[الأعراف : 6] فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ
6 - (فلنسألن الذين أرسل إليهم) أي الأمم عن إجابتهم الرسل وعملهم فيما بلغهم (ولنسألن المرسلين) عن الإبلاغ
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : لنسالن الأمم الذين أرسلت إليهم رسلي : ماذا عملت فيما جاءتهم به الرسل من عندي من أمري ونهيي ؟ هل عملوا بما أمرتهم به ، وانتهوا عما نهيتهم عنه ، وأطاعوا أمري ، أم عصوني فخالفوا ذلك ؟ ، " ولنسألن المرسلين " ، يقول : ولنسالن الرسل الذين أرسلتهم إلى الأمم : هل بلغتهم رسالاتي ، وأدت إليهم ما أمرتهم بادائه إليهم ، أم قصروا في ذلك ففرطوا ولم يبلغوهم ؟.
وكذلك كان أهل التأويل يتأولونه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن ابي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين " ، قال : يسأل الله الناس عما أجابوا المرسلين ، ويسأل المرسلين عما بلغوا .
حدثي محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "فلنسألن الذين أرسل إليهم " ، إلى قوله : " غائبين " ، قال : يوضع الكتاب يوم القيامة، فيتكلم بما كانوا يعملون .
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين "، يقول : فلنسألن الأمم : ما عملوا فيما جاءت به الرسل ؟ ولنسألن الرسل : هل بلغوا ما أرسلوا به ؟.
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو سعد المدني قال ، قال مجاهد : " فلنسألن الذين أرسل إليهم " ، الأمم ، ولنسألن الذين أرسلنا إليهم عما ائتمناهم عليه : هل بلغوا؟ .
قوله تعالى: "فلنسألن الذين أرسل إليهم" دليل على أن الكفار يحاسبون. وفي التنزيل "ثم إن علينا حسابهم" [الغاشية: 26]. وفي سورة القصص "يسأل عن ذنوبهم المجرمون" [القصص: 78] يعني إذا استقروا في العذاب. والآخرة مواطن: موطن يسألون فيه للحساب. وموطن لا يسألون فيه. وسؤالهم سؤال تقرير وتوبيخ وإفضاح. وسؤال الرسل سؤال استشهاد بهم وإفصاح، أي عن جواب القوم لهم. وهو معنى قوله: "ليسأل الصادقين عن صدقهم" [الأحزاب: 8] على ما يأتي. وقيل: المعنى "فلنسألن الذين أرسل إليهم" أي الأنبياء "ولنسألن المرسلين" أي الملائكة الذين أرسلوا إليهم. واللام في فلنسألن لام القسم وحقيقتها التوكيد.
يقول تعالى: "وكم من قرية أهلكناها" أي بمخالفة رسلنا وتكذيبهم, فأعقبهم ذلك خزي الدنيا موصولاً بذل الاخرة, كما قال تعالى: " ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون " وكقوله "فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد" وقال تعالى: "وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً وكنا نحن الوارثين" وقوله "فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون" أي فكان منهم من جاءه أمر الله وبأسه ونقمته بياتاً أي ليلاً, أو هم قائلون من القيلولة وهي الاستراحة وسط النهار, وكلا الوقتين وقت غفلة ولهو, كما قال "أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون * أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحىً وهم يلعبون" وقال " أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون * أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين * أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم ".
وقوله "فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين" أي فما كان قولهم عند مجيء العذاب, إلا أن اعترفوا بذنوبهم وأنهم حقيقون بهذا, كقوله تعالى: " وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين * فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون * لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون * قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين * فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين " قال ابن جرير: في هذه الاية الدلالة الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله "ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم", حدثنا بذلك ابن حميد, حدثنا جرير عن أبي سنان عن عبدالملك بن ميسرة الزراد, قال: قال عبد الله بن مسعود, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم", قال: قلت لعبد الملك: كيف يكون ذاك ؟ قال: فقرأ هذه الاية "فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين". وقوله "فلنسألن الذين أرسل إليهم" الاية. كقوله "ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين" وقوله "يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب" فيسأل الله الأمم يوم القيامة عما أجابوا رسله فيما أرسلهم به, ويسأل الرسل أيضاً عن إبلاغ رسالاته, ولهذا قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الاية "فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين" قال عما بلغوا.
وقال ابن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن الحسن, حدثنا أبو سعيد الكندي, حدثنا المحاربي عن ليث عن نافع عن ابن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته, فالإمام يسأل عن رعيته والرجل يسأل عن أهله والمرأة تسأل عن بيت زوجها والعبد يسأل عن مال سيده" قال الليث: وحدثني ابن طاوس مثله, ثم قرأ "فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين" وهذا الحديث مخرج في الصحيحين بدون هذه الزيادة, وقال ابن عباس في قوله "فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين" يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون "وما كنا غائبين" يعني أنه تعالى يخبر عباده يوم القيامة بما قالوا وبما عملوا من قليل وكثير وجليل وحقير, لأنه تعالى الشهيد على كل شيء لا يغيب عنه شيء ولا يغفل عن شيء بل هو العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور "وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين".
قوله: 6- "فلنسألن الذين أرسل إليهم" هذا وعيد شديد، والسؤال للقوم الذين أرسل الله إليهم الرسل من الأمم السالفة للتقريع والتوبيخ، واللام لام القسم: أي لنسألنهم عما أجابوا به رسلهم عند دعوتهم والفاء لترتيب الأحوال الأخروية على الأحوال الدنيوية "ولنسألن المرسلين" أي الأنبياء الذين بعثهم الله: أي نسألهم عنما أجاب به أممهم عليهم ومن أطاع منهم ومن عصى، وقيل المعنى: فلنسألن الذين أرسل إليهم: يعني الأنبياء، ولنسألن المرسلين: يعني الملائكة، ولا يعارض هذا قول الله سبحانه: "ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون" لما قدمنا غير مرة أن الآخرة مواطن، ففي موطن يسألون، وفي موطن لا يسألون، وهكذا سائر ما ورد مما ظاهره التعارض بأن أثبت تارة ونفى أخرى بالنسبة إلى يوم القيامة، فإنه محمول على تعدد المواقف مع طول ذلك اليوم طولاً عظيماً.
6-" فلنسألن الذين أرسل إليهم "، يعني: الأمم عن إجابتهم الرسل، وهذا سؤال توبيخ لا سؤال استعلام، يعني: لنسألهم عما عملوا فيما بلغتهم الرسل، " ولنسألن المرسلين "، عن الإبلاغ.
6."فلنسألن الذين أرسل إليهم " عن قبول الرسالة وإجابتهم الرسل . " ولنسألن المرسلين " عما أجيبوا به ، والمراد عن هذا السؤال توبيخ الكفرة وتقريعهم ، والمنفي في قوله : " ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون " سؤال استعلام . أو الأول في موقف الحساب وهذا عند حصولهم على العقوبة .
6. Then verily We shall question those unto whom (Our message) hath been sent, and verily We shall question the messengers.
6 - Then shall we question those to whom Our message was sent and those by whom We sent it.