[المعارج : 36] فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ
36 - (فمال الذين كفروا قبلك) نحوك (مهطعين) حال أي مديمي النظر
يقول تعالى ذكره : فما شأن الذين كفروا بالله قبلك يامحمد مهطعين . وقد بينا معنى الإهطاع ، وما قال أهل التأويل فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، غير أنا نذكر في هذا الموضع بعض ما لم نذكر هنالك .
فقال قتادة فيه ما:
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : سعيد ، عن قتادة ، قوله " فمال الذين كفروا قبلك مهطعين " يقول عامدين .
وقال ابن زيد فيه ما :
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قوله " فمال الذين كفروا قبلك مهطعين " قال : المهطع : الذي لا يطرف . وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول : مهناه : مسرعين .
وروى فيه عن الحسن ما :
حدثنا به ابن بشار ، قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا قرة ، عن الحسن ، قوله " فمال الذين كفروا قبلك مهطعين " قال : منطلقين .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا حماد بن مسعدة ، قال : ثنا قرة ، عن الحسن ، مثله .
قوله تعالى: "فمال الذين كفروا قبلك مهطعين" قال الأخفش: مسرعين. قال:
بمكـة أهلهـا ولقـد أراهـم إليه مهطعيـن إلـى السمـاع
والمعنى: ما بالهم يسرعون إليك ويجلسون حواليك ولا يعلمون بما تأمرهم. وقيل: أي ما بالهم مسرعين في التكذيب لك. وقيل: أي ما بال الذين كفروا يسرعون إلى السماع منك ليعيبوك وستهزئوا بك. وقال عطية: مهطعين معرضين. الكلبي:ناظرين إليك تعجباً. وقال قتادة: عامدين. والمعنى متقارب، أي ما بالهم مسرعين عليك، مادين أعناقهم، مدمني النظر إليك. وذلك من نظر العدو. وهو منصوب على الحال. نزلت في جمع من المنافقين المستهزئين، كانوا يحضرونه - عليه السلام - ولا يؤمنون به. وقبلك أي نحوك.
يقول تعالى منكراً على الكفار الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهم مشاهدون له ولما أرسله الله به من الهدى وما أيده الله به من المعجزات الباهرات, ثم هم مع هذاكله فارون منه متفرقون عنه, شاردون يميناً وشمالاً فرقاً فرقاً, وشيعاً شيعاً, كما قال تعالى: "فما لهم عن التذكرة معرضين * كأنهم حمر مستنفرة * فرت من قسورة" الاية. وهذه مثلها فإنه قال تعالى: " فمال الذين كفروا قبلك مهطعين " أي فما لهؤلاء الكفار الذين عندك يا محمد مهطعين أي مسرعين نافرين منك, كما قال الحسن البصري : مهطعين أي منطلقين "عن اليمين وعن الشمال عزين" واحدها عزة أي متفرقين, وهو حال من مهطعين أي في حال تفرقهم واختلافهم كما قال الإمام أحمد في أهل الأهواء فهم مخالفون للكتاب مختلفون في الكتاب متفقون على مخالفة الكتاب وقال العوفي عن ابن عباس " فمال الذين كفروا قبلك مهطعين ", قال قبلك ينظرون "عن اليمين وعن الشمال عزين" قال: العزين العصب من الناس عن يمين وشمال معرضين يستهزئون به, وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار حدثنا أبو عامر , حدثنا قرة عن الحسن في قوله: "عن اليمين وعن الشمال عزين" أي متفرقين يأخذون يميناً وشمالاً يقولون: ما قال هذا الرجل ؟
وقال قتادة "مهطعين" عامدين "عن اليمين وعن الشمال عزين" أي فرقاً حول النبي صلى الله عليه وسلم لا يرغبون في كتاب الله ولا في نبيه صلى الله عليه وسلم وقال الثوري وشعبة وعبثر بن القاسم وعيسى بن يونس ومحمد بن فضيل ووكيع ويحيى القطان وأبو معاوية , كلهم عن الأعمش , عن المسيب بن رافع , عن تميم بن طرفة , عن جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم حلق فقال: "ما لي أراكم عزين ؟" رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير من حديث الأعمش به, وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار , حدثنا مؤمل , حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير , عن أبي سلمة , عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم حلق فقال: "ما لي أراكم عزين ؟" وهذا إسناده جيد ولم أره في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه.
وقوله تعالى: " أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم * كلا " أي: أيطمع هؤلاء والحالة هذه من فرارهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفارهم عن الحق أن يدخلوا جنات النعيم ؟ كلا بل مأواهم جهنم. ثم قال تعالى مقرراً لوقوع المعاد والعذاب بهم الذي أنكروا كونه واستبعدوا وجوده مستدلاً عليهم بالبداءة التي الإعادة أهون منها, وهم معترفون بها, فقال تعالى: "إنا خلقناهم مما يعلمون" أي من المني الضعيف, كما قال تعالى: "ألم نخلقكم من ماء مهين" وقال: " فلينظر الإنسان مم خلق * خلق من ماء دافق * يخرج من بين الصلب والترائب * إنه على رجعه لقادر * يوم تبلى السرائر * فما له من قوة ولا ناصر " ثم قال تعالى: "فلا أقسم برب المشارق والمغارب" أي الذي خلق السموات والأرض وجعل مشرقاً ومغرباً وسخر الكواكب تبدو من مشارقها وتغيب في مغاربها. وتقدير الكلام ليس الأمر كما تزعمون أن لا معاد ولا حساب ولا بعث ولا نشور, بل كل ذلك واقع وكائن لا محالة, ولهذا أتى بلا في ابتداء القسم ليدل على أن المقسم عليه نفي, وهو مضمون الكلام وهو الرد على زعمهم الفاسد في نفي يوم القيامة. وقد شاهدوا من عظيم قدرة الله تعالى ما هو أبلغ من إقامة القيامة, وهو خلق السموات والأرض وتسخير ما فيهما من المخلوقات من الحيوانات والجمادات وسائر صنوف الموجودات, ولهذا قال تعالى: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
وقال تعالى: " أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير " وقال تعالى في الاية الأخرى: " أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم * إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " وقال ههنا: " فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون * على أن نبدل خيرا منهم " أي يوم القيامة نعيدهم بأبدان خير من هذه فإن قدرته صالحة لذلك "وما نحن بمسبوقين" أي بعاجزين كما قال تعالى: " أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه * بلى قادرين على أن نسوي بنانه " وقال تعالى: " نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين * على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون " واختار ابن جرير "على أن نبدل خيراً منهم" أي: أمة تطيعنا ولا تعصينا وجعلها كقوله: "وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" والمعنى الأول أظهر لدلالة الايات الأخر عليه والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم قال تعالى: "فذرهم" أي يا محمد "يخوضوا ويلعبوا" أي دعهم في تكذيبهم وكفرهم وعنادهم "حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون" أي فسيعلمون غب ذلك ويذوقون وباله "يوم يخرجون من الأجداث سراعاً كأنهم إلى نصب يوفضون" أي: يقومون من القبور إذا دعاهم الرب تبارك وتعالى لموقف الحساب ينهضون سراعاً كأنهم إلى نصب يوفضون, قال ابن عباس ومجاهد والضحاك : إلى علم يسعون, وقال أبو العالية ويحيى بن أبي كثير إلى غاية يسعون إليها, وقد قرأ الجمهور إلى نصب بفتح النون وإسكان الصاد وهو مصدر بمعنى المنصوب, وقرأ الحسن البصري نصب بضم النون والصاد وهو الصنم أي كأنهم في إسراعهم إلى الموقف كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النصب إذا عاينوه, يوفضون يبتدرون أيهم يستلمه أول. وهذا مروي عن مجاهد ويحيى بن أبي كثير ومسلم البطين وقتادة والضحاك والربيع بن أنس وأبي صالح وعاصم بن بهدلة وابن زيد وغيرهم, وقوله تعالى: "خاشعة أبصارهم" أي خاضعة "ترهقهم ذلة" أي في مقابلة ما استكبروا في الدنيا عن الطاعة "ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون". آخر تفسير سورة سأل سائل, ولله الحمد والمنة.
36- "فمال الذين كفروا قبلك مهطعين" أي أي شيء لهم حواليك مسرعين: قال الأخفش: مهطعين مسرعين، ومنه قول الشاعر:
بمكة أهلها ولقد أراهم إليهم مهطعين إلى السماع
وقيل المعنى: ما بالهم يسرعون إليك يجلسون حواليك ولا يعملون بما تأمرهم، وقيل ما بالهم مسرعين إلى التكذيب، وقيل ما بال الذين كفروا يسرعون إلى السماع إليك فيكذبونك ويستهزئون بك. وقال الكلبي: إن المعنى: مهطعين ناظرين إليك. وقال قتادة: عامدين، وقيل مسرعين إليك مادي أعناقهم مديمي النظر إليك.
36- "فمال الذين كفروا"، أي: فما بال الذين كفروا، كقوله: "فما لهم عن التذكرة معرضين" (المدثر - 49)، "قبلك مهطعين"، مسرعين مقبلين إيك مادي أعناقهم ومديمي النظر إليك متطلعين نحوك.
نزلت في جماعة من الكفار، كانوا يجتمعون حول النبي صلى الله عليه وسلم يستمعون كلامه ويستهزئون به ويكذبونه، فقال الله تعالى: ما لهم ينظرون إليك ويجلسون عندك وهم لا ينتفعون بما يستمعون.
36-" فمال الذين كفروا قبلك " حولك" مهطعين " مسرعين .
36. What aileth those who disbelieve, that they keep staring toward thee (O Muhammad), open eyed,
36 - Now what is the matter with the Unbelievers that they rush madly before thee