[القلم : 25] وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ
25 - (وغدوا على حرد) منع للفقراء (قادرين) عليه في ظنهم
واختلف أهل التأويل في معنى الحرد في هذا الموضع ، فقال بعضهم : معناه : على قدرة في أنفسهم وجد .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " وغدوا على حرد قادرين " قال : ذوي قدرة .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حجاج عمن حدثه ، عن مجاهد في قوله الله " على حرد قادرين " قال : على جد قادرين في أنفسهم .
قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله " وغدوا على حرد قادرين " قال : على جهد ، أو قال : على جد .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وغدوا على حرد قادرين " غدا القوم وهم محردون إلى جنتهم ، قادرون عليها في أنفسهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " وغدوا على حرد قادرين " قال : على جد من أمرهم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " على حرد قادرين " على جد قادرين في أنفسهم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وغدوا على أمرهم قد أجمعوا عليه بينهم ، واستسروه ، وأسروه في أنفسهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن إبراهيم بن المهاجر ، عن مجاهد " وغدوا على حرد قادرين " قال : كان حرث لأبيهم ، وكانوا إخوة ، فقالوا : لا نطعم مسكيناً منه حتى نعلم ما يخرج منه " وغدوا على حرد قادرين " على أمر قد أسسوه بينهم .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " على حرد " قال : على أمر مجمع .
حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة " وغدوا على حرد قادرين " قال : على أمر مجمع .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وغدوا على فاقة وحاجة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : قال الحسن ، في قوله " وغدوا على حرد قادرين " قال : على فاقة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : على حنق .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان " وغدوا على حرد قادرين " قال : على حنق ، وكأن سفيان ذهب في تأويله هذا إلى مثل قول الأشهب بن رميلة :
أسود شرى لاقت أسود خفية تساقوا على حرد دماء الأساود
يعني : على غضب ، وكان بعض أهل المعوفة بكلام العرب من أهل البصرة يتأول ذلك ، وغدوا على منع ، ويوجهه إلى أنه من قولهم : حاردت السنة إذا لم يكن فيها مطر ، وحاردت الناقة إذا لم يكن لها لبن ، كما قال الشاعر :
فإذا ما حاردت أو بكأت فت عن حاجب أخرى طينها
وهذا قول لا نعلم له قائلاً من متقدمي العلم قاله وإن كان له وجه ، فإذا كان ذلك كذلك وكان غير جائز عندنا أن يتعدى ما أجمعت عليه الحجة ، فما صح من الأقوال في ذلك إلا أحد الأقوال التي ذكرناها عن أهل العلم ، وإذا كان ذلك كذلك ، وكان المعروف من معنى الحرد في كلام العرب القصد من قولهم : قد حرد فلان حرد فلان : إذا قصد قصده ، ومنه قول الراجز :
وجاء سيل كان من أمر الله يحرد حرد الجنة المغله
يعني : يقصد قصدها ، صح أن الذي هو أولى بتأويل الآية قول من قال : معنى قوله " وغدوا على حرد قادرين " وغدوا على أمر قد قصدوه واعتمدوه ، واستسروه بينهم ، قادرين عليه في أنفسهم .
"وغدوا على حرد قادرين" أي على قصد وقدرة في أنفسهم ويظنون أنهم تمكنوا من مرادهم. قال معناه ابن عباس وغيره. والحرد القصد. حرد يحرد بالكسر حرداً قصد. تقول : حرددت حردك، أي قصدت قصدك ومنه قول الراجز:
أقبل سيل جاء من عند الله يحرد حـرد الجنـة المغلـه
أنشده النحاس: قد جاء سيل جاء من أمر الله يحـرد حـرد الجنـة المغلـه
قال المبرد: المغلة ذات الغلة. وقال غيره: المغلة التي يجري الماء في غللها أي في أصولها. ومنه تغللت بالغالية. ومنه تغليت، أبدل من اللام ياء. ومن قال تغلقت فمعناه عنده جعلتها غلافاً. وقال قتادة ومجاهد: على حرد أي على جد. الحسن: على حاجة وفاقة. وقال أبو عبيدة والقتيبي: على حرد على منع، من قولهم حاردت الإبل حراداً أي قلت ألبانها. والحرود من النوق القليلة الدر. وحاردت السنة قل مطرها وخيرها. وقال السدي وسفيان:"على حرد" على غضب. والحرد الغضب. قال أبو نصر أحمد بن حاتم صاحب الأصمعي: وهو مخفف، وأنشد شعراً:
إذا جـياد الخيـل جاءت تـروي مملـوءة مـن غضـب وحـرد
وقال ابن السكيت: وقد يحرك، تقول منه: حرد بالكسر حرداً، فهو حارد وحردان. ومنه قيل:أسد حارد، وليوث حوارد.وقيل: على حرد على انفراد. يقال: حرد يحرد حروداً، أي تنحى عن قومه ونزل منفرداً ولم يخالطهم. وقالأبو زيد: رجل حريد من قوم حرداء. وقد حرد يحرد حروداً، إذا ترك قومه وتحول عنهم. وكوكب حريد، أي معتزل عن الكواكب. وقال الأصمعي: رجل حريد، أي فريد وحيد. قال: والمنحرد المنفرد في لغة هذيل. وأنشد لأبي ذؤيب: كأنه كوكب في الجو منحرد ورواه أبو عمر بالجيم، وفسره: مفرد. قال: وهو سهيل. وقال الأزهري: حرد اسم قريتهم. السدي: اسم جنتهم، وفيه لغتان: حرد وحدر . وقرأ العامة بالإسكان. وقرأ أبو العالية، وابن السميقع بالفتح ، وهما لغتان. ومعنى قادرين قد قدروا أمرهم وبنوا عليه، قال الفراء. وقالقتادة: قادرين على جنتهم عند أنفسهم. وقال الشعبي: قادرين يعني على المساكين. وقيل: معناه من الوجود، أي منعوا وهم واجدون.
هذا مثل ضربه الله تعالى لكفار قريش فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة وأعطاهم من النعمة الجسيمة, وهو بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إليهم فقابلوه بالتكذيب والرد والمحاربة, ولهذا قال تعالى: "إنا بلوناهم" أي اختبرناهم "كما بلونا أصحاب الجنة" وهي البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكه "إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين" أي حلفوا فيما بينهم ليجذن ثمرها ليلاً لئلا يعلم بهم فقير ولا سائل ليتوفر ثمرها عليهم ولا يتصدقوا منه بشيء "ولا يستثنون" أي فيما حلفوا به, ولهذا حنثهم الله في أيمانهم فقال تعالى: "فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون" أي أصابتها آفة سماوية "فأصبحت كالصريم" قال ابن عباس كالليل الأسود وقال الثوري والسدي مثل الزرع إذا حصد أي هشيماً يبساً. وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن أحمد بن الصباح أنبأنا بشير بن زاذان عن عمر بن صبح عن ليث بن أبي سليم , عن عبد الرحمن بن سابط عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والمعاصي إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقاً قد كان هيىء له" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم" قد حرموا خير جنتهم بذنبهم.
"فتنادوا مصبحين" أي لما كان وقت الصبح نادى بعضهم بعضاً ليذهبوا إلى الجذاذ أي القطع "أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين" أي تريدون الصرام قال مجاهد : كان حرثهم عنباً "فانطلقوا وهم يتخافتون" أي يتناجون فيما بينهم بحيث لا يسمعون أحداً كلامهم. ثم فسر الله سبحانه وتعالى عالم السر والنجوى ما كانوا يتخافتون به فقال تعالى: " فانطلقوا وهم يتخافتون * أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين " أي يقول بعضهم لبعض لا تمكنوا اليوم فقيراً يدخلها عليكم, قال الله تعالى: "وغدوا على حرد" أي قوة وشدة.
وقال مجاهد "وغدوا على حرد" أي جد, وقال عكرمة : على غيظ, وقال الشعبي "على حرد" على المساكين, وقال السدي "على حرد" أي كان اسم قريتهم حرد فأبعد السدي في قوله هذا "قادرين" أي عليها فيما يزعمون ويرومون "فلما رأوها قالوا إنا لضالون" أي فلما وصلوا إليها وأشرفوا عليها وهي على الحالة التي قال الله عز وجل قد استحالت عن تلك النضارة والزهرة وكثرة الثمار إلى أن صارت سوداء مدلهمة لا ينتفع بشيء منها فاعتقدوا أنهم قد أخطأوا الطريق ولهذا قالوا "إنا لضالون" أي قد سلكنا إليها غير الطريق فتهنا عنها قاله ابن عباس وغيره, ثم رجعوا عما كانوا فيه وتيقنوا أنها هي فقالوا "بل نحن محرومون" أي بل هي هذه ولكن نحن لا حظ لنا ولا نصيب.
"قال أوسطهم" قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة ومحمد بن كعب والربيع بن أنس والضحاك وقتادة : أي أعدلهم وخيرهم " ألم أقل لكم لولا تسبحون " قال مجاهد والسدي وابن جريج "لولا تسبحون" أي لولا تستثنون قال السدي : وكان استثناؤهم في ذلك الزمان تسبيحاً وقال ابن جرير : هو قول القائل إن شاء الله, وقيل معناه قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون أي هلا تسبحون الله وتشكرونه على ما أعطاكم وأنعم به عليكم "قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين" أتوا بالطاعة حيث لا تنفع وندموا واعترفوا حيث لا ينجع, ولهذا قالوا "إنا كنا ظالمين * فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون" أي يلوم بعضهم بعضاً على ما كانوا أصروا عليه من منع المساكين من حق الجذاذ, فما كان جواب بعضهم لبعض إلا الاعتراف بالخطيئة والذنب "قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين" أي اعتدينا وبغينا وطغينا وجاوزنا الحد حتى أصابنا ما أصابنا.
"عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها إنا إلى ربنا راغبون" قيل: رغبوا في بذلها لهم في الدنيا وقيل احتسبوا ثوابها في الدار الاخرة والله أعلم. ثم قد ذكر بعض السلف أن هؤلاء قد كانوا من أهل اليمن, قال سعيد بن جبير : كانوا من قرية يقال لها ضروان على ستة أميال من صنعاء. وقيل: كانوا من أهل الحبشة, وكان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنة وكانوا من أهل الكتاب. وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة فكان ما يستغل منها يرد فيها ما تحتاج إليه ويدخر لعياله قوت سنتهم ويتصدق بالفاضل, فلما مات وورثه بنوه قالوا: لقد كان أبونا أحمق إذ كان يصرف من هذه شيئاً للفقراء, ولو أنا منعناهم لتوفر ذلك علينا فلما عزموا على ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم, فأذهب الله ما بأيديهم بالكلية رأس المال والربح والصدقة فلم يبق لهم شيء. قال الله تعالى: "كذلك العذاب" أي هكذا عذاب من خالف أمر الله وبخل بما آتاه الله وأنعم به عليه ومنع حق المسكين والفقير وذوي الحاجات وبدل نعمة الله كفراً " ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون " أي هذه عقوبة الدنيا كما سمعتم وعذاب الاخرة أشق, وقد ورد في حديث رواه الحافظ البيهقي من طريق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الجذاذ بالليل والحصاد بالليل.
25- "وغدوا على حرد قادرين" الحرد يكون بمعنى المنع والقصد. قال قتادة ومقاتل والكلبي والحسن ومجاهد: الحرد هنا بمعنى القصد، لأن القاصد إلى الشيء حارد يقال: حرد يحرد إذا قصد، تقول: حردت حردك: أي قصدت قصدك، ومنه قول الراجز:
أقبل سيـل جـاء من عند اللـه يحـرد حرد الجنـة المحلـة
وقال أبو عبيدة والمبرد والقتيبي: على حرد على منع، من قولهم حردت الإبل حرداً: إذا قلت ألبانها، والحرود من النوق هي القليلة اللبن. وقال السدي ويفيان والشعبي "على حرد" على غضب، ومنه قول الشاعر:
إذا جياد الخيل جاءت تردي مملوءة من غضب وحرد
وقول الآخر:
تساقوا على حرد دماء الأساود
ومنه قيل أسد حارد. وروي عن قتادة ومجاهد أيضاً أنهما قالا: على حرد: أي على حسد. وقال الحسن أيضاً: على حاجة وفاقة. وقيل على حرد: على انفراد، يقال حرد يحرد حرداً أو حروداً: إذا تنحى عن قومه ونزل منفرداً عنهم ولم يخالطهم، وبه قال الأصمعي وغيره. وقال الأزهري: حرد اسم قريتهم، وقال السدي: اسم جنتهم. قرأ الجمهور حرد بسكون الراء. وقرأ أبو العالية وابن السميفع بفتحها، وانتصاب "قادرين" على الحال. قال الفراء: ومعنى قادرين: قد قدروا وبنوا عليه، وقال قتادة: قادرين على جنتهم عند أنفسهم. وقال الشعبي: يعني قادرين على المساكين.
25- "وغدوا على حرد"، الحرد في اللغة يكون بمعنى القصد والمنع والغضب، قال الحسن، وقتادة، وأبو العالية: على جد وجهد.
وقال القرظي، ومجاهد، وعكرمة، على أمر مجتمع عليه قد أسسوه بينهم. وهذا على معنى القصد لأن القاصد إلى الشيء جاد مجمع على الأمر.
وقال أبو عبيدة والقتيبي: غدوا ونيتهم على منع المساكين، يقال: حاردت السنة، إذا لم يكن لها مطر، وحاردت الناقة إذا لم يكن لها لبن.
وقال الشعبي وسفيان: على حنق وغضب من المساكين.
وعن ابن عباس قال: على قدرة، "قادرين"، عند أنفسهم على جنتهم وثمارها، لا يحول بينها وبينهم أحد.
25-" وغدوا على حرد قادرين " وغدوا قادرين على نكد لا غير ، من حاردت السنة إذا لم يكن فيها مطر ، وحاردت الإبل إذا منعت درها . والمعنى أنهم عزموا أن يتنكدوا على المساكين فتنكد عليهم بحيث لا يقدرون إلا على النكد ، أو غدوا حاصلين على النكد والحرمان مكان كونهم قادرين على الانتفاع .وقيل الحرد بمعنى الحرد وقد قرئ به أي لم يقدروا إلا على حنق بعضهم لبعض كقوله : " يتلاومون " وقيل الحرد والقصد والسرعة قال :
أقبل سيل جاء من أمر الله يحرد حرد الجنة المغله
أي غدوا قاصدين إلى جنتهم بسرعة قادرين عند أنفسهم على صرامها وقيل علم للجنة .
25. They went betimes, strong in (this) purpose.
25 - And they opened the morning, strong in an (unjust) resolve.