[الحاقة : 27] يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ
27 - (يا ليتها) الموتة في الدنيا (كانت القاضية) القاطعة لحياتي بأن لا أبعث
وقوله : " يا ليتها كانت القاضية " يقول : ليت الموتة التي متها في الدنيا كانت هي الفراغ من كل ما بعدها ، ولم يكن بعدها حياة ولا بعث ، والقضاء : هو الفراغ ، وقيل : إنه تمنى الموت الذي يقضي عليه ، فتخرج منه نفسه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " يا ليتها كانت القاضية " تمنى الموت ، ولم يكن في الدنيا شيء أكره عنده من الموت .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " يا ليتها كانت القاضية " الموت .
"يا ليتها كانت القاضية" يتمنى الموت.
وهذا إخبار عن حال الأشقياء إذا أعطي أحدهم كتابه في العرصات بشماله, فحينئذ يندم غاية الندم "فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه * يا ليتها كانت القاضية" قال الضحاك : يعني موتة لاحياة بعدها, وكذا قال محمد بن كعب والربيع والسدي , وقال قتادة : تمنى الموت ولم يكن شيء في الدنيا أكره إليه منه "ما أغنى عني ماليه * هلك عني سلطانيه" أي لم يدفع عني مالي ولا جاهي عذاب الله وبأسه, بل خلص الأمر إلي وحدي فلا معين لي ولا مجير, فعندها يقول الله عز وجل: "خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه" أي يأمر الزبانية أن تأخذه عنفاً من المحشر فتغله أي تضع الأغلال في عنقه ثم تورده إلى جهنم فتصليه إياها أي تغمره فيها. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا أبو خالد عن عمرو بن قيس عن المنهال بن عمرو قال: إذا قال الله تعالى خذوه ابتدره سبعون ألف ملك, إن الملك منهم ليقول هكذا فيلقي سبعين ألفاً في النار. وروى ابن أبي الدنيا في الأهوال أنه يبتدره أربعمائة ألف ولا يبقى شيء إلا دقه, فيقول: ما لي ولك ؟ فيقول: إن الرب عليك غضبان فكل شيء غضبان عليك, وقال الفضيل بن عياض : إذا قال الرب عز وجل خذوه فغلوه ابتدره سبعون ألف ملك أيهم يجعل الغل في عنقه "ثم الجحيم صلوه" أي اغمروه فيها.
وقوله تعالى: "ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه" قال كعب الأحبار : كل حلقة منها قدر حديد الدنيا, وقال العوفي عن ابن عباس وابن جريج : بذراع الملك, وقال ابن جريج : قال ابن عباس "فاسلكوه" تدخل في أسته ثم تخرج من فيه ثم ينظمون فيها كما ينظم الجراد في العود حين يشوى. وقال العوفي عن ابن عباس : يسلك في دبره حتى يخرج من منخريه حتى لا يقوم على رجليه. وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إسحاق , أخبرنا عبد الله , أخبرنا سعيد بن يزيد عن أبي السمح عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن رصاصة مثل هذه ـ وأشار إلى جمجمة ـ أرسلت من السماء إلى الأرض, وهي مسيرة خمسمائة سنة, لبلغت الأرض قبل الليل ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفاً الليل والنهار قبل أن تبلغ قعرها أو أصلها" وأخرجه الترمذي عن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك به, وقال: هذا حديث حسن.
وقوله تعالى: "إنه كان لا يؤمن بالله العظيم * ولا يحض على طعام المسكين" أي لا يقوم بحق الله عليه من طاعته وعبادته ولا ينفع خلقه ويؤدي حقهم, فإن لله على العباد أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئاً, وللعباد بعضهم على بعض حق الإحسان والمعاونة على البر والتقوى, ولهذا أمر الله بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة, وقبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "الصلاة وما ملكت أيمانكم" وقوله تعالى: " فليس له اليوم هاهنا حميم * ولا طعام إلا من غسلين * لا يأكله إلا الخاطئون " أي ليس له اليوم من ينقذه من عذاب الله تعالى لا حميم وهو القريب, ولا شفيع يطاع, ولا طعام له ههنا إلا من غسلين, قال قتادة : هو شر طعام أهل النار. وقال الربيع والضحاك : هو شجرة في جهنم, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا منصور بن أبي مزاحم , حدثنا أبو سعيد المؤدب عن خصيف عن مجاهد عن ابن عباس قال: ما أدري ما الغسلين ولكني أظنه الزقوم. وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس قال: الغسلين الدم والماء يسيل من لحومهم. وقال علي بن أبي طلحة عنه: الغسلين صديد أهل النار.
27- "يا ليتها كانت القاضية" أي ليت الموتة التي [متها] كانت القاضية ولم أحي بعدها، ومعنى: القاضية القاطعة للحياة، والمعنى: أنه تمنى دوام الموت وعدم البعث لما شاهد من سوء عمله وما يصير إليه من العذاب، فالضمير في ليتها يعود إلى الموتة التي قد كان ماتها وإن لم تكن مذكورة، لأنها لظهورها كانت كالمذكورة. قال قتادة: تمنى [الموت] ولم يكن في الدنيا شيء عنده أكره منه، وشر من الموت ما يطلت منه الموت. وقيل الضمير يعود إلى الحالة التي شاهدها عند مطالعة الكتاب، والمعنى: يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضيت علي.
27- "يا ليتها كانت القاضية"، يقول: يا ليت الموتة التي متها في الدنيا كانت القاضية الفارغة من كل ما بعدها، والقاطعة للحياة، فلم أحي بعدها. و "القاضية": موت لا حياة بعده، يتمنى أنه لم يبعث للحساب. قال قتادة: يتمنى الموت ولم يكن عنده في الدنيا شيء أكره من الموت.
27-" يا ليتها " يا ليت الموتة التي منها . " كانت القاضية " القاطعة لأمري فلم أبعث بعدها ، أو يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضت علي لأنه صادفها أمر الموت فتمناه عندها ،أو يا ليت حياة الدنيا كانت الموتة ولم أخلق فيها حياً .
27. Oh, would that it had been death!
27 - Ah! would that (Death) had made an end of me!