[الأعراف : 172] وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ
172 - (و) اذكر (إذ) حين (أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم) بدل اشتمال مما قبله بإعادة الجار (ذريتهم) بأن أخرج بعضهم من صلب بعض من صلب آدم نسلاً بعد نسلٍ كنحو ما يتوالدون كالذرِّ بنعمان يوم عرفة ونصب لهم دلائل على ربوبيته وركب فيهم عقلا (وأشهدهم على أنفسهم) قال (ألست بربكم قالوا بلى) أنت ربنا (شهدنا) بذلك والإشهاد لـ (أن) لا (يقولوا) بالياء والتاء في الموضعين ، أي الكفار (يوم القيامة إنا كنا عن هذا) التوحيد (غافلين) لا نعرفه
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر، يا محمد، ربك إذا استخرج ولد آدم من أصلاب آبائهم، فقررهم بتوحيده، وأشهد بعضهم على بعض شهادتهم بذلك وإقرارهم به، كما:
حدثني أحمد بن محمد الطوسي قال، حدثنا الحسين بن محمد قال، حدثنا جرير بن حازم، عن كلثوم بن جبر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان - يعني عرفة - فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يده كالذر ثم كملهم قبلاً، فقال: " ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا "، الآية، إلى " ما فعل المبطلون " ".
حدثنا عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث قال، حدثنا كلثوم بن جبر قال: سألت سعيد بن جبير عن قوله: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم "، قال: سألت عنها ابن عباس فقال: مسح ربك ظهر آدم، كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، بنعمان هذه - وأشار بيده - فأخذ مواثيقهم، وأشهدهم على أنفسهم: " ألست بربكم قالوا بلى ".
حدثنا ابن وكيع ويعقوب قالا، حدثنا ابن علية قال، حدثنا كلثوم بن جبر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا "، قال: مسح ربك ظهر آدم فخرجت كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة بنعمان هذا الذي وراء عرفة، وأخذ ميثاقهم: " ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ". اللفظ لحديث يعقوب.
وحدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، قال ربيعة بن كلثوم، عن أبيه، في هذا الحديث: " قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ".
حدثنا عمرو قال، حدثنا عمران بن عيينة قال، أخبرنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أول ما أهبط الله آدم أهبطه بدهنا أرض بالهند، فمسح الله ظهره، فأخرج منه كل نسمة هو بارئها إلى أن تقوم الساعة، ثم أخذ عليهم الميثاق: " وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ".
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمران بن عيينة، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أهبط آدم حين أهبط، فمسح الله ظهره، فأخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، ثم قال: " ألست بربكم قالوا بلى ". ثم تلا: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم "، فجف القلم من يومئذ بما هو كائن إلى يوم القيامة.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم "، قال: لما خلق الله آدم، أخذ ذريته من ظهره مثل الذر، فقبض قبضتين، فقال لأصحاب اليمين: ((ادخلوا الجنة بسلام))، وقال للآخرين: ((ادخلوا النار ولا أبالي)).
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن الأعمش، عن حبيب، عن ابن عباس قال: مسح الله ظهر آدم فأخرج كل طيب في يمينه، وأخرج كل خبيث في الأخرى.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن علية، عن شريك، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: مسح الله ظهر آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عمرو بن أبي قيس، عن عطاء ، عن سعيد، عن ابن عباس: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم "، قال: لما خلق الله آدم مسح ظهره بدحنا، وأخرج من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، فقال: " ألست بربكم قالوا بلى "، قال: فيرون يومئذ جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن المسعودي، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما خلق الله آدم عليه السلام، أخذ ميثاقه، فمسح ظهره، فأخذ ذريته كهيئة الذر، فكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم، " وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ".
... قال حدثنا يزيد بن هرون، عن المسعودي، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم "، قال: لما خلق الله آدم، أخذ ميثاقه أنه ربه، وكتب أجله ومصائبه، واستخرج من ذريته كالذر، وأخذ ميثاقهم، وكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن ربيعة بن كلثوم بن جبر، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم "، قال: مسح الله ظهر آدم عليه السلام وهو ببطن نعمان - واد إلى جنب عرفة - وأخرج ذريته من ظهره كهيئة الذر، ثم أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا.
... قال، حدثنا أبي، عن أبي هلال، عن أبي جمرة الضبعي، عن ابن عباس قال، أخرج الله ذرية آدم عليه السلام من ظهره كهيئة الذر وهو في آذي من الماء.
حدثني علي بن سهل قال، حدثنا ضمرة بن ربيعة قال، حدثنا أبو مسعود، عن جويبر قال: مات ابن للضحاك بن مزاحم، ابن ستة أيام. قال فقال: يا جابر، إذا أنت وضعت ابني في لحده، فأبرز وجهه، وحل عنه عقده، فإن ابني مجلس ومسئول! ففعلت به الذي أمرني، فلما فرغت قلت: يرحمك الله، عم يسأل ابنك؟ من يسأله إياه؟ قال: يسأل عن الميثاق الذي أقر به في صلب آدم عليه السلام. قلت: يا أبا القاسم، وما هذا الميثاق الذي أقر به في صلب آدم؟ قال: حدثني ابن عباس: أن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، وأخذ منهم الميثاق: أن يعبدون ولا يشركوا به شيئاً، وتكفل لهم بالأرزاق، فلن تقوم الساعة حتى يولد من أعطي الميثاق يومئذ، فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفى به، نفعه الميثاق الأول، ومن أدرك الميثاق الآخر فلم يف به، لم ينفعه الميثاق الأول، ومن مات صغيراً قبل أن يدرك الميثاق الآخر، مات على الميثاق الأول على الفطرة.
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني السري بن يحيى: أن الحسن بن أبي الحسن حدثهم، " عن الأسود بن سريع من بني سعد قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع غزوات. قال: فتناول القوم الذرية بعد ما قتلوا المقاتلة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتد عليه، ثم قال: ((ما بال أقوام يتناولون الذرية))؟ فقال رجل: يا رسول الله، أليسوا أبناء المشركين؟ فقال: ((إن خياركم أولاد المشركين))! إلا أنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة، فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها، فأبواها يهودانها أو ينصرانها ". قال الحسن : ولقد قال الله ذلك في كتابه، قال: ((وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم)).
حدثنا عبد الرحمن بن الوليد قال، حدثنا أحمد بن أبي طيبة، عن سفيان بن سعيد، عن الأجلح، عن الضحاك ، وعن منصور، وعن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم، قال: أخذوا من ظهره، كما يؤخذ بالمشط من الرأس، فقال لهم: " ألست بربكم قالوا بلى "، قالت الملائكة: " شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين " ".
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعد قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو في قوله: ((وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم))، قال: أخذهم كما يأخذ المشط من الرأس.
حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو: ((وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم))، قال: أخذهم كما يأخذ المشط من الرأس. قال ابن حميد: كما يؤخذ بالمشط.
حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال، حدثنا روح بن عبادة، وسعد بن عبد الحميد بن جعفر، عن مالك بن أنس، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن مسلم بن يسار الجهني: " أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم "، فقال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله خلق آدم، ثم مسح على ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية فقال: ((خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون)) ثم مسح على ظهره فاستخرج منه ذرية فقال: ((خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون)). فقال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل؟ قال: إن الله إذا خلق العبد للجنة، استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من عمل أهل الجنة، فيدخله الجنة. وإذا خلق العبد للنار، استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من عمل أهل النار، فيدخله النار ".
حدثنا إبراهيم قال، حدثنا محمد بن المصفى، عن بقية، عن عمر بن جعثم القرشي قال، حدثني زيد بن أبي أنيسة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن مسلم ين يسار، عن نعيم بن ربيعة، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه. حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن عمارة، " عن أبي محمد رجل من أهل المدينة، قال: سألت عمر بن الخطاب رحمة الله عليه، عن قوله: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم "، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عنه كما سألتني، فقال: خلق الله آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، ثم أجلسه، فمسح ظهره بيده اليمنى، فأخرج ذرءاً فقال: ذرء ذرأتهم للجنة، ثم مسح ظهره بيده الأخرى، وكلتا يديه يمين، فقال: ذرء ذرأتهم للنار، يعملون فيما شئت من عمل، ثم أختم لهم بأسوأ أعمالهم فأدخلهم النار ".
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم "، قال: إن الله خلق آدم عليه السلام، ثم أخرج ذريته من صلبه مثل الذر، فقال لهم: من ربكم؟ قالوا: الله ربنا! ثم أعادهم في صلبه، حتى يولد كل من أخذ ميثاقه لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم إلى أن تقوم الساعة.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ((وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم))، إلى قوله: " قالوا بلى شهدنا "، قال ابن عباس: إن الله لما خلق آدم، مسح ظهره وأخرج ذريته كلهم كهيئة الذر، فأنطقهم فتكلموا، وأشهدهم على أنفسهم، وجعل مع بعضهم النور، وإنه قال لآدم: هؤلاء ذريتك آخذ عليهم الميثاق: أنا ربهم، لئلا يشركوا بي شيئاً، وعلي رزقهم. قال آدم: فمن هذا الذي معه النور؟ قال: هو داود. قال: يا رب، كم كتبت له من الأجل؟ قال: ستين سنة! قال: كم كتبت لي؟ قال: ألف سنة، وقد كتبت لكل إنسان منهم كم يعمر وكم يلبث؟ قال: يا رب، زده. قال: هذا الكتاب موضوع، فأعطه إن شئت من عمرك! قال: نعم. وقد جف القلم عن أجل سائر بني آدم، فكتب له من أجل آدم أربعين سنة، فصار أجله مئة سنة. فلما عمر تسعمئة سنة وستين سنة، جاءه ملك الموت، فلما رآه آدم قال: ما لك؟ قال له: قد استوفيت أجلك! قال له آدم: إنما عمرت تسعمئة وستين سنة، وبقي أربعون سنة! قال: فلما قال ذلك للملك، قال الملك: قد أخبرني بها ربي! قال: فارجع إلى ربك، فاسأله. فرجع الملك إلى ربه، فقال: ما لك؟ قال: يا رب رجعت إليك كما كنت أعلم من تكرمتك إياه. قال الله: ارجع فأخبره أنه قد أعطى ابنه داود أربعين سنة.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج ، عن الزبير بن موسى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قوله: إن الله تبارك وتعالى ضرب منكبه الأيمن، فخرجت كل نفس مخلوقة للجنة بيضاء نقية، فقال: هؤلاء أهل الجنة. ثم ضرب منكبه الأيسر، فخرجت كل نفس مخلوقة للنار سوداء، فقال: هؤلاء أهل النار. ثم أخذ عهودهم على الإيمان والمعرفة له ولأمره، والتصديق به وبأمره، بني آدم كلهم، فأشهدهم على أنفسهم، فآمنوا وصدقوا وعرفوا وأقروا. وبلغني أنه أخرجهم على كفه أمثال الخردل. قال ابن جريج ، عن مجاهد قال: إن الله لما أخرجهم قال: يا عباد الله، أجيبوا الله - و((الإجابة))، الطاعة - فقالوا: أطعنا، اللهم أطعنا، اللهم لبيك! قال: فأعطاها إبراهيم عليه السلام في المناسك: ((لبيك اللهم لبيك)). وقال: ضرب متن آدم حين خلقه. قال: وقال ابن عباس: خلق آدم، ثم أخرج ذريته من ظهره مثل الذر، فكلمهم، ثم أعادهم في صلبه، فليس أحد إلا وقد تكلم، فقال: ((ربي الله)). فقال: وكل خلق خلق فهو كائن إلى يوم القيامة، وهي الفطرة التي فطر الناس عليها. قال ابن جريج : قال سعيد بن جبير: أخذ الميثاق عليهم بنعمان، و((نعمان))، من وراء عرفة،
" أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين "، عن الميثاق الذي أخذ عليهم.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب قال: جمعهم يومئذ جميعاً، ما هو كائن إلى يوم القيامة، ثم استنطقهم وأخذ عليهم الميثاق، وأشهدهم على أنفسهم: " ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ". قال: إني أشهد عليكم السموات السبع والأرضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم: أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا! اعلموا أنه لا إله غيري، ولا رب غيري، ولا تشركوا بي شيئاً، وأني سأرسل إليكم رسلاً يذكرونكم عهدي وميثاقي، وسأنزل عليكم كتبي! قالوا: شهدنا أنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك. فأقروا له يومئذ بالطاعة، ورفع عليهم أباهم آدم فنظر إليهم، فرأى منهم الغني والفقير، وحسن الصورة، ودون ذلك، فقال: رب، لولا ساويت بينهم! قال: فإني أحب أن أشكر. قال: وفيهم الأنبياء عليهم السلام يومئذ مثل السرج، وخص الأنبياء بميثاق آخر، قال الله: " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا " [الأحزاب: 7]، وهو الذي يقول تعالى ذكره: " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله " [الروم: 30]، وفي ذلك قال: " هذا نذير من النذر الأولى " [النجم: 56]. يقول: أخذنا ميثاقه مع النذر الأولى، ومن ذلك قوله: " وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين " [الأعراف: 102]، وهو قوله تعالى: " ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل " [يونس: 74]. قال: كان في علمه يوم أقروا به، من يصدق ومن يكذب.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في هذه الآية: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ، قال: أخرجهم من ظهر آدم، وجعل لآدم عمر ألف سنة. قال: فعرضوا على آدم، فرأى رجلاً من ذريته له نور، فأعجبه، فسأل عنه، فقال: هو داود، قد جعل عمره ستين سنة! فجعل له من عمره أربعين سنة. فلما احتضر آدم، جعل يخاصمهم في الأربعين سنة، فقيل له: إنك أعطيتها داود! قال: فجعل يخاصمهم.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد في قوله: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم ، قال: أخرج ذريته من ظهره كهيئة الذر، فعرضهم على آدم بأسمائهم وأسماء آبائهم وآجالهم! قال: فعرض عليه روح داود في نور ساطع، فقال: من هذا؟ قال: هذا من ذريتك، نبي خليفة. قال: كم عمره؟ قال: ستون سنة. قال: زيدوه من عمري أربعين سنة. قال والأقلام رطبة تجري، فأثبت لداود الأربعون، وكان عمر آدم ألف سنة. فلما استكملها إلا الأربعين سنة، بعث إليه ملك الموت: فقال: يا آدم، أمرت أن أقبضك. قال: ألم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: فرجع ملك الموت إلى ربه، فقال: إن آدم يدعى من عمره أربعين سنة! قال: أخبر آدم أنه جعلها لابنه داود والأقلام رطبة، فأثبتت لداود. حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو داود ، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، بنحوه.
... قال حدثنا ابن فضيل، وابن نمير، عن عبد الملك، عن عطاء : وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم ، قال: أخرجهم من ظهر آدم حتى أخذ عليهم الميثاق، ثم ردهم في صلبه.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن نضر بن عربي: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم "، قال: أخرجهم من ظهر آدم حتى أخذ عليهم الميثاق، ثم ردهم في صلبه.
... قال حدثنا محمد بن عبيد، عن أبي بسطام، عن الضحاك قال: حيث ذرأ الله خلقه لآدم عليه السلام، قال: خلقهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى. حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم "، قال: قال ابن عباس: خلق الله آدم، ثم أخرج ذريته من ظهره، فكلمهم الله وأنطقهم، فقال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى! ثم أعادهم في صلبه، فليس أحد من الخلق إلا قد تكلم فقال: ((ربي الله))، وإن القيامة لن تقوم حتى يولد من كان يومئذ أشهد على نفسه.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن طلحة، عن أسباط، عن السدي : " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى "، وذلك حين يقول تعالى ذكره: " وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها "، [آل عمران: 83]. وذلك حين يقول: " فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين "، [الأنعام: 149]، يعني: يوم أخذ منهم الميثاق، ثم عرضهم على آدم عليه السلام.
فيه ست مسائل:
الأولى- قوله تعالى: "وإذ أخذ ربك" أي واذكر لهم مع ما سبق من تذكير المواثيق في كتابهم ما أخذت من المواثيق من العباد يوم الذر. وهذه آية مشكلة، وقد تكلم العلماء في تأويلها وأحكامها، فنذكر ما ذكروه من ذلك حسب ما وقفنا عليه. فقال قوم: معنى الآية أن الله تعالى أخرج من ظهور بني آدم بعضهم من بعض. قالوا: ومعنى: "وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم" دلهم بخلقه على توحيده، لأن كل بالغ يعلم ضرورة أن له رباً واحداً. "ألست بربكم" أي قال: فقام ذلك مقام الإشهاد عليهم، والإقرار منهم، كما قال تعالى في السموات والأرض. "قالتا أتينا طائعين" [فصلت: 11]. ذهب إلى هذا القفال وأطنب. وقيل: إنه سبحانه أخرج الأرواح قبل خلق الأجساد، وأنه جعل فيها من المعرفة ما علمت به ما خاطبها.
قلت: وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذين القولين، وأنه تعالى أخرج الأشباح فيها الأرواح من ظهر آدم عليه السلام. وروى مالك في موطئه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل عن هذه الآية "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين" فـ"قال عمر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عنها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن الله تعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون. فقال رجل: ففيم العمل؟ قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله الله النار". قال أبو عمر: هذا حديث منقطع الإسناد، لأن مسلم بن يسار لم يلق عمر. وقال فيه يحيى بن معين: مسلم بن يسار لا يعرف، بينه وبين عمر نعيم بن ربيعة، ذكره النسائي، ونعيم غير معروف بحمل العلم. لكن معنى هذا الحديث قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ثابتة كثيرة من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وعبد الله بن مسعود وعلي بن أبي طالب وأبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين وغيرهم. روى الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة وجعل بين عيني كل رجل منهم وبيصاً من نور ثم عرضهم على آدم فقال يا رب من هؤلاء قال هؤلاء ذريتك فرأى رجلاً منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه فقال أي رب من هذا؟ فقال هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود فقال رب كم جعلت عمره قال ستين سنة قال أي رب زده من عمري أربعين سنةً فلما انقضى عمر آدم عليه السلام جاءه ملك الموت فقال أو لم يبق من عمري أربعون سنةً قال أو لم تعطها ابنك داود قال فجحد آدم فجحدت ذريته ونسي آدم فنسيت ذريته". في غير الترمذي: فحينئذ أمر بالكتاب والشهود. في رواية: فرأى فيهم الضعيف والغني والفقير والذليل والمبتلى والصحيح. فقال له آدم: يا رب، ما هذا؟ ألا سويت بينهم! قال: أردت أن أشكر. وروى عبد الله بن عمرو "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
أخذوا من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس". وجعل الله لهم عقولاً كنملة سليمان. وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم وأن لا إله غيره. فأقروا بذلك والتزموه، وأعلمهم بأنه سيبعث إليهم الرسل، فشهد بعضهم على بعض. قال أبي بن كعب: وأشهد عليهم السموات السبع، فليس من أحد يولد إلى يوم القيامة إلا وقد أخذ عليه العهد.
واختلف في الموضع الذي أخذ فيه الميثاق حين أخرجوا على أربعة أقوال، فقال ابن عباس: ببطن نعمان، واد إلى جنب عرفة. وروي عنه أن ذلك برهبا -أرض بالهند- الذي هبط فيه آدم عليه السلام. وقال يحيى بن سلام قال ابن عباس في هذه الآية: أهبط الله آدم بالهند، ثم مسح على ظهره فأخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، ثم قال: "ألست بربكم قالوا بلى شهدنا" قال يحيى قال الحسن: ثم أعادهم في صلب آدم عليه السلام. وقال الكلبي: بين مكة والطائف. وقال السدي: في السماء الدنيا حين أهبط من الجنة إليها مسح على ظهره فأخرج من صفحة ظهره اليمنى ذرية بيضاء مثل اللؤلؤ، فقال لهم ادخلوا الجنة برحمتي. وأخرج من صفحة ظهره اليسرى ذرية سوداء وقال لهم ادخلوا النار ولا أبالي. قال ابن جريج: خرجت كل نفس مخلوقة للجنة بيضاء. وكل نفس مخلوقة للنار سوداء.
الثانية- قال ابن العربي رحمه الله: فإن قيل فكيف يجوز أن يعذب الخلق وهم لم يذنبوا، أو يعاقبهم على ما أراده منهم وكتبه عليهم وساقهم إليه، قلنا: ومن أين يمتنع ذلك، أعقلاً أم شرعاً؟ فإن قيل: لأن الرحيم الحكيم منا لا يجوز أن يفعل ذلك. قلنا: لأن فوقه آمراً يأمره وناهياً ينهاه، وربنا تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ولا يجوز أن يقاس الخلق بالخالق. ولا تحمل أفعال العباد على أفعال الإله، وبالحقيقة الأفعال كلها لله جل جلاله، والخلق بأجمعهم له، صرفهم كيف شاء، وحكم بينهم بما أراد، وهذا الذي يجده الآدمي إنما تبعث عليه رقة الجبلة وشفقة الجنسية وحب الثناء والمدح، لما يتوقع في ذلك من الانتفاع، والباري تعالى متقدس عن ذلك كله، فلا يجوز أن يعتبر به.
الثالثة- واختلف في هذه الآية، هل هي خاصة أو عامة. فقيل: الآية خاصة، لأنه تعالى قال: "من بني آدم من ظهورهم" فخرج من هذا الحديث من كان من ولد آدم لصلبه. وقال جل وعز: "أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل" فخرج منها كل من لم يكن له آباء مشركون. وقيل: هي مخصوصة فيمن أخذ عليه العهد على ألسنة الأنبياء. وقيل: بل هي عامة لجميع الناس، لأن كل أحد يعلم أنه كان طفلاً فغذي وربي، وأن له مدبراً وخالقاً. فهذا معنى "وأشهدهم على أنفسهم". ومعنى "قالوا بلى" أي إن ذلك واجب عليهم. فلما اعترف الخلق لله سبحانه بأنه الرب ثم ذهلوا عنه ذكرهم بأنبيائه وختم الذكر بأفضل أصفيائه لتقوم حجته عليهم فقال له: "فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر" [الغاشية: 21-22] ثم مكنه من السيطرة، وآتاه السلطنة، ومكن له دينه في الأرض. قال الطرطوشي: إن هذا العهد يلزم البشر وإن كانوا لا يذكرونه في هذه الحياة، كما يلزم الطلاق من شهد عليه به وقد نسيه.
الرابعة- وقد استدل بهذه الآية من قال: إن من مات صغيراً دخل الجنة لإقراره في الميثاق الأول. ومن بلغ العقل لم يغنه الميثاق الأول. وهذا القائل يقول: أطفال المشركين في الجنة، وهو الصحيح في الباب. وهذه المسألة اختلف فيها لاختلاف الآثار، والصحيح ما ذكرناه. وسيأتي الكلام في هذا في الروم إن شاء الله. وقد أتينا عليها في كتاب التذكرة والحمد لله.
الخامسة- قوله تعالى: "من ظهورهم" بدل اشتمال من قوله "من بني آدم" وألفاظ الآية تقتضي أن الأخذ إنما كان من بني آدم، وليس لآدم في الآية ذكر بحسب اللفظ. ووجه النظم على هذا: وإذ أخذ ربك من ظهور بني آدم ذريتهم. وإنما لم يذكر ظهر آدم لأن المعلوم أنهم كلهم بنوه، وأنهم أخرجوا يوم الميثاق من ظهره. فاستغنى عن ذكره لقوله: "من بني آدم". "ذريتهم" قرأ الكوفيون وابن كثير بالتوحيد وفتح التاء، وهي تقع للواحد والجمع، قال الله تعالى: "هب لي من لدنك ذرية طيبة" [آل عمران: 38] فهذا للواحد، لأنه إنما سأل هبة ولد فبشر بيحيى. وأجمع القراء على التوحيد في قوله: "من ذرية آدم" [مريم: 58] ولا شيء أكثر من ذرية آدم. وقال: "وكنا ذرية من بعدهم" فهذا للجمع. وقرأ الباقون ذرياتهم بالجمع، لأن الذرية لما كانت تقع للواحد أتى بلفظ لا يقع للواحد فجمع لتخلص الكلمة إلى معناها المقصود إليه لا يشركها فيه شيء وهو الجمع، لأن ظهور بني آدم استخرج منها ذريات كثيرة متناسبة، أعقاب بعد أعقاب، لا يعلم عددهم إلا الله، فجمع لهذا المعنى.
السادسة- قوله تعالى: "بلى" تقدم القول فيها في البقرة عند قوله: "بلى من كسب سيئة" [البقرة: 81] مستوفى فتأمله هناك. "أن يقولوا" " أو يقاتلوا " قرأ أبو عمرو بالياء فيهما. ردهما على لفظ الغيبة المتكرر قبله، وهو قوله: "من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم" وقوله: "قالوا بلى" أيضاً لفظ غيبة. وكذا "وكنا ذرية من بعدهم" "ولعلهم" فحمله على ما قبله وما بعده من لفظ الغيبة. وقرأ الباقون بالتاء فيهما، ردوه على لفظ الخطاب المتقدم في قوله: "ألست بربكم قالوا بلى" ويكون شهدنا من قوله الملائكة. لما قالوا بلى قالت الملائكة: "شهدنا أن تقولوا" "أو تقولوا" أي لئلا تقولوا: وقيل: معنى ذلك أنهم لما قالوا بلى، فأقروا له بالربوبية، قال الله تعالى للملائكة اشهدوا قالوا شهدنا بإقراركم لئلا تقولوا أو تقولوا. وهذا قول مجاهد والضحاك والسدي. وقال ابن عباس وأبي بن كعب: قوله شهدنا هو من قول: بني آدم. والمعنى: شهدنا أنك ربنا وإلهنا، وقال ابن عباس: أشهد بعضهم على بعض، فالمعنى على هذا قالوا بلى شهد بعضنا على بعض، فإذا كان ذلك من قول الملائكة فيوقف على بلى ولا يحسن الوقف عليه إذا كان من قول بني آدم، لأن أن متعلقة بما قبل بلى، من قوله: "وأشهدهم على أنفسهم" لئلا يقولوا: وقد روى مجاهد عن ابن عمرو "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم كما يؤخذ بالمشط من الرأس فقال لهم ألست بربكم قالوا بلى قالت الملائكة شهدنا أن تقولوا". أي شهدنا عليكم بالإقرار بالربوبية لئلا تقولوا. فهذا يدل على التاء. قال مكي: وهو الاختيار لصحة معناه، ولأن الجماعة عليه. وقد قيل: إن قوله شهدنا من قول الله تعالى والملائكة. والمعنى: فشهدنا على إقراركم، قاله أبو مالك، وروي عن السدي أيضاً.
يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم وأنه لا إله إلا هو كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه قال تعالى " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله " وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة, وفي رواية على هذه الملة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تولد بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء" وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يقول الله إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم" وقال الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله: حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني السري بن يحيى أن الحسن بن أبي الحسن حدثهم عن الأسود بن سريع من بني سعد قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع غزوات قال فتناول القوم الذرية بعد ما قتلوا المقاتلة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتد عليه ثم قال "ما بال أقوام يتناولون الذرية" فقال رجل يا رسول الله أليسوا أبناء المشركين ؟ فقال "إن خياركم أبناء المشركين ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها فأبواها يهودانها وينصرانها" قال الحسن والله لقد قال الله في كتابه "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم" الاية, وقد رواه الإمام أحمد عن إسماعيل بن علية عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري به, وأخرجه النسائي في سننه من حديث هشيم عن يونس بن عبيد عن الحسن قال حدثني الأسود بن سريع فذكره ولم يذكر قول الحسن البصري واستحضاره الاية عند ذلك, وقد وردت أحاديث في أخذ الذرية من صلب آدم عليه السلام وتمييزهم إلى أصحاب اليمين وأصحاب الشمال, وفي بعضها الاستشهاد عليهم بأن الله ربهم. قال الإمام أحمد حدثنا حجاج حدثنا شعبة عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به قال: فيقول: نعم فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي" أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة به.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد حدثنا حسين بن محمد حدثنا جرير يعني ابن حازم عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أخذ الله الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان يوم عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قبلاً قال: " ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا " ـ إلى قوله ـ "المبطلون" " وقد روى هذا الحديث النسائي في كتاب التفسير من سننه عن محمد بن عبد الرحيم صاعقة عن حسين بن محمد المروزي به, ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث حسين بن محمد به, إلا أن ابن أبي حاتم جعله موقوفاً, وأخرجه الحاكم في مستدركه من حديث حسين بن محمد وغيره عن جرير بن حازم عن كلثوم بن جبر به, وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقد احتج مسلم بكلثوم بن جبر, هكذا قال, وقد رواه عبد الوارث عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فوقفه, وكذا رواه إسماعيل بن علية ووكيع عن ربيعة بن كلثوم عن جبر عن أبيه به, وكذا رواه عطاء بن السائب وحبيب بن أبي ثابت وعلي بن بذيمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وكذا رواه العوفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس فهذا أكثر وأثبت والله أعلم. وقال ابن جرير حدثنا ابن وكيع حدثنا أبي عن أبي هلال عن أبي حمزة الضبعي عن ابن عباس قال أخرج الله ذرية آدم من ظهره كهيئة الذر وهو في أذى من الماء. وقال أيضاً حدثنا علي بن سهل حدثنا ضمرة بن ربيعة حدثنا أبو مسعود عن جرير قال مات ابن الضحاك بن مزاحم ابن ستة أيام قال: فقال: يا جابر إذا أنت وضعت ابني في لحده فأبرز وجهه وحل عنه عقده فإن ابني مجلس ومسؤول ففعلت به الذي أمر فلما فرغت قلت يرحمك الله عما يسأل ابنك من يسأله إياه قال: يسأل عن الميثاق الذي أقر به في صلب آدم قلت: يا أبا القاسم وما هذا الميثاق الذي أقر به في صلب آدم قال: حدثني ابن عباس: إن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خلقها إلى يوم القيامة فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وتكفل لهم بالأرزاق ثم أعادهم في صلبه فلن تقوم الساعة حتى يولد من أعطى الميثاق يومئذ فمن أدرك منهم الميثاق الاخر فوفى به نفعه الميثاق الأول ومن أدرك الميثاق الاخر فلم يقر به لم ينفعه الميثاق الأول ومن مات صغيراً قبل أن يدرك الميثاق الاخر مات على الميثاق الأول على الفطرة فهذه الطرق كلها مما تقوي وقف هذا على ابن عباس والله أعلم.
(حديث آخر) قال ابن جرير حدثنا عبد الرحمن بن الوليد حدثنا أحمد بن أبي طيبة عن سفيان بن سعيد عن الأجلح عن الضحاك عن منصور عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم " قال: أخذ من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس فقال لهم "ألست بربكم قالوا بلى" قالت الملائكة "شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين" أحمد بن أبي طيبة هذا هو أبو محمد الجرجاني قاضي قومس كان أحد الزهاد أخرج له النسائي في سننه وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه وقال ابن عدي حدث بأحاديث كثيرة غرائب وقد روى هذا الحديث عبد الرحمن بن حمزة بن فهدي عن سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو, وكذا رواه ابن جرير عن منصور به وهذا أصح والله أعلم.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد حدثنا روح هو ابن عبادة حدثنا مالك وحدثنا إسحاق حدثنا مالك عن زيد بن أبي أنيسة أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الاية "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى" الاية فقال عمر بن الخطاب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال "إن الله خلق آدم عليه السلام ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية قال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية قال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون "فقال رجل يا رسول الله ففيم العمل ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا خلق الله العبد للجنة استعمله بأعمال أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بأعمال أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار" وهكذا رواه أبو داود عن القعنبي والنسائي عن قتيبة والترمذي في تفسيرهما عن إسحاق بن موسى عن معن وابن أبي حاتم عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب وابن جرير عن روح بن عبادة وسعيد بن عبد الحميد بن جعفر, وأخرجه ابن حبان في صحيحه من رواية أبي مصعب الزبيري كلهم عن الإمام مالك بن أنس به قال الترمذي وهذا حديث حسن ومسلم بن يسار لم يسمع عمر كذا قاله أبو حاتم وأبو زرعة زاد أبو حاتم وبينهما نعيم بن ربيعة وهذا الذي قاله أبو حاتم رواه أبو داود في سننه عن محمد بن مصفى عن بقية عن عمر بن جعثم القرشي عن زيد بن أبي أنيسة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن مسلم بن يسار الجهني عن نعيم بن ربيعة قال كنت عند عمر بن الخطاب وقد سئل عن هذه الاية "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم" فذكره وقال الحافظ الدارقطني وقد تابع عمر بن جعثم يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي وقولهما أولى بالصواب من قول مالك والله أعلم, قلت: الظاهر أن الإمام مالكاً إنما أسقط ذكر نعيم بن ربيعة عمداً لما جهل حال نعيم بن ربيعة ولم يعرفه فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث ولذلك يسقط ذكر جماعة ممن لا يرتضيهم ولهذا يرسل كثيراً من المرفوعات ويقطع كثيراً من الموصولات والله أعلم.
(حديث آخر) قال الترمذي عند تفسيره هذه الاية حدثنا عبد بن حميد حدثنا أبو نعيم حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً من نور ثم عرضهم على آدم فقال: أي رب من هؤلاء قال: هؤلاء ذريتك فرأى رجلاً منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه قال: أي رب من هذا قال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود قال رب وكم جعلت عمره قال ستين سنة قال أي رب وقد وهبت له من عمري أربعين سنة فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت قال أو لم يبق من عمري أربعون سنة قال أو لم تعطها ابنك داود قال فجحد آدم فجحدت ذريته ونسي آدم فنسيت ذريته وخطىء آدم فخطئت ذريته" ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه الحاكم في مستدركه من حديث أبي نعيم الفضل بن دكين به وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه أنه حدث عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحو ما تقدم إلى أن قال: "ثم عرضهم على آدم فقال يا آدم هؤلاء ذريتك وإذا فيهم الأجذم والأبرص والأعمى وأنواع الأسقام فقال آدم: يا رب لم فعلت هذا بذريتي ؟ قال: كي تشكر نعمتي وقال آدم: يا رب من هؤلاء الذين أراهم أظهر الناس نوراً قال هؤلاء الأنبياء يا آدم من ذريتك" ثم ذكر قصة داود كنحو ما تقدم.
(حديث آخر) روى عبد الرحمن بن قتادة النضري عن أبيه عن هشام بن حكيم رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أتبدأ الأعمال أم قد قضي القضاء قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أخذ ذرية آدم من ظهورهم ثم أشهدهم على أنفسهم ثم أفاض بهم في كفيه ثم قال هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار" رواه ابن جرير وابن مردويه من طرق عنه.
(حديث آخر) روى جعفر بن الزبير وهو ضعيف عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما خلق الله الخلق وقضى القضية أخذ أهل اليمين بيمينه وأهل الشمال بشماله فقال يا أصحاب اليمين فقالوا لبيك وسعديك قال ألست بربكم ؟ قالوا بلى قال يا أصحاب الشمال قالوا لبيك وسعديك قال ألست بربكم ؟ قالوا بلى ثم خلط بينهم فقال قائل له يا رب لم خلطت بينهم ؟ قال لهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون أن يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ثم ردهم في صلب آدم" رواه ابن مردويه.
(أثر آخر) قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب في قوله تعالى "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم" الايات قال: فجمعهم له يومئذ جميعاً ما هو كائن منه إلى يوم القيامة فجعلهم في صورهم ثم استنطقهم فتكلموا وأخذ عليهم العهد والميثاق "وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا بلى" الاية قال: فإني أشهد عليكم السموات السبع والأرضين السبع وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا اعلموا أنه لا إله غيري ولا رب غيري ولا تشركوا بي شيئاً وإني سأرسل إليكم رسلاً لينذروكم عهدي وميثاقي وأنزل عليكم كتبي قالوا: نشهد أنك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك ولا إله لنا غيرك فأقروا له يومئذ بالطاعة ورفع أباهم آدم فنظر إليهم فرأى فيهم الغني والفقير وحسن الصورة ودون ذلك فقال: يا رب لو سويت بين عبادك ؟ قال: إني أحببت أن أشكر ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج عليهم النور وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة فهو الذي يقول تعالى: "وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم" الاية وهو الذي يقول " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله " الاية ومن ذلك قال "هذا نذير من النذر الأولى" ومن ذلك قال "وما وجدنا لأكثرهم من عهد" الاية, رواه عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه, ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه في تفاسيرهم من رواية أبي جعفر الرازي به وروي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والسدي وغير واحد من علماء السلف سياقات توافق هذه الأحاديث اكتفينا بإيرادها عن التطويل في تلك الاثار كلها وبالله المستعان. فهذه الأحاديث دالة على أن الله عز وجل استخرج ذرية آدم من صلبه وميز بين أهل الجنة وأهل النار, وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربهم فما هو إلا في حديث كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وفي حديث عبد الله بن عمرو وقد بينا أنهما موقوفان لا مرفوعان كما تقدم ومن ثم قال قائلون من السلف والخلف إن المراد بهذا الإشهاد إنما هو فطرهم على التوحيد كما تقدم في حديث أبي هريرة وعياض بن حمار المجاشعي ومن رواية الحسن البصري عن الأسود بن سريع وقد فسر الحسن الاية بذلك قالوا: ولهذا قال: "وإذ أخذ ربك من بني آدم" ولم يقل من آدم "من ظهورهم" ولم يقل من ظهره "ذريتهم" أي جعل نسلهم جيلاً بعد جيل وقرناً بعد قرن كقوله تعالى "وهو الذي جعلكم خلائف الأرض" وقال "ويجعلكم خلفاء الأرض" وقال "كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين" ثم قال "وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى" أي أوجدهم شاهدين بذلك قائلين له حالاً وقالاً والشهادة تارة تكون بالقول كقوله " قالوا شهدنا على أنفسنا " الاية وتارة تكون حالاً كقوله تعالى: "ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر" أي حالهم شاهد عليهم بذلك لا أنهم قائلون ذلك وكذا قوله تعالى: "وإنه على ذلك لشهيد" كما أن السؤال تارة يكون بالقال وتارة يكون بالحال كقوله "وآتاكم من كل ما سألتموه" قالوا ومما يدل على أن المراد بهذا هذا أن جعل هذا الإشهاد حجة عليهم في الإشراك فلو كان قد وقع هذا كما قال من قال لكان كل أحد يذكره ليكون حجة عليه فإن قيل إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم به كاف في وجوده فالجواب أن المكذبين من المشركين يكذبون بجميع ما جاءتهم به الرسل من هذا وغيره, وهذا جعل حجة مستقلة عليهم فدل على أنه الفطرة التي فطروا عليها من الإقرار بالتوحيد ولهذا قال "أن تقولوا" أي لئلا تقولوا يوم القيامة "إنا كنا عن هذا" أي التوحيد " غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا " الاية.
قوله: 172- "وإذ" منصوب بفعل مقدر معطوف على ما قبله كما تقدم. قوله: "من بني آدم" استدل بهذا على أن المراد بالمأخوذين هنا: هم ذرية بني آدم، أخرجهم الله من أصلابهم نسلاً بعد نسل.
وقد ذهب إلى هذا جماعة من المفسرين، قالوا: ومعنى "أشهدهم على أنفسهم" دلهم بخلقه على أنه خالقهم فقامت هذه الدلالة مقام الإشهاد، فتكون هذه الآية من باب التمثيل كما في قوله تعالى: "فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين". وقيل المعنى: أن الله سبحانه أخرج الأرواح قبل خلق الأجساد، وأنه جعل فيها من المعرفة ما فهمت من خطابه سبحانه، وقيل المراد ببني آدم هنا: آدم نفسه كما وقع في غير هذا الموضع. والمعنى: أن الله سبحانه لما خلق آدم مسح ظهره فاستخرج منه ذريته وأخذ عليهم العهد، وهؤلاء هم عالم الذر، وهذا هو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه ولا المصير إلى غيره لثبوته مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وموقوفاً على غيره من الصحابة ولا ملجئ للمصير إلى المجاز، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، وسنذكر آخر هذا البحث إن شاء الله بعض ما ورد في ذلك. قوله: "من ظهورهم" هو بدل من بني آدم بدل بعض من كل، وقيل: بدل اشتمال قوله: "ذرياتهم"، قرأ الكوفيون وابن كثير "ذريتهم" بالتوحيد، وهي تقع على الواحد والجمع، وقرأ الباقون "ذرياتهم" بالجمع "وأشهدهم على أنفسهم" أي أشهد كل واحد منهم "ألست بربكم" أي قائلاً: ألست بربكم فهو على إرادة القول "قالوا بلى شهدنا" أي على أنفسنا بأنك ربنا. قوله: "أن تقولوا"، قرأ أبو عمرو بالياء التحتية في هذا. وفي قوله: " أن يقولوا " على الغيبة كما كان فيما قبله على الغيبة، وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب. والمعنى: كراهة أن يقولوا أو لئلا يقولوا: أي فعلنا ذلك الأخذ والإشهاد كراهة أن يقولوا: "يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين" أي عن كون الله ربنا وحده لا شريك له.
172 - قوله تعالى : " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم " الآية .
أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد ،أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن عبدالحميد بن عبدالرحمن ، عن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل عن هذه الآية : " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم " الآية . قال عمر بن الخطاب : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم { يسأل عنها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم } " إن الله عز وجل خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذريةً ، فقال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون . ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذريةً فقال : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون ، فقال رجل : ففيم العمل يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة ، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة ، فيدخله به الجنة ، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار ، حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار " ، وقال أبو عيسى : هذا حديث حسن . و مسلم بن يسار لم يسمع من عمر ، وقد ذكر بعضهم في هذا الإسناد بين مسلم بن يسار و عمر رجلاً .
قال مقاتل وغيره من أهل التفسير : إن الله مسح صفحة ظهر آدم اليمنى فأخرج منه ذريةً بيضاء كهيئة الذر يتحركون ، ثم مسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منه ذريةً سوداء كهيئة الذر ، فقال : يا آدم هؤلاء ذريتك ، ثم قال لهم : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى، فقال : للبيض : هؤلاء في الجنة برحمتي ولا أبالي وهم أصحاب اليمين ، وقال للسود : هؤلاء في النار ولا أبالي ، وهم أصحاب الشمال ، ثم أعادهم جميعاً في صلبه ، فأهل القبور محبوسون حتى يخرج أهل الميثاق كلهم من أصلاب الرجال وأرحام النساء . قال الله تعالى فيمن نقض العهد الأول : " وما وجدنا لأكثرهم من عهد " ( الأعراف - 102 ) .
وقال بعض أهل التفسير : إن أهل السعادة أقروا طوعاً وقالوا : بلى ، وأهل الشقاوة قالوه تقيةً وكرهاً ، وذلك معنى قوله : " وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً " ( آل عمران - 83 ) .
واختلفوا في موضع الميثاق ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ببطن نعمان - واد إلى جنب عرفة - وروي عنه أيضاً : أنه بدهناء من أرض الهند ، وهو الموضع الذي هبط آدم عليه السلام عليه . وقال الكلبي : بين مكة والطائف . وقال السدي : أخرج الله آدم عليه السلام من الجنة فلم يهبط من السماء ثم مسح ظهره فأخرج ذريته . وروي : أن الله أخرجهم جميعاً وصورهم وجعل لهم عقولاً يعملون بها وألسناً ينطقون بها ثم كلمهم قبلاً - يعني عياناً - وقال ألست بربكم ؟ وقال الزجاج وجائز أن يكون الله تعالى جعل لأمثال الذر فهما تعقل به ، كما قال تعالى : " قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم " ( النمل -18 ) .
وروي أن الله تعالى قال لهم جميعاً : اعلموا أنه لا إله غيري وأنا ربكم لا رب لكم غيري فلا تشركوا بي شيئاً ، فإني سأنتقم ممن أشرك بي ولم يؤمن بي ، وإني مرسل إليكم رسلاً يذكرونكم عهدي وميثاقي ، ومنزل عليكم كتباً . فتكلموا جميعاً ، وقالوا : شهدنا أنك ربنا وإلهنا لا ا رب لنا غيرك ، فأخذ بذلك مواثيقهم ، ثم كتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم ، فنطر إليهم آدم فرأى منهم الغني والفقير وحسن الصورة ودون ذلك ، فقال : رب لولا سويت بينهم ؟ قال : إني أحب أن أشكر ، فلما قررهم بتوحيده وأشهد بعضهم على بعض أعادهم إلى صلبه فلا تقوم الساعة حتى يولد كل من أخذ ميثاقه ، فذلك قوله تعالى : " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم " أي : من ظهور بني آدم ذريتهم ، قرأ أهل المدينة وأبو عمرو وابن عامر : ( ذرياتهم ) بالجمع وكسر التاء ، وقرأ آخرون ( ذريتهم ) على التوحيد ، ونصب التاء .
فإن قيل : ما معنى قوله تعالى " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم " وإنما أخرجهم من ظهر آدم ؟ قيل : إن الله أخرج ذرية آدم بعضهم من ظهور بعض على نحو ما يتوالد من الآباء في الترتيب ، فاستغنى عن ذكر ظهر آدم لما علم أنهم كلهم بنوه وأخرجوا من ظهره .
قوله تعالى : " وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى " ، أي : أشهد بعضهم على بعض : " شهدنا أن تقولوا " ، قرأ أبو عمرو : ( أن يقولوا ) ويقولوا بالياء فيهما ، وقرأ الآخرون بالتاء فيهما .
واختلفوا في قوله : ( شهدنا ) قال السدي : هو خبر من الله عن نفسه وملائكته أنهم شهدوا على إقرار بني آدم . وقال بعضهم : هو خبر عن قول بني آدم حين أشهد الله بعضهم على بعض ، فقالوا بلى شهدنا ، وقال الكلبي : ذلك من قول الملائكة ، وفيه حذف تقديره : لما قالت الذرية : بلى قال الله للملائكة : اشهدوا ، قالوا : شهدنا ، قوله : ( أن يقولوا ) يعني : وأشهدهم على أنفسهم أن يقولوا ، أي : لئلا يقولوا أو كراهية أن يقولوا ، ومن قرأ بالتاء فتقدير الكلام : أخاطبكم : ألست بربكم لئلا تقولوا ، " يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين " ، أي : عن هذا الميثاق والإقرار ، فإن قيل : كيف تلزم الحجة على أحد لا يذكر الميثاق ؟ قيل : قد أوضح الله الدلائل على وحدانيته وصدق رسله فيما أخبروا، فمن أنكره كان معانداً ناقضاً للعهد ولزمته الحجة ، وبنسيانهم وعدم حفظهم لا يسقط الاحتجاج بعد إخبار المخبر الصادق صاحب المعجزة .
172. " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم " أي أخرج من أصلابهم نسلهم على ما يتوالدون قرنا بعد قرن ، و " من ظهورهم " بدل " من بني آدم " بدل البعض . وقرا نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (ذرياتهم ) . "و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا" أي ونصب لهم دلائل ربوبيته وركب في عقولهم ما يدعوهم إلى الإقرار بها حتى صاروا بمنزلة من قبل لهم :" قالوا بلى " فنزل تمكينهم من العلم بها وتمكنوا منه بمنزلة الأشهاد والاعتراف على طريقة التمثيل ويدل عليه قوله : " أن تقولوا يوم القيامة " أي كراهة أن تقولوا . " إنا كنا عن هذا غافلين " لم ننبه عليه بدليل .
172. And (remember) when thy Lord brought forth from the Children of Adam, from their reins, their seed, and made them testify of themselves, (saying): Am I not your Lord? They said: Yea, verily. We testify. (That was) lest ye should say at the Day of Resurrection: Lo! of this we were unaware;
172 - When thy Lord drew forth from the children of Adam from their loins their descendants, and made them testify concerning themselves, (saying): Am I not your Lord (who cherishes and sustains you)? they said: yea we do testify (this), lest ye should say on the day of judgment: of this we were never mindful: