[الحاقة : 12] لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ
12 - (لنجعلها) هذه الفعلة وهي إنجاء المؤمنين وإهلاك الكافرين (لكم تذكرة) عظة (وتعيها) ولتحفظها (أذن واعية) حافظة لما تسمع
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والواحدي عن بريده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب إني أمرت أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وأن تعي وحق لك أن تعي قال فنزلت هذه الآية وتعيها أذن واعية لا يصح
وقوله " لنجعلها لكم تذكرة " يقول : لنجعل السفينة الجارية التي حملناكم فيها لكم تذكرة ، يعني عبرة وموعظة تتعظون بها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " لنجعلها لكم تذكرة " فأبقاها الله تذكرة وعبرة وآية حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة ، وكم من سفينة قد كانت بعد سفينة نوح قد صارت رماداً .
وقوله " وتعيها أذن واعية " يعني حافظة عقلت عن الله ما سمعت .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس " وتعيها أذن واعية " يقول : حافظة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " وتعيها أذن واعية " يقول : سامعة ، وذلك الإعلان .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا نصر بن علي ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنا خالد بن قيس ، عن قتادة " وتعيها أذن واعية " قال : أذن عقلت عن الله .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " وتعيها أذن واعية " أذن عقلت عن الله ، فانتفعت بما سمعت من كتاب الله .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " أذن واعية " قال : أذن سمعت ، وعقلت ما سمعت .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : الضحاك يقول في قوله " وتعيها أذن واعية " سمعتها أذن ووعت .
حدثنا علي بن سهل ، قال : ثنا الوليد بن مسلم ، عن علي بن حوشب ، قال : سمعت مكحولاً يقول : " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " وتعيها أذن واعية " ثم التفت إلى علي ، فقال : سألت الله أن يجعلها أذنك ، قال علي رضي الله عنه ، فما سمعت شيئاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسيته " .
حدثني محمد بن خلف ، قال : ثني بشر بن آدم ، قال : ثنا عبد الله بن الزبير ، قال : ثني عبد الله بن رستم قال : " سمعت بريدة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي : يا علي إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك ، وأن أعلمك وأن تعي ، وحق على الله أن تعي ، قال : فنزلت " وتعيها أذن واعية " " .
حدثني محمد بن خلف ، قال : ثنا الحسن بن حماد ، قال : ثنا إسماعيل بن إبراهيم أبو يحيى التيمي عن فضيل بن عبد الله ، عن أبي داود ، " عن بريدة الأسلمي ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي : إن الله أمرني أن أعلمك وأن أدنيك ولا أجفوك ولا أقصيك " ، ثم ذكر مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " وتعيها أذن واعية " قال : واعية يحذرون معاصي الله أن يعذبهم الله عليها ، كما عذب من كان قبلهم تسمعها فتعيها ، إنما تعي القلوب ما تسمع الآذان من الخير والشر من باب الوعي .
"لنجعلها لكم تذكرة" يعني سفينة نوح عليه الصلاة والسلام. جعلها الله تذكرة وعظة لهذه الأمة حتى أدراكها أوائلهم، في قول قتادة. قال ابن جريج: كانت ألواحها على الجودي. والمعنى: أبقيت لكم تلك الخشبات حتى تذكروا ما حل بقوم نوح، وإنجاء الله آباءكم، وكم من سفينة هلكت وصارت تراباً ولم يبق منها شيء. وقيل: لنجعل تلك الفعلة من إغراق قوم نوح وإنجاء من آمن معه موعظة لكم، ولهذا قال الله تعالى: "وتعيها أذن واعية" أي تحفظها وتسمعها أذن حافظة لما جاء من عند الله. والسفينة لا توصف بهذا. قال الزجاج: ويقال وعيت كذا أي حفظته في نفسي، أعيه وعياً. ووعيت العلم، ووعيت ما قلت، كله بمعنى. وأوعيت المتاع في الوعاء. قال الزجاج: يقال لكل ما حفظته في غير نفسك: أوعيته بالألف، ولما حفظته في نفسك وعيته بغير ألف. وقرأ طلحة وحميد والأعرج وتعيها بإسكان العين، ونظير قوله تعالى:"وتعيها أذن واعية"، "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب" ق:37 . وقال قتادة: الأذان الواعية أذن عقلت عن الله تعالى، وانتفعت بما سمعت من كتاب الله عز وجل. و"روى مكحول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند نزول هذه الآية: سألت ربي أن يجعلها أذن علي" قال مكحول: فكان علي رضي الله عنه يقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فنسيته إلا وحفظته. ذكره الماوردي. وعن الحسن نحوه ذكره الثعلبي قال:" لما نزلت "وتعيها أذن واعية" قال النبي صلى الله عليه وسلم: سألت ربي أن يجعلها أذنك يا علي قال علي: فوالله ما نسيت شيئاً بعد، وما كان لي أن أنسى". وقال أبو برزة الأسلمي: "قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: يا علي إن الله أمرني أن أذنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وأن تعي وحق على الله أن تعي".
الحاقة من أسماء يوم القيامة لأن فيها يتحقق الوعد والوعيد ولهذا عظم الله أمرها فقال: "وما أدراك ما الحاقة" ثم ذكر تعالى إهلاكه الأمم المكذبين بها فقال تعالى: "فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية" وهي الصيحة التي أسكتتهم والزلزلة التي أسكنتهم, هكذا قال قتادة الطاغية الصيحة, وهو اختيار ابن جرير , وقال مجاهد : الطاغية الذنوب, وكذا قال الربيع بن أنس وابن زيد إنها الطغيان وقرأ ابن زيد "كذبت ثمود بطغواها" وقال السدي فأهلكوا بالطاغية قال يعني عاقر الناقة "وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر" أي باردة قال قتادة والسدي والربيع بن أنس والثوري "عاتية" أي شديدة الهبوب, قال قتادة . عتت عليهم حتى نقبت عن أفئدتهم. وقال الضحاك : "صرصر" باردة "عاتية" عتت عليهم بغير رحمة ولا بركة, وقال علي وغيره: عتت على الخزنة فخرجت بغير حساب.
"سخرها عليهم" أي سلطها عليهم "سبع ليال وثمانية أيام حسوماً" أي كوامل متتابعات مشائيم, قال ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وعكرمة والثوري وغيرهم: حسوماً متتابعات, وعن عكرمة والربيع بن خثيم مشائيم عليهم كقوله تعالى: "في أيام نحسات" قال الربيع : وكان أولها الجمعة وقال غيره الأربعاء, ويقال إنها التي تسميها الناس الأعجاز, وكأن الناس أخذوا ذلك من قوله تعالى: "فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية" وقيل لأنها تكون في عجز الشتاء, ويقال أيام العجوز لأن عجوزاً من قوم عاد دخلت سرباً فقتلها الريح في اليوم الثامن, حكاه البغوي والله أعلم.
قال ابن عباس : "خاوية" خربة, وقال غيره: بالية أي جعلت الريح تضرب بأحدهم الأرض فيخر ميتاً على أم رأسه, فينشدخ رأسه وتبقى جثته هامدة كأنها قائمة النخلة إذا خرت بلا أغصان. وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور" وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا محمد بن يحيى بن الضريس العبدي حدثنا ابن فضيل عن مسلم عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما فتح الله على عاد من الريح التي هلكوا بها إلا مثل موضع الخاتم, فمرت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم فجعلتهم بين السماء والأرض, فلما رأى ذلك أهل الحاضرة من عاد الريح وما فيها قالوا هذا عارض ممطرنا, فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة" وقال الثوري عن ليث عن مجاهد : الريح لها جناحان وذنب "فهل ترى لهم من باقية" أي هل تحس منهم من أحد من بقاياهم أو ممن ينتسب إليهم بل بادوا عن آخرهم ولم يجعل الله لهم خلفاً.
ثم قال تعالى: "وجاء فرعون ومن قبله" قرىء بكسر القاف أي ومن عنده ممن في زمانه من أتباعه من كفار القبط, وقرأ آخرون بفتحها أي ومن قبله من الأمم المشبهين له. وقوله تعالى: "والمؤتفكات" وهم الأمم المكذبون بالرسل "بالخاطئة" وهي التكذيب بما أنزل الله قال الربيع "بالخاطئة" أي بالمعصية, وقال مجاهد : بالخطايا, ولهذا قال تعالى: "فعصوا رسول ربهم" وهذا جنس أي كل كذب رسول الله إليهم كما قال تعالى "كل كذب الرسل فحق وعيد" ومن كذب برسول فقد كذب بالجميع كما قال تعالى: "كذبت قوم نوح المرسلين" "كذبت عاد المرسلين" "كذبت ثمود المرسلين" وإنما جاء إلى كل أمة رسول واحد ولهذا قال ههنا: "فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية" أي عظيمة شديدة أليمة, قال مجاهد : رابية شديدة, وقال السدي : مهلكة.
ثم قال تعالى: " إنا لما طغى الماء " أي زاد على الحد بإذن الله وارتفع على الوجود, وقال ابن عباس وغيره: طغى الماء كثر, وذلك بسبب دعوة نوح عليه السلام على قومه حين كذبوه وخالفوه, فعبدوا غير الله فاستجاب الله له وعم أهل الأرض بالطوفان إلا من كان مع نوح في السفينة فالناس كلهم من سلالة نوح وذريته. وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا مهران عن أبي سنان سعيد بن سنان عن غير واحد عن علي بن أبي طالب قال: لم تنزل قطرة من ماء إلا بكيل على يدي ملك, فلما كان يوم نوح أذن للماء دون الخزان فطغى الماء على الخزان, فخرج فذلك قوله تعالى: "إنا لما طغى الماء" أي زاد على الحد بإذن الله "حملناكم في الجارية" ولم ينزل شيء من الريح إلا بكيل على يدي ملك إلا يوم عاد فإنه أذن لها دون الخزان فخرجت, فذلك قوله تعالى: "بريح صرصر عاتية" أي عتت على الخزان, ولهذا قال تعالى ممتناً على الناس: "إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية" وهي السفينة الجارية على وجه الماء "لنجعلها لكم تذكرة" عاد الضمير على الجنس لدلالة المعنى عليه أي وأبقينا لكم من جنسها ما تركبون على تيار الماء في البحار كما قال: "وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون * لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه".
وقال تعالى: " وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون * وخلقنا لهم من مثله ما يركبون " وقال قتادة : أبقى الله السفينة حتى أدركها أوائل هذه الأمة, والأول أظهر ولهذا قال تعالى: "وتعيها أذن واعية" أي وتفهم هذه النعمة وتذكرها أذن واعية, قال ابن عباس : حافظة سامعة. وقال قتادة : "أذن واعية" عقلت عن الله فانتفعت بما سمعت من كتاب الله, وقال الضحاك "وتعيها أذن واعية" سمعتها أذن ووعت أي من له سمع صحيح وعقل رجيح, وهذا عام في كل من فهم ووعى. وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة الدمشقي , حدثنا العباس بن الوليد بن صبيح الدمشقي , حدثنا زيد بن يحيى , حدثنا علي بن حوشب : سمعت مكحولاً يقول: لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم "وتعيها أذن واعية" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سألت ربي أن يجعلها أذن علي" قال مكحول : فكان علي يقول: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فنسيته, وهكذا رواه ابن جرير عن علي بن سهل عن الوليد بن مسلم عن علي بن حوشب عن مكحول به وهو حديث مرسل.
وقد قال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا جعفر بن محمد بن عامر , حدثنا بشر بن آدم , حدثنا عبد الله بن الزبير أبو محمد يعني والد أبي أحمد الزبيري , حدثني صالح بن الهيثم : سمعت بريدة الأسلمي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي "إني أمرت أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وأن تعي وحق لك أن تعي" قال: فنزلت هذه الاية "وتعيها أذن واعية" ورواه ابن جرير عن محمد بن خلف عن بشر بن آدم به. ثم رواه ابن جرير من طريق آخر عن أبي داود الأعمى عن بريدة به ولا يصح أيضاً.
ولما كان المقصود من ذكر قصص الأمم وذكر ما حل بهم من العذاب زجر هذه الأمة عن الاقتداء بهم في معصية الرسول قال: 12- "لنجعلها لكم تذكرة" أي لنحعل هذه الأمور المذكورة لكم يا أمة محمد عبرة وموعظة تستدلون بها على عظيم قدرة الله وبديع صنعه، أو لنجعل هذه الفعلة التي هي عبارة عن إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين لكم تذكرة "وتعيها أذن واعية" أي تحفظها بعد سماعها أذن حافظة لما سمعت. قال الزجاج: يقال أوعيت كذا: أي حفظته في نفسي أعيه وعياً، ووعيت العلم ووعيت ما قلته كله بمعنى، وأوعيت المتاع في الوعاء، ويقال لكل ما وعيته في غير نفسك أوعيته بالألف ولما حفظته في نفسك وعيته بغير ألف. قال قتادة في تفسير الآية: أذن سمعت وعقلت ما سمعت. قال الفراء: المعنى لتحفظها كل أذن عظة لمن يأتي بعد. قرأ الجمهور "تعيها" بكسر العين. وقرأ طلحة بن مصرف وحميد الأعرج وأبو عمرو في رواية عنه بإسكان العين تشبيهاً لهذه الكلمة برحم وشهد وإن لم تكن من ذلك. قال الرازي: وروي عن ابن كثير إسكان العين، جعل حرف المضارعة مع ما بعده بمنزلة كلمة واحدة فخفف وأسكن كما أسكن الحرف المتوسط من فخذ وكبد وكتف انتهى، والأول أولى يكون هذا من باب إجراء الوصل مجرى الوقف كما في قراءة من قرأ "وما يشعركم" بسكون الراء، قال القرطبي: واختلفت القراءة فيها عن عاصم وابن كثير: يعني تعيها.
12- "لنجعلها"، أي لنجعل تلك الفعلة التي فعلنا، من إغراق قوم نوح ونجاة من حملنا معه، "لكم تذكرةً"، عبرة وموعظة، "وتعيها"، قرأ القواس عن ابن كثير وسليم عن حمزة، باختلاس العين، وقرأ الآخرون بكسرها أي تحفظها، "أذن واعية"، أي: حافظة لما جاء من عند الله. قال قتادة: أذن سمعت وعقلت ما سمعت. قال الفراء: لتحفظها كل أذن فتكون عبرة وموعظة لمن يأتي بعد.
12-" لنجعلها لكم " لنجعل الفعلة وهي إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين . " تذكرةً " عبرة ودلالة على قدرة الصانع وحكمته وكمال قهره ورحمته ." وتعيها " وتحفظها ، وعن ابن كثير تعيها بسكون العين تشبيهاً بكتف ، والوعي أن تحفظ الشيء في نفسك والإيعاء أن تحفظه في غيرك . "أذن واعية " من شأنها أن تحفظ ما يجب حفظه بتذكره وإشاعته والتفكر فيه والعمل بموجبه ، والتنكير للدلالة على قلتها وأن من هذا شأنه مع قلته تسبب لإنجاء الجم الغفير وإدامة نسلهم . وقرأ نافع أذن بالتخفيف .
12. That We might make it a memorial for you, and that remembering ears (that heard the story) might remember.
12 - That We might make it a Message unto you, and that ears (that should hear the tale and) retain its memory should bear its (lessons) in remembrance.