[الأعراف : 192] وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ
192 - (ولا يستطيعون لهم) أي لعابديهم (نصراً ولا أنفسهم ينصرون) بمنعها ممن أراد بهم سوءاً من كسر أو غيره والاستفهام للتوبيخ
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أيشكر هؤلاء المشركون في عبادة الله ما لا يخلق شيئاً من خلق الله، ولا يستطيع أن ينصرهم إن أراد الله بهم سوءاً أو أحل بهم عقوبة، ولا هو قادر إن أراد به سوءاً نصر نفسه ولا دفع ضر عنها؟ وإنما العابد يعبد ما يعبد لاجتلاب نفع منه أو لدفع ضر منه عن نفسه، وآلهتهم التي يعبدونها ويشكونها في عبادة الله، لا تنفعهم ولا تضرهم، بل لا تجتلب إلى نفسها نفعاً ولا تدفع عنها ضراً، فهي من نفع غير أنفسها أو دفع الضر عنها أبعد؟ يعجب تبارك وتعالى خلقه من عظيم خطأ هؤلاء الذين يشركون في عبادتهم الله غيره.
"ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون" أي إن الأصنام، لا تنصر ولا تنتصر.
هذا إنكار من الله على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأنداد والأصنام والأوثان, وهي مخلوقة لله مربوبة مصنوعة, لا تملك شيئاً من الأمر ولا تضر ولا تنفع, ولا تبصر ولا تنتصر لعابديها, بل هي جماد لا تتحرك ولا تسمع ولا تبصر, وعابدوها أكمل منها بسمعهم وبصرهم وبطشهم, ولهذا قال: "أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون" أي أتشركون به من المعبودات ما لا يخلق شيئاً ولا يستطيع ذلك, كقوله تعالى: "يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب * ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز" أخبر تعالى أن آلهتهم لو اجتمعوا كلهم ما استطاعوا خلق ذبابة بل لو سلبتهم الذبابة شيئاً من حقير المطاعم وطارت, لما استطاعوا إنقاذه منها, فمن هذه صفته وحاله كيف يعبد ليرزق ويستنصر ؟ ولهذا قال تعالى: "لا يخلق شيئاً وهم يخلقون" أي بل هم مخلوقون مصنوعون كما قال الخليل "أتعبدون ما تنحتون" الاية.
ثم قال تعالى: " ولا يستطيعون لهم نصرا " أي لعابديهم "ولا أنفسهم ينصرون" يعني ولا لأنفسهم ينصرون ممن أرادهم بسوء, كما كان الخليل عليه الصلاة والسلام يكسر أصنام قومه ويهينها غاية الإهانة كما أخبر تعالى عنه في قوله: "فراغ عليهم ضرباً باليمين" وقال تعالى: "فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون" وكما كان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما, وكانا شابين قد أسلما لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة, فكانا يعدوان في الليل على أصنام المشركين يكسرانها ويتلفانها ويتخذانها حطباً للأرامل ليعتبر قومهما بذلك ويرتؤوا لأنفسهم, فكان لعمرو بن الجموح وكان سيداً في قومه صنم يعبده ويطيبه, فكانا يجيئان في الليل فينكسانه على رأسه ويلطخانه بالعذرة, فيجيء عمرو بن الجموح فيرى ما صنع به, فيغسله ويطيبه ويضع عنده سيفاً ويقول له: انتصر, ثم يعودان لمثل ذلك, ويعود إلى صنيعه أيضاً, حتى أخذاه مرة فقرناه مع كلب ميت, ودلياه في حبل في بئر هناك, فلما جاء عمرو بن الجموح ورأى ذلك نظر فعلم أن ما كان عليه من الدين باطل, وقال:
تالله لو كنت إلهاً مستدن لم تك والكلب جميعاً في قرن
ثم أسلم فحسن إسلامه, وقتل يوم أحد شهيداً رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنة الفردوس مأواه, وقوله "وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم" الاية, يعني أن هذه الأصنام لا تسمع دعاء من دعاها, وسواء لديها من دعاها ومن دحاها, كما قال إبراهيم "يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً" ثم ذكر تعالى أنها عبيد مثل عابديها أي مخلوقات مثلهم, بل الأناس أكمل منها لأنها تسمع وتبصر وتبطش, وتلك لا تفعل شيئاً من ذلك, وقوله "قل ادعوا شركاءكم" الاية, أي استنصروا بها علي فلا تؤخروني طرفة عين, واجهدوا جهدكم "إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين" أي الله حسبي وكافي, وهو نصيري وعليه متكلي وإليه ألجأ, وهو وليي في الدنيا والاخرة وهو ولي كل صالح بعدي وهذا كما قال هود عليه السلام لما قال له قومه " إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم " وكقول الخليل " أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين * الذي خلقني فهو يهدين " الايات, وكقوله لأبيه وقومه " إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين* وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ".
وقوله "والذين تدعون من دونه" إلى آخر الاية, مؤكد لما تقدم إلا أنه بصيغة الخطاب وذلك بصيغة الغيبة, ولهذا قال "لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون", وقوله "وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون" كقوله تعالى: "إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم" الاية. وقوله "وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون" إنما قال "ينظرون إليك" أي يقابلونك بعيون مصورة كأنها ناظرة وهي جماد, ولهذا عاملهم معاملة من يعقل لأنها على صورة مصورة كالإنسان وتراهم ينظرون إليك, فعبر عنها بضمير من يعقل, وقال السدي: المراد بهذا المشركون, وروي عن مجاهد نحوه, والأول أولى, وهو اختيار ابن جرير, وقاله قتادة.
192- "ولا يستطيعون لهم" أي لمن جعلهم شركاء "نصراً" إن طلبه منهم "ولا أنفسهم ينصرون" إن حصل عليهم شيء من جهة غيرهم، ومن عجز عن نصر نفسه فهو عن نصر غيره أعجز.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: قال حمل بن أبي قيس وشمول بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرنا متى الساعة إن كنت نبياً كما تقول فإنا نعلم ما هي؟ فأنزل الله "يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي" إلى قوله: "ولكن أكثر الناس لا يعلمون". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة "أيان مرساها" أي متى قيامها؟ "قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو" قال: قالت قريش يا محمد أسر إلينا الساعة لما بيننا وبينك من القرابة؟ قال: "يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله" وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "تهيج الساعة بالناس والرجل يسقى على ماشيته، والرجل يصلح حوضه، والرجل يخفض ميزانه ويرفعه، والرجل يقيم سلعته في السوق قضاء الله لا تأتيكم إلا بغتة". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "أيان مرساها" قال: منتهاها. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد "لا يجليها لوقتها إلا هو" يقول: لا يأتي بها إلا الله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: هو يجليها لوقتها لا يعلم ذلك إلا الله. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "ثقلت في السموات والأرض" قال: ليس شيء من الخلق إلا يصيبه من ضرر يوم القيامة. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "ثقلت في السموات والأرض" قال: ثقل علمها على أهل السموات والأرض يقول كبرت عليهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: "ثقلت في السموات والأرض" قال: إذا جاءت انشقت السماء، وانتثرت النجوم، وكورت الشمس، وسيرت الجبال، وما يصيب الأرض، وكان ما قال الله سبحانه فذلك ثقلها فيهما. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "لا تأتيكم إلا بغتة" قال: فجأة آمنين. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في البعث عن مجاهد في قوله: "كأنك حفي عنها" قال: استحفيت عنها السؤال حتى علمتها. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "كأنك حفي عنها" يقول: كأنك عالم بها: أي لست تعلمها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عنه "كأنك حفي عنها" قال: لطيف بها. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عنه أيضاً "كأنك حفي عنها" يقول: كأن بينك وبينهم مودة كأنك صديق لهم، قال: لما سأل الناس محمداً صلى الله عليه وسلم عن الساعة سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمداً حفي بهم، فأوحى الله إليه "إنما علمها عند الله" استأثر بعلمها فلم يطلع ملكاً ولا رسولاً. وأخرج عبد بن حميد عن عمرو بن دينار قال: كان ابن عباس يقرأ: كأنك حفي بها. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج "قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً" قال: الهدى والضلالة "ولو كنت أعلم الغيب" متى أموت "لاستكثرت من الخير" قال: العمل الصالح. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير" قال: لعلمت إذا اشتريت شيئاً ما أربح فيه فلا أبيع شيئاً لا ربح فيه "وما مسني السوء" قال: لاجتنبت ما يكون من الشر قبل أن يكون. وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والروياني والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما ولدت حواء طاف بها إبليس، وكان لا يعيش لها ولد، فقال: سميه عبد الحرث فإنه يعيش، فسمته عبد الحرث فعاش، فكان ذلك من وحي الشيطان وأمره". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سمرة في قوله: "فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاءً" قال: سمياه عبد الحرث. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي بن كعب نحو حديث سمرة المرفوع موقوفاً عليه. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: حملت حواء فأتاها إبليس فقال: إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لتطيعنني أو لأجعلن له قرني أيل فيخرج من بطنك فيشقه ولأفعلن ولأفعلن يخوفهما، سمياه عبد الحرث، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً، ثم حملت فأتاهما أيضاً فقال مثل ذلك، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً، ثم حملت فأتاهما فذكر لهما فأدركهما حب الولد فسمياه عبد الحرث، فذلك قوله: "جعلا له شركاء فيما آتاهما". وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن في الآية قال: كان هذا في بعض أهل الملل وليس بآدم. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن سمرة في قوله: "حملت حملاً خفيفاً" لم يستبن "فمرت به" لما استبان حملها. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "فمرت به" قال: فشكت أحملت أم لا. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن أيوب قال: سئل الحسن عن قوله: "فمرت به" قال: لو كنت عربياً لعرفتها إنما هي استمرت بالحمل. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: "حملت حملاً خفيفاً" قال: هي النطفة "فمرت به" يقول: استمرت به. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "فمرت به" يقول: استخفته. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي صالح في قوله: "لئن آتيتنا صالحاً" فقال: أشفقا أن يكون بهيمة، فقالا: لئن آتيتنا بشراً سوياً. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: غلاماً سوياً. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله: "جعلا له شركاء" قال: كان شريكاً في طاعة ولم يكن شريكاً في عبادة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال: ما أشرك آدم إن أولها شكر، وآخرها مثل ضربه لمن بعده. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: "فتعالى الله عما يشركون" هذا فصل من آية آدم خاصة في آلهة العرب. وأخرج ابن أبي مالك نحوه. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن الحسن في الآية قال: هذا في الكفار يدعون الله فإذا آتاهما صالحاً هودا أو نصرا، ثم قال: "أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون" يقول: يطيعون ما لا يخلق شيئاً، وهي الشياطين لا تخلق شيئاً وهي تخلق "ولا يستطيعون لهم نصراً" يقول: لمن يدعوهم.
192 - " ولا يستطيعون لهم نصراً " أي : الأصنام لا تنصر من أطاعها . " ولا أنفسهم ينصرون " ، قال الحسن : لا يدفعون عن أنفسهم مكروه من أراد بهم بكسر أو نحوه ثم خاطب المؤمنين فقال :
192." ولا يستطيعون لهم نصراً " أي لعبدتهم . " ولا أنفسهم ينصرون " فيدفعون عنها ما يعتريها .
192. And cannot give them help, nor can they help themselves?
192 - No aid can they give them nor can they aid themselves