[نوح : 22] وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا
22 - (ومكروا) أي الرؤساء (مكرا كبارا) عظيما جدا بأن كذبوا نوحا وآذوه ومن اتبعه
وقوله : " ومكروا مكرا كبارا " يقول : ومكروا مكراً عظيماً .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " كبارا " قال : عظيماً .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " ومكروا مكرا كبارا " كثيراً ، كهيئة قوله ( لا يسمعون فيها لغواً ولا كذاباً ) والكبار : هو الكبير ، كما قال ابن زيد : تقول العرب : أمر عجيب وعجاب بالتخفيف ، وعجاب بالتشديد ، ورجل حسان وحسان وجمال وجمال بالتخفيف والتشديد ، وكذلك كبير وكبار بالتخفيف والتشديد .
قوله تعالى: "ومكروا مكرا كبارا".
أي كبيراً عظيماً. يقال: كبير وكبار وكبار، مثل عجيب وعجاب وعجاب بمعنى، ومثله طويل وطوال وطوال. يقال: رجل حسن وحسان، وجميل وجمال، وقراء للقارئ، ووضاء للوضيء وأنشد ابن السكيت:
بيضاء تصطاد القلوب وتستبي بالحسن قلب المسلم القراء
وقال آخر:
والمـرء يلحقه بفتيان الندى خلق الكريم وليس بالوضاء
وقال المبرد: كباراً بالتشديد للمبالغة وقرأ ابن محيصن وحميد ومجاهد كباراً بالتخفيف. واختلف في مكرهم ما هو؟ فقيل: تحريشهم سلفتهم على قتل نوح. وقيل: هو تعزيزهم الناس بما أوتوا من الدنيا والولد، حتى قالت الضعفة: لولا أنهم على الحق لما أتوا هذه النعم. وقال الكلبي: هو ما جعلوه لله من الصاحبة والولد. وقيل: مكرهم كفرهم. وقال مقاتل: هو قول كبارئهم لأتباعهم: "لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا".
يقول تعالى مخبراً عن نوح عليه السلام إنه أنهى إليه, وهو العليم الذي لا يعزب عنه شيء, أنه من البيان المتقدم ذكره والدعوة المتنوعة المشتملة على الترغيب تارة والترهيب أخرى أنهم عصوه وخالفوه وكذبوه, واتبعوا أبناء الدنيا ممن غفل عن أمر الله ومتع بمال وأولاد وهي في نفس الأمر استدراج وإنظار لا إكرام ولهذا قال: "واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً" قرىء وولده بالضم وبالفتح وكلاهما متقارب. وقوله تعالى: "ومكروا مكراً كباراً" قال مجاهد : كباراً أي عظيماً, وقال ابن زيد : كباراً أي كبيراً والعرب تقول أمر عجيب وعجاب وعجاب, ورجل حسان وحسان وجمال وجمال بالتخفيف والتشديد بمعنى واحد, والمعنى في قوله تعالى: "ومكروا مكراً كباراً" أي بأتباعهم في تسويلهم لهم أنهم على الحق والهدى كما يقولون لهم يوم القيامة "بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً" ولهذا قال ههنا: " ومكروا مكرا كبارا * وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا " وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله.
قال البخاري : حدثنا إبراهيم , حدثنا هشام عن ابن جريج , وقال عطاء عن ابن عباس : صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد: أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل, وأما سواع فكانت لهذيل, وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ, وأما يعوق فكانت لهمدان, وأما نسر فكانت لحمير لال ذي كلاع وهي أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام, فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت, وكذا روي عن عكرمة والضحاك وقتادة وابن إسحاق نحو هذا, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هذه أصنام كانت تعبد في زمن نوح. وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا مهران عن سفيان عن موسى عن محمد بن قيس "ولا يغوث ويعوق ونسراً" قال: كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح وكان لهم أتباع يقتدون بهم, فلما ماتواقال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم, فصوروهم فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم.
وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة شيث عليه السلام من طريق إسحاق بن بشر قال: أخبرني جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال: ولد لادم عليه السلام أربعون ولداً, عشرون غلاماً وعشرون جارية, فكان ممن عاش منهم هابيل وقابيل وصالح وعبد الرحمن الذي سماه عبد الحارث, وود وكان ود يقال له شيث ويقال له هبة الله, وكان إخوته قد سودوه, وولد له سواع ويغوث ويعوق ونسر. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أبو عمرو الدوري , حدثني أبو إسماعيل المؤدب عن عبد الله بن مسلم بن هرمز عن أبي حزرة عن عروة بن الزبير قال: اشتكى آدم عليه السلام وعنده بنوه ود ويغوث وسواع ونسر قال وكان ود أكبرهم وأبرهم به وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور , حدثنا الحسن بن موسى , حدثنا يعقوب عن أبي المطهر قال: ذكرواعند أبي جعفر وهو قائم يصلي يزيد بن المهلب , قال: فلما انفتل من صلاته قال: ذكرتم يزيد بن المهلب أما إنه قتل في أول أرض عبد فيها غير الله, قال: ثم ذكروا رجلاً مسلماً وكان محبباً في قومه فلما مات اعتكفوا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه, فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان, ثم قال إني أرى جزعكم على هذا الرجل فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه ؟ قالوا نعم, فصور لهم مثله, قال: ووضعوه في ناديهم وجعلوا يذكرونه, فلما رأى ما بهم من ذكره قال: هل لكم أن أجعل في منزل كل رجل منكم تمثالاً مثله فيكون له في بيته فتذكرونه ؟ قالوا: نعم, قال: فمثل لكل أهل بيت تمثالاً مثله, فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به, قال: وأدرك أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به, قال: وتناسلوا ودرس أمر ذكرهم إياه حتى اتخذه إلهاً يعبدونه من دون الله أولاد أولادهم, فكان أول ما عبد من دون الله: الصنم الذي سموه وداً.
وقوله تعالى: "وقد أضلوا كثيراً" يعني الأصنام التي اتخذوها أضلوا بها خلقاً كثيراً, فإنه استمرت عبادتها في القرون إلى زماننا هذا في العرب والعجم وسائر صنوف بني آدم, وقد قال الخليل عليه السلام في دعائه "واجنبني وبني أن نعبد الأصنام * رب إنهن أضللن كثيراً من الناس" وقوله تعالى: "ولا تزد الظالمين إلا ضلالاً" دعاء منه على قومه لتمردهم وكفرهم وعنادهم كما دعا موسى على فرعون وملئه في قوله: "ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم" وقد استجاب الله لكل من النبيين في قومه وأغرق أمته بتكذيبهم لما جاءهم به.
22- "ومكروا مكراً كباراً" أي مكراً كبيراً عظيماً، يقال: كبير وكبار وكبار مثل عجيب وعجاب وعجاب، وجميل وجمال وجمال. قال المبرد: كباراً بالتشديد للمبالغة، ومثل كباراً قراء لكثير القراءة، وأنشد ابن السكيت:
بيضاء تصطاد القلوب وتستبي بالحسن قلب المسلم القراء
قرأ الجمهور "كباراً" بالتشديد. وقرأ ابن محيصن وحميد ومجاهد بالتخفيف. قال أبو بكر: هو جمع كبير كأنه جعل مكراً مكان ذنوب أو أفاعيل، فلذلك وصفه بالجمع. وقال عيسى بن عمر: هي لغة يمانية.
واختلف في مكرهم هذا ما هو؟ فقيل هو تحريشهم سفلتهم على قتل نوح، وقيل هو تغريرهم على الناس بما أوتوا من المال والولد حتى قال الضعفة: لولا على الحق لما أوتوا هذه النعم. وقال الكلبي: هو ما جعلوه لله من الصاحبة والولد. وقال مقاتل: هو قول كبرائهم لأتباعهم لا تذرن آلهتكم، وقيل مكرهم كفرهم.
22- "ومكروا مكراً كباراً"، أي كبيراً عظيماً، يقال: كبير وكبار، بالتخفيف، كبار بالتشديد، كلها بمعنى واحد، كما يقال: أمر عجيب وعجاب وعجاب بالتشديد وهو أشد في المبالغة.
واختلفوا في معنى مكرهم. قال ابن عباس: قالوا قولاً عظيماً. وقال الضحاك: افتروا على الله وكذبوا رسله وقيل: منع الرؤساء أتباعهم عن الإيمان بنوح وحرضوهم على قتله.
22-" ومكروا " عطف على " لم يزده " والضمير لمن وجمعه للمعنى . " مكراً كباراً " كبيراً في الغاية فإنه أبلغ من كبار وهو من كبير ، وذلك احتيالهم في الدين وتحريش الناس على أذى نوح عليه السلام .
22. And they have plotted a mighty plot,
22 - And they have devised a tremendous Plot.