[القلم : 33] كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
33 - (كذلك) أي مثل العذاب لهؤلاء (العذاب) لمن خالف أمرنا من كفار مكة وغيرهم (ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون) عذابها ما خالفوا أمرنا ونزل لما قالوا إن بعثنا نعط أفضل منكم
قوله تعالى ذكره " كذلك العذاب " يقول جل ثناؤه : كفعلنا بجنة أصحاب الجنة ، إذ أصحبت كالصريم بالذي أرسلنا عليها من البلاء والآفة المفسدة ، فعلنا بمن خالف أمرنا وكفر برسلنا في عاجل الدنيا " ولعذاب الآخرة أكبر " يعني عقوبة الآخرة بمن عصى ربه وكفر به ، أكبر يوم القيامة من عقوبة الدنيا وعذابها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون " يعني بذلك عذاب الدنيا .
حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قال الله " كذلك العذاب " أي عقوبة الدنيا " ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون "
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " كذلك العذاب " قال : عذاب الدنيا ، هلاك أموالهم : أي عقوبة الدنيا .
وقوله " لو كانوا يعلمون " يقول : لو كان هؤلاء المشركون يعلمون أن عقوبة الله لأهل الشرك به أكبر من عقوبته لهم في الدنيا ، لارتدعوا ، وتابوا وأنابوا ، ولكنهم بذلك جهال لا يعلمون .
قوله تعالى: "كذلك العذاب"أي عذاب الدنيا وهلاك الأموال، وعن ابن زيد.وقيل: إن هذا وعظ لأهل مكة بالرجوع إلى الله لما ابتلاهم بالجدب لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، أي كفعلنا بهم نفعل بمن تعدى حدودنا في الدنيا. "ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون" وقال ابن عباس: هذا مثل لأهل مكة حين خرجوا إلى بدر وحلفوا ليقتلن محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وليرجعن إلى مكة حتى يطوفوا بالبيت ويشربوا الخمر، وتضرب القينات على رؤوسهم، فأخلف الله ظنهم وأسروا وقتلوا وانهزموا كأهل هذه الجنة لما خرجوا عازمين على الصرام فخابوا. ثم قيل: إن الحق الذي منعه أهل الجنة المساكين يحتمل أنه كان واجباً عليهم، ويحتمل أنه كان تطوعاً، والأول أظهر، والله أعلم. وقيل: السورة مكية، فبعد حمل الآية على ما أصاب أهل مكة من القحط، وعلى قتال بدر.
هذا مثل ضربه الله تعالى لكفار قريش فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة وأعطاهم من النعمة الجسيمة, وهو بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إليهم فقابلوه بالتكذيب والرد والمحاربة, ولهذا قال تعالى: "إنا بلوناهم" أي اختبرناهم "كما بلونا أصحاب الجنة" وهي البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكه "إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين" أي حلفوا فيما بينهم ليجذن ثمرها ليلاً لئلا يعلم بهم فقير ولا سائل ليتوفر ثمرها عليهم ولا يتصدقوا منه بشيء "ولا يستثنون" أي فيما حلفوا به, ولهذا حنثهم الله في أيمانهم فقال تعالى: "فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون" أي أصابتها آفة سماوية "فأصبحت كالصريم" قال ابن عباس كالليل الأسود وقال الثوري والسدي مثل الزرع إذا حصد أي هشيماً يبساً. وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن أحمد بن الصباح أنبأنا بشير بن زاذان عن عمر بن صبح عن ليث بن أبي سليم , عن عبد الرحمن بن سابط عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والمعاصي إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقاً قد كان هيىء له" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم" قد حرموا خير جنتهم بذنبهم.
"فتنادوا مصبحين" أي لما كان وقت الصبح نادى بعضهم بعضاً ليذهبوا إلى الجذاذ أي القطع "أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين" أي تريدون الصرام قال مجاهد : كان حرثهم عنباً "فانطلقوا وهم يتخافتون" أي يتناجون فيما بينهم بحيث لا يسمعون أحداً كلامهم. ثم فسر الله سبحانه وتعالى عالم السر والنجوى ما كانوا يتخافتون به فقال تعالى: " فانطلقوا وهم يتخافتون * أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين " أي يقول بعضهم لبعض لا تمكنوا اليوم فقيراً يدخلها عليكم, قال الله تعالى: "وغدوا على حرد" أي قوة وشدة.
وقال مجاهد "وغدوا على حرد" أي جد, وقال عكرمة : على غيظ, وقال الشعبي "على حرد" على المساكين, وقال السدي "على حرد" أي كان اسم قريتهم حرد فأبعد السدي في قوله هذا "قادرين" أي عليها فيما يزعمون ويرومون "فلما رأوها قالوا إنا لضالون" أي فلما وصلوا إليها وأشرفوا عليها وهي على الحالة التي قال الله عز وجل قد استحالت عن تلك النضارة والزهرة وكثرة الثمار إلى أن صارت سوداء مدلهمة لا ينتفع بشيء منها فاعتقدوا أنهم قد أخطأوا الطريق ولهذا قالوا "إنا لضالون" أي قد سلكنا إليها غير الطريق فتهنا عنها قاله ابن عباس وغيره, ثم رجعوا عما كانوا فيه وتيقنوا أنها هي فقالوا "بل نحن محرومون" أي بل هي هذه ولكن نحن لا حظ لنا ولا نصيب.
"قال أوسطهم" قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة ومحمد بن كعب والربيع بن أنس والضحاك وقتادة : أي أعدلهم وخيرهم " ألم أقل لكم لولا تسبحون " قال مجاهد والسدي وابن جريج "لولا تسبحون" أي لولا تستثنون قال السدي : وكان استثناؤهم في ذلك الزمان تسبيحاً وقال ابن جرير : هو قول القائل إن شاء الله, وقيل معناه قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون أي هلا تسبحون الله وتشكرونه على ما أعطاكم وأنعم به عليكم "قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين" أتوا بالطاعة حيث لا تنفع وندموا واعترفوا حيث لا ينجع, ولهذا قالوا "إنا كنا ظالمين * فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون" أي يلوم بعضهم بعضاً على ما كانوا أصروا عليه من منع المساكين من حق الجذاذ, فما كان جواب بعضهم لبعض إلا الاعتراف بالخطيئة والذنب "قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين" أي اعتدينا وبغينا وطغينا وجاوزنا الحد حتى أصابنا ما أصابنا.
"عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها إنا إلى ربنا راغبون" قيل: رغبوا في بذلها لهم في الدنيا وقيل احتسبوا ثوابها في الدار الاخرة والله أعلم. ثم قد ذكر بعض السلف أن هؤلاء قد كانوا من أهل اليمن, قال سعيد بن جبير : كانوا من قرية يقال لها ضروان على ستة أميال من صنعاء. وقيل: كانوا من أهل الحبشة, وكان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنة وكانوا من أهل الكتاب. وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة فكان ما يستغل منها يرد فيها ما تحتاج إليه ويدخر لعياله قوت سنتهم ويتصدق بالفاضل, فلما مات وورثه بنوه قالوا: لقد كان أبونا أحمق إذ كان يصرف من هذه شيئاً للفقراء, ولو أنا منعناهم لتوفر ذلك علينا فلما عزموا على ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم, فأذهب الله ما بأيديهم بالكلية رأس المال والربح والصدقة فلم يبق لهم شيء. قال الله تعالى: "كذلك العذاب" أي هكذا عذاب من خالف أمر الله وبخل بما آتاه الله وأنعم به عليه ومنع حق المسكين والفقير وذوي الحاجات وبدل نعمة الله كفراً " ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون " أي هذه عقوبة الدنيا كما سمعتم وعذاب الاخرة أشق, وقد ورد في حديث رواه الحافظ البيهقي من طريق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الجذاذ بالليل والحصاد بالليل.
33- "كذلك العذاب" أي مثل ذلك العذاب الذي بلوناهم به وبلونا أهل مكة عذاب الدنيا، والعذاب مبتدأ مؤخر، وكذلك خبره "ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون" أي أشد وأعظم لو كان المشركون يعلمون أنه كذلك ولكنهم لا يعلمون.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "كما بلونا أصحاب الجنة" قال: هم ناس من الحبشة كان لأبيهم جنة وكان يطعم منها المساكين، فمات أبوهم فقال بنوه: أن كان أبونا لأحمق كان يطعم المساكين " أقسموا ليصرمنها مصبحين " وأن لا يطعموا مسكيناً. وأخرج ابن جرير "فطاف عليها طائف" قال: أمر من الله وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"إياكم والمعصية، فإن العبد ليذنب الذنب الواحد فينسي به الباب من العلم، وإن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقاً قد كان هيئ له. ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم " فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون * فأصبحت كالصريم " قد حرموا خير جنتهم بذنبهم". وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "كالصريم" قال: مثل الليل الأسود وأخرج ابن المنذر عنه "وهم يتخافتون" قال: الإسرار والكلام الخفي. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً "على حرد قادرين" يقول ذو قدرة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "إنا لضالون" قال: أضللنا مكان جنتنا. وأخرجا عنه أيضاً "قال أوسطهم" قال: أعدلهم.
قال الله تعالى: 33- "كذلك العذاب"، أي: كفعلنا بهم نفعل بمن تعدى حدودنا وخالف أمرنا، "ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون".
33-" كذلك العذاب " مثل ذلك العذاب الذي بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة العذاب في الدنيا . " ولعذاب الآخرة أكبر " أعظم منه ." لو كانوا يعلمون " لاحترزوا عما يؤديهم إلى العذاب .
33. Such was the punishment. And verily the punishment of the Hereafter is greater if they did but know.
33 - Such is the Punishment (in this life): but greater is the Punishment in the Hereafter, if only they knew!