[الأعراف : 166] فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ
166 - (فلما عتوا) تكبروا (عن) ترك (ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة) صاغرين فكانوها ، وهذا تفصيل لما قبله ، قال ابن عباس : ما أدري ما فعل بالفرقة الساكتة ، وقال عكرمة : لم تهلك لأنها كرهت ما فعلوه وقالت لم تعظون الخ ، وروى الحاكم عن ابن عباس : أنه رجع إليه وأعجبه
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما تمردوا، فيما نهوا عنه من اعتدائهم في السبت، واستحلالهم ما حرم الله عليهم من صيد السمك وأكله، وتمادوا فيه، " قلنا لهم كونوا قردة خاسئين "، أي: بعداء من الخير.
وبنحو الذي قلنا ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : " فلما عتوا عن ما نهوا عنه "، يقول: لما مرد القوم على المعصية، " قلنا لهم كونوا قردة خاسئين "، فصاروا قردةً لها أذناب، تعاوى، بعد ما كانوا رجالاً ونساءً.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين "، فجعل الله منهم القردة والخنازير، فزعم أن شباب القوم صاروا قردةً، وأن المشيخة صاروا خنازير.
حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن السدي : عن أبي مالك أو سعيد بن جبير قال: رأى موسى عليه السلام رجلاً يحمل قصباً يوم السبت، فضرب عنقه.
قوله تعالى: "فلما عتوا عن ما نهوا عنه" أي فلما تجاوزوا في معصية الله. "قلنا لهم كونوا قردة خاسئين" يقال: خسأته فخسأ، أي باعدته وطردته. وقد تقدم في البقرة. ودل على أن المعاصي سبب النقمة، وهذا لا خفاء به فقيل: قال لهم ذلك بكلام يسمع، فكانوا كذلك. وقيل: المعنى كوناهم قردة.
يخبر تعالى عن أهل هذه القرية أنهم صاروا إلى ثلاث فرق فرقة ارتكبت المحذور واحتالوا على اصطياد السمك يوم السبت كما تقدم بيانه في سورة البقرة وفرقة نهت عن ذلك واعتزلتهم وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه ولكنها قالت للمنكرة "لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً" أي لم تنهون هؤلاء وقد علمتم أنهم قد هلكوا واستحقوا العقوبة من الله فلا فائدة في نهيكم إياهم, قالت لهم المنكرة "معذرة إلى ربكم" قرأ بعضهم بالرفع كأنه على تقدير هذه معذرة وقرأ آخرون بالنصب أي نفعل ذلك "معذرة إلى ربكم" أي فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "ولعلهم يتقون" يقولون ولعل لهذا الإنكار يتقون ما هم فيه ويتركونه ويرجعون إلى الله تائبين فإذا تابوا تاب الله عليهم ورحمهم. قال تعالى: "فلما نسوا ما ذكروا به" أي فلما أبى الفاعلون قبول النصيحة "أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا" أي ارتكبوا المعصية "بعذاب بئيس" فنص على نجاة الناهين وهلاك الظالمين وسكت عن الساكتين لأن الجزاء من جنس العمل فهم لا يستحقون مدحاً فيمدحوا ولا ارتكبوا عظيماً فيذموا ومع هذا فقد اختلف الأئمة فيهم هل كانوا من الهالكين أو من الناجين على قولين, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً" هي قرية على شاطى البحر بين مصر والمدينة يقال لها أيلة فحرم الله عليهم الحيتان يوم سبتهم وكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرعاً في ساحل البحر فإذا مضى يوم السبت لم يقدروا عليها فمضى على ذلك ما شاء الله ثم إن طائفة منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم فنهتهم طائفة وقالوا تأخذونها وقد حرمها الله عليكم يوم سبتكم, فلم يزدادوا إلا غياً وعتواً وجعلت طائفة أخرى تنهاهم فلما طال ذلك عليهم قالت طائفة من النهاة تعلمون أن هؤلاء قوم قد حق عليهم العذاب "لم تعظون قوماً الله مهلكهم" وكانوا أشد غضباً لله من الطائفة الأخرى فقالوا "معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون" وكل قد كانوا ينهون فلما وقع عليهم غضب الله نجت الطائفتان اللتان قالوا لم تعظون قوماً الله مهلكهم, والذين قالوا معذرة إلى ربكم, وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الحيتان فجعلهم قردة, وروى العوفي عن ابن عباس قريباً من هذا, وقال حماد بن زيد عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس في الاية, قال: ما أدري أنجا الذين قالوا "لم تعظون قوماً الله مهلكهم" أم لا ؟ قال فلم أزل به حتى عرفته أنهم قد نجوا فكساني حلة. وقال عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج حدثني رجل عن عكرمة قال جئت ابن عباس يوماً وهو يبكي وإذا المصحف في حجره فأعظمت أن أدنو منه ثم لم أزل على ذلك حتى تقدمت فجلست فقلت: ما يبكيك يا ابن عباس جعلني الله فداك ؟ قال فقال هؤلاء الورقات قال وإذا هو في سورة الأعراف قال تعرف أيلة ؟ قلت نعم قال فإنه كان بها حي من اليهود سيقت الحيتان إليهم يوم السبت ثم غاصت لا يقدرون عليها حتى يغوصوا بعد كد ومؤنة شديدة كانت تأتيهم يوم سبتهم شرعاً بيضاء سماناً كأنها الماخض تنتطح ظهورها لبطونها بأفنيتهم فكانوا كذلك برهة من الدهر, ثم إن الشيطان أوحى إليهم فقال: إنما نهيتهم عن أكلها وأخذها وصيدها يوم السبت فخذوها فيه, وكلوها في غيره من الأيام, فقالت ذلك طائفة منهم وقالت طائفة بل نهيتم عن أكلها وأخذها وصيدها يوم السبت فكانوا كذلك حتى جاءت الجمعة المقبلة فغدت طائفة بأنفسها وأبنائها ونسائها واعتزلت طائفة ذات اليمين وتنحت واعتزلت طائفة ذات اليسار وسكتت وقال الأيمنون ويلكم الله, ننهاكم أن تتعرضوا لعقوبة الله, وقال الأيسرون "لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً" قال الأيمنون "معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون" أي ينتهون, إن ينتهوا فهو أحب إلينا أن لا يصابوا ولا يهلكوا وإن لم ينتهوا فمعذرة إلى ربكم فمضوا على الخطيئة وقال الأيمنون فقد فعلتم يا أعداء الله, والله لا نبايتكم الليلة في مدينتكم والله ما نراكم تصبحون حتى يصبحكم الله بخسف أو قذف أو بعض ما عنده من العذاب فلما أصبحوا ضربوا عليهم الباب ونادوا فلم يجابوا فوضعوا سلماً وأعلوا سور المدينة رجلاً, فالتفت إليهم, فقال: أي عباد الله, قردة والله تعادى تعاوى لها أذناب قال ففتحوا فدخلوا عليهم فعرفت القرود أنسابها من الإنس ولا تعرف الإنس أنسابها من القردة فجعلت القرود يأتيها نسيبها من الإنس فتشم ثيابه وتبكي فيقول: ألم ننهكم عن كذا فتقول برأسها: أي نعم ثم قرأ ابن عباس "فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس" قال: فأرى الذين نهوا قد نجوا ولا أرى الاخرين ذكروا ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها, قال: قلت جعلني الله فداك ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم ؟ وقالوا " لم تعظون قوما الله مهلكهم " قال: فأمر لي فكسيت ثوبين غليظين, وكذا روى مجاهد عنه. وقال ابن جرير: حدثنا يونس أخبرنا أشهب بن عبد العزيز عن مالك قال: زعم ابن رومان أن قوله تعالى: "تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم" قال: كانت تأتيهم يوم السبت فإذا كان المساء ذهبت فلا يرى منها شيء إلى يوم السبت الاخر, فاتخذ لذلك رجل خيطاً ووتداً فربط حوتاً منها في الماء يوم السبت حتى إذا أمسوا ليلة الأحد أخذه فاشتواه, فوجد الناس ريحه, فأتوه فسألوه عن ذلك فجحدهم, فلم يزالوا به حتى قال لهم فإنه جلد حوت وجدناه فلما كان السبت الاخر فعل مثل ذلك, ولا أدري لعله قال ربط حوتين فلما أمسى من ليلة الأحد أخذه فاشتواه فوجدوا رائحة فجاؤوا فسألوه فقال لهم: لو شئتم صنعتم كما أصنع فقالوا له: وما صنعت ؟ فأخبرهم ففعلوا مثل ما فعل حتى كثر ذلك وكانت لهم مدينة لها ربض يغلقونها عليهم فأصابهم من المسخ ما أصابهم فغدا عليهم جيرانهم ممن كانوا حولهم يطلبون منهم ما يطلب الناس فوجدوا المدينة مغلقة عليهم فنادوا فلم يجيبوهم فتسوروا عليهم فإذا هم قردة فجعل القرد يدنو يتمسح بمن كان يعرف قبل ذلك ويدنو منه ويتمسح به, وقد قدمنا في سورة البقرة من الاثار في خبر هذه القرية ما فيه مقنع وكفاية ولله الحمد والمنة (القول الثاني) أن الساكتين كانوا من الهالكين قال محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: ابتدعوا السبت فابتلوا فيه فحرمت عليهم فيه الحيتان فكانوا إذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر فإذا انقضى السبت ذهبت فلم تر حتى السبت المقبل فإذا جاء السبت جاءت شرعاً فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا كذلك ثم إن رجلاً منهم أخذ حوتاً فخزم أنفه ثم ضرب له وتداً في الساحل وربطه وتركه في الماء فلما كان الغد أخذه فشواه فأكله ففعل ذلك وهم ينظرون ولا ينكرون ولا ينهاه منهم أحد إلا عصبة منهم نهوه حتى ظهر ذلك في الأسواق ففعل علانية قال: فقالت: طائفة للذين ينهونهم "لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرة إلى ربكم" فقالوا: نسخط أعمالهم " ولعلهم يتقون * فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون * فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين " قال ابن عباس كانوا ثلاثاً ثلث نهوا وثلث قالوا "لم تعظون قوماً الله مهلكهم" وثلث أصحاب الخطيئة فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم, وهذا إسناد جيد عن ابن عباس ولكن رجوعه إلى قول عكرمة في نجاة الساكتين أولى من القول بهذا لأنه تبين حالهم بعد ذلك والله أعلم. وقوله تعالى: "وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس" فيه دلالة بالمفهوم على أن الذين بقوا نجوا. وبئيس فيه قراءات كثيرة ومعناه في قول مجاهد الشديد. وفي رواية أليم وقال قتادة موجع والكل متقارب والله أعلم, وقوله "خاسئين" إي ذليلين حقيرين مهانين .
166- " فلما عتوا عن ما نهوا عنه " أي تجاوزوا الحد في معصية الله سبحانه تمرداً وتكبراً "قلنا لهم كونوا قردة" أي أمرناهم أمراً كونياً لا أمراً قولياً: أي مسخناهم قردة، قيل: إنه سبحانه عذبهم أولاً بسبب المعصية فلما لم يقلعوا مسخهم قردة، وقيل إن قوله: " فلما عتوا عن ما نهوا عنه " تكرير لقوله: "فلما نسوا ما ذكروا به" للتأكيد والتقرير، وأن المسخ هو العذاب البيس، والخاسئ الصاغر الذليل أو المباعد المطرود، يقال: خسأته فخسئ: أي باعدته فتباعد. واعلم أن ظاهر النظم القرآني هو أنه لم ينج من العذاب إلا الفرقة الناهية التي لم تعص لقوله: "أنجينا الذين ينهون عن السوء" وأنه لم يعذب بالمسخ إلا الطائفة العاصية لقوله: "فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين" فإن كانت الطوائف منهم ثلاثاً كما تقدم فالطائفة التي لم تنه ولم تعص يحتمل أنها ممسوخة مع الطائفة العاصية لأنها قد ظلمت نفسها بالسكوت عن النهي وعتت عما نهاها الله عنه من ترك النهي عن المنكر، ويحتمل أنها لم تمسخ لأنها وإن كانت ظالمة لنفسها عاتية عن أمر ربها ونهيه لكنها لم تظلم نفسها بهذه المعصية الخاصة، وهي صيد الحوت في يوم السبت، ولا عتت عن نهيه لها عن الصيد، وأما إذا كانت الطائفة الثالثة ناهية كالطائفة الثانية، وإنما جعلت طائفة مستقلة لكونها قد جرت المقاولة بينها وبين الطائفة الأخرى من الناهين المعتزلين فهما في الحقيقة طائفة واحدة لاجتماعهما في النهي والاعتزال والنجاة من المسخ.
وقد أخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال موسى: يا رب أجد أمة أناجيلهم في قلوبهم، قال: تلك أمة تكون بعدك: أمة أحمد، قال: يا رب أجد أمة يعطون صدقات أموالهم ثم ترجع فيهم فيأكلون، قال: تلك بعدك: أمة أحمد، قال: يا رب اجعلني من أمة أحمد، فأنزل الله كهيئة المرضاة لموسى "ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: "ومن قوم موسى أمة" الآية، قال: بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم وكفروا وكانوا إثني عشر سبطاً، تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا الله أن يفرق بينهم وبينهم ففتح الله لهم نفقاً في الأرض فساروا فيه حتى خرجوا من وراء الصين فهم هنالك حنفاء مسلمين يستقبلون قبلتنا. قال ابن جريج: قال ابن عباس: فذلك قوله: "وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفاً" ووعد الآخرة عيسى ابن مريم. قال ابن عباس ساروا في السرب سنة ونصفاً.
أقول: ومثل هذا الخبر العجيب والنبأ الغريب محتاج إلى تصحيح النقل.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال: افترقت بنو إسرائيل بعد موسى إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة، وافترقت النصارى بعد عيسى على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة، ولتفترقن هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة، فأما اليهود فإن الله يقول: "ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون" فهذه التي تنجو، وأما النصارى فإن الله يقول: "منهم أمة مقتصدة" فهذه التي تنجو، وأما نحن فيقول: "وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون" فهذه التي تنجو من هذه الأمة. وقد قدمنا أن زيادة كلها في النار لم تصح لا مرفوعة ولا موقوفة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "فانبجست" قال: فانفجرت. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال: دخلت على ابن عباس، وهو يقرأ هذه الآية "واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر" قال: يا عكرمة هل تدري أي قرية هذه؟ قلت: لا، قال: هي أيلة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الزهري قال: هي طبرية. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "إذ يعدون في السبت" قال: يظلمون. وأخرج ابن جرير عنه في قوله: "شرعاً" يقول: من كل مكان. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال: ظاهرة على الماء. وأخرج ابن المنذر عنه قال: واردة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال: هي قرية على شاطئ البحر بين مصر والمدينة يقال لها: أيلة، فحرم الله عليهم الحيتان يوم سبتهم فكانت تأتيهم يوم سبتهم شرعاً في ساحل البحر فإذا مضى يوم السبت لم يقدروا عليها، فمكثوا كذلك ما شاء الله، ثم إن طائفة منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم فنهتهم طائفة فلم يزدادوا إلا غياً. فقالت طائفة من النهاة يعلمون أن هؤلاء قوم حق عليهم العذاب "لم تعظون قوماً الله مهلكهم" وكانوا أشد غضباً من الطائفة الأخرى وكل قد كانوا ينهون، فلما وقع عليهم غضب الله نجت الطائفتان اللتان قالوا: "لم تعظون" والذين قالوا: "معذرة إلى ربكم" وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الحيتان فجعلهم قردة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه أنهم ثلاث فرق: فرقة العصاة، وفرقة الناهون، وفرقة القائلون لم تعظون، فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم، فأصبح الذين نهوا ذات غداة في مجالسهم يتفقدون الناس لا يرونهم، وقد باتوا من ليلتهم وغلقوا عليهم دورهم، فجعلوا يقولون إن للناس لشأناً فانظروا ما شأنهم؟ فاطلعوا في دورهم فإذا القوم قد مسخوا يعرفون الرجل بعينه وإنه لقرد، والمرأة بعينها وإنها لقردة. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عكرمة عن ابن عباس فذكر القصة، وفي آخرها أنه قال: فأرى الذين نهوا قد نجوا ولا أرى الآخرين ذكروا، ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها. قال عكرمة: فقلت: جعلني الله فداك ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم، وقالوا: "لم تعظون قوماً الله مهلكهم" قال: فأمر بي فكسيت ثوبين غليظين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس أيضاً قال: نجا الناهون وهلك الفاعلون، ولا أدري ما صنع بالساكتين. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عنه قال: والله لأن أكون علمت أن القوم الذين قالوا: "لم تعظون قوماً" نجوا من الذين نهوا عن السوء أحب إلي مما عدل به. وفي لفظ: من حمر النعم. ولكن أخاف أن تكون العقوبة نزلت بهم جميعاً. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال: قال ابن عباس: ما أدري أنجا الذين قالوا: "لم تعظون قوماً الله مهلكهم" أم لا؟ قال: فما زلت أبصره حتى عرف أنهم قد نجوا فكساني حلة. وأخرج عبد بن حميد عن ليث بن أبي سليم قال: مسخوا حجارة الذين قالوا: "لم تعظون قوماً الله مهلكهم". وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن ابن عباس في قوله: " بعذاب بئيس " قال: أليم وجيع.
166 - قوله تعالى : " فلما عتوا عن ما نهوا عنه " ، قال ابن عباس : أبوا أن يرجعوا عن المعصية " قلنا لهم كونوا قردةً خاسئين " ، مبعدين فمكثوا ثلاثة أيام ينظر إليهم الناس ثم هلكوا .
166. " فلما عتوا عن ما نهوا عنه " تكبرا عن ترك ما نهوا عنه كقوله تعالى : " وعتوا عن أمر ربهم " " قلنا لهم كونوا قردةً خاسئين " كقوله : " إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون "والظاهر يقتضي أن الله تعالى عذبهم أولا بعذاب شديد فعتوا بعد ذلك فمسخهم ، ويجوز أن تكون الآية الثانية تقريرا وتفصيلا للأولى . روي : أن الناهين لما أيسوا عن اتعاظ المعتدين كرهوا مساكنتهم ، فقسموا القرية بجدار فيه باب مطروق، فأصبحوا يوما ولم يخرج إليهم أحد من المعتدين فقالوا : إن لهم شأنا فدخلوا عليهم فإذا هم قردة فلم يعرفوا أنسبائهم ولكن القردة تعرفهم ، فجعلت تأتي أنسبائهم وتشم ثيابهم وتدور باكية حولهم ثم ماتوا بعد ثلاث . وعن مجاهد مسخت قلوبهم لا أبدانهم .
166. So when they took pride in that which they had been forbidden, We said unto them: Be ye apes despised and loathed!
166 - When in their insolence they transgressed (all) prohibitions, we said to them: be ye apes, despised and rejected.