[الأعراف : 193] وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ
193 - (وإن تدعوهم) أي الأصنام (إلى الهدى لا يتبعوكم) بالتخفيف والتشديد (سواء عليكم أدعوتموهم) إليه (أم أنتم صامتون) عن دعائهم لا يتبعوه لعدم سماعهم
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره في وصفه وعيبه ما يشرك هؤلاء المشركون في عبادتهم ربهم إياه: ومن صفته أنكم، أيها الناس، إن تدعوهم إلى الطريق المستقيم والأمر الصحيح السديد لا يتبعوكم، لأنها ليست تعقل شيئاً، فتترك من الطرق ما كان عن القصد منعدلاً جائراً، وتركب ما كان مستقيماً سديداً.
وإنما أراد الله جل ثناؤه بوصف آلهتهم بذلك من صفتها، تنبيههم على عظيم خطئهم وقبح اختيارهم. يقول جل ثناؤه: فكيف يهديكم إلى الرشاد من إن دعي إلى الرشاد وعرفه لم يعرفه، ولم يفهم رشاداً من ضلال، وكان سواءً دعاء داعيه إلى الرشاد وسكوته، لأنه لا يفهم دعاءه، ولا يسمع صوته، ولا يعقل ما يقال له. يقول: فكيف يعبد من كانت هذه صفته، أم كيف يشكل عظيم جهل من اتخذ ما هذه صفته إلهاً؟ وإنما الرب المعبود هو النافع من يعبده، الضار من يعصيه، الناصر وليه، الخاذل عدوه، الهادي إلى الرشاد من أطاعه، السامع دعاء من دعاه.
وقيل: " سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون "، فعطف بقوله: " صامتون " وهو اسم، على قوله: " أدعوتموهم "، وهو فعل ماض، ولم يقل: ((أم صمتم))، كما قال الشاعر:
سواء عليك النفر أم بت ليلةً بأهل القباب من نمير بن عامر
وقد ينشد: ((أم أنت بائت)).
قوله تعالى: "وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم" قال الأخفش: أي وإن تدعو الأصنام إلى الهدى لا يتبعوكم. "سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون" قال أحمد بن يحيى: لأنه رأس آية. يريد أنه قال: "أم أنتم صامتون" ولم يقل أم صمتم. وصامتون وصمتم عند سيبويه واحد. وقيل: المراد من سبق في علم الله أنه لا يؤمن. وقرئ لا يتبعوكم مشدداً ومخففاً لغتان بمعنىً. وقال بعض أهل اللغة: اتبعه -مخففاً- إذا مضى خلفه ولم يدركه. و اتبعه -مشدداً- إذا مضى خلفه فأدركه.
هذا إنكار من الله على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأنداد والأصنام والأوثان, وهي مخلوقة لله مربوبة مصنوعة, لا تملك شيئاً من الأمر ولا تضر ولا تنفع, ولا تبصر ولا تنتصر لعابديها, بل هي جماد لا تتحرك ولا تسمع ولا تبصر, وعابدوها أكمل منها بسمعهم وبصرهم وبطشهم, ولهذا قال: "أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون" أي أتشركون به من المعبودات ما لا يخلق شيئاً ولا يستطيع ذلك, كقوله تعالى: "يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب * ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز" أخبر تعالى أن آلهتهم لو اجتمعوا كلهم ما استطاعوا خلق ذبابة بل لو سلبتهم الذبابة شيئاً من حقير المطاعم وطارت, لما استطاعوا إنقاذه منها, فمن هذه صفته وحاله كيف يعبد ليرزق ويستنصر ؟ ولهذا قال تعالى: "لا يخلق شيئاً وهم يخلقون" أي بل هم مخلوقون مصنوعون كما قال الخليل "أتعبدون ما تنحتون" الاية.
ثم قال تعالى: " ولا يستطيعون لهم نصرا " أي لعابديهم "ولا أنفسهم ينصرون" يعني ولا لأنفسهم ينصرون ممن أرادهم بسوء, كما كان الخليل عليه الصلاة والسلام يكسر أصنام قومه ويهينها غاية الإهانة كما أخبر تعالى عنه في قوله: "فراغ عليهم ضرباً باليمين" وقال تعالى: "فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون" وكما كان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما, وكانا شابين قد أسلما لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة, فكانا يعدوان في الليل على أصنام المشركين يكسرانها ويتلفانها ويتخذانها حطباً للأرامل ليعتبر قومهما بذلك ويرتؤوا لأنفسهم, فكان لعمرو بن الجموح وكان سيداً في قومه صنم يعبده ويطيبه, فكانا يجيئان في الليل فينكسانه على رأسه ويلطخانه بالعذرة, فيجيء عمرو بن الجموح فيرى ما صنع به, فيغسله ويطيبه ويضع عنده سيفاً ويقول له: انتصر, ثم يعودان لمثل ذلك, ويعود إلى صنيعه أيضاً, حتى أخذاه مرة فقرناه مع كلب ميت, ودلياه في حبل في بئر هناك, فلما جاء عمرو بن الجموح ورأى ذلك نظر فعلم أن ما كان عليه من الدين باطل, وقال:
تالله لو كنت إلهاً مستدن لم تك والكلب جميعاً في قرن
ثم أسلم فحسن إسلامه, وقتل يوم أحد شهيداً رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنة الفردوس مأواه, وقوله "وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم" الاية, يعني أن هذه الأصنام لا تسمع دعاء من دعاها, وسواء لديها من دعاها ومن دحاها, كما قال إبراهيم "يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً" ثم ذكر تعالى أنها عبيد مثل عابديها أي مخلوقات مثلهم, بل الأناس أكمل منها لأنها تسمع وتبصر وتبطش, وتلك لا تفعل شيئاً من ذلك, وقوله "قل ادعوا شركاءكم" الاية, أي استنصروا بها علي فلا تؤخروني طرفة عين, واجهدوا جهدكم "إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين" أي الله حسبي وكافي, وهو نصيري وعليه متكلي وإليه ألجأ, وهو وليي في الدنيا والاخرة وهو ولي كل صالح بعدي وهذا كما قال هود عليه السلام لما قال له قومه " إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم " وكقول الخليل " أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين * الذي خلقني فهو يهدين " الايات, وكقوله لأبيه وقومه " إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين* وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ".
وقوله "والذين تدعون من دونه" إلى آخر الاية, مؤكد لما تقدم إلا أنه بصيغة الخطاب وذلك بصيغة الغيبة, ولهذا قال "لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون", وقوله "وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون" كقوله تعالى: "إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم" الاية. وقوله "وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون" إنما قال "ينظرون إليك" أي يقابلونك بعيون مصورة كأنها ناظرة وهي جماد, ولهذا عاملهم معاملة من يعقل لأنها على صورة مصورة كالإنسان وتراهم ينظرون إليك, فعبر عنها بضمير من يعقل, وقال السدي: المراد بهذا المشركون, وروي عن مجاهد نحوه, والأول أولى, وهو اختيار ابن جرير, وقاله قتادة.
قوله: 193- "وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم" هذا خطاب للمشركين: أي وإن تدعوا هؤلاء الشركاء إلى الهدى والرشاد بأن تطلبوا منهم أن يهدوكم ويرشدوكم لا يتبعوكم ولا يجيبوكم إلى ذلك، وهو دون ما تطلبونه منهم من جلب النفع ودفع الضر، والنصر على الأعداء. قال الأخفش معناه وإن تدعوهم: أي الأصنام إلى الهدى لا يتبعوكم، وقيل: المراد من سبق في علم الله أنه لا يؤمن. وقرئ لا يتبعوكم مشدداً ومخففاً وهما لغتان. وقال بعض أهل اللغة أتبعه مخففاً: إذا مضى خلفه ولم يدركه، واتبعه مشدداً: إذا مضى خلفه فأدركه، وجملة "سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون" مقررة لمضمون ما قبلها: أي دعاؤكم لهم عند الشدائد وعدمه سواء لا فرق بينهما، لأنهم لا ينفعون ولا يضرون ولا يسمعون ولا يجيبون، وقال: "أم أنتم صامتون" مكان أصمتم لما في الجملة الإسمية من المبالغة. وقال محمد بن يحيى: إنما جاء بالجملة الإسمية لكونها رأس آية، يعني لمطابقة "ولا أنفسهم ينصرون" وما قبله.
193 - " وإن تدعوهم إلى الهدى " ، وإن تدعوا المشركين إلى الإسلام ، " لا يتبعوكم " ، قرأ نافع بالتخفيف وكذلك : " يتبعهم الغاوون " ( الشعراء - 244 ) وقرأ آخرون بالتشديد فيهما وهما لغتان ، يقال : تبعه تبعاً وأتبعه إتباعاً . " سواء عليكم أدعوتموهم " ، إلى الدين ، " أم أنتم صامتون " ، عن دعائهم لا يؤمنون ، كما قال : " سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " ( البقرة - 6 ) وقيل : " وإن تدعوهم إلى الهدى " يعني : الأصنام ، لا يتبعوكم لأنها غير عاقلة .
193. " وإن تدعوهم " أي المشركين . " إلى الهدى " إلى الإسلام . " لا يتبعوكم " وقرأ نافع بالتخفيف وفتح الباء ، وقيل الخطاب للمشركين وهم ضمير الأصنام أي ك إن تدعوهم إلى أن يهدوكم لا يتبعوكم إلى مرادكم ولا يجيبوكم كما يجيبكم الله . " سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون " وإنما لم يقل أم صمتم للمبالغة في عدم إفادة الدعاء من حيث إنه مسوى بالثبات على الصمات ، أو لأنهم ما كانوا يدعونها لحوائجهم فكأنه قيل : سواء عليكم إحداثكم دعاءهم واستمراركم على الصمات عن دعائهم.
193. And if ye call them to the Guidance, they follow you not. Whether ye call them or are silent is all one to them.
193 - If ye call them to guidance, they will not obey: for you it is the same whether ye call them or ye hold your peace