[الأعراف : 189] هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ
189 - (هو) أي الله (الذي خلقكم من نفس واحدة) أي آدم (وجعل) خلق (منها زوجها) حواء (ليسكن إليها) ويألفها (فلما تغشاها) جامعها (حملت حملاً خفيفاً) هو النطفة (فمرت به) ذهبت وجاءت لخفته (فلما أثقلت) بكبر الولد في بطنها وأشفقا أن يكون بهيمة (دعوا الله ربهما لئن آتيتنا) ولداً (صالحاً) سوياً (لنكونن من الشاكرين) لك عليه
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: " هو الذي خلقكم من نفس واحدة "، يعني بـ((النفس الواحدة))، آدم، كما:
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد : " خلقكم من نفس واحدة "، قال: آدم عليه السلام.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: هو الذي خلقكم من نفس واحدة من آدم.
ويعني بقوله: " وجعل منها زوجها "، وجعل من النفس الواحدة، وهو آدم، " زوجها "، حواء، كما:
حدثني بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : " وجعل منها زوجها "، حواء، فجعلت من ضلع من أضلاعه، ليسكن إليها.
ويعني بقوله: " ليسكن إليها "، ليأوي إليها، لقضاء حاجته ولذته.
ويعني بقوله: " فلما تغشاها "، فلما تدثرها لقضاء حاجته منها، فقضى حاجته منها، " حملت حملا خفيفا "، وفي الكلام محذوف، ترك ذكره استغناءً بما ظهر عما حذف، وذلك قوله: " فلما تغشاها حملت "، وإنما الكلام: فلما تغشاها - فقضى حاجته منها - حملت.
وقوله: " حملت حملا خفيفا "، يعني بـ((خفة الحمل))، الماء الذي حملته حواء في رحمها من آدم، أنه كان حملاً خفيفاً، وكذلك هو حمل المرأة ماء الرجل، خفيف عليها.
وأما قوله: " فمرت به "، فإنه يعني: استمرت بالماء، قامت به وقعدت، وأتمت الحمل، كما:
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبي عمير، عن أيوب قال، سألت الحسن عن قوله: " حملت حملا خفيفا فمرت به "، قال: لو كنت امرءاً عربياً لعرفت ما هي، إنما هي: فاستمرت به.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : " فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به "، استبان حملها.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " فمرت به "، قال: استمر حملها.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: " حملت حملا خفيفا "، قال: هي النطفة، وقوله: فمرت به، يقول: استمرت به.
وقال آخرون: معنى ذلك، فشكت فيه.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: " فمرت به "، قال: فشكت، أحملت أم لا؟.
ويعني بقوله: " فلما أثقلت "، فلما صار ما في بطنها من الحمل الذي كان خفيفاً، ثقيلاً، ودنت ولادتها.
يقال منه: ((أثقلت فلانة))، إذا صارت ذات ثقل بحملها، كما يقال: ((أتمر فلان))، إذا صار ذا تمر، كما:
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " فلما أثقلت "، كبر الولد في بطنها.
قال أبو جعفر: " دعوا الله ربهما "، يقول: نادى آدم وحواء ربهما وقالا: يا ربنا، " لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين ".
واختلف أهل التأويل في معنى ((الصلاح))، الذي أقسم آدم وحواء عليهما السلام أنه إن آتاهما صالحاً في حمل حواء: لنكونن من الشاكرين.
فقال بعضهم: ذلك هو أن يكون الحمل غلاماً.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال، قال الحسن في قوله: " لئن آتيتنا صالحا "، قال: غلاماً.
وقال آخرون: بل هو أن يكون المولود بشراً سوياً مثلهما، ولا يكون بهيمة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن زيد بن جبير الجشمي، عن أبي البختري في قوله: " لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين "، قال: أشفقا أن يكون شيئاً دون الإنسان.
... قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن زيد بن جبير، عن أبي البختري قال: أشفقا أن لا يكون إنساناً.
... قال، حدثنا محمد بن عبيد، عن إسمعيل، عن أبي صالح قال: لما حملت امرأة آدم فأثقلت، كانا يشفقان أن يكون بهيمة، فدعوا ربهما: " لئن آتيتنا صالحا "، الآية.
... قال، حدثنا جابر بن نوح، عن أبي روق، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال: أشفقا أن يكون بهيمة.
حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال سعيد بن جبير: لما هبط آدم وحواء ألقيت الشهوة في نفسه، فأصابها. فليس إلا أن أصابها حملت، فليس إلا أن حملت تحرك في بطنها ولدها، قالت: ما هذا؟ فجاءها إبليس فقال لها: إنك حملت فتلدين! قالت: ما ألد؟ قال: أترين في الأرض إلا ناقةً أو بقرة أو ضائنة أو ماعزة، أو بعض ذلك! ويخرج من أنفك، أو من أذنك، أو من عينك. قالت: والله ما مني شيء إلا هو يضيق عن ذلك! قال: فأطيعيني وسميه ((عبد الحارث)) - وكان اسمه في الملائكة: ((الحارث)) - تلدي شبهكما مثلكما، قال: فذكرت ذلك لآدم عليه السلام فقال: هو صاحبنا الذي عملت! فمات، ثم حملت بآخر، فجاء فقال: أطيعيني وسميه ((عبد الحارث)) - وكان اسمه في الملائكة ((الحارث)) - وإلا ولدت ناقة أو بقرة أو ضائنة أو ماعزة، أو قتلته، فإني أنا قتلت الأول! قال: فذكرت ذلك لآدم، فكأنه لم يكرهه، فسمته ((عبدالحارث))، فذلك قوله: " لئن آتيتنا صالحا "، يقول: شبهنا مثلنا، " فلما آتاهما صالحا "، قال: شبههما مثلهما.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " فلما أثقلت "، كبر الولد في بطنها، جاءها إبليس فخوفها وقال لها: ما يدريك ما في بطنك؟ لعله كلب، أو خنزير، أو حمار! وما يدريك من أين يخرج؟ أمن دبرك فيقتلك، أو من قبلك، أو ينشق بطنك فيقتلك؟ فذلك حين " دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا "، يقول: مثلنا، " لنكونن من الشاكرين ".
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عن آدم وحواء أنهما دعوا الله ربهما بحمل حواء، وأقسما لئن أعطاهما ما في بطن حواء، صالحاً، ليكونان لله من الشاكرين.
و((الصلاح))، قد يشمل معاني كثيرة: منها ((الصلاح)) في استواء الخلق، ومنها ((الصلاح)) في الدين، و((الصلاح))، في العقل والتدبير.
وإذ كان ذلك كذلك، ولا خبر عن الرسول يوجب الحجة بأن ذلك على بعض معاني ((الصلاح)) دون بعض، ولا فيه من العقل دليل، وجب أن يعم كما عمه الله فيقال: إنهما قالا: " لئن آتيتنا صالحا "، بجميع معاني ((الصلاح)).
وأما معنى قوله: " لنكونن من الشاكرين "، فإنه: لنكونن ممن يشكرك ما وهبت له من الولد صالحاً.
فيه سبع مسائل:
الأولى- قوله تعالى: "هو الذي خلقكم من نفس واحدة" قال جمهور المفسرين: المراد بالنفس الواحدة آدم. "وجعل منها زوجها" يعني حواء. "ليسكن إليها" ليأنس بها ويطمئن، وكان هذا كله في الجنة. ثم ابتدأ بحالة أخرى هي في الدنيا بعد هبوطهما فقال: "فلما تغشاها" كناية عن الوقاع. "حملت حملا خفيفا" كل ما كان في بطن أو على رأس شجرة فهو حمل بالفتح. وإذا كان على ظهر أو على رأس فهو حمل بالكسر. وقد حكى يعقوب في حمل النخلة الكسر. وقال أبو سعيد السيرافي: يقال في حمل المرأة حمل وحمل، يشبه مرة لاستبطانه بحمل المرأة، ومرة لبروزه وظهوره بحمل الدابة. والحمل أيضاً مصدر حمل عليه يحمل حملاً إذا صال. "فمرت به" يعني المني، أي استمرت بذلك الحمل الخفيف. يقول: تقوم وتقعد وتقلب، ولا تكترث بحمله إلى أن ثقل، عن الحسن ومجاهد وغيرهما. وقيل: المعنى فاستمر بها الحمل، فهو من المقلوب، كما تقول: أدخلت القلنسوة في رأسي. وقرأ عبد الله بن عمر فمارت به بألف والتخفيف، من مار يمور إذا ذهب وجاء وتصرف. وقرأ ابن عباس ويحيى بن يعمر فمرت به خفيفة من المرية، أي شكت فيما أصابها، هل هو حمل أو مرض، أو نحو ذلك.
الثانية- قوله تعالى: "فلما أثقلت" صارت ذات ثقل، كما تقول: أثمر النخل. وقيل: دخلت في الثقل، كما تقول: أصبح وأمسى. "دعوا الله ربهما" الضمير في دعوا عائد على آدم وحواء. على هذا القول ما روي في قصص هذه الآية أن حواء لما حملت أول حمل لم تدر ما هو. وهذا يقوي قراءة من قرأ فمرت به بالتخفيف. فجزعت لذلك، فوجد إبليس السبيل إليها. قال الكلبي: إن إبليس أتى حواء في صورة رجل لما أثقلت في أول ما حملت فقال: ما هذا الذي في بطنك؟ قالت: ما أدري! قال: إني أخاف أن يكون بهيمة. فقالت ذلك لآدم عليه السلام. فلم يزالا في هم من ذلك. ثم عاد إليها فقال: هو من الله بمنزلة، فإن دعوت الله فولدت إنساناً أفتسمينه بي؟ قالت نعم. قال: فإني أدعو الله. فأتاها وقد ولدت فقال: سميه باسمي. فقالت: وما اسمك؟ قال: الحارث -لو سمى لها نفسه لعرفته- فسمته عبد الحارث. ونحو هذا مذكور من ضعيف الحديث، في الترمذي وغيره. وفي الإسرائيليات كثير ليس لها ثبات، فلا يعول عليها من له قلب، فإن آدم وحواء عليهما السلام وإن غرهما بالله الغرور فلا يلدغ المؤمن من حجر مرتين، على أنه قد سطر وكتب. قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
خدعهما مرتين خدعهما في الجنة وخدعهما في الأرض". وعضد هذا بقراءة السلمي أتشركون بالتاء. ومعنى "صالحا" يريد ولداً سوياً.
ينبه تعالى على أنه خلق جميع الناس من آدم عليه السلام. وأنه خلق منه زوجته حواء ثم انتشر الناس منهما, كما قال تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" وقال تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها" الاية, وقال في هذا الاية الكريمة "وجعل منها زوجها ليسكن إليها" أي ليألفها ويسكن بها, كقوله تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" فلا ألفة بين روحين أعظم مما بين الزوجين, ولهذا ذكر تعالى أن الساحر ربما توصل بكيده إلى التفرقة بين المرء وزوجه "فلما تغشاها" أي وطئها "حملت حملاً خفيفاً" وذلك أول الحمل لا تجد المرأة له ألماً, إنما هي النطفة ثم العلقة ثم المضغة.
وقوله "فمرت به" قال مجاهد: استمرت بحمله, وروي عن الحسن وإبراهيم النخعي والسدي نحوه, وقال ميمون بن مهران عن أبيه: استخفته. وقال أيوب: سألت الحسن عن قوله "فمرت به" قال: لو كنت رجلاً عربياً لعرفت ما هي إنما هي فاستمرت به, وقال قتادة "فمرت به" استبان حملها. وقال ابن جرير: معناه استمرت بالماء قامت به وقعدت. وقال العوفي عن ابن عباس: استمرت به فشكت أحملت أم لا ؟ "فلما أثقلت" أي صارت ذات ثقل بحملها. وقال السدي: كبر الولد في بطنها "دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحاً" أي بشراً سوياً, كما قال الضحاك عن ابن عباس: أشفقا أن يكون بهيمة, وكذلك قال أبو البختري وأبو مالك: أشفقا أن لا يكون إنساناً.
وقال الحسن البصري: لئن آتيتنا غلاماً " لنكونن من الشاكرين * فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون " يذكر المفسرون ههنا آثاراً وأحاديث سأوردها وأبين ما فيها, ثم نتبع ذلك ببيان الصحيح في ذلك إن شاء الله وبه الثقة, قال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا عبد الصمد: حدثنا عمر بن إبراهيم, حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لما ولدت حواء طاف بها إبليس, وكان لا يعيش لها ولد, فقال: سميه عبد الحارث فإنه يعيش, فسمته عبد الحارث فعاش, وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره" وهكذا رواه ابن جرير عن محمد بن بشار عن بندار عن عبد الصمد بن عبد الوارث به, ورواه الترمذي في تفسير هذه الاية عن محمد بن المثنى عن عبد الصمد به, وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم, ورواه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه, ورواه الحاكم في مستدركه من حديث عبد الصمد مرفوعاً, ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد, ولم يخرجاه. ورواه الإمام أبو محمد بن أبي حاتم في تفسيره عن أبي زرعة الرازي عن هلال بن فياض عن عمر بن إبراهيم به مرفوعاً.
وكذا رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره من حديث شاذ بن فياض عن عمر بن إبراهيم مرفوعاً, قلت: وشاذ هو هلال, وشاذ لقبه, والغرض أن هذا الحديث معلول من ثلاثة أوجه (أحدها) أن عمر بن إبراهيم هذا هو البصري وقد وثقه ابن معين, ولكن قال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به, ولكن رواه ابن مردويه من حديث المعتمر عن أبيه عن الحسن عن سمرة مرفوعاً, فالله أعلم. (الثاني) أنه قد روي من قول سمرة نفسه ليس مرفوعاً, كما قال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى, حدثنا المعتمر عن أبيه, حدثنا بكر بن عبد الله بن سليمان التيمي عن أبي العلاء بن الشخير عن سمرة بن جندب قال: سمى آدم ابنه عبد الحارث. (الثالث) أن الحسن نفسه فسر الاية بغير هذا, فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعاً لما عدل عنه. قال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع حدثنا سهل بن يوسف عن عمرو عن الحسن "جعلا له شركاء فيما آتاهما" قال: كان هذا في بعض أهل الملل ولم يكن بآدم.
وحدثنا محمد بن عبد الأعلى, حدثنا محمد بن ثور عن معمر قال: قال الحسن: عنى بها ذرية آدم ومن أشرك منهم بعده يعني "جعلا له شركاء فيما آتاهما". وحدثنا بشر, حدثنا يزيد, حدثنا سعيد عن قتادة قال: كان الحسن يقول هم اليهود, والنصارى رزقهم الله أولاداً فهودوا ونصروا, وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن رضي الله عنه أنه فسر الاية بذلك, وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الاية, ولو كان هذا الحديث عنده محفوظاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عدل عنه هو ولا غيره ولا سيما مع تقواه لله وورعه, فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابي, ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب من آمن منهم مثل كعب أو وهب بن منبه وغيرهما, كما سيأتي بيانه إن شاء الله إلا أننا برئنا من عهدة المرفوع, والله أعلم.
فأما الاثار فقال محمد بن إسحاق بن يسار عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: كانت حواء تلد لادم عليه السلام أولاداً فيعبدهم لله ويسميهم عبد الله وعبيد الله ونحو ذلك, فيصيبهم الموت, فأتاهما إبليس فقال: إنكما لو سميتماه بغير الذي تسميانه به لعاش, قال: فولدت له رجلاً فسماه عبد الحارث, ففيه أنزل الله يقول " هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين * فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما " إلى آخر الاية, وقال العوفي عن ابن عباس قوله في آدم " هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به " شكت أحملت أم لا ؟ "فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحاً لنكونن من الشاكرين" فأتاهما الشيطان, فقال: هل تدريان ما يولد لكم ؟ أم هل تدريان ما يكون أبهيمة أم لا ؟ وزين لهما الباطل, إنه غوي مبين, وقد كانت قبل ذلك ولدت ولدين فماتا, فقال لهما الشيطان: إنكما إن لم تسمياه بي لم يخرج سوياً ومات كما مات الأول, فسميا ولدهما عبد الحارث, فذلك قول الله تعالى: "فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما" الاية.
وقال عبد الله بن المبارك عن شريك عن خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله "فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما" قال: قال الله تعالى: "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها" آدم "حملت" فأتاهما إبليس لعنه الله فقال: إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لتطيعاني أو لأجعلن له قرني إبل فيخرج من بطنك فيشقه, ولأفعلن ولأفعلن يخوفهما, فسمياه عبد الحارث فأبيا أن يطيعاه, فخرج ميتاً, ثم حملت الثانية فأتاهما أيضاً فقال: أنا صاحبكما الذي فعلت ما فعلت لتفعلن أو لأفعلن ـ يخوفهما ـ فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً, ثم حملت الثالثة فأتاهما أيضاً فذكر لهما فأدركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث, فذلك قوله تعالى: "جعلا له شركاء فيما آتاهما" رواه ابن أبي حاتم.
وقد تلقى هذا الأثر عن ابن عباس من أصحابه كمجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة, ومن الطبقة الثانية قتادة والسدي وغير واحد من السلف وجماعة من الخلف, ومن المفسرين من المتأخرين جماعات لا يحصون كثرة, وكأنه ـ والله أعلم ـ أصله مأخوذ من أهل الكتاب, فإن ابن عباس رواه عن أبي بن كعب, كما رواه ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أبو الجماهر, حدثنا سعيد يعني ابن بشير عن عقبة عن قتادة عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال: لما حملت حواء أتاها الشيطان فقال لها: أتطيعيني ويسلم لك ولدك, سميه عبد الحارث, فلم تفعل, فولد فمات, ثم حملت فقال لها مثل ذلك فلم تفعل, ثم حملت الثالثة فجاءها فقال: إن تطيعيني يسلم وإلا فإنه يكون بهيمة, فهيبهما فأطاعا.
وهذه الاثار يظهر عليها ـ والله أعلم ـ أنها من آثار أهل الكتاب, وقد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم" ثم أخبارهم على ثلاثة أقسام, فمنها ما علمنا صحته بما دل عليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسوله, ومنها ما علمنا كذبه بما دل على خلافه من الكتاب والسنة أيضاً, ومنها ما هو مسكوت عنه فهو المأذون في روايته بقوله عليه السلام "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" وهو الذي لا يصدق ولا يكذب لقوله "فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم" وهذا الأثر هو من القسم الثاني أو الثالث فيه نظر, فأما من حدث به من صحابي أو تابعي فإنه يراه من القسم الثالث, وأما نحن فعلى مذهب الحسن البصري رحمه الله في هذا, وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء, وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته, وهو كالاستطراد من ذكر الشخص إلى الجنس, كقوله "ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح" الاية, ومعلوم أن المصابيح وهي النجوم التي زينت بها السماء ليست هي التي يرمى بها, وإنما هذا استطراد من شخص المصابيح إلى جنسها, ولهذا نظائر في القرآن, والله أعلم.
قوله: 189- "هو الذي خلقكم من نفس واحدة" هذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر نعم الله على عباده وعدم مكافأتهم لها مما يجب من الشكر والاعتراف بالعبودية وأنه المنفرد بالإلهية. قال جمهور المفسرين: المراد بالنفس الواحدة آدم، وقوله: "وجعل منها زوجها" معطوف على "خلقكم" أي هو الذي خلقكم من نفس آدم وجعل من هذه النفس زوجها، وهي حواء خلقها من ضلع من أضلاعه، وقيل المعنى "جعل منها" من جنسها كما في قوله: "جعل لكم من أنفسكم أزواجاً" والأول أولى "ليسكن إليها" علة للجعل: أي جعله منها لأجل يسكن إليها يأنس إليها ويطمئن بها فإن الجنس بجنسه أسكن وإليه آنس، وكان هذا في الجنة كما وردت بذلك الأخبار: ثم ابتدأ سبحانه بحالة أخرى كانت بينهما في الدنيا بعد هبوطهما، فقال: "فلما تغشاها"، والتغشي كناية عن الوقاع: أي فلما جامعها "حملت حملاً خفيفاً" علقت به بعد الجماع، ووصفه بالخفة لأنه عند إلقاء النطفة أخف منه عند كونه علقة، وعند كونه علقة أخف منه عند كونه مضغة وعند كونه مضغة أخف مما بعده وقيل: إنه خف عليها هذا الحمل من ابتدائه إلى انتهائه، ولم تجد منه ثقلاً كما تجده الحوامل من النساء لقوله: "فمرت به" أي استمرت بذلك الحمل تقوم وتقعد وتمضي في حوائجها لا تجد به ثقلاً، والوجه الأول أولى لقوله: "فلما أثقلت" فإن معناه: فلما صارت ذات ثقل لكبر الولد في بطنها، وقرئ فمرت به بالتخفيف: أي فجزعت لذلك، وقرئ فمارت به من المور، وهو المجيء والذهاب، وقيل المعنى: فاستمرت به. وقد رويت قراءة التخفيف عن ابن عباس ويحيى بن يعمر، ورويت قراءة فمارت عن عبد الله بن عمر، وروي عن ابن عباس أنه قرأ فاستمرت به قوله: "دعوا الله ربهما" جواب لما: أي دعا آدم وحواء ربهما ومالك أمرهما "لئن آتيتنا صالحاً" أي ولداً صالحاً، واللام جواب قسم محذوف، و "لنكونن من الشاكرين" جواب القسم ساد مسد جواب الشرط: أي من الشاكرين لك على هذه النعمة، وفي هذا الدعاء دليل على أنهما قد علما أن ما حدث في بطن حواء من أثر ذلك الجماع هو من جنسهما وعلما بثبوت النسل المتأثر عن ذلك السبب.
189 - قوله تعالى : " هو الذي خلقكم من نفس واحدة" ، يعني : آدم ، " وجعل " ، وخلق " منها زوجها " يعني : حواء ، " ليسكن إليها " ، ليأنس بها ويأوي إليها " فلما تغشاها " ، أي واقعها وجامعها " حملت حملاً خفيفاً " ، وهو أول ما تحمل المرأة من النطفة يكون خفيفاً عليها ، " فمرت به " ، أي : استمرت به وقامت وقعدت به ، لم يثقلها ، " فلما أثقلت " ، أي : كبر الولد في بطنها وصارت ذات ثقل بحملها ودنت ولادتها ، " دعوا الله ربهما " ، يعني آدم وحواء ، " لئن آتيتنا " يا ربنا " صالحاً " ، أي : بشراً سوياً مثلنا ، " لنكونن من الشاكرين " ، قال المفسرون : فلما حملت حواء أتاها إبليس في صورة رجل ،فقال لها : ما الذي في بطنك ؟ قالت : ما أدري . قال : إني أخاف أن يكون بهيمة ، أو كلباً ، أو خنزيراً ، وما يدريك من أين يخرج ؟ من دبرك فيقتلك ، أو من { قبلك } وينشق بطنك ، فخافت حواء من ذلك ، وذكرت ذلك لآدم عليه السلام فلم يزالا في هم من ذلك ، ثم عاد إليها فقال : إني من الله بمنزلة ، فإن دعوت الله أن يجعله خلقاً سوياً مثلك ويسهل عليك خروجه تسميه عبدالحارث ؟ وكان اسم إبليس في الملائكة الحارث - فذكرت ذلك لآدم ، فقال لها : لعله صاحبنا الذي قد علمت ، فعاودها إبليس ، فلم يزل بهما حتى غرهما ، فلما ولدت سمياه عبدالحارث .
قال الكلبي : قال إبليس لها : إن دعوت الله فولدت إنساناً أتسمينه بي ؟ قالت : نعم ، فملا ولدت قال سميه بي ، قالت : وما اسمك ؟ قال الحارث ، ولو سمى لها نفسه لعرفته فسمته عبدالحارث .
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت حواء تلد لآدم فيسميه عبد الله ، وعبيد الله ، وعبد الرحمن ، فيصيبهم الموت ، فأتاهما إبليس وقال : إن سركما إن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحارث ، فولدت فسمياه عبد الحارث فعاش . وجاء في الحديث : ( خدعهما إبليس مرتين مرة في الجنة ومرة في الأرض ) .
وقال ابن زيد : ولد لآدم ولد فسماه عبد الله فأتاهما إبليس فقال لهما : ما سميتما ابنكما ؟ قالا : عبد الله - وكان قد ولد لهما قبل ذلك ولد فسمياه عبد الله فمات - فقال إبليس : أتظنان أن الله تارك عبده عندكما ، لا والله ليذهبن به كما ذهب بالآخر ، ولكن أدلكم على اسم يبقى لكما ما بقيتما ، فسمياه عبد شمس ، والأول أصح ، فذلك قوله :
189. " هو الذي خلقكم من نفس واحدة " هو آدم . " وجعل منها " من جسدها من ضلع من أضلاعها ، أو من جنسها كقوله : " جعل لكم من أنفسكم أزواجاً " . " زوجها " حواء ز " ليسكن إليها " ليستأنس بها ويطمئن إليها اطمئنان الشيء إلى جزئه أو جنسه ، وإنما ذكر الضمير ذهابا إلى المعنى ليناسب" فلما تغشاها " أي جامعها . " حملت حملاً خفيفاً " خف عليها ولم يلق منه ما تلقى منه الحوامل غالبا من الأذى ، أو محمولا خفيفا وهو النطفة . " فمرت به " فاستمرت به أي قامت وقعدت، وقرئ " فمرت " بالتخفيف و فاستمرت به و فمارت من المور وهو المجيء والذهاب ، أو من المرية أي فظنت الحمل وارتابت منه . "فلما أثقلت " صارت ذات ثقل بكبر الولد في بطنها . وقرئ على البناء للمفعول أي أثقلها حملها . " دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحاً " ولدا سويا قد صلح بدنه . "لنكونن من الشاكرين " لك على هذه النعمة المجددة .
189. He it is who did create you from a single soul, and therefrom did make his mate that he might take rest in her. And when he covered her she bore a light burden, and she passed (unnoticed) with it, but when it became heavy they cried unto Allah, their Lord, saying: If thou givest unto us aright we shall be of the thankful.
189 - It is he who created you from a single person and made his mate of like nature, in order that he might dwell with her (in love). when they are united, she bears a light burden and carries it about (unnoticed) when she grows heavy, they both pray to God their Lord, (saying): if thou givest us a goodly child. we vow shall (ever) be grateful.