[الأعراف : 102] وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ
102 - (وما وجدنا لأكثرهم) أي الناس (من عهد) أي وفاء بعهدهم يوم أخذ الميثاق (وإن) مخففة (وجدنا أكثرهم لفاسقين)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولم نجد لأكثر أهل هذه القرى التي أهلكناها واقتصصنا عليك، يا محمد، نبأها، " من عهد "، يقول: من وفاء بما وصيناهم به، من توحيد الله، واتباع رسله، والعمل بطاعته، واجتناب معاصيه، وهجر عبادة الأوثان والأصنام.
و((العهد))، هو الوصية، وقد بينا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
" وإن وجدنا أكثرهم "، يقول: وما وجدنا أكثرهم إلا فسقة عن طاعة ربهم، تاركين عهده ووصيته. وقد بينا معنى ((الفسق))، قبل.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تبارك وتعالى: " وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين "، قال: القرون الماضية.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله: " وما وجدنا لأكثرهم من عهد "، الآية، قال: القرون الماضية. و((عهده))، الذي أخذه من بني آدم في ظهر آدم ولم يفوا به.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب: " وما وجدنا لأكثرهم من عهد "، قال: في الميثاق الذي أخذه في ظهر آدم عليه السلام.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين "، وذلك أن الله إنما أهلك القرى لأنهم لم يكونوا حفظوا ما أوصاهم به.
قوله تعالى: "وما وجدنا لأكثرهم من عهد".
من زائدة، وهي تدل على معنى الجنس، ولولا من لجاز أن يتوهم أنه واحد في المعنى. قال ابن عباس: يريد العهد المأخوذ عليهم وقت الذر، ومن نقض العهد قيل له إنه لا عهد له، أي كأنه لم يعهد. وقال الحسن: العهد الذي عهد إليهم مع الأنبياء أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً. وقيل: أراد أن الكفار منقسمون، فالأكثرون منهم من لا أمانة له ولا وفاء، ومنهم من له أمانة مع كفره وإن قلوا، روي عن أبي عبيدة.
لما قص تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم خبر قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وما كان من إهلاكه الكافرين وإنجائه المؤمنين, وأنه تعالى أعذر إليهم بأن بين لهم الحق بالحجج على ألسنة الرسل صلوات الله عليهم أجمعين, قال تعالى: "تلك القرى نقص عليك" أي يا محمد "من أنبائها" أي من أخبارها "ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات" أي الحجج على صدقهم فيما أخبروهم به, كما قال تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً" وقال تعالى: "ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد * وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم" وقوله تعالى: "فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل" الباء سببية, أي فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل بسبب تكذيبهم بالحق أول ما ورد عليهم حكاه ابن عطية رحمه الله وهو متجه حسن كقوله "وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون * ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة" الاية, ولهذا قال هنا " كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين * وما وجدنا لأكثرهم " أي لأكثر الأمم الماضية "من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين" أي ولقد وجدنا أكثرهم فاسقين خارجين عن الطاعة والامتثال. والعهد الذي أخذه هو ما جبلهم عليه وفطرهم عليه وأخذ عليهم في الأصلاب أنه ربهم ومليكهم وأنه لا إله إلا هو فأقروا بذلك وشهدوا على أنفسهم به, وخالفوه وتركوه وراء ظهورهم وعبدوا مع الله غيره بلا دليل ولا حجة لا من عقل ولا شرع, وفي الفطرة السليمة خلاف ذلك, وجاءت الرسل الكرام من أولهم إلى آخرهم بالنهي عن ذلك كما جاء في صحيح مسلم, يقول الله تعالى: " إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم " وفي الصحيحين "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه" الحديث.
وقال تعالى في كتابه العزيز "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" وقوله تعالى: "واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" وقال تعالى: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" إلى غير ذلك من الايات, وقد قيل في تفسير قوله تعالى: "فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل" ما روى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب في قوله "فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل" قال كان في علمه تعالى يوم أقروا له بالميثاق, أي فما كانوا ليؤمنوا لعلم الله منهم ذلك, وكذا قال الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب عن أنس, واختاره ابن جرير, وقال السدي "فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل" قال: ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرهاً, وقال مجاهد في قوله "فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل" هذا كقوله "ولو ردوا لعادوا" الاية.
قوله: 102- "وما وجدنا لأكثرهم من عهد" الضمير يرجع إلى أهل القرى المذكورين سابقاً: أي ما وجدنا لأكثر أهل هذه القرى من عهد: أي عهد يحافظون عليه ويتمسكون به، بل دأبهم نقض العهود في كل حال، وقيل: الضمير يرجع إلى الناس على العموم: أي ما وجدنا لأكثر الناس من عهد وقيل المراد بالعهد: هو المأخوذ عليهم في عالم الذر، وقيل: الضمير يرجع إلى الكفار على العموم من غير تقييد بأهل القرى: أي الأكثر منهم لا عهد ولا وفاء، والقليل منهم قد يفي بعهده ويحافظ عليه، وإن في "وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين" هي المخففة من الثقيلة، وضمير الشأن محذوف: أي أن الشأن وجدنا أكثرهم لفاسقين، أو هي النافية، واللام في "لفاسقين" بمعنى إلا: أي إلا فاسقين خارجين عن الطاعة خروجاً شديداً.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي بن كعب في قوله: "فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل" قال: كان في علم الله يوم أقروا له بالميثاق من يكذب به ممن يصدق به. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل" قال: مثل قوله: "ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه". وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: "وما وجدنا لأكثرهم من عهد" قال: الوفاء. وأخرج ابن أبي حاتم في الآية قال: هو ذاك العهد يوم أخذ الميثاق. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين" قال: ذاك أن الله إنما أهلك القرى لأنهم لم يكونوا حفظوا ما وصاهم به.
102 - "وما وجدنا لأكثرهم من عهد " ، أي : وفاء بالعهد الذي عاهدهم يوم الميثاق ، حين أخرجهم من صلب آدم " وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين " ، أي : ما وجدنا أكثرهم إلا فاسقين ناقضين للعهد .
102. " وما وجدنا لأكثرهم " لأكثر الناس ، والآية اعتراض أو لأكثر الأمم المذكورين . " من عهد " من وفاء عهد ، فإن أكثرهم نقضوا ما عهد الله إليهم في الإيمان والتقوى بإنزال الآيات ونصب الحجج ، أو ما عهدوا إليه حين كانوا في ضرر مخافة مثل " لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين " " وإن وجدنا أكثرهم " أي علمناهم . " لفاسقين" من وجدت زيدا ذا الحفاظ لدخول أن المخففة واللام الفارقة ،وذلك لا يسوغ إلا في المبتدأ والخبر والأفعال الداخلة عليهما، وعند الكوفيين إن للنفي واللام بمعنى إلا.
102. We found no (loyalty to any) covenant in most of them. Nay, most of them We found wrong doers.
102 - Most of them we found not men (true) to their covenant: but most of them we found rebellious and disobedient.