[الأعراف : 204] وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
204 - (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) عن الكلام (لعلكم ترحمون) نزلت في ترك الكلام في الخطبة وعبر عنها بالقرآن لاشتمالها عليه وقيل في قراءة القرآن مطلقاً
قوله تعالى وإذا قرئ القرآن الآية أخرج ابن أبي حاتم وغيره عن أبي هريرة قال نزلت وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا في رفع الأصوات في الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأخرج أيضا عنه قال كانوا يتكلمون في الصلاة فنزلت وإذا قرئ القرآن الآية وأخرج عن عبد الله بن مغفل نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود مثله
وأخرج عن الزهري قال نزلت هذه الآية في فتى من الأنصار كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما قرأ شيئا قرأه وقال سعيد بن منصور
في سننه حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب قال كانوا يتلقفون من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ شيئا قرأوا معه حتى نزلت هذه الآية التي في الأعراف وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا قلت ظاهر ذلك أن الآية مدنية
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به، المصدقين بكتابه، الذين القرآن لهم هدى ورحمة: " إذا قرئ " عليكم، أيها المؤمنون، " القرآن "، " فاستمعوا له "، يقول: اصغوا له سمعكم لتتفهموا آياته، وتعتبروا بمواعظه، " وأنصتوا "، إليه لتعقلوه وتتدبروه، ولا تلغوا فيه فلا تعقلوه، " لعلكم ترحمون "، يقول: ليرحمكم ربكم باتعاظكم بمواعظه، واعتباركم بعبره، واستعمالكم ما بينه لكم ربكم من فرائضه في آيه.
ثم اختلف أهل التأويل في الحال التي أمر الله بالاستماع لقارىء القرآن إذا قرأ والإنصات له. فقال بعضهم: ذلك حال كون المصلي في الصلاة خلف إمام يأتم به، وهو يسمع قراءة الإمام، عليه أن يستمع لقراءته. وقالوا: في ذلك أنزلت هذه الآية.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن المسيب بن رافع قال: كان عبد الله يقول: كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة: ((سلام على فلان، وسلام على فلان)). قال: فجاء القرآن: " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا".
... قال، حدثنا حفص بن غياث، عن إبراهيم الهجري، عن أبي عياض، عن أبي هريرة قال: كانوا يتكلمون في الصلاة، فلما نزلت هذه الآية " وإذا قرأ القرآن "، والآية الأخرى، أمروا بالإنصات.
حدثني أبو السائب قال، حدثنا حفص، عن أشعث، عن الزهري قال: نزلت هذه الآية في فتى من الأنصار، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما قرأ شيئاً قرأه، فنزلت: " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ".
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا المحاربي، عن داود بن أبي هند، عن بشير بن جابر قال: صلى ابن مسعود، فسمع ناساً يقرأون مع الإمام، فلما انصرف قال: أما آن لكم أن تفقهوا! أما آن لكم أن تعقلوا؟ " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا "، كما أمركم الله.
حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا الجريري، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال: رأيت عبيد بن عمير وعطاء بن أبي رباح يتحدثان، والقاص يقص، فقلت: ألا تستمعان إلى الذكر وتستوجبان الموعود؟ قال: فنظرا إلي، ثم أقبلا على حديثهما. قال: فأعدت، فنظرا إلي، ثم أقبلا على حديثهما. قال: فأعدت الثالثة، قال: فنظرا إلي فقالا: إنما ذلك في الصلاة: " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ".
حدثني العباس بن الوليد قال، أخبرني أبي قال، سمعت الأوزاعي قال، حدثنا عبد الله بن عامر قال، حدثني زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن هذه الآية: " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا "، قال: نزلت في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الصلاة.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي هاشم إسماعيل بن كثير، عن مجاهد في قوله: " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا "، قال: في الصلاة.
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن رجل، عن قتادة عن سعيد بن المسيب: " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا "، قال: في الصلاة.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا ليث ، عن مجاهد : " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا "، قال: في الصلاة.
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال، سمعت حميداً الأعرج قال، سمعت مجاهداً يقول في هذه الآية: " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا "، قال: في الصلاة.
... قال، حدثني عبد الصمد قال، حدثنا شعبة قال، حدثنا حميد، عن مجاهد بمثله.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، وابن إدريس، عن ليث ، عن مجاهد : " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا "، قال: في الصلاة المكتوبة.
... قال، حدثنا المحاربي، عن ليث ، عن مجاهد ، وعن حجاج، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد ، وعن ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير: " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا "، قال: في الصلاة المكتوبة.
... قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي هاشم، عن مجاهد : في الصلاة المكتوبة.
... قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله.
... قال، حدثنا المحاربي، وأبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك قال: في الصلاة المكتوبة.
... قال، حدثنا جرير وابن فضيل، عن مغيرة، عن إبراهيم: قال في الصلاة المكتوبة.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا "، قال: كانوا يتكلمون في صلاتهم بحوائجهم أول ما فرضت عليهم، فأنزل الله ما تسمعون: " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ".
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة : " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا "، قال: كان الرجل يأتي وهم في الصلاة، فيسألهم كم صليتم؟ كم بقي؟ فأنزل الله: " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا "، وقال غيره: كانوا يعرفون أصواتهم في الصلاة حين يسمعون ذكر الجنة والنار، فأنزل الله: " وإذا قرأ القرآن ".
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد والمحاربي، عن أشعث، عن الزهري ، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ، ورجل يقرأ، فنزلت: " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ".
... قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن الهجري، عن أبي عياض، عن أبي هريرة قال: كانوا يتكلمون في الصلاة، فلما نزلت: " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا "، قال: هذا في الصلاة.
... قال، حدثنا أبي، عن حريث، عن عامر قال: في الصلاة المكتوبة.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا "، قال: إذا قرىء في الصلاة.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له "، يعني: في الصلاة المفروضة.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري ، عن أبي هاشم، عن مجاهد قال: هذا في الصلاة، في قوله: " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له "، قال: أخبرنا الثوري ، عن ليث ، عن مجاهد : أنه كره إذا مر الإمام بآية خوف أو بآية رحمة أن يقول أحد ممن خلفه شيئاً. قال: السكوت. قال أخبرنا الثوري ، عن ليث ، عن مجاهد قال: لا بأس إذا قرأ الرجل في غير الصلاة أن يتكلم.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون "، قال: هذا إذا قالم الإمام للصلاة، " فاستمعوا له وأنصتوا ".
حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري قال: لا يقرأ من وراء الإمام فيما يجهر به من القراءة، تكفيهم قراءة الإمام وإن لم يسمعهم صوته، ولكنهم يقرأون فيما لم يجهر به سراً في أنفسهم. ولا يصلح لأحد خلفه أن يقرأ معه فيما يجهر به سراً ولا علانية. قال الله: "وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ".
حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن ابن هبيرة، عن ابن عباس: أنه كان يقول في هذه: " واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة "، هذا في المكتوبة. وأما ما كان من قصص أو قراءة بعد ذلك، فإنما هي نافلة. إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة مكتوبة، وقرأ أصحابه وراءه، فخلطوا عليه. قال: فنزل القرآن: " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون "، فهذا في المكتوبة.
وقال آخرون: بل عني بهذه الآية، الأمر بالإنصات للإمام في الخطبة، إذا قرأ القرآن في خطبته.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا تميم بن المنتصر قال، حدثنا إسحق الأزرق، عن شريك، عن سعيد بن مسروق، عن مجاهد في قوله: " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا "، قال: الإنصات للإمام يوم الجمعة.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد، وابن أبي عتبة، عن العوام، عن مجاهد قال: في خطبة يوم الجمعة.
وقال آخرون: عني بذلك الإنصات في الصلاة، وفي الخطبة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور قال: سمعت إبراهيم بن أبي حمزة يحدث: أنه سمع مجاهداً يقول في هذه الآية: " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا "، قال: في الصلاة والخطبة يوم الجمعة.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هرون، عن عنبسة، عن جابر، عن عطاء قال: وجب الصموت في اثنتين، عند الرجل يقرأ القرآن وهو يصلي، وعند الإمام وهو يخطب.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد : " وإذا قرأ القرآن "، قال: وجب الإنصات في اثنتين، في الصلاة والإمام يقرأ، والجمعة والإمام يخطب.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم، أخبرنا من سمع الحسن يقول: في الصلاة المكتوبة، وعند الذكر.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري ، عن جابر، عن مجاهد قال: وجب الإنصات في اثنتين، في الصلاة ويوم الجمعة.
حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن بقية بن الوليد قال: سمعت ثابت بن عجلان يقول: سمعت سعيد بن جبير يقول في قوله: " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا "، قال: الإنصات يوم الأضحى، ويوم الفطر، ويوم الجمعة، فيما يجهر به الإمام من الصلاة.
حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن الربيع بن صبيح، عن الحسن قال: في الصلاة وعند الذكر.
حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، حدثنا يحيى بن أيوب قال، حدثني ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح قال: أوجب الإنصات يوم الجمعة قول الله تعالى ذكره: " وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون "، وفي الصلاة مثل ذلك.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: أمروا باستماع القرآن في الصلاة إذا قرأ الإمام، وكان من خلفه ممن يأتم به يسمعه، وفي الخطبة.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا قرأ الإمام فأنصتوا "، وإجماع الجميع على أنه على من سمع خطبة الإمام ممن عليه الجمعة، الاستماع والإنصات لها، مع تتابع الأخبار بالأمر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لا وقت يجب على أحد استماع القرآن، والإنصات لسامعه، من قارئه، إلا في هاتين الحالتين، على اختلاف في أحداهما، وهي حالة أن يكون خلف إمام مؤتم به. وقد صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا من قوله: " إذا قرأ الإمام فأنصتوا "، فالإنصات خلفه لقراءته واجب على من كان به مؤتماً سامعاً قراءته، بعموم ظاهر القرآن والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيه مسألتان:
الأولى- قوله تعالى: "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا" قيل: إن هذا نزل في الصلاة، روي عن ابن مسعود وأبي هريرة وجابر والزهري وعبيد بن عمير وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب. قال سعيد: كان المشركون يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى، فيقول بعضهم لبعض بمكة: "لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه" [فصلت: 26]. فأنزل الله جل وعز جواباً لهم "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا". وقيل: إنها نزلت في الخطبة، قاله سعيد بن جبير و مجاهد وعطاء وعمرو بن دينار وزيد بن أسلم والقاسم بن محيمرة ومسلم بن يسار وشهر بن حوشب وعبد الله بن المبارك. وهذا ضعيف، لأن القرآن فيه قليل، والإنصات يجب في جميعها، قاله ابن العربي. النقاش: والآية مكية، ولم يكن بمكة خطبة ولا جمعة. وذكر الطبري عن سعيد بن جبير أيضاً أن هذا في الإنصات يوم الأضحى ويوم الفطر ويوم الجمعة، وفيما يجهر به الإمام فهو عام. وهو الصحيح لأنه يجمع جميع ما أوجبته هذه الآية وغيرها من السنة في الإنصات. قال النقاش: أجمع أهل التفسير أن هذا الاستماع في الصلاة المكتوبة وغير المكتوبة. النحاس: وفي اللغة يجب أن يكون في كل شيء، إلا أن يدل دليل على اختصاص شيء. وقال الزجاج: يجوز أن يكون فاستمعوا له وأنصتوا اعملوا بما فيه ولا تجاوزوه. والإنصات السكوت للاستماع والإصغاء والمراعاة. أنصت ينصب إنصاتاً، ونصت أيضاً، قال الشاعر:
قال الإمام عليكم أمر سيدكم فلم نخالف وأنصتنا كما قالا
ويقال: أنصتوه وأنصتوا له: قال الشاعر:
إذا قالت حذام فأنصتوها فإن القول ما قالت حذام
وقال بعضهم في قوله فاستمعوا له وأنصتوا: كان هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصاً ليعيه عنه أصحابه.
قلت: هذا فيه بعد، والصحيح القول بالعموم، لقوله: "لعلكم ترحمون" والتخصيص يحتاج إلى دليل. وقال عبد الجبار بن أحمد في فوائد القرآن له: إن المشركين كانوا يكثرون اللغط والشغب تعنتاً وعناداً، على ما حكاه الله عنهم: "وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون". فأمر الله المسلمين حالة أداء الوحي أن يكونوا على خلاف هذه الحالة وأن يستمعوا، ومدح الجن على ذلك فقال: "وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن" [الأحقاف: 29] الآية. وقال محمد بن كعب القرظي: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ في الصلاة أجابه من وراءه، إذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم، قالوا مثل قوله، حتى يقضي فاتحة الكتاب والسورة. فلبث بذلك ما شاء الله أن يلبث، فنزل: "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون" فأنصتوا". وهذا يدل على أن المعنى بالإنصات ترك الجهر على ما كانوا يفعلون من مجاوبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال قتادة في هذه الآية: كان الرجل يأتي وهم في الصلاة فيسألهم كم صليتم، كم بقي، فأنزل الله تعالى: "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا". وعن مجاهد أيضاً: كانوا يتكلمون في الصلاة بحاجتهم، فنزل قوله تعالى: "لعلكم ترحمون". وقد مضى في الفاتحة الاختلاف في قراءة المأموم خلف الإمام. ويأتي في الجمعة حكم الخطبة، إن شاء الله تعالى.
لما ذكر تعالى أن القرآن بصائر للناس وهدى ورحمة, أمر تعالى بالإنصات عند تلاوته إعظاماً له واحتراماً, لا كما كان يعتمده كفار قريش المشركون في قولهم "لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه" الاية, ولكن يتأكد ذلك من الصلاة المكتوبة إذا جهر الإمام بالقراءة, كما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا, وإذا قرأ فأنصتوا" وكذا رواه أهل السنن من حديث أبي هريرة أيضاً, وصححه مسلم بن الحجاج أيضاً, ولم يخرجه في كتابه, وقال إبراهيم بن مسلم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة قال: كانوا يتكلمون في الصلاة, فلما نزلت هذه الاية " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له " والاية الأخرى, أمروا بالإنصات.
قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن المسيب بن رافع قال ابن مسعود: كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة, فجاء القرآن " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ". وقال أيضاً: حدثنا أبو كريب, حدثنا المحاربي عن داود بن أبي هند عن بشير بن جابر قال: صلى ابن مسعود فسمع ناساً يقرؤون مع الإمام, فلما انصرف قال: أما آن لكم أن تفهموا, أما آن لكم أن تعقلوا " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا " كما أمركم الله, قال: وحدثني أبو السائب, حدثنا حفص عن أشعث عن الزهري قال: نزلت هذه الاية في فتى من الأنصار كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما قرأ شيئاً قرأه, فنزلت " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ". وقد روى الإمام أحمد وأهل السنن من حديث الزهري عن أبي أكيمة الليثي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال "هل قرأ أحد منكم معي آنفاً ؟" قال رجل: نعم يا رسول الله, قال: "إني أقول ما لي أنازع القرآن" قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه بالقراءة من الصلاة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الترمذي: هذا حديث حسن, وصححه أبو حاتم الرازي. وقال عبد الله بن المبارك عن يونس عن الزهري: قال لا يقرأ من وراء الإمام فيما يجهر به الإمام, تكفيهم قراءة الإمام وإن لم يسمعهم صوته, ولكنهم يقرءون فيما لا يجهر به سراً في أنفسهم, ولا يصلح لأحد خلفه أن يقرأ معه فيما يجهر به سراً ولا علانية, فإن الله تعالى قال: " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " قلت: هذا مذهب طائفة من العلماء أن المأموم لا يجب عليه في الصلاة الجهرية قراءة فيما جهر فيه الإمام لا الفاتحة ولا غيرها, وهو أحد قولي الشافعية, وهو القديم كمذهب مالك ورواية عن أحمد بن حنبل, لما ذكرناه من الأدلة المتقدمة, وقال في الجديد: يقرأ الفاتحة فقط في سكتات الإمام, وهو قول طائفة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم, وقال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل: لا يجب على المأموم قراءة أصلاً في السرية ولا الجهرية بما ورد في الحديث "من كان له إمام فقراءته قراءة له" وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده عن جابر مرفوعاً, وهو في موطأ مالك عن وهب بن كيسان عن جابر موقوفاً, وهذا أصح وهذه المسألة مبسوطة في غير هذا الموضع, وقد أفرد لها الإمام أبو عبد الله البخاري مصنفاً على حدة, واختار وجوب القراءة خلف الإمام في السرية والجهرية أيضاً, والله أعلم.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الاية قوله " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا " يعني في الصلاة المفروضة, وكذا روي عن عبد الله بن المغفل. وقال ابن جرير: حدثنا حميد بن مسعدة, حدثنا بشر بن المفضل, حدثنا الجريري عن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال: رأيت عبيد بن عمير وعطاء بن أبي رباح يتحدثان, والقاص يقص, فقلت: ألا تستمعان إلى الذكر وتستوجبان الموعود ؟ قال: فنظرا إلي ثم أقبلا على حديثهما, قال: فأعدت فنظرا إلي وأقبلا على حديثهما, قال: فأعدت الثالثة قال فنظرا إلي فقالا: إنما ذلك في الصلاة " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا " وكذا قال سفيان الثوري عن أبي هشام إسماعيل بن كثير عن مجاهد في قوله " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا " قال: في الصلاة, وكذا رواه غير واحد عن مجاهد. وقال عبد الرزاق عن الثوري عن ليث عن مجاهد قال: لا بأس إذا قرأ الرجل في غير الصلاة أن يتكلم, وكذا قال سعيد بن جبير والضحاك وإبراهيم النخعي وقتادة والشعبي والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أن المراد بذلك في الصلاة.
وقال شعبة عن منصور: سمعت إبراهيم بن أبي حمزة يحدث أنه سمع مجاهداً يقول في هذه الاية " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا " قال: في الصلاة والخطبة يوم الجمعة, وكذا روى ابن جريج عن عطاء مثله, وقال هشيم عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال: في الصلاة وعند الذكر. وقال ابن المبارك عن بقية: سمعت ثابت بن عجلان يقول: سمعت سعيد بن جبير يقول في قوله " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا " قال: الإنصات يوم الأضحى ويوم الفطر ويوم الجمعة وفيما يجهر به الإمام من الصلاة, وهذا اختيار ابن جرير أن المراد من ذلك الإنصات في الصلاة وفي الخطبة, كما جاء في الأحاديث من الأمر بالإنصات خلف الإمام وحال الخطبة. وقال عبد الرزاق عن الثوري عن ليث عن مجاهد أنه كره إذا مر الإمام بآية خوف أو بآية رحمة أن يقول أحد من خلفه شيئاً, قال: السكوت. وقال مبارك بن فضالة عن الحسن: إذا جلست إلى القرآن فأنصت له. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم, حدثنا عباد بن ميسرة عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة, ومن تلاها كانت له نوراً يوم القيامة" تفرد به الإمام أحمد رحمه الله تعالى.
قوله: 204- "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا" أمرهم الله سبحانه بالاستماع للقرآن والإنصات له عند قراءته لينتفعوا به ويتدبروا ما فيه من الحكم والمصالح، قيل: هذا الأمر خاص بوقت الصلاة عند قراءة الإمام، ولا يخفاك أن اللفظ أوسع من هذا والعام لا يقصر على سببه، فيكون الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن في كل حالة وعلى أي صفة مما يجب على السامع، وقيل: هذا خاص بقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم للقرآن دون غيره ولا وجه لذلك "لعلكم ترحمون" أي تنالون الرحمة وتفوزون بها بامتثال أمر الله سبحانه، ثم أمره الله سبحانه أن يذكره في نفسه، فإن الإخفاء أدخل في الإخلاص وأدعى للقبول، قيل: المراد بالذكر هنا ما هو أعم من القرآن وغيره من الأذكار التي يذكر الله بها.
204 - قوله عز وجل : " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " ، اختلفوا في سبب نزول هذه الآية فذهب جماعة إلى أنها في القراءة في الصلاة . روي عن أبي هريرة كانوا يتكلمون في الصلاة بحوائجهم فأمروا بالسكوت والاستماع إلى قراءة القرآن . وقال قوم : نزلت في ترك الجهر بالقراءة خلف الإمام .
وروي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة قال : نزلت هذه الآية في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة .
وقال الكلبي : كانوا يرفعون أصواتهم في الصلاة حين يسمعون ذكر الجنة والنار .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سمع أناساً يقرؤون مر الإمام فلما انصرف قال : أما آن لكم أن تفقهوا وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا كما أمركم الله ؟ وهذا قول الحسن و الزهري و النخعي : أن الآية في القراءة في الصلاة .
وقال سعيد بن جبير و عطاء و مجاهد : إن الآية في الخطبة ، أمروا بالإنصات لخطبة الإمام يوم الجمعة .
وقال سعيد بن جبير : هذا في الإنصات يوم الأضحى والفطر ويوم الجمعة ، وفيما يجهر به الإمام .
وقال عمر بن عبد العزيز : { يجب } الإنصات لقول كل واعظ .
والأول أولاها ،وهو أنها في القراءة في الصلاة لأن الآية مكية والجمعة وجبت بالمدينة . واتفقوا على أنه مأمور بالإنصات حالة ما يخطب الإمام .
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ثنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ثنا أبو العباس الأصم ثنا الربيع ثنا الشافعي ثنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت " .
واختلف أهل العلم في القراءة خلف الإمام في الصلاة : فذهب جماعة إلى إيجابها سواء جهر الإمام بالقراءة أو أسر . روي ذلك عن عمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن عباس ، ومعاذ ، وهو قول الأوزاعي و الشافعي .
وذهب قوم إلى أنه يقرأ فيما أسر الإمام فيه بالقراءه ولا يقرأ إذا جهر ، يروى ذلك عن ابن عمر ، وهو قول عروة بن ا لزبير ، و القاسم بن محمد . وبه قال الزهري و مالك و ابن المبارك و أحمد و إسحاق .
وذهب قوم إلى أنه لا يقرأ سواء أسر الإمام أو جهر ، يروى ذلك عن جابر ، وبه قال الثوري وأصحاب الرأي ، ويتمسك من لا يرى القراءة خلف الإمام بظاهر هذه الآية ، ومن أوجبها قال الآية في غير الفاتحة وإذا قرأ الفاتحة يتبع سكتات الإمام ولا ينازع الإمام في القراءة .
والدليل عليه : ما أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي ، ثنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ، ثنا أبو العباس المحبوبي ، ثنا أبو عيسى الترمذي ، ثنا هناد ، ثنا عبدة بن سليمان ،عن محمد بن إسحاق عن مكحول ، عن محمود بن الربيع ، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، قال :" صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبح فثقلت عليه القراءة ، فلما انصرف قال : إني أراكم تقرؤون وراء إمامكم ؟ قال : قلنا يا رسول الله إي والله ، قال : لا تفعلوا إلا بأم الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها " .
204."وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " نزلت في الصلاة كانوا يتكلمون فيها فأمروا باستماع قراءة الإمام والإنصات له . وظاهر اللفظ تقتضي وجوبهما حيث يقرأ القرآن مطلقا ، وعامة العلماء على استحبابهما خارج الصلاة . واحتج به من لا يرى وجوب القراءة على المأموم وهو ضعيف.
204. And when the Quran is recited, give ear to it and pay heed, that ye may obtain mercy.
204 - When the Quran is read, listen to it with attention, and hold your peace: that ye may receive mercy.