[نوح : 24] وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا
24 - (وقد أضلوا) بها (كثيرا) من الناس بأن أمروهم بعبادتهم (ولا تزد الظالمين إلا ضلالا) عطفا على قد أضلوا دعا عليهم لما أوحي إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن
وقوله : " وقد أضلوا كثيرا " يقول تعالى مخبراً عن قيل نوح : وقد ضل بعبادة هذه الأصنام التي أحدثت على صور هؤلاء النفر المسمين في هذا الموضع كثير من الناس فنسب الضلال إذ ضل بها عابدوها إلى أنها المضلة .
وقوله : " ولا تزد الظالمين إلا ضلالا " يقول : ولا تزد الظالمين بكفرهم بآياتنا إلا ضلالاً إلا طبعاً على قلبه ، حتى لا يهتدي للحق .
"ولا تزد الظالمين إلا ضلالا" أي عذاباً، قاله ابن بحر. واستشهد بقوله تعالى: "إن المجرمين في ضلال وسعر" القمر:47 . وقيل: إلا خسراناً. وقيل: إلا فتنة بالمال والولد. وهو محتمل.
يقول تعالى مخبراً عن نوح عليه السلام إنه أنهى إليه, وهو العليم الذي لا يعزب عنه شيء, أنه من البيان المتقدم ذكره والدعوة المتنوعة المشتملة على الترغيب تارة والترهيب أخرى أنهم عصوه وخالفوه وكذبوه, واتبعوا أبناء الدنيا ممن غفل عن أمر الله ومتع بمال وأولاد وهي في نفس الأمر استدراج وإنظار لا إكرام ولهذا قال: "واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً" قرىء وولده بالضم وبالفتح وكلاهما متقارب. وقوله تعالى: "ومكروا مكراً كباراً" قال مجاهد : كباراً أي عظيماً, وقال ابن زيد : كباراً أي كبيراً والعرب تقول أمر عجيب وعجاب وعجاب, ورجل حسان وحسان وجمال وجمال بالتخفيف والتشديد بمعنى واحد, والمعنى في قوله تعالى: "ومكروا مكراً كباراً" أي بأتباعهم في تسويلهم لهم أنهم على الحق والهدى كما يقولون لهم يوم القيامة "بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً" ولهذا قال ههنا: " ومكروا مكرا كبارا * وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا " وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله.
قال البخاري : حدثنا إبراهيم , حدثنا هشام عن ابن جريج , وقال عطاء عن ابن عباس : صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد: أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل, وأما سواع فكانت لهذيل, وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ, وأما يعوق فكانت لهمدان, وأما نسر فكانت لحمير لال ذي كلاع وهي أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام, فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت, وكذا روي عن عكرمة والضحاك وقتادة وابن إسحاق نحو هذا, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هذه أصنام كانت تعبد في زمن نوح. وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا مهران عن سفيان عن موسى عن محمد بن قيس "ولا يغوث ويعوق ونسراً" قال: كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح وكان لهم أتباع يقتدون بهم, فلما ماتواقال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم, فصوروهم فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم.
وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة شيث عليه السلام من طريق إسحاق بن بشر قال: أخبرني جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال: ولد لادم عليه السلام أربعون ولداً, عشرون غلاماً وعشرون جارية, فكان ممن عاش منهم هابيل وقابيل وصالح وعبد الرحمن الذي سماه عبد الحارث, وود وكان ود يقال له شيث ويقال له هبة الله, وكان إخوته قد سودوه, وولد له سواع ويغوث ويعوق ونسر. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أبو عمرو الدوري , حدثني أبو إسماعيل المؤدب عن عبد الله بن مسلم بن هرمز عن أبي حزرة عن عروة بن الزبير قال: اشتكى آدم عليه السلام وعنده بنوه ود ويغوث وسواع ونسر قال وكان ود أكبرهم وأبرهم به وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور , حدثنا الحسن بن موسى , حدثنا يعقوب عن أبي المطهر قال: ذكرواعند أبي جعفر وهو قائم يصلي يزيد بن المهلب , قال: فلما انفتل من صلاته قال: ذكرتم يزيد بن المهلب أما إنه قتل في أول أرض عبد فيها غير الله, قال: ثم ذكروا رجلاً مسلماً وكان محبباً في قومه فلما مات اعتكفوا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه, فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان, ثم قال إني أرى جزعكم على هذا الرجل فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه ؟ قالوا نعم, فصور لهم مثله, قال: ووضعوه في ناديهم وجعلوا يذكرونه, فلما رأى ما بهم من ذكره قال: هل لكم أن أجعل في منزل كل رجل منكم تمثالاً مثله فيكون له في بيته فتذكرونه ؟ قالوا: نعم, قال: فمثل لكل أهل بيت تمثالاً مثله, فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به, قال: وأدرك أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به, قال: وتناسلوا ودرس أمر ذكرهم إياه حتى اتخذه إلهاً يعبدونه من دون الله أولاد أولادهم, فكان أول ما عبد من دون الله: الصنم الذي سموه وداً.
وقوله تعالى: "وقد أضلوا كثيراً" يعني الأصنام التي اتخذوها أضلوا بها خلقاً كثيراً, فإنه استمرت عبادتها في القرون إلى زماننا هذا في العرب والعجم وسائر صنوف بني آدم, وقد قال الخليل عليه السلام في دعائه "واجنبني وبني أن نعبد الأصنام * رب إنهن أضللن كثيراً من الناس" وقوله تعالى: "ولا تزد الظالمين إلا ضلالاً" دعاء منه على قومه لتمردهم وكفرهم وعنادهم كما دعا موسى على فرعون وملئه في قوله: "ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم" وقد استجاب الله لكل من النبيين في قومه وأغرق أمته بتكذيبهم لما جاءهم به.
24- "وقد أضلوا كثيراً" أي أضل كبراؤهم ورؤساؤهم كثيراً من الناس، وقيل الضمير راجع إلى الأصنام: أي ضل بسببها كثير من الناس كقول إبراهيم: "رب إنهن أضللن كثيراً من الناس" وأجري عليهم ضمير من يعقل لاعتقاد الكفار الذين يعبدونها أنها تعقل "ولا تزد الظالمين إلا ضلالاً" معطوف على "رب إنهم عصوني" ووضع الظاهر موضع المضمر تسجيلاً عليهم بالظلم. وقال أبو حيان: إنه معطوف على قد أضلوا، ومعنى الإضلالا: إلا عذاباً: كذا قال ابن بحر، واستدل على ذلك بقوله: "إن المجرمين في ضلال وسعر"، وقيل إلا خسراناً، وقيل إلا فتنة بالمال والولد، وقيل الضياع، وقيل ضلالاً في مكرهم.
24- "وقد أضلوا كثيراً"، أي: ضل بسبب الأصنام كثير من الناس كقوله عز وجل: "رب إنهن أضللن كثيراً من الناس" (إبراهيم- 36)، وقال مقاتل: أضل كبراؤهم كثيراً من الناس، "ولا تزد الظالمين إلا ضلالاً"، هذا دعاء عليهم بعدما أعلم الله نوحاً أنهم لا يؤمنون، وهو قوله: "أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن" (هود- 36).
24-" وقد أضلوا كثيراً " الضمير للرؤساء أو للأصنام كقوله : " إنهن أضللن كثيراً " . " ولا تزد الظالمين إلا ضلالاً " عطف على " رب إنهم عصوني " ، ولعل المطلوب هو الضلال في ترويج مكرهم ومصالح دنياهم لا في أمر دينهم ، أو الضياع والهلاك كقوله : " إن المجرمين في ضلال وسعر " .
24. And they have led many astray, and Thou increasest the wrong doers in naught save error.
24 - They have already misled many; and grant Thou no increase to the wrong doers but in straying (from their mark).