[الأعراف : 9] وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ
9 - (ومن خفت موازينه) بالسيئات (فأولئك الذين خسروا أنفسهم) بتصييرها إلى النار (بما كانوا بآياتنا يظلمون) يجحدون
قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : ومن خفت موازين أعماله الصالحة ، فلم تثقل بإقراره بتوحيد الله ، والإيمان به وبرسوله ، واتباع أمره ونهيه ، فأولئك الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من جزيل ثواب الثه وكرامته ، " بما كانوا بآياتنا يظلمون " ، يقول : بما كانوا بحجج الله وأدلته يجحدون ، فلا يقرون بصحتها، ولا يوقنون بحقيقتها، كالذي :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن مجاهد : " ومن خفت موازينه " ، قال : حسناته . وقيل : " فأولئك "، وأمن في لفظ الواحد ، لأن معناه الجمع . ولو جاء موحداً ، كان صواباً فصيحاً.
قوله تعالى: " فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون " موازينه جمع ميزان، وأصله موزان، قلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها. وقيل: يجوز أن يكون هناك موازين للعامل الواحد يوزن بكل ميزان منها صنف من أعماله. ويمكن أن يكون ذلك ميزاناً واحداً عبر عنه بلفظ الجمع، كما تقول: خرج فلان إلى مكة على البغال، وخرج إلى البصرة في السفن. وفي التنزيل: "قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما" [الشعراء: 105] "كذبت عاد المرسلين" [الشعراء: 123] وإنما هو رسول واحد في أحد التأويلين. وقيل: الموازين جمع موزون، لا جمع ميزان. أراد بالموازين الأعمال الموزونة. "ومن خفت موازينه" مثله. وقال ابن عباس: توزن الحسنات والسيئات في ميزان له لسان وكفتان، فأما المؤمن فيؤتى بعمله في أحسن صورة فيوضع في كفة الميزان فتثقل حسناته على سيئاته، فذاك قوله: "فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون" ويؤتى بعمل الكافر في أقبح صورة فيوضع في كفة الميزان فيخف وزنه حتى يقع في النار. وما أشار إليه ابن عباس قريب مما قيل: يخلق الله تعالى كل جزء من أعمال العباد جوهراً فيقع الوزن على تلك الجواهر. ورده ابن فورك وغيره وفي الخبر:
"إذا خفت حسنات المؤمن أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بطاقة كالأنملة فيلقيها في كفة الميزان اليمنى التي فيها حسناته فترجح الحسنات فيقول ذلك العبد المؤمن للنبي صلى الله عليه وسلم بأبي أنت وأمي! ما أحسن وجهك وما أحسن خلقك فمن أنت؟ فيقول أنا محمد نبيك وهذه صلواتك التي كنت تصلي علي قد وفيتك أحوج ما تكون إليها". ذكره القشيري في تفسيره. وذكر أن البطاقة (بكسر الباء) رقعة فيها رقم المتاع بلغة أهل مصر. وقال ابن ماجة: قال محمد بن يحيى: البطاقة الرقعة، وأهل مصر يقولون للرقعة بطاقة. وقال حذيفة: صاحب الموازين يوم القيامة جبريل عليه السلام، يقول الله تعالى: يا جبريل زن بينهم فرد من بعض على بعض. قال: وليس ثم ذهب ولا فضة، فإن كان للظالم حسنات أخذ من حسناته فرد على المظلوم، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فتحمل على الظالم، فيرجع الرجل وعليه مثل الجبال. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"أن الله تعالى يقول يوم القيامة يا آدم ابرز إلى جانب الكرسي عند الميزان وانظر ما يرفع إليك من أعمال بنيك فمن رجح خيره على شره مثقال حبة فله الجنة ومن رجح شره على خيره مثال حبة فله النار حتى تعلم أني لا أعذب إلا ظالماً".
يقول تعالى: "والوزن" أي للأعمال يوم القيامة "الحق" أي لا يظلم تعالى أحداً كقوله "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين" وقال تعالى: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً" وقال تعالى: " فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه * فأمه هاوية * وما أدراك ما هيه * نار حامية " وقال تعالى: "فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون" "فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون".
(فصل) والذي يوضع في الميزان يوم القيامة قيل الأعمال وإن كانت أعراضاً إلا أن الله تعالى يقلبها يوم القيامة أجساماً, قال البغوي: يروى نحو هذا عن ابن عباس, كما جاء في الصحيح من أن البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف. ومن ذلك في الصحيح قصة القرآن وأنه يأتي صاحبه في صورة شاب شاحب اللون فيقول: من أنت ؟ فيقول أنا القرآن الذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك. وفي حديث البراء في قصة سؤال القبر "فيأتي المؤمن شاب حسن اللون طيب الريح فيقول: من أنت ؟ فيقول: أنا عملك الصالح", وذكر عكسه في شأن الكافر والمنافق, وقيل يوزن كتاب الأعمال كما جاء في حديث البطاقة في الرجل الذي يؤتى به ويوضع له في كفة تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر , ثم يؤتى بتلك البطاقة فيها لا إله إلا الله فيقول يا رب وما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقول الله تعالى إنك لا تظلم. فتوضع تلك البطاقة في كفة الميزان, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فطاشت السجلات وثقلت البطاقة" رواه الترمذي بنحو من هذا وصححه, وقيل يوزن صاحب العمل كما في الحديث "يؤتى يوم القيامة بالرجل السمين فلا يزن عند الله جناح بعوضة" ثم قرأ "فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً", وفي مناقب عبد الله بن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أتعجبون من دقة ساقيه والذي نفسي بيده لهم في الميزان أثقل من أحد" وقد يمكن الجمع بين هذه الاثار بأن يكون ذلك كله صحيحاً, فتارة توزن الأعمال وتارة توزن محالها وتارة يوزن فاعلها, والله أعلم .
والكلام في قوله: 9- "ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم" مثله، والباء في "بما كانوا بآياتنا يظلمون" سببية، وما مصدرية. ومعنى "يظلمون" يكذبون.
9- " ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون "، يجحدون، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين حضره الموت في وصيته لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا، وثقله عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الحق غداً أن يكون ثقيلاً، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا، وخفته عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الباطل غدا أن يكون خفيفا.
فإن قيل: قد قال: ( من ثقلت موازينه) ذكر بلفظ الجمع، والميزان واحد ؟ قيل: يجوز أن يكون لفظه جمعاً ومعناه واحد كقوله: (يا أيها الرسل)، وقيل: لكل عبد ميزان، وقيل: الأصل ميزان واحد عظيم، ولكل عبد فيه ميزان علق به، وقيل جمعه: لأن الميزان يشتمل على الكفتين والشاهدين واللسان، ولا يتم الوزن إلا باجتماعها.

9. "ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم " بتضييع الفطرة السليمة التي فطرت عليها ، واقتراف ما عرضها للعذاب. "بما كانوا بآياتنا يظلمون " فيكذبون بدل التصديق . .
9. And as for those whose scale is light: those are they who lose their souls because they disbelieved Our revelations.
9 - Those whose scale will be light, will be light, will find their souls In perdition for that they wrongfully treated Our sings.