[الأعراف : 187] يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
187 - (يسألونك) أي أهل مكة (عن الساعة) القيامة (أيان) متى (مرساها قل) لهم (إنما علمها) متى تكون (عند ربي لا يجليها) يظهرها (لوقتها) اللام بمعنى في (إلا هو ثقلت) عظمت (في السماوات والأرض) على أهلها لهولها (لا تأتيكم إلا بغتة) فجأة (يسألونك كأنك حفي) مبالغ في السؤال (عنها) حتى علمتها (قل إنما علمها عند الله) تأكيد (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) أن علمها عنده تعالى
قوله تعالى يسألونك عن الساعة الخ أخرج ابن جرير وغيره وابن عباس قال قال حمل بن أبي تشيروسموءل بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا متى الساعة ان كنت نبيا كما تقول فإنا نعلم ما هي فأنزل الله يسألونك عن الساعة أيان مرساها الآية وأخرج أيضا عن قتادة قال قالت قريش فذكر نحوه
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله: " يسألونك عن الساعة ".
فقال بعضهم: عني بذلك قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش، وكانوا سألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم: إن بيننا وبينك قرابة، فأسر إلينا متى الساعة! فقال الله: " يسألونك كأنك حفي عنها ".
وقال آخرون: بل عني به قوم من اليهود.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا محمد بن إسحق قال، حدثني محمد بن أبي محمد موسى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال: قال جبل بن أبي قشير، وشمول بن زيد، لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد، أخبرنا متى الساعة إن كنت نبياً كما تقول، فإنا نعلم متى هي! فأنزل الله تبارك وتعالى: " يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي "، إلى قوله: " ولكن أكثر الناس لا يعلمون ".
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسمعيل بن أبي خالد، عن طارق بن شهاب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال يذكر من شأن الساعة حتى نزلت: " يسألونك عن الساعة أيان مرساها ". قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن قوماً سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فأنزل الله هذه الآية، وجائز أن يكون كانوا من قريش، وجائز أن يكونوا كانوا من اليهود، ولا خبر بذلك عندنا يجوز قطع القول على أي ذلك كان.
قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذاً: يسألك القوم الذين يسألونك عن الساعة: " أيان مرساها "؟ يقول: متى قيامها؟.
ومعنى " أيان ": متى، في كلام العرب، ومنه قول الراجز:
أيان تقضي حاجتي أيانا أما ترى لنجحها إبانا
ومعنى قوله: " مرساها "، قيامها، من قول القائل: ((أرساها الله فهي مرساة))، و((أرساها القوم))، إذا حبسوها، و((رست هي، ترسوا رسواً)).
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " يسألونك عن الساعة أيان مرساها "، يقول: متى قيامها؟.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " يسألونك عن الساعة أيان مرساها "، متى قيامها؟.
وقال آخرون: معنى ذلك: منتهاها، وذلك قريب المعنى من معنى من قال: معناه: ((قيامها))، لأن انتهاءها، بلوغها وقتها.
وقد بينا أن أصل ذلك: الحبس والوقوف.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " يسألونك عن الساعة أيان مرساها "، يعني: منتهاها.
وأما قوله: " قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو "، فإنه أمر من الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يجيب سائليه عن الساعة بأنه لا يعلم وقت قيامها إلا الله الذي يعلم الغيب، وأنه لا يظهرها لوقتها ولا يعلمها غيره جل ذكره، كما:
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : " قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو "، يقول: علمها عند الله، هو يجليها لوقتها، لا يعلم ذلك إلا الله.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " لا يجليها "، يأتي بها.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد : " لا يجليها "، قال: لا يأتي بها إلا هو.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " لا يجليها لوقتها إلا هو "، يقول: لا يرسلها لوقتها إلا هو.
القول في تأويل قوله: " ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة ".
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى ذلك: ثقلت الساعة على أهل السموات والأرض أن يعرفوا وقتها ومجيئها، لخفائها عنهم، واستئثار الله بعلمها.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: " ثقلت في السماوات والأرض "، يقول: خفيت في السموات والأرض، فلم يعلم قيامها متى تقوم ملك مقرب، ولا نبي مرسل.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، جميعاً، عن معمر، عن بعض أهل التأويل: " ثقلت في السماوات والأرض "، قال: ثقل علمها على أهل السموات وأهل الأرض، إنهم لا يعلمون.
وقال آخرون: معنى ذلك: أنها كبرت عند مجيئها على أهل السموات والأرض.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، جميعاً، عن معمر قال، قال الحسن في قوله: " ثقلت في السماوات والأرض "، يعني: إذا جاءت ثقلت على أهل السماء وأهل الأرض. يقول: كبرت عليهم.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج : " ثقلت في السماوات والأرض "، قال: إذا جاءت انشقت السماء، وانتثرت النجوم، وكورت الشمس، وسيرت الجبال، وكان ما قال الله. فذلك ثقلها.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: قال بعض الناس في " ثقلت ": عظمت.
وقال آخرون: معنى قوله: " في السماوات والأرض "، على السموات والأرض.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : " ثقلت في السماوات والأرض "، أي: على السموات والأرض.
قال أبو جعفر: وأولى ذلك عندي بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: ثقلت الساعة في السموات والأرض على أهلها، أن يعرفوا وقتها وقيامها، لأن الله أخفى ذلك عن خلقه، فلم يطلع عليه منهم أحداً. وذلك أن الله أخبر بذلك بعد قوله: " قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو "، وأخبر بعده أنها لا تأتي إلا بغتة، فالذي هو أولى: أن يكون ما بين ذلك أيضاً خبراً عن خفاء علمها عن الخلق، إذ كان ما قبله وما بعده كذلك.
وأما قوله: " لا تأتيكم إلا بغتة " فإنه يقول: لا تجيء الساعة إلا فجأة، لا تشعرون بمجيئها، كما:
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " لا تأتيكم إلا بغتة "، يقول: يبغتهم قيامها، تأتيهم على غفلة.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : " لا تأتيكم إلا بغتة "، قضى الله أنها لا تأتيكم إلا بغتة. قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " إن الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه، والرجل يسقي ماشيته، والرجل يقيم سلعته في السوق، والرجل يخفض ميزانه ويرفعه "
القول في تأويل قوله: " يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون ".
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يسألك هؤلاء القوم عن الساعة، كأنك حفي عنها.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " حفي عنها ".
فقال بعضهم: يسألونك عنها كأنك حفي بهم. وقالوا: معنى قوله: " عنها "، التقديم، وإن كان مؤخراً.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " يسألونك كأنك حفي عنها "، يقول: كأن بينك وبينهم مودة، كأنك صديق لهم. قال ابن عباس: " لما سأل الناس محمداً صلى الله عليه وسلم عن الساعة، سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمداً حفي بهم، فأوحى الله إليه: إنما علمها عنده، استأثر بعلمها، فلم يطلع عليها ملكاً ولا رسولاً ".
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال، قال قتادة :قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم: إن بيننا وبينك قرابة، فأسر إلينا متى الساعة! فقال الله: " يسألونك كأنك حفي عنها ". حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة " يسألونك كأنك حفي عنها "، أي: حفي بهم. قال: قالت قريش: يا محمد، أسر إلينا علم الساعة، لما بيننا وبينك من القرابة، لقرابتنا منك.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، وهانىء بن سعيد، عن حجاج، عن خصيف، عن مجاهد وعكرمة: " يسألونك كأنك حفي عنها "، قال: حفي بهم حين يسألونك.
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: " يسألونك كأنك حفي عنها "، قال: قريب منهم، وتحفى عليهم - قال: وقال أبو مالك : كأنك حفي بهم. قال: قريب منهم، وتحفى عليهم - قال وقال أبو مالك : كأنك حفي بهم، فتحدثهم.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " يسألونك كأنك حفي عنها "، كأنك صديق لهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: كأنك قد استحفيت المسألة عنها فعلمتها.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " كأنك حفي عنها "، استحفيت عنها السؤال حتى علمتها.
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد في قوله: " كأنك حفي عنها "، قال: استحفيت عنها السؤال حتى علمت وقتها.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك : " يسألونك كأنك حفي عنها "، قال: كأنك عالم بها.
... قال حدثنا جابر بن نوح، عن أبي روق، عن الضحاك : " يسألونك كأنك حفي عنها "، قال: كأنك تعلمها.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثني عبيد بن سليمان، عن الضحاك قوله: " يسألونك كأنك حفي عنها "، يقول: يسألونك عن الساعة، كأن عندك علماً منها، قل: إنما علمها عند ربي.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن بعضهم: " كأنك حفي عنها "، كأنك عالم بها.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " كأنك حفي عنها "، قال: كأنك بها عالم. وقال: أخفى علمها على خلقه. وقرأ: " إن الله عنده علم الساعة " [لقمان: 34]، حتى ختم السورة.
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " يسألونك كأنك حفي عنها "، يقول: كأنك يعجبك سؤالهم إياك، " قل إنما علمها عند الله ".
وقوله: " كأنك حفي عنها "، يقول: لطيف بها.
فوجه هؤلاء تأويل قوله: " كأنك حفي عنها "، إلى حفي بها. وقالوا: تقول العرب: ((تحفيت له في المسألة)) و((تحفيت عنه)). قالوا: ولذلك قيل: ((أتينا فلاناً نسأل به))، بمعنى: نسأل عنه.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: معناه: كأنك حفي بالمسألة عنها فتعلمها.
فإن قال قائل: وكيف قيل: " حفي عنها "، ولم يقل: ((حفي بها))، إن كان ذلك تأويل الكلام؟.
قيل: إن ذلك قيل كذلك، لأن ((الحفاوة)) إنما تكون في المسألة، وهي البشاشة للمسئول عند المسألة، والإكثار من السؤال عنه، و((السؤال))، يوصل بـ((عن)) مرة، وبـ((الباء)) مرة. فيقال: ((سألت عنه))، و((سألت به)). فلما وضع قوله: ((حفي))، موضع ((السؤال))، وصل بأغلب الحرفين اللذين يوصل بهما ((السؤال)) وهو ((عن))، كما قال الشاعر:
سؤال حفي عن أخيه، كأنه بذكرته وسنان أو متواسن
وأما قوله: " قل إنما علمها عند الله "، فإن معناه: قل، يا محمد، لسائليك عن وقت الساعة وحين مجيئها: لا علم لي بذلك، ولا علم به إلا عند الله الذي يعلم غيب السموات والأرض، " ولكن أكثر الناس لا يعلمون "، يقول: ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك لا يعلمه إلا الله، بل يحسبون أن علم ذلك يوجد عند بعض خلقه.
قوله تعالى: "يسألونك عن الساعة أيان مرساها" أيان سؤال عن الزمان، مثل متى. قال الراجز:
أيان تقضي حاجتي أيان أما ترى لنجحها أوانا
وكانت اليهود تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت نبياً فأخبرنا عن الساعة متى تقوم. وروي أن المشركين قالوا ذلك لفرط الإنكار. و مرساها في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه، والخبر أيان. وهو ظرف مبني على الفتح، بني لأن فيه معنى الاستفهام. و مرساها بضم الميم، من أرساها الله، أي أثبتها، أي متى مثبتها، أي متى وقوعها. وبفتح الميم من رست، أي ثبتت ووقفت، ومنه "وقدور راسيات" [سبأ: 13]. قال قتادة: أي ثابتات. "قل إنما علمها عند ربي" ابتداء وخبر، أي لم يبينها لأحد، حتى يكون العبد أبداً على حذر "لا يجليها" أي لا يظهرها. "لوقتها" أي في وقتها "إلا هو". والتجلية: إظهار الشيء، يقال: جلا لي فلان الخبر إذا أظهره وأوضحه. ومعنى "ثقلت في السماوات والأرض" خفي علمها على أهل السموات والأرض. وكل ما خفي علمه فهو ثقيل على الفؤاد. وقيل: كبر مجيئها على أهل السموات والأرض، عن الحسن وغيره. ابن جريج والسدي: عظم وصفها على أهل السموات والأرض. وقال قتادة وغيره: المعنى لا تطيقها السموات والأرض لعظمها: لأن السماء تنشق والنجوم تتناثر والبحار تنضب. وقيل: المعنى ثقلت المسألة عنها. "لا تأتيكم إلا بغتة" أي فجأة، مصدر في موضع الحال "يسألونك كأنك حفي عنها" أي عالم بها كثير السؤال عنها. قال ابن فارس: الحفي العالم بالشيء. والحفي: المستقصي في السؤال. قال الأعشى:
فإن تسألي عني فيا رب سائل حفي عن الأعشى به حيث أصعدا
يقال: أحفى في المسألة وفي الطلب، فهو محف وحفي على التكثير، مثل مخصب وخصيب. قال محمد بن يزيد: المعنى يسألونك كأنك حفي بالمسألة عنها، أي ملح. يذهب إلى أنه ليس في الكلام تقديم وتأخير. وقال ابن عباس وغيره: هو على التقديم والتأخير، والمعنى: يسألونك عنها كأنك حفي بهم أي حفي ببرهم وفرح بسؤالهم. وذلك لأنهم قالوا: بيننا وبينك قرابة فأسر إلينا بوقت الساعة. "قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون" ليس هذا تكريراً، ولكن أحد العلمين لوقوعها والآخر لكنهها.
يقول تعالى: "يسألونك عن الساعة" كما قال تعالى: "يسألك الناس عن الساعة" قيل نزلت في قريش, وقيل في نفر من اليهود, والأول أشبه لأن الاية مكية, وكانوا يسألون عن وقت الساعة استبعاداً لوقوعها وتكذيباً بوجودها, كما قال تعالى: "ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين" وقال تعالى: "يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد".
وقوله "أيان مرساها" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: منتهاها أي متى محطها وأيان آخر مدة الدنيا الذي هو أول وقت الساعة "قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو" أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن وقت الساعة أن يرد علمها إلى الله تعالى, فإنه هو الذي يجليها لوقتها أي يعلم جلية أمرها ومتى يكون على التحديد, لا يعلم ذلك إلا هو تعالى, ولهذا قال "ثقلت في السموات والأرض" قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله "ثقلت في السموات والأرض" قال: ثقل علمها على أهل السموات والأرض أنهم لا يعلمون, قال معمر: قال الحسن: إذا جاءت ثقلت على أهل السموات والأرض, يقول: كبرت عليهم.
وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى "ثقلت في السموات والأرض" قال ليس شيء من الخلق إلا يصيبه من ضرر يوم القيامة, وقال ابن جريج "ثقلت في السموات والأرض" قال: إذا جاءت انشقت السماء وانتثرت النجوم, وكورت الشمس, وسيرت الجبال, وكان ما قال الله عز وجل, فذلك ثقلها, واختار ابن جرير رحمه الله أن المراد ثقل علم وقتها على أهل السموات والأرض كما قال قتادة, وهو كما قالاه كقوله تعالى: "لا تأتيكم إلا بغتة" ولا ينفي ذلك ثقل مجيئها على أهل السموات والأرض, والله أعلم.
وقال السدي: "ثقلت في السموات والأرض" يقول: خفيت في السموات والأرض, فلا يعلم قيامها حين تقوم ملك مقرب ولا نبي مرسل "لا تأتيكم إلا بغتة" يبغتهم قيامها تأتيهم على غفلة. وقال قتادة في قوله تعالى: "لا تأتيكم إلا بغتة" قضى الله أنها "لا تأتيكم إلا بغتة" قال: وذكر لنا أن نبي الله كان يقول "إن الساعة تهيج بالناس, والرجل يصلح حوضه والرجل يسقي ماشيته والرجل يقيم سلعته في السوق ويخفض ميزانه ويرفعه". وقال البخاري: حدثنا أبو اليمان, أنبأنا شعيب, أنبأنا أبو الزناد عن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها, فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون, فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً, ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما, فلا يتبايعانه ولا يطويانه. ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه, ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه, ولتقومن الساعة والرجل قد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها" وقال مسلم في صحيحه, حدثني زهير بن حرب, حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به, قال: تقوم الساعة والرجل يحلب لقحته, فما يصل الإناء إلى فيه حتى تقوم الساعة والرجلان يتبايعان الثوب فما يتبايعانه حتى تقوم الساعة, والرجل يلوط حوضه فما يصدر حتى تقوم.
وقوله "يسألونك كأنك حفي عنها" اختلف المفسرون في معناه, فقيل معناه كما قال العوفي عن ابن عباس "يسألونك كأنك حفي عنها" يقول: كأن بينك وبينهم مودة كأنك صديق لهم, قال ابن عباس: لما سأل الناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمداً حفي بهم, فأوحى الله إليه إنما علمها عنده استأثر به, فلم يطلع الله عليها ملكاً مقرباً ولا رسولاً, وقال قتادة: قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم: إن بيننا وبينك قرابة فأسر إلينا متى الساعة ؟ فقال الله عز وجل "يسألونك كأنك حفي عنها" وكذا روي عن مجاهد وعكرمة وأبي مالك والسدي, وهذا قول, والصحيح عن مجاهد من رواية ابن أبي نجيح وغيره "يسألونك كأنك حفي عنها" قال: استحفيت عنها السؤال حتى علمت وقتها, وكذا قال الضحاك عن ابن عباس "يسألونك كأنك حفي عنها" يقول: كأنك عالم بها لست تعلمها "قل إنما علمها عند الله".
وقال معمر عن بعضهم: "كأنك حفي عنها" كأنك عالم بها. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم "كأنك حفي عنها" كأنك بها عالم وقد أخفى الله علمها على خلقه, وقرأ "إن الله عنده علم الساعة" الاية, وهذا القول أرجح في المقام من الأول, والله أعلم, ولهذا قال "قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون". ولهذا لما جاء جبريل عليه السلام في صورة أعرابي ليعلم الناس أمر دينهم, فجلس من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلس السائل المسترشد, وسأله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام, ثم عن الإيمان, ثم عن الإحسان, ثم قال: فمتى الساعة ؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" أي لست أعلم بها منك ولا أحد بها من أحد, ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله عنده علم الساعة" الاية.
وفي رواية فسأله عن أشراط الساعة, فبين له أشراط الساعة, ثم قال "في خمس لا يعلمهن إلا الله" وقرأ هذه الاية, وفي هذا كله يقول له بعد كل جواب: صدقت, ولهذا عجب الصحابة من هذا السائل يسأله ويصدقه, ثم لما انصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم" وفي رواية قال "وما أتاني في صورة إلا عرفته فيها إلا صورته هذه" وقد ذكرت هذا الحديث بطرقه وألفاظه من الصحاح والحسان والمسانيد في أول شرح البخاري, ولله الحمد والمنة, ولما سأله ذلك الأعرابي وناداه بصوت جهوري فقال: يا محمد, قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "هاؤم" على نحو من صوته, قال: يا محمد متى الساعة ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "ويحك إن الساعة آتية فما أعددت لها" قال ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام, ولكنني أحب الله ورسوله, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "المرء مع من أحب" فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث, وهذا له طرق متعددة في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "المرء مع من أحب" وهي متواترة عند كثير من الحفاظ المتقنين, ففيه أنه عليه السلام كان إذا سئل عن هذا الذي لا يحتاجون إلى علمه أرشدهم إلى ما هو الأهم في حقهم, وهو الاستعداد لوقوع ذلك والتهيؤ له قبل نزوله وإن لم يعرفوا تعيين وقته. ولهذا قال مسلم في صحيحه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها, قالت: كانت الأعراب إذا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة: متى الساعة ؟ فينظر إلى أحدث إنسان منهم فيقول "إن يعش هذا لم يدركه الهرم حتى قامت عليكم ساعتكم" يعني بذلك موتهم الذي يفضي بهم إلى الحصول في برزخ الدار الاخرة. ثم قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, حدثنا يونس بن محمد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة" انفرد به مسلم.
وحدثني حجاج بن الشاعر, حدثنا سليمان بن حرب, حدثنا حماد بن زيد, حدثنا سعيد بن أبي هلال المصري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: متى الساعة ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم هنيهة, ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزدشنوءة فقال "إن عمر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة" قال أنس: ذلك الغلام من أترابي, وقال: حدثنا هارون بن عبد الله, حدثنا عفان بن مسلم, حدثنا همام, حدثنا قتادة عن أنس قال: مر غلام للمغيرة بن شعبة وكان من أترابي فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن يؤخر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة" ورواه البخاري في كتاب الأدب من صحيحه عن عمرو بن عاصم عن همام بن يحيى عن قتادة عن أنس, أن رجلاً من أهل البادية قال: يا رسول الله متى الساعة ؟ فذكر الحديث, وفي آخره: فمر غلام للمغيرة بن شعبة وذكره, وهذا الإطلاق في هذه الرويات محمول على التقييد بساعتكم في حديث عائشة رضي الله عنها.
وقال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر "تسألوني عن الساعة, وإنما علمها عند الله, وأقسم بالله ما على ظهر الأرض اليوم من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة". رواه مسلم. وفي الصحيحين عن ابن عمر مثله, قال ابن عمر: وإنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم انخرام ذلك القرن. وقال الإمام أحمد حدثنا هشيم, أنبأنا العوام عن جبلة بن سحيم عن موثر بن عفارة عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى, فتذاكروا أمر الساعة ـ قال ـ فردوا أمرهم إلى إبراهيم عليه السلام, فقال لا علم لي بها, فردوا أمرهم إلى موسى فقال لا علم لي بها فردوا أمرهم إلى عيسى فقال عيسى: أما وجبتها فلا يعلم بها أحد إلا الله عز وجل, وفيما عهد إلي ربي عز وجل أن الدجال خارج ـ قال ـ ومعي قضيبان, فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص, قال: فيهلكه الله عز وجل إذا رآني حتى إن الشجر والحجر يقول: يا مسلم إن تحتي كافراً فتعال فاقتله, قال: فيهلكهم الله عز وجل ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم, قال: فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون, فيطأون بلادهم لا يأتون على شيء إلا أهلكوه ولا يمرون على ماء إلا شربوه: قال: ثم يرجع الناس إلي فيشكونهم فأدعو الله عز وجل عليهم فيهلكهم ويميتهم حتى تجوى الأرض من نتن ريحهم أي تنتن, قال: فينزل الله عز وجل المطر فيجترف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر". قال الإمام أحمد: قال يزيد بن هارون: ثم تنسف الجبال وتمد الأرض مد الأديم, ثم رجع إلى حديث هشيم, قال: ففيما عهد إلي ربي عز وجل أن ذلك إذا كان كذلك, فإن الساعة كالحامل المتمم لا يدري أهلها متى تفاجئهم بولادتها ليلاً أو نهاراً, ورواه ابن ماجه عن بندار عن يزيد بن هارون عن العوام بن حوشب بسنده نحوه, فهؤلاء أكابر أولي العزم من المرسلين ليس عندهم علم بوقت الساعة على التعيين, وإنما ردوا الأمر إلى عيسى عليه السلام, فتكلم على أشراطها لأنه ينزل في آخر هذه الأمة منفذاً لأحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقتل المسيح الدجال, ويجعل الله هلاك يأجوج ومأجوج ببركة دعائه, فأخبر بما أعلمه الله تعالى به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن أبي بكير, حدثنا عبيد بن إياد بن لقيط, قال: سمعت أبي يذكر عن حذيفة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة, فقال "علمها عند ربي عز وجل لا يجليها لوقتها إلا هو, ولكن سأخبركم بمشاريطها وما يكون بين يديها, إن بين يديها فتنة وهرجاً" قالوا: يا رسول الله الفتنة قد عرفناها فما الهرج ؟ قال "بلسان الحبشة القتل" قال "ويلقى بين الناس التناكر, فلا يكاد أحد يعرف أحداً" لم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه. وقال وكيع: حدثنا ابن أبي خالد عن طارق بن شهاب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يذكر من شأن الساعة حتى نزلت "يسألونك عن الساعة أيان مرساها" الاية, ورواه النسائي من حديث عيسى بن يونس عن إسماعيل بن أبي خالد به, وهذا إسناد جيد قوي, فهذا النبي الأمي سيد الرسل وخاتمهم محمد صلوات الله عليه وسلامه نبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملحمة والعاقب والمقفى والحاشر الذي تحشر الناس على قدميه, مع قوله فيما ثبت عنه في الصحيح من حديث أنس وسهل بن سعد رضي الله عنهما "بعثت أنا والساعة كهاتين" وقرن بين أصبعيه السبابة والتي تليها, ومع هذا كله قد أمره الله أن يرد علم وقت الساعة إليه إذا سئل عنها, فقال "قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
قوله: 187- "يسألونك عن الساعة" السائلون: هم اليهود، وقيل قريش، والساعة: القيامة وهي من الأسماء الغالبة، وإطلاقها على القيامة لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها، وأيان ظرف زمان مبني على الفتح. قال الراجز:
أيان تقضي حاجتي أيانا أما ترى لنجحها أوانــا
ومعناه معنى متى، واشتقاقه من أي: وقيل من أين. وقرأ السلمي إيان بكسر الهمزة وهو في موضع رفع على الخبر، و "مرساها" المبتدأ عند سيبويه، ومرساها بضم الميم: أي وقت إرسائها من أرساها الله: أي أثبها، وبفتح الميم من رست: أي ثبتت، ومنه "وقدور راسيات"، ومنه رسا الجبل. والمعنى: متى يرسيها الله: أي يثبتها ويوقعها، وظاهر "يسألونك عن الساعة" أن السؤال عن نفس الساعة، وظاهر "أيان مرساها" أن السؤال عن وقتها، فحصل من الجميع أن السؤال المذكور هو عن الساعة باعتبار وقوعها في الوقت المعين لذلك، ثم أمره الله سبحانه بأن يجيب عنهم بقوله: "قل إنما علمها عند ربي" أي علمها باعتبار وقوعها عند الله لا يعلمها غيره ولا يهتدي إليها سواه "لا يجليها لوقتها إلا هو" أي لا يظهرها لوقتها ولا يكشف عنها إلا الله سبحانه، والتجلية: إظهار الشيء، يقال: جلى لي فلان الخبر: إذا أظهره وأوضحه، وفي استئثار الله سبحانه بعلم الساعة حكمة عظيمة وتدبير بليغ كسائر الأشياء التي أخفاها الله واستأثر بعلمها. وهذه الجملة مقررة لمضمون التي قبلها. قوله: "ثقلت في السموات والأرض" قيل معنى ذلك: أنه لما خفي علمها على أهل السموات والأرض كانت ثقيلة، لأن كل ما خفي علمه ثقيل على القلوب، وقيل المعنى: لا تطيقها السموات والأرض لعظمها، لأن السماء تنشق، والنجوم تتناثر، والبحار تنضب، وقيل عظم وصفها عليهم، وقيل ثقلت المسألة عنها، وهذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها أيضاً "لا تأتيكم إلا بغتة" إلا فجأة على غفلة، والبغتة، مصدر في موضع الحال، وهذه الجملة كالتي قبلها في التقرير. قوله: "يسألونك كأنك حفي عنها". قال ابن فارس: الحفي العالم بالشيء، والحفي المستقصي في السؤال، ومنه قول الأعشى:
فإن تسألي عني فيا رب سائل حفي عن الأعشى به حيث أصعدا
يقال: أحفى في المسألة وفي الطلب فهو محف، وحفي على التكثير مثل مخصب وخصيب. والمعنى: يسألونك عن الساعة كأنك عالم بها، أو كأنه مستقص للسؤال عنها ومستكثر منه، والجملة التشبيهية في محل نصب على الحال أي يسألونك مشبهاً حالك حال من هو حفي عنها، وقيل المعنى: يسألونك عنها كأنك حفي بهم: أي حفي ببرهم وفرح بسؤالهم. والأول هو معنى النظم القرآني على مقتضى المسلك العربي. قوله: "قل إنما علمها عند ربي" أمره الله سبحانه بأن يكرر ما أجاب عليهم سابقاً لتقرير الحكم وتأكيده، وقيل ليس بتكرير، بل أحدهما معناه الاستئثار بوقوعها، والآخر الاستئثار بكنهها نفسها " ولكن أكثر الناس لا يعلمون " باستئثار الله بهذا وعدم علم خلقه به، لم يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل.
187 - قوله تعالى : " يسألونك عن الساعة أيان مرساها " قال قتادة : قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنبيننا وبينك قرابة فأسر إلينا متى الساعة ؟ فأنزل الله تعالى : " يسألونك عن الساعة " يعني : القيامة ، " أيان مرساها " قال ابن عباس رضي الله عنهما : منتهاها . وقال قتادة : قيامها ، وأصله الثبات ، أي : متى مثبتها ؟ " قل " يامحمد " إنما علمها عند ربي " استأثر بعلمها ولا يعلمها إلا هو ، " لا يجليها " لا يكشفها ولا يظهرها . وقال مجاهد : لا يأتي بها ، " لوقتها إلا هو ، ثقلت في السموات والأرض " ، يعني : ثقل علمها وخفي أمرها على أهل السموات والأرض ، وكل خفي ثقيل . قال الحسن: يقول إذا جاء ثقلت وعظمت على أهل السموات والأرض ، " لا تأتيكم إلا بغتةً " ، فجأة على غفلة .
أخبرنا عبدالواحد المليحي ، حدثنا أحمد بن عبدالله النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب ، حدثنا أبو الزناد عن عبدالرحمن الأعرج ، عن أبي هريره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرحل بلبن لقحته فلا يطعمه ، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه ، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها " .
" يسألونك كأنك حفي عنها " ، أي : عالم بها من قولهم أحفيت في المسألة ، أي : بالغت فيها، معناه : كأنك بالغت في السؤال عنها حتى علمتها ، " قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون " ، أن علمها عند الله حتى سألوا محمداً صلى الله عليه وسلم عنها .
187. " يسألونك عن الساعة " أي عن القيامة ، و هي من الأسماء الغالبة وإطلاقها عليها أما لوقوعها بغتة او لسرعة حسابها ، أو لأنها على طولها عند الله كساعة . "أيان مرساها "متى إرساؤها أي إثباتها و استقرارها ورسو الشيء ثباته واستقراره ، ومنه رسا الجبل وأرسى السفينة ، واشتقاق " أيان " من أي معناه أي وقت ، وهو من أويت إليه لأن البعض أوى إلى الكل . " قل إنما علمها عند ربي " استأثر به لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا . " لا يجليها لوقتها " لا يظهر أمرها في وقتها . " إلا هو " والمعنى أن الخفاء بها مستمر على غيره إلى وقت وقوعها ، وللام للتأقيت كاللام في قوله : " أقم الصلاة لدلوك الشمس " . " ثقلت في السموات والأرض " عظمت على أهلها من الملائكة والثقلين لهولها ، وكأنه إشارة إلى الحكمة في إخفائها. " لا تأتيكم إلا بغتةً" إلا فجأة على غفلة ، كما قال عليه الصلاة والسلام : " إن الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه والرجل يسقي ماشيته والرجل يقوم سلعته في سوقه والرجل يخفض ميزانه ويرفعه " . " يسألونك كأنك حفي عنها " عالم بها فعيل من حفى عن الشيء إذا سأل عنه ن فإن من بالغ في السؤال عن الشيء والبحث عنه استحكم علمه فيه ، ولذلك عدي بعن . وقيل هي صلة " يسألونك " وقيل هو من الحفاوة بمعنى الشفقة فإن قريشا قالوا له: إن بيننا وبينك قرابة فقل لنا متى الساعة ، والمعنى يسألونك عنها كأنك حفي تتحفى بهم فتحضهم لأجل قرابتهم بتعليم وقتها . وقيل معناه كأنك بالسؤال عنها تحبه ، من حفى بالشيء إذا فرح أن تكثره لأنه من الغيب الذي استأثر الله بعلمه . " قل إنما علمها عند الله " كرره لتكرير يسألونك لما أنيط به من هذه الزيادة وللمبالغة . " ولكن أكثر الناس لا يعلمون" أن علمها عند الله لم يؤته أحدا من خلقه .
187. They ask thee of the (destined) Hour, when will it come to port. Say: Knowledge thereof is with my Lord only. He alone will manifest it at its proper time. It is heavy in the heavens and the earth. It cometh not to you save unawares. They question thee as if thou couldst be well informed thereof. Say: Knowledge thereof is with Allah only, but most of mankind know not.
187 - They ask thee about the (final) hour when will be its appointed time? say: the knowledge thereof is with my Lord (alone): none but he can reveal as to when it will occur. heavy were its burden though the heavens and the earth. only, all of a sudden will it come to you. they ask thee as if thou wart eager in search thereof: say: the knowledge thereof is with God (alone), but most men know not.