هذه المسألة مجودة في سورة البقرة والحمد لله .
الثالثة: قال ابن العربي: إن قيل لم جعل نوح دعوته على قومه سبباً لتوقفه عن طلب الشفاعة للخلق من الله في الآخرة ؟ قلنا قال الناس في ذلك وجهان: أحدهما - أن تلك الدعوة نشأت عن غضب وقسوة، والشفاعة تكون عن رضاً ورقة، فخاف أن يعاتب ويقال: دعوت على الكفار بالأمس وتشفع لهم اليوم. الثاني: أنه دعا غضباً بغير نص ولا إذن صريح في ذلك، فخاف الدرك فيه يوم القيامة، كما قال موسى عليه السلام: إني قتلت نفساً لم أومر بقتلها. قال: وبهذا أقول.
قلت: وإن كان لم يؤمر الدعاء نصاً فقد قيل له: "أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن" هود:36 فأعلم عواقبهم فدعا عليهم بالهلاك.
كما دعا نبينا صلى الله عليه وسلم على شيبة وعتبة ونظرائهم فقال: الله عليك بهم لما أعلم عواقبهم، وعلى هذا يكون فيه معنى الأمر بالدعاء. والله أعلم.
يقول تعالى: "مما خطيئاتهم" وقرىء خطاياهم "أغرقوا" أي من كثرة ذنوبهم وعتوهم وإصرارهم على كفرهم ومخالفتهم رسولهم "أغرقوا فأدخلوا ناراً" أي نقلوا من تيار البحار إلى حرارة النار "فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً" أي لم يكن لهم معين ولا مغيث ولا مجير ينقذهم من عذاب الله كقوله تعالى: "لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم" "وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً" أي لا تترك على وجه الأرض منهم أحداً ولا دياراً وهذه من صيغ تأكيد النفي, قال الضحاك : دياراً واحداً, وقال السدي : الديار الذي يسكن الدار, فاستجاب الله له فأهلك جميع من على وجه الأرض من الكافرين حتى ولد نوح لصلبه الذي اعتزل عن أبيه, وقال: " سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين " وقال ابن أبي حاتم : قرأ علي يونس بن عبد الأعلى , أخبرنا ابن وهب , أخبرني شبيب بن سعيد عن أبي الجوزاء عن ابن عباس , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو رحم الله من قوم نوح أحداً لرحم امرأة لما رأت الماء حملت ولدها ثم صعدت الجبل, فلما بلغها الماء صعدت به منكبها فلما بلغ الماء منكبها وضعت ولدها على رأسها, فلما بلغ الماء رأسها رفعت ولدها بيدها, فلو رحم الله منهم أحداً لرحم هذه المرأة" هذا حديث غريب ورجاله ثقات, ونجى الله أصحاب السفينة الذين آمنوا مع نوح عليه السلام وهم الذين أمره الله بحملهم معه.
وقوله تعالى: "إنك إن تذرهم يضلوا عبادك" أي إنك إن أبقيت منهم أحداً أضلوا عبادك, أي الذين تخلقهم بعدهم "ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً" أي فاجراً في الأعمال كافر القلب وذلك لخبرته بهم ومكثه بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عاماً, ثم قال: "رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً" قال الضحاك : يعني مسجدي, ولا مانع من حمل الاية على ظاهرها وهو أنه دعا لكل من دخل منزله وهو مؤمن, وقد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن , حدثنا حيوة أنبأنا سالم ين غيلان أن الوليد بن قيس , أخبره أنه سمع أبا سعيد الخدري أو عن أبي الهيثم , عن أبي سعيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تصحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي" ورواه أبو داود والترمذي من حديث عبد الله بن المبارك عن حيوة بن شريح به, ثم قال الترمذي : إنما نعرفه من هذا الوجه. وقوله تعالى: "وللمؤمنين والمؤمنات" دعاء لجميع المؤمنين والمؤمنات وذلك يعم الأحياء منهم والأموات, ولهذا يستحب مثل هذا الدعاء اقتداء بنوح عليه السلام وبما جاء في الاثار والأدعية المشهورة المشروعة, وقوله تعالى: "ولا تزد الظالمين إلا تباراً" قال السدي : إلا هلاكاً, وقال مجاهد : إلا خساراً أي في الدنيا والاخرة. آخر تفسير سورة نوح عليه السلام ولله الحمد والمنة.
26- "وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً" معطوف على "قال نوح رب إنهم عصوني" لما أيس نوح عليه السلام من إيمانهم وإقلاعهم عن الكفر دعا عليهم بالهلاك. قال قتادة: دعا عليهم بعد أن أوحى إليه " أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن " فأجاب الله دعوته فأجاب الله دعوته وأغرقهم. وقال محمد بن كعب ومقاتل والربيع بن أنس وابن زيد وعطية: إنما قال هذا حين أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم، وأعقم أرحام النساء وأصلاب الآباء قبل العذاب بسبعين سنة، وقيل بأربعين. قال قتادة: لم يكن فيهم صبي وقت العذاب. وقال الحسن وأبو العالي: لو أهلك الله أطفالهم معهم كان عذاباً من الله لهم وعدلاً فيهم ولكن أهلك ذريتهم وأطفالهم بغير عذاب ثم أهلكهم بالعذاب، ومعنى دياراً: من يسكن الديار، وأصله ديوار على فيعال، من دار يدور، فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما في الأخرى، مثل القيام أصله قيوام، وقال القتيبي: أصله من الدار: أي نازل بالدار، يقال ما بالدار ديار: أي أحد، وقيل الديار: صاحب الديار، والمعنى: لا تدع أحداً منهم إلا أهلكته.
26- "وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً"، أحداً يدور في الأرض فيذهب ويجيء أصله من الدوران، وقال ابن قتيبة: إن أصله من الدار، أي: نازل دار.
26-" وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً " أي أحداً وهو مما يستعمل في النفي العام فيعال من الدار ، أو الدور ، وأصله ديوار ففعل به ما بأصل سيد الأفعل وإلا لكان دواراً .
26. And Noah said: My Lord! Leave not one of the disbelievers in the land.
26 - And Noah said: O my Lord! Leave not of the Unbelievers, a single one on earth!