[المعارج : 11] يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ
11 - (يبصرونهم) أي يبصر الأحماء بعضهم بعضا ويتعارفون ولا يتكلمون والجملة مستأنفة (يود المجرم) يتمنى الكافر (لو) بمعنى أن (يفتدي من عذاب يومئذ) بكسر الميم وفتحها (ببنيه)
وقوله : " يبصرونهم " اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بالهاء والميم في قوله " يبصرونهم " فقال بعضهم : عني بذلك الأقرباء أنهم يعرفون أقرباءهم ، ويعرف كل إنسان قريبه، فذلك تبصير الله إياهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ،قال: أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " يبصرونهم " قال : يعرف بعضهم بعضا ، ويتعارفون بينهم ، ثن يفر بعضهم من بعض ، يقول : " لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه" ( عبس:37 ) .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " يبصرونهم " يعرفونهم يعلمون ، والله ليعرفن قوم قوما ، وأناس أناسا .
وقال آخرون : بل عنى بذلك المؤمنون أنهم يبصرون الكفار .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو العاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ،قال: ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله " يبصرونهم " المؤمنون يبصرون الكافرين .
وقال آخرون : بل عني بذلك الكفار الذين كانوا أتباعا لآخرين في الدنيا على الكفر ، أنهم يعرفونه المتبوعين في النار .
ذكر من قال ذلك .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " يبصرونهم " قال : يبصرون الذين أضلوهم في الدنيا في النار .
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة، قال من قال : معنى ذلك : ولا يسأل حميم حميما عن شأنه، ولكنهم يبصرونهم فيعرفونهم ، ثم يفر بعضهم من بعض ، كما قال جل ثناؤه " يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه " (عبس : 34 - 35 - 36 - 37 )
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالصواب، لأن ذلك أشبهها بما دل عليه ظاهر التنزيل، وذلك أن قوله " يبصرونهم "، تلا قوله " ولا يسأل حميم حميما " فلأن تكون الهاء والميم من ذكرهم أشبه منها بأن تكون من ذكر غيرهم .
واختلف القراء في قراءة قوله " ولا يسأل " فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار سوى أبي جعفر القارئ وشيبة بفتح الياء ، وقرأه أبو جعفر و شيبة (( ولا يسئل )) بضم الياء ، يعني: لا يقال لحميم أين حميمك ؟ ولا يطلب بعضهم من بعض .
والصواب من القراءة عندنا فتح الياء ، بمعنى: لا يسأل الناس بعضهم بعضا من شأنه، لصحة معنى ذلك ، ولإجماع الحجة من القراء عليه .
يقول تعالى ذكره :يود الكافرين يومئذ ويتمنى أنه يفتدي من عذاب الله إياه ذلك اليوم ببنيه وصاحبته ، وهي زوجته ، وأخيه وفصيلته ، وهم عشيرته التي تؤويه ، يعني التي تضمه إلى رحله ، وتنزل فيه امرأته ، لقربة ما بينها وبينه، وبمن في الأرض جميعا من الخلق ، ثن ينجيه ذلك من عذاب الله إياه ذلك اليوم .
وبدأ جل ثناؤه بذكر البنين ، ثم الصاحبة ، ثم الأخ ، إعلاما منه عباده أن الكافر من عظيم ما ينزل به يومئذ من البلاء يفتدي نفسه ، لو وجد إلى ذلك سبيلا بأحب الناس إليه كان في الدنيا، وأقربهم إليه نسبا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه * وصاحبته وأخيه * وفصيلته التي تؤويه " الأحب فالأحب ، والأقرب فالأقرب من أهله وعشيرته لشدائد ذلك اليوم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال: ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " وفصيلته التي تؤويه " قال: قبيلته .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " وصاحبته " قال : الصاحبة الزوجة " وفصيلته التي تؤويه " قال : فصيلته :عشيرته .

قوله تعالى: "يبصرونهم" أي يرونهم. وليس في القيامة مخلوق إلا وهو نصب عين صاحبه من الجن والإنس. فيبصر الرجل أباه وأخاه وقرابته وعشيرته ولا يسأله ولا يكلمه، لاشتغالهم بأنفسهم. وقال ابن عباس: يتعارفون ساعة ثم لا يتعارفون بعد تلك الساعة. وفي بعض الأخبار: أن أهل القيامة يفرون من المعارف مخافة المظالم. وقال ابن عباس أيضاً: "يبصرونهم" يبصر بعضهم بعضاً يتعارفون ثم يفر بعضهم من بعض. فالضمير في "يبصرونهم" على هذا للكفار، والميم للأقرباء. وقال مجاهد: المعنى يبصر الله المؤمنين الكفار في يوم القيامة، فالضمير في يبصرونهم للمؤمنين، والهاء والميم للكفار. ابن زيد: المعنى يبصر الله الكفار في النار الذين أضلوهم في الدنيا، فالضمير في يبصرونهم للتابعين والهاء والميم للمتبوعين. وقيل: إنه يبصر المظلوم ظالمه والمقتول قاتله وقيل: يبصرونهم يرجع إلى الملائكة، أي يعرفون أحوال الناس فيسوقون كل فريق إلى ما يليق بهم. وتم الكلام عند قوله: "يبصرونهم" . ثم قال "يود المجرم" أي يتمنى الكافر. "لو يفتدي من عذاب "جهنم بأعز من كان عليه في الدنيا من أقاربه فلا يقدر. ثم ذكرهم فقال: "ببنيه * وصاحبته" وزجته "وأخيه * وفصيلته" أي عشيرته. "التي تؤويه" تنصره، قاله مجاهد وابن زيد. وقال مالك: أمه التي تربيه. حكاه الماوردي ورواه عنه أشهب. وقال أبو عبيدة الفصيلة دون القبيلة. وقال ثعلب: هم آباؤه الأدنون. وقال المبرد: الفصيلة القطعة من أعضاء الجسد، وهو دون القبيلة. وسميت عترة الرجل فصيلته تشبيهاً لبعض منه. وقد مضى في سورة الحجرات القول في القبيلة وغيرها. وهنا مسألة، وهي: إذا حبس على فصيلته أو أوصى لها فمن ادعى العموم حمله على العشيرة ، ومن ادعى الخصوص حمله على الآباء، الأدنى فالأدنى. والأول أكثر في النطق. والله أعلم. ومعنى: تؤويه تضمه وتؤمنه من خوف إن كان به
يقول تعالى العذاب واقع بالكافرين: "يوم تكون السماء كالمهل" قال ابن عباس ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير وعكرمة والسدي وغير واحد: أي كدردي الزيت "وتكون الجبال كالعهن" أي كالصوف المنفوش, قاله مجاهد وقتادة والسدي , وهذه الاية كقوله تعالى: "وتكون الجبال كالعهن المنفوش" وقوله تعالى: " ولا يسأل حميم حميما * يبصرونهم " أي لا يسأل القريب قريبه عن حاله وهو يراه في أسوأ الأحوال فتشغله نفسه عن غيره, قال العوفي عن ابن عباس : يعرف بعضهم بعضاً ويتعارفون بينهم ثم يفر بعضهم من بعض بعد ذلك يقول الله تعالى: " لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه " وهذه الاية الكريمة كقوله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً إن وعد الله حق" وكقوله تعالى: "وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى" وكقوله تعالى: "فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون" وكقوله تعالى: " يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه " وقوله تعالى: "يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه * وصاحبته وأخيه * وفصيلته التي تؤويه * ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه * كلا" أي لا يقبل منه فداء ولو جاء بأهل الأرض وبأعز ما يجده من المال ولو بملء الأرض ذهباً, أو من ولده الذي كان في الدنيا حشاشة كبده يود يوم القيامة إذا رأى الأهوال أن يفتدي من عذاب الله به ولا يقبل منه.
قال مجاهد والسدي "فصيلته" قبيلته وعشيرته, وقال عكرمة : فخذه الذي هومنهم, وقال أشهب عن مالك : فصيلته: أمه, وقوله تعالى: "إنها لظى" يصف النار وشدة حرها "نزاعة للشوى" قال ابن عباس ومجاهد : جلدة الرأس, وقال العوفي عن ابن عباس " نزاعة للشوى " الجلود والهام, وقال مجاهد : ما دون العظم من اللحم, وقال سعيد بن جبير : للعصب والعقب. وقال أبو صالح "نزاعة للشوى" يعني أطراف اليدين والرجلين, وقال أيضاً "نزاعة للشوى" لحم الساقين, وقال الحسن البصري وثابت البناني "نزاعة للشوى" أي مكارم وجهه, وقال الحسن أيضاً: تحرق كل شيء فيه ويبقى فؤاده يصيح. وقال قتادة "نزاعة للشوى" أي نزاعة لهامته ومكارم وجهه وخلقه وأطرافه. وقال الضحاك : تبري اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك منه شيئاً, وقال ابن زيد : الشوى الاراب العظام, فقوله نزاعة قال: تقطع عظامهم ثم تبدل جلودهم وخلقهم.
وقوله تعالى: "تدعو من أدبر وتولى * وجمع فأوعى" أي تدعو النار إليها أبناءها الذين خلقهم الله لها, وقدر لهم أنهم في الدار الدنيا يعملون عملها, فتدعوهم يوم القيامة بلسان اطلق ذلق ثم تلتقطهم من بين أهل المحشر كما يلتقط الطير الحب, وذلك أنهم كما قال الله عز وجل: كانوا ممن أدبر وتولى أي كذب بقلبه وترك العمل بجوارحه "وجمع فأوعى" أي جمع المال بعضه على بعض فأوعاه أي أوكاه ومنع حق الله منه من الواجب عليه في النفقات ومن إخراج الزكاة, وقد ورد في الحديث "لا توعي فيوعي الله عليك" وكان عبد الله بن عكيم لا يربط له كيساً ويقول: سمعت الله يقول: "وجمع فأوعى" وقال الحسن البصري : يا ابن آدم سمعت وعيد الله ثم أوعيت الدنيا. وقال قتادة في قوله: "وجمع فأوعى" قال: كان جموعاً قموماً للخبيث.
وجملة 11- "يبصرونهم" مستأنفة، أو صفة لقوله: "حميماً" أي يبصر كل حميم حميمه، لا يخفى منهم أحد عن أحد. وليس في القيامة مخلوق وإلا وهو نصب عين صاحبه، ولا يتساءلون ولا يكلم بعضهم بعضاً لاشتغال كل أحد منهم بنفسه، وقال ابن زيد: يبصر الله الكفار في النار الذين أضلوهم في الدنيا وهم الرؤساء المتبوعون. وقيل إن قوله: "يبصرونهم" يرجع إلى الملائكة: أي يعرفون أحوال الناس لا يخفون عليهم، وإنما جمع الضمير في يبصرونهم، وهما للحميمين حملاً على معنى العموم، لأنهما نكرتان في سياق النفي، قرأ الجمهور "يبصرونهم" بالتشديد، وقرأ قتادة بالتخفيف. ثم ابتدأ سبحانه الكلام فقال: "يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ" المراد بالمجرم الكافر، أو كل مذنب ذنباً يستحق به النار لو يفتدي من عذاب يوم القيامة الذي نزل به.
12- "يبصرونهم"، يرونهم، وليس في القيامة مخلوق إلا وهو نصب عين صاحبه من الجن والإنس، فيبصر الرجل أباه وأخاه وقرابته فلا يسأله، ويبصر حميمه فلا يكلمه لاشتغاله بنفسه.
قال ابن عباس: يتعارفون ساعة من النهار ثم لا يتعارفون بعده.
وقيل: "يبصرونهم": يعرفونهم، أي: يعرف الحميم حميمه حتى يعرفه، ومع ذلك لا يسأله عن شأنه لشغله بنفسه.
وقال السدي: يعرفونهم أما المؤمن فببياض وجهه، وأما الكافر فبسواد وجهه، "يود المجرم"، يتمنى المشرك، "لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه".
11-" يبصرونهم " استئناف أو حال تدل على أن المانع من هذا السؤال هو التشاغل دون الخفاء أو ما يغني عنه مشاهدة الحال كبياض الوجه وسواده وجمع الضميرين لعموم الحميم " يود المجرم " . " لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه " .
11. Though they will be given sight of them. The guilty man will long be able to ransom himself from the punishment of that day at the price of his children
11 - Though they will be put in sight of each other, the sinner's desire will be: would that he could redeem himself from the Penalty of that Day by (sacrificing) his children,