[القلم : 20] فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ
20 - (فأصبحت كالصريم) كالليل الشديد الظلمة أي سوداء
وقوله " فأصبحت كالصريم " اختلف أهل التأويل في الذي عني بالصريم ، فقال بعضهم : عني به الليل الأسود ، وقال بعضهم : معن ذلك : فأصبحت جنتهم محترقة سوداء كسواد الليل المظلم البهيم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سهل بن عسكر ، قال : ثنا عبد الرزاق ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا شيخ لنا عن شيوخ من كلب يقال له سليمان عن ابن عباس ، في قوله " فأصبحت كالصريم " قال : الصريم : الليل ، قال : وقال في ذلك أبو عمرو بن العلاء رحمه الله :
ألا بكرت وعاذلتي تلوم تهجدني وما انكشف الصريم
وقال أيضاً :
تطاول ليلك الجون البهيم فما ينجاب عن صبح صريم
إذا ما قلت أقشع أو تناهى جرت من كل ناحية غيوم
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فأصبحت كأرض تدعى الصريم معروفة بهذا الاسم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : أخبرني نعيم بن عبد الرحمن أنه سمع سعيد بن جبير يقول : هي أرض باليمن يقال لها ضروان من صنعاء على ستة أميال .
قوله تعالى: "فأصبحت كالصريم" أي كالليل المظلم، عن ابن عباس والفراء وغيرهما. قال الشاعر:
تطـاول ليلـك الجـون البهيـم فمـا ينجـاب عـن صبـح بهيـم
أي احترقت فصارت كالليل الأسود. وعن ابن عباس أيضاً: كالرماد الأسود. قال: الصريم الرماد الأسود بلغة خزيمة. الثوري: كالزرع المحصود. فالصريم بمعنى المصروم أي المقطوع ما فيه. وقال الحسن: صرم عنها الخير أي قطع، فالصريم مفعول أيضاً. وقال المؤرج: أي كالرملة انصرمت من معظم الرمل. يقال: صريمة وصرائم، فالرملة لا تنبت شيئاً ينتفع به. وقال الأخفش: أي كالصبح انصرم من الليل. وقال المبرد:أي كالنهار، فلا شئ فيها. قال شمر: الصريم الليل والصريم النهار، أي ينصرم هذا عن ذاك وذاك عن هذا. وقيل: سمي الليل صريماً لأنه يقطع بظلمته عن التصرف، ولهذا يكون فعيل بمعنى فاعل. قال القشيري: وفي هذا نظر، لأن النهار يسمى صريماً ولا يقطع عن تصرف.
هذا مثل ضربه الله تعالى لكفار قريش فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة وأعطاهم من النعمة الجسيمة, وهو بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إليهم فقابلوه بالتكذيب والرد والمحاربة, ولهذا قال تعالى: "إنا بلوناهم" أي اختبرناهم "كما بلونا أصحاب الجنة" وهي البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكه "إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين" أي حلفوا فيما بينهم ليجذن ثمرها ليلاً لئلا يعلم بهم فقير ولا سائل ليتوفر ثمرها عليهم ولا يتصدقوا منه بشيء "ولا يستثنون" أي فيما حلفوا به, ولهذا حنثهم الله في أيمانهم فقال تعالى: "فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون" أي أصابتها آفة سماوية "فأصبحت كالصريم" قال ابن عباس كالليل الأسود وقال الثوري والسدي مثل الزرع إذا حصد أي هشيماً يبساً. وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن أحمد بن الصباح أنبأنا بشير بن زاذان عن عمر بن صبح عن ليث بن أبي سليم , عن عبد الرحمن بن سابط عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والمعاصي إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقاً قد كان هيىء له" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم" قد حرموا خير جنتهم بذنبهم.
"فتنادوا مصبحين" أي لما كان وقت الصبح نادى بعضهم بعضاً ليذهبوا إلى الجذاذ أي القطع "أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين" أي تريدون الصرام قال مجاهد : كان حرثهم عنباً "فانطلقوا وهم يتخافتون" أي يتناجون فيما بينهم بحيث لا يسمعون أحداً كلامهم. ثم فسر الله سبحانه وتعالى عالم السر والنجوى ما كانوا يتخافتون به فقال تعالى: " فانطلقوا وهم يتخافتون * أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين " أي يقول بعضهم لبعض لا تمكنوا اليوم فقيراً يدخلها عليكم, قال الله تعالى: "وغدوا على حرد" أي قوة وشدة.
وقال مجاهد "وغدوا على حرد" أي جد, وقال عكرمة : على غيظ, وقال الشعبي "على حرد" على المساكين, وقال السدي "على حرد" أي كان اسم قريتهم حرد فأبعد السدي في قوله هذا "قادرين" أي عليها فيما يزعمون ويرومون "فلما رأوها قالوا إنا لضالون" أي فلما وصلوا إليها وأشرفوا عليها وهي على الحالة التي قال الله عز وجل قد استحالت عن تلك النضارة والزهرة وكثرة الثمار إلى أن صارت سوداء مدلهمة لا ينتفع بشيء منها فاعتقدوا أنهم قد أخطأوا الطريق ولهذا قالوا "إنا لضالون" أي قد سلكنا إليها غير الطريق فتهنا عنها قاله ابن عباس وغيره, ثم رجعوا عما كانوا فيه وتيقنوا أنها هي فقالوا "بل نحن محرومون" أي بل هي هذه ولكن نحن لا حظ لنا ولا نصيب.
"قال أوسطهم" قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة ومحمد بن كعب والربيع بن أنس والضحاك وقتادة : أي أعدلهم وخيرهم " ألم أقل لكم لولا تسبحون " قال مجاهد والسدي وابن جريج "لولا تسبحون" أي لولا تستثنون قال السدي : وكان استثناؤهم في ذلك الزمان تسبيحاً وقال ابن جرير : هو قول القائل إن شاء الله, وقيل معناه قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون أي هلا تسبحون الله وتشكرونه على ما أعطاكم وأنعم به عليكم "قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين" أتوا بالطاعة حيث لا تنفع وندموا واعترفوا حيث لا ينجع, ولهذا قالوا "إنا كنا ظالمين * فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون" أي يلوم بعضهم بعضاً على ما كانوا أصروا عليه من منع المساكين من حق الجذاذ, فما كان جواب بعضهم لبعض إلا الاعتراف بالخطيئة والذنب "قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين" أي اعتدينا وبغينا وطغينا وجاوزنا الحد حتى أصابنا ما أصابنا.
"عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها إنا إلى ربنا راغبون" قيل: رغبوا في بذلها لهم في الدنيا وقيل احتسبوا ثوابها في الدار الاخرة والله أعلم. ثم قد ذكر بعض السلف أن هؤلاء قد كانوا من أهل اليمن, قال سعيد بن جبير : كانوا من قرية يقال لها ضروان على ستة أميال من صنعاء. وقيل: كانوا من أهل الحبشة, وكان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنة وكانوا من أهل الكتاب. وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة فكان ما يستغل منها يرد فيها ما تحتاج إليه ويدخر لعياله قوت سنتهم ويتصدق بالفاضل, فلما مات وورثه بنوه قالوا: لقد كان أبونا أحمق إذ كان يصرف من هذه شيئاً للفقراء, ولو أنا منعناهم لتوفر ذلك علينا فلما عزموا على ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم, فأذهب الله ما بأيديهم بالكلية رأس المال والربح والصدقة فلم يبق لهم شيء. قال الله تعالى: "كذلك العذاب" أي هكذا عذاب من خالف أمر الله وبخل بما آتاه الله وأنعم به عليه ومنع حق المسكين والفقير وذوي الحاجات وبدل نعمة الله كفراً " ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون " أي هذه عقوبة الدنيا كما سمعتم وعذاب الاخرة أشق, وقد ورد في حديث رواه الحافظ البيهقي من طريق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الجذاذ بالليل والحصاد بالليل.
20- "فأصبحت كالصريم" أي كالشيء الذي صرمت ثماره: أي قطعت، فعيل بمعنى مفعول. وقال الفراء: كالصريم كالليل المظلم، ومنه قول الشاعر:
تطاول ليلك الجون الصريم فما ينجاب عن صبح بهيم
والمعنى: أنها حرقت فصارت كالليل الأسود قال: والصريم الرماد الأسود بلغة خزيمة. وقال الأخفش أي كالصبح انصرم من الليل، يعني أنها يبست وابيضت. وقال المبرد: الصريم الليل، والصريم النهار: أي ينصرم هذا عن هذا، وذاك عن هذا، وقيل سمي الليل صريماً لأنه يقطع بظلمته عن التصرف. وقال المؤرج: الصريم الرملة لأنها لا يثبت عليها شيء ينتفع به. وقال الحسن: صرم منها الخير: أي قطع.
20- "فأصبحت كالصريم"، كالليل المظلم الأسود. قال الحسن: أي صرم منها الخير فليس فيها شيء.
وقال الأخفش: كالصبح الصريم من الليل، وأصل الصريم: المصروم، مثل: قتيل ومقتول، وكل شيء قطع فهو صريم فالليل صريم والصبح صريم، لأن كل واحد منهما ينصرم عن صاحبه.
وقال ابن عباس: كالرماد الأسود بلغة خزيمة.
20-" فأصبحت كالصريم " كالبستان الذي صرم ثماره بحيث لم يبق فيه شيء . فعيل بمعنى مفعول ، أو كالدليل باحتراقها واسودادها ، أو كالنهار بابيضاضها من فرط اليبس سميا بالصريم لأن كلا منهما ينصرم عن صاحبه أو كالرمل .
20. And in the morning it was as if plucked.
20 - So the (garden) became, by the morning, like a dark and desolate spot, (whose fruit had been gathered).