[القلم : 4] وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ
4 - (وإنك لعلى خلق) دين (عظيم)
وأخرج أبو نعيم في الدلائل والواحدي رواه عن عائشة قالت ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال لبيك فذلك أنزل الله وإنك لعلى خلق عظيم
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وإنك يا محمد لعلى أدب عظيم ، وذلك أدب القرآن الذي أدبه الله به ، وهو الإسلام وشرائعه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " وإنك لعلى خلق عظيم " يقول : دين عظيم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " وإنك لعلى خلق عظيم " يقول : إنك على دين عظيم ، وهو الإسلام .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " خلق عظيم " قال : الدين .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقالت : كان خلقه القرآن ، تقول كما هو في القرآن .
"حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " وإنك لعلى خلق عظيم " ذكر لنا أن سعيد بن هشام سأل عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ألست تقرأ القرآن ؟ قال : قلت : بلى ، قالت : فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن" .
"حدثنا عبيد بن آدم بن أبي إياس ، قال : ثني أبي ، قال : ثنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن سعيد بن هشام ، قال : أتيت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، فقلت : أخبريني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : كان خلقه القرآن ، أما تقرأ " وإنك لعلى خلق عظيم "" .
"حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني معاوية بن صالح ، عن أبي الزاهرية ، عن جبير بن نفيل قال : فدخلت على عائشة ، فسألتها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن" .
حدثنا عبيد بن أسباط ، قال : ثني أبي ، عن فضيل بن مرزوق عن عطية ، في قوله " وإنك لعلى خلق عظيم " قال : أدب القرآن .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله " لعلى خلق عظيم " يعني دينه ، وأمره الذي كان عليه ، مما أمره الذي كان عليه ، مما أمره الله به ، ووكله إليه .
فيه مسألتين: الأولى: قوله تعالى "وإنك لعلى خلق عظيم" قال ابن عباس ومجاهد: على خلق، دين عظيم من الأديان، ليس دين أحب إلى الله تعالى ولا أرضى عنده منه. وفي صحيح مسلم عن عائشة: أن خلقه كان القرآن. وقال علي رضي الله عنه وعطية: هو أدب القرآن. وقيل: هو رفقه بأمته وإكرامه إياهم. وقال قتادة: هو ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهي عنه مما نهى الله عنه. وقيل: أي إنك على طبع كريم. الماوردي: وهو الظاهر. وحقيقة الخلق في اللغة: هو ما يأخذ به الإنسان نفسه من الأدب يسمى خلقاً، لأنه يصير كالخلقة فيه. وأما ما طبع عليه من الأدب فهو الخيم بالكسر: السجية والطبيعة، لا واحد له من لفظه. وخيم: اسم جبل. فيكون الخلق الطبع المتكلف. والخيم الطبع الغريزي. وقد أوضح الأعشي ذلك في شعره فقال:
وإذا ذو الفضـول ضن على المو لـى وعادات لخيمها الأخلاق
أي رجعت الأخلاق إلىطبائعها.
قلت: ما ذكرته عن عائشة في صحيح مسلم أصح الأقوال. وسئلت أيضاً عن خلقه عليه السلام، فقرأت "قد أفلح المؤمنون" إلى عشر آيات، وقالت : ما كان أحد أحسن خلقاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما دعاه أحد من الصحابة ولا من أهل بيته إلا قال لبيك، ولذلك منه الحظ الأوفر. وقال الجنيد: سمي: خلقه عظيماً لأنه لم تكن له همة سوى الله تعالى.
وقيل: سمي خلقه عظيماً لاجماع مكارم الأخلاق فيه، يدل عليه قوله عليه السلام " إن الله بعثني لأتمم مكارم الأخلاق", وقيل: لأنه امتثل تأديب الله تعالى إياه بقوله تعالى: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " الأعراف:199.
وقد روي عنه عليه السلام أنه قال: " أدبني ربي تأديباً حسناً إذ قال " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" الأعراف:199 فلما قبلت ذلك منه قال: "وإنك لعلى خلق عظيم". "
الثانية: روى الترمذي عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ". قال حديث حسن صحيح. وعن أبي الدرداء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من شئ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإن الله ليبغض الفاحش البذئ". قال: حديث حسن صحيح . وعنه قال:" سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من الخلق وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصلاة والصوم ". قال: حديث غريب من هذا الوجه. وعن ابن هريرة قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ فقال: تقوى الله .وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: الفم والفرج " قال: هذا حديث صحيح غريب. وعن عبد الله بن المبارك أنه وصف حسن الخلق فقال: هو بسط الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى. وعن جابر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً - قال - وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قالوا: يا رسول الله ، قد علمنا الرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ . قال: وفي الباب عن أبي هريرة وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
قد تقدم الكلام على حروف الهجاء في أول سورة البقرة وأن قوله تعالى: "ن" كقوله "ص". "ق" ونحو ذلك من الحروف المقطعة في أوائل السور, وتحرير القول في ذلك بما أغنى عن إعادته ههنا, وقيل: المراد بقول "ن" حوت عظيم على تيار الماء العظيم المحيط, وهو حامل للأرضين السبع كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثنا ابن بشار , حدثنا يحيى , حدثنا سفيان هو الثوري , حدثنا سليمان هو الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: أول ما خلق الله القلم قال: اكتب. قال: وماذا أكتب ؟ قال: اكتب القدر, فجرى بما يكون من ذلك اليوم إلى قيام الساعة, ثم خلق النون ورفع بخار الماء ففتقت منه السماء وبسطت الأرض على ظهر النون, فاضطرب النون فمادت الأرض فأثبتت بالجبال فإنها لتفخر على الأرض, وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان عن أبي معاوية عن الأعمش به, وهكذا رواه شعبة ومحمد بن فضيل ووكيع عن الأعمش به.
وزاد شعبة في روايته ثم قرأ "ن والقلم وما يسطرون" وقد رواه شريك عن الأعمش عن أبي ظبيان أو مجاهد عن ابن عباس فذكر نحوه, ورواه معمر عن الأعمش أن ابن عباس قال: فذكره ثم قرأ "ن والقلم وما يسطرون" ثم قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا جرير عن عطاء عن أبي الضحى عن ابن عباس قال: إن أول شيء خلق ربي عز وجل القلم ثم قال له: اكتب, فكتب ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة, ثم خلق النون فوق الماء ثم كبس الأرض عليه. وقد روى الطبراني ذلك مرفوعاً, فقال: حدثنا أبو حبيب زيد بن المهدي المروزي , حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني , حدثنا مؤمل بن إسماعيل , حدثنا حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى مسلم بن صبيح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما خلق الله القلم والحوت فقال للقلم: اكتب. قال: ما أكتب ؟ قال: كل شيء كائن إلى يوم القيامة" ثم قرأ "ن والقلم وما يسطرون" فالنون الحوت, والقلم القلم.
(حديث آخر) في ذلك رواه ابن عساكر عن أبي عبد الله مولى بني أمية عن أبي صالح عن أبي هريرة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول شيء خلقه الله القلم ثم خلق النون وهي الدواة ثم قال له: اكتب, قال: وما أكتب ؟ قال: اكتب ما يكون ـ أو ما هو كائن ـ من عمل أو رزق أو أثر أو أجل فكتب ذلك إلى يوم القيامة, فذلك قوله: "ن والقلم وما يسطرون" ثم ختم على القلم فلم يتكلم إلى يوم القيامة ثم خلق العقل وقال: وعزتي لأكملنك فيمن أحببت ولأنقصنك ممن أبغضت".
وقال ابن أبي نجيح : إن إبراهيم بن أبي بكر أخبره عن مجاهد قال: كان يقال النون الحوت العظيم الذي تحت الأرض السابعة, وقد ذكر البغوي وجماعة من المفسرين أن على ظهر هذا الحوت صخرة سمكها كغلظ السموات والأرض, وعلى ظهرها ثور له أربعون ألف قرن وعلى متنه الأرضون السبع وما فيهن وما بينهن, والله أعلم. ومن العجيب أن بعضهم حمل على هذا المعنى الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل , حدثنا حميد عن أنس أن عبد الله بن سلام بلغه مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة, فأتاه فسأله عن أشياء قال " إني سائلك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي, قال: ما أول أشراط الساعة ؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة ؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه ؟ وما بال الولد ينزع إلى أمه ؟ قال: أخبرني بهن جبريل آنفاً قال ابن سلام: فذاك عدو اليهود من الملائكة. قال: أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب, وأول طعام يأكله أهل الجنة زيادة كبد الحوت, وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد, وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت" ورواه البخاري من طرق عن حميد ورواه مسلم أيضاً, وله من حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو هذا, وفي صحيح مسلم من حديث أبي أسماء الرحبي عن ثوبان " أن حبراً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسائل, فكان منها أن قال: فما تحفتهم, يعني أهل الجنة حين يدخلون الجنة, قال: زيادة كبد الحوت قال: فما غذاؤهم على أثرها ؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها قال: فما شرابهم عليه ؟ قال من عين فيها تسمى سلسبيلاً" وقيل: المراد بقوله: "ن" لوح من نور.
قال ابن جرير : حدثنا الحسن بن شبيب المكتب , حدثنا محمد بن زياد الجزري عن فرات بن أبي الفرات عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ن والقلم وما يسطرون" لوح من نور وقلم من نور يجري بما هو كائن إلى يوم القيامة " , وهذا مرسل غريب, وقال ابن جريج : أخبرت أن ذلك القلم من نور طوله مائة عام, وقيل المراد بقوله: "ن" دواة, والقلم القلم. قال ابن جرير : حدثنا عبد الأعلى , حدثنا أبو ثور عن معمر عن الحسن وقتادة في قوله "ن" قالا هي الدواة, وقد روي في هذا حديث مرفوع غريب جداً فقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا هشام بن خالد , حدثنا الحسن بن يحيى , حدثنا أبو عبد الله مولى بني أمية عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خلق الله النون وهي الدواة".
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا يعقوب , حدثنا أخي عيسى بن عبد الله حدثنا ثابت الثمالي عن ابن عباس قال: إن الله خلق النون وهي الدواة, وخلق القلم: فقال اكتب. قال: وما أكتب ؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل معمول به بر أو فجور أو رزق مقسوم حلال أو حرام, ثم ألزم كل شيء من ذلك شأنه دخوله في الدنيا ومقامه فيها كم وخروجه منها كيف, ثم جعل على العباد حفظة وللكتاب خزاناً فالحفظة ينسخون كل يوم من الخزان عمل ذلك اليوم, فإذا فني الرزق وانقطع الأثر وانقضى الأجل أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم, فتقول لهم الخزنة ما نجد لصاحبكم عندنا شيئاً, فترجع الحفظة فيجدونهم قد ماتوا. قال: فقال ابن عباس : ألستم قوماً عرباً تسمعون الحفظة يقولون "إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون" وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل.
وقوله تعالى: "والقلم" الظاهر أنه جنس القلم الذي يكتب به كقوله: " اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم " فهو قسم منه تعالى وتنبيه لخلقه على ما أنعم به عليهم من تعليم الكتابة التي بها تنال العلوم, ولهذا قال: "وما يسطرون" قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : يعني وما يكتبون. وقال أبو الضحى عن ابن عباس : وما يسطرون أي وما يعملون وقال السدي : وما يسطرون يعني الملائكة وما تكتب من أعمال العباد, وقال آخرون: بل المراد ههنا بالقلم الذي أجراه الله بالقدر حين كتب مقادير الخلائق, قبل أن يخلق السموات والأرضين بخمسين ألف عام.
وأوردوا في ذلك الأحاديث الواردة في ذكر القلم فقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان ويونس بن حبيب قالا: حدثنا أبو داود الطيالسي , حدثنا عبد الواحد بن سليم السلمي عن عطاء , هو ابن أبي رباح , حدثني الوليد بن عبادة بن الصامت قال: دعاني أبي , حين حضره الموت فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب, قال يا رب وما أكتب ؟ قال اكتب القدر وما هو كائن إلى الأبد" وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد من طرق عن الوليد بن عبادة عن أبيه به, وأخرجه الترمذي من حديث أبي داود الطيالسي به, وقال حسن صحيح غريب.
ورواه أبو داود في كتاب السنة من سننه عن جعفر بن مسافر عن يحيى بن حسان عن ابن رباح عن إبراهيم بن أبي عبلة عن أبي حفصة , واسمه حبيش بن شريح الحبشي الشامي , عن عبادة فذكره. وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الله الطوسي , حدثنا علي بن الحسن بن شقيق , أنبأنا عبد الله بن المبارك , حدثنا رباح بن زيد عن عمر بن حبيب عن القاسم بن أبي بزة , عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أول شيء خلقه الله القلم فأمره فكتب كل شيء" غريب من هذا الوجه ولم يخرجوه, وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد : والقلم, يعني الذي كتب به الذكر. وقوله تعالى: "وما يسطرون" أي يكتبون كما تقدم.
وقوله: "ما أنت بنعمة ربك بمجنون" أي لست ولله الحمد بمجنون كما يقوله الجهلة من قومك, المكذبون بما جئتهم به من الهدى والحق المبين, فنسبوك فيه إلى الجنون, "وإن لك لأجراً غير ممنون" أي بل إن لك الأجر العظيم والثواب الجزيل الذي لا ينقطع ولا يبيد على إبلاغك رسالة ربك إلى الخلق وصبرك على أذاهم, ومعنى غير ممنون أي غير مقطوع كقوله "عطاء غير مجذوذ" "فلهم أجر غير ممنون" أي غير مقطوع عنهم. وقال مجاهد : غير ممنون أي غير محسوب وهو يرجع إلى ما قلناه.
وقوله تعالى: "وإنك لعلى خلق عظيم" قال العوفي عن ابن عباس : وإنك لعلى دين عظيم وهو الإسلام, وكذلك قال مجاهد وأبو مالك والسدي والربيع بن أنس , وكذا قال الضحاك وابن زيد . وقال عطية : لعلى أدب عظيم. وقال معمر عن قتادة : سئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان خلقه القرآن تقول كما هو في القرآن. وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قوله: "وإنك لعلى خلق عظيم" ذكر لنا أن سعد بن هشام سأل عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ألست تقرأ القرآن ؟ قال: بلى. قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام قال: سألت عائشة فقلت أخبريني يا أم المؤمنين عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أتقرأ القرآن ؟ فقلت: نعم فقالت: كان خلقه القرآن. هذا مختصر من حديث طويل, وقد رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث قتادة بطوله, وسيأتي في سورة المزمل إن شاء الله تعالى وبه الثقة.
وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل حدثنا يونس عن الحسن قال: سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن. وقال الإمام أحمد : حدثنا أسود , حدثنا شريك عن قيس بن وهب عن رجل من بني سواد قال: سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أما تقرأ القرآن ؟ "وإنك لعلى خلق عظيم" قال: " قلت حدثيني عن ذاك. قالت: صنعت له طعاماً وصنعت له حفصة طعاماً, فقلت لجاريتي اذهبي فإن جاءت هي بالطعام فوضعته قبل فاطرحي الطعام, قالت فجاءت بالطعام قالت فألقت الجارية فوقعت القصعة فانكسرت وكان نطع, قالت فجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : اقتصوا ـ أو اقتصي شك أسود ـ ظرفاً مكان ظرفك قالت: فما قال شيئاً " .
وقال ابن جرير : حدثنا عبيد بن آدم بن أبي إياس , حدثنا أبي , حدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن عن سعد بن هشام قال: أتيت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فقلت لها: أخبريني بخلق النبي صلى الله عليه وسلم, فقالت كان خلقه القرآن أما تقرأ "وإنك لعلى خلق عظيم" ؟ وقد روى أبو داود والنسائي من حديث الحسن نحوه. وقال ابن جرير : حدثني يونس أنبأنا ابن وهب أخبرني معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير قال: حججت فدخلت على عائشة رضي الله عنها فسألتها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن, وهكذا رواه أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي , ورواه النسائي في التفسير عن إسحاق بن منصور عن عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح به.
ومعنى هذا أنه عليه الصلاة والسلام صار امتثال القرآن أمراً ونهياً سجيةً له وخلقاً تطبعه وترك طبعه الجبلي, فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه, هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم, وكل خلق جميل كما ثبت في الصحيحين عن أنس قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف قط, ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته ؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلته ؟ وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً ولا مسست خزاً ولا حريراً ولا شيئاً كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا شممت مسكاً ولا عطراً كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقال البخاري : حدثنا إسحاق بن منصور , حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً وأحسن الناس خلقاً ليس بالطويل ولا بالقصير والأحاديث في هذا كثيرة ولأبي عيسى الترمذي في هذا كتاب الشمائل.
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق , حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادماً له قط, ولا ضرب امرأة, ولا ضرب بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله, ولا خير بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثماً, فإذا كان إثماً كان أبعد الناس من الإثم, ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إلا أن تنتهك حرمات الله فيكون هو ينتقم لله عز وجل وقال الإمام أحمد : حدثنا سعيد بن منصور , حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عجلان , عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق" تفرد به.
وقوله تعالى: " فستبصر ويبصرون * بأيكم المفتون " فستعلم يا محمد وسيعلم مخالفوك ومكذبوك من المفتون الضال منك ومنهم, وهذا كقوله تعالى: "سيعلمون غداً من الكذاب الأشر" وكقوله تعالى: "وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين" قال ابن جريج : قال ابن عباس في هذه الاية ستعلم ويعلمون يوم القيامة, وقال العوفي عن ابن عباس : بأيكم المفتون أي المجنون, وكذا قال مجاهد وغيره, وقال قتادة وغيره: بأيكم المفتون أي أولى بالشيطان, ومعنى المفتون ظاهر أي الذي قد افتتن عن الحق وضل عنه, وإنما دخلت الباء في قوله بأيكم لتدل على تضمين الفعل في قوله "فستبصر ويبصرون" وتقديره فستعلم ويعلمون أو فستخبر ويخبرون بأيكم المفتون, والله أعلم. ثم قال تعالى: "إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" أي هو يعلم تعالى أي الفريقين منكم ومنهم هو المهتدي, ويعلم الحزب الضال عن الحق.
4- "وإنك لعلى خلق عظيم" قيل هو الإسلام والدين، حكى هذا الواحدي عن الأكثرين. وقيل هو القرآن، روي هذا عن الحسن والعوفي. وقال قتادة: هو ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهي عنه من نهي الله. قال الزجاج: المعنى إنك على الخلق الذي أمرك الله به في القرآن، وقيل هو رفقه بأمته وإكرامه إياهم، وقيل المعنى: إنك على طبع كريم. قال الماوردي: وهذا هو الظاهر، وحقيقة الخلق في اللغة ما يأخذ الإنسان نفسه به من الأدب. وقد ثبت في الصحيح عن عائشة أنها سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان خلقه القرآن، وهذه الجملة والتي قبلها معطوفتان على جملة جواب القسم.
4- "وإنك لعلى خلق عظيم"، قال ابن عباس ومجاهد: دين عظيم لا دين أحب إلي ولا أرضى عندي منه، وهو دين الإسلام. وقال الحسن: هو آداب القرآن.
سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن.
وقال قتادة: هو ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهي عنه من نهي الله، والمعنى إنك على الخلق الذي أمرك الله به في القرآن.
وقيل: سمى الله خلقه عظيماً لأنه امتثل تأديب الله إياه بقوله: "خذ العفو" (الأعراف -198) الآية.
وروينا عن جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله بعثني لتمام مكارم الأخلاق، وتمام محاسن الأفعال".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله، حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا إبراهيم بن يوسف، عن أبيه عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً ليس بالطويل البائن ولا بالقصير".
أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعى، أخبرنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي، حدثنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: "خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي أف قط وما قال لشيء صنعته: لم صنعته؟ ولا لشيء تركته: لم تركته؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً، ولا مسست خزاً قط ولا حريراً ولا شيئاً كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكاً ولا عطراً كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم".
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار، حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرني، حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان الثوري، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عبد الله بن عمر قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فحاشاً ولا متفحشاً وكان يقول: خياركم أحسنكم أخلاقاً".
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي، أخبرنا أبو العباس الأصم، حدثنا محمد بن هشام بن ملاس، حدثنا مروان الفزاري، حدثنا حميد الطويل، عن أنس "أن امرأة عرضت لرسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة فقالت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة فقال: يا أم فلان اجلسي في أي سكك المدينة شئت أجلس إليك، قال: ففعلت فقعد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قضى حاجتها".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا هشيم، أخبرنا حميد الطويل، حدثنا أنس بن مالك قال: "إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا عمران بن زيد التغلبي، عن زيد بن العمي عن أنس بن مالك "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صافح الرجل لم ينزع يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع يده ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون هو الذي يصرف وجهه عن وجهه، ولم ير مقدماً ركبتيه بين يدي جليس له".
أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد، أخبرنا أبو القاسم الخزاعي، أخبرنا الهثيم بن كليب، حدثنا أبو عيسى، حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني، حدثنا عبيدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا ضرب خادماً ولا امرأة".
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا إسماعيل بن عبد الله، حدثني مالك عن إسحاق عن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس قال "كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضحك ثم أمر له بعطاء".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان، أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا علي بن المديني، حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك، عن أم الدرداء تحدث عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أثقل شيء يوضع في ميزان المؤمن يوم القيامة خلق حسن، وإن الله تعالى يبغض الفاحش البذيء".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور السمعاني، أخبرنا أبو جعفر الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا أبو نعيم، حدثنا داود بن يزيد الأودي سمعت أبي يقول سمعت أبي هريرة يقول: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أتدرون ما أكثر ما يدخل الناس النار؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن أكثر ما يدخل الناس النار الأجوفان: الفرج والفم، أتدرون ما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن أكثر ما يدخل الناس الجنة: تقوى الله وحسن الخلق".
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أخبرنا أبي وشعيب قالا حدثنا الليث عن ابن الهاد عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله عن عائشة، قالت: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار".
4-" وإنك لعلى خلق عظيم " إذ تتحمل من قومك ما لا يتحمل أمثالك ، وسئلت عائشة رضي الله تعالى عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم فقالت : كان خلقه القرآن ، ألست تقرأ القرآن " قد أفلح المؤمنون " .
4. And lo! thou art of a tremendous nature.
4 - And thou (standest) on an exalted standard of character.