[الطلاق : 3] وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا
3 - (ويرزقه من حيث لا يحتسب) يخطر بباله (ومن يتوكل على الله) في أموره (فهو حسبه) كافيه (إن الله بالغ أمره) مراده وفي قراءة بالإضافة (قد جعل الله لكل شيء) كرخاء وشدة (قدرا) ميقاتا
وقوله " ويرزقه من حيث لا يحتسب " يقول : ويسبب له أسباب الرزق من حيث لا يشعر ، ولا يعلم ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وذكر بعضهم أن هذه الآية نزلت بسبب عوف بن مالك الأشجعي .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن صلت ، عن قيس ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق عن عبد الله ، في قوله " ومن يتق الله يجعل له مخرجا " قال : يعلم أنه من عند الله ، وأن الله هو الذي يعطي ويمنع .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق " ومن يتق الله يجعل له مخرجا " قال : المخرج أن يعلم أن الله تبارك وتعالى لو شاء أعطاه وإن شاء منعه " ويرزقه من حيث لا يحتسب " قال : من حيث لا يدري .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق مثله .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " ومن يتق الله يجعل له مخرجا " يقول : نجاته من كل كرب في الدنيا والآخرة " ويرزقه من حيث لا يحتسب " .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن الربيع بن المنذر ، عن أبيه ، عن الربيع بن خثيم " ومن يتق الله يجعل له مخرجا " قال : من كل شيء ضاق على الناس .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة " ومن يتق الله يجعل له مخرجا " قال : من طلق كما أمره الله يجعل له مخرجاً .
حدثني علي بن عبد الأعلى المحاربي ، قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله " ومن يتق الله يجعل له مخرجا " ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً ، قال : يعني بالمخرج واليسر إذا طلق واحدة ثم سكت عنها ، فإن شاء راجعها بشهادة رجلين عدلين ، فذلك اليسر الذي قال الله ، وإن مضت عدتها ولم يراجعها ، كان خاطباً من الخطاب ، وهذا الذي أمر الله به ، وهكذا طلاق السنة ، فأما من طلق عند كل حيضة فقد أخطأ السنة ، وعصى الرب ، وأخذ بالعسر .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله " ومن يتق الله يجعل له مخرجا " قال : يطلق للسنة ، ويراجع للسنة ، زعم أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له عوف الأشجعي ، وكان له ابن ، وأن المشركين أسروه ، فكان فيهم ، فكان أبوه يأتي ، فيشكو إليه مكان ابنه ، وحالته التي هو بها وحاجته ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره بالصبر ويقول له : إن الله سيجعل له مخرجاً ، فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيراً إذ انفلت ابنه من أيدي العدو ، فمر بغنم من أغنام العدو فاستاقها ، فجاء بها إلى أبيه ، وجاء معه بغنى قد أصابه من الغنم ، فنزلت هذه الآية " ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب "
"حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عمار بن أبي معاوية الدهني ، عن سالم بن أبي الجعد " ومن يتق الله يجعل له مخرجا " قال : نزلت في رجل من أشجع جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مجهود ، فسأله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : اتق الله واصبر ، قال : قد فعلت ، فأتى قومه فقالوا : ماذا قال لك ؟ قال : قال اتق الله واصبر ، فقلت قد فعلت ، حتى قال ذلك ثلاثاً ، فرجع فإذا هو بابنه كان أسيراً في بني فلان من العرب ، فجاء معه بأعنز ، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال إن ابني كان أسيراً في بني فلان ، وإنه جاء بأعنز ، فطابت لنا ؟ قال : نعم" .
قال :" ثنا حكام ، قال : ثنا عمرو ، عن عمار الدهني ، عن سالم بن أبي الجعد في قوله " ومن يتق الله يجعل له مخرجا " قال : نزلت في رجل من أشجع أصابه الجهد ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : اتق الله واصبر ، فرجع فوجد ابناً له كان أسيراً ، قد فكه الله من أيديهم ، وأصاب أعنزاً ، فجاء ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هل تطيب لي يا رسول الله ؟ قال : نعم ".
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن المنذر الثوري ، عن أبيه ، عن الربيع بن خثيم " يجعل له مخرجا " قال : من كل شيء ضاق على الناس .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق " يجعل له مخرجا " قال : يعلم أن الله إن شاء منعه ، وإن شاء أعطاه " ويرزقه من حيث لا يحتسب " يقول : من حيث لا يدري .
قال : ثنا مهران ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة " يجعل له مخرجا " قال : من شبهات الأمور ، والكرب عند الموت ، " ويرزقه من حيث لا يحتسب " : من حيث لا يرجو ولا يؤمل .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " ويرزقه من حيث لا يحتسب " لا يأمل ولا يرجو .
وقوله " ومن يتوكل على الله فهو حسبه " يقول تعالى ذكره : ومن يتق الله في أموره ، ويفوضها إليه فهو كافيه .
وقوله " إن الله بالغ أمره " منقطع عن قوله " ومن يتوكل على الله فهو حسبه " ومعنى ذلك : إن الله بالغ أمره بكل حال توكل عليه العبد أو لم يتوكل عليه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى " ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره " توكل عليه أو لم يتوكل عليه ، غير أن المتوكل يكفر عنه سيئاته ، ويعظم له أجراً .
حدثنا أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق بنحوه .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن صلت عن قيس ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله " ومن يتوكل على الله فهو حسبه " قال : ليس بمتوكل الذي قد قضيت حاجته وجعل فضل من توكل عليه على من لم يتوكل أن يكفر عنه سيئاته ، ويعظم له أجراً .
قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن الشعبي ، قال : تجالس شتير بن شكل و مسروق ، فقال شتير : إما أن تحدث ما سمعت من ابن مسعود فأصدقك ، وإما أن أحدث فتصدقني ، قال مسروق : لا بل حدث فأصدقك ، فقال : سمعت ابن مسعود يقول : إن أكبر آية في القرآن تفوضاً " ومن يتوكل على الله فهو حسبه " قال مسروق : صدقت .
وقوله " قد جعل الله لكل شيء قدرا " يقول تعالى ذكره : قد جعل الله لكل شيء من الطلاق والعدة وغير ذلك حداً وأجلاً وقدراً ينتهى إليه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق " قد جعل الله لكل شيء قدرا " قال : أجلاً .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق " قد جعل الله لكل شيء قدرا " قال : منتهى .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق مثله .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله " قد جعل الله لكل شيء قدرا " قال : الحيض في الأجل والعدة .
" ويرزقه " الثواب " من حيث لا يحتسب " أي يبارك له فيما آتاه. وقال سهل بن عبد الله : " ومن يتق الله " في اتباع السنة " يجعل له مخرجا " من عقوبة أهل البدع، ويرزقه الجنة من حيث لا يحتسب. وقيل: " ومن يتق الله " في الرزق بقطع العلائق يجعل له مخرجاً بالكفاية. وقال عمر بن عثمان الصدفي: " ومن يتق الله " فيقف عند حدوده ويتجنب معاصيه يخرجه من الحرام إلى الحلال، ومن الضيق إلى السعة، ومن النار إلى الجنة. "ويرزقه من حيث لا يحتسب " من حيث لا يرجو. وقال ابن عيينة: هو البركة في الزرق. وقال أبو السعيد الخدري: ومن يبرأ من حوله وقوته بالرجوع إلى الله يجعل له مخرجاً مما كلفه بالمعونة له. وتأول ابن مسعود ومسورق الآية على العموم. وقال أبو ذر: قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني لأعلم آية لو أخذ بها الناس لكفتهم - تلا " - " ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب". فما زال يكررها ويعيدها. وقال ابن عباس: "قرأ النبي صلى الله عليه وسلم " ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب" قال: مخرجاً من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدائد يوم القيامة ". وقال أكثر المفسرين فيما ذكر الثعلبي: إنها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي. روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: جاء عوف بن مالك الأشجعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن ابني أسره العدو وجزعت الأم. وعن جابر بن عبد الله: نزلت في عوف بن مالك الأشجعي أسر المشركون ابناء له يسمى سالماً، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه الفاقة وقال: إن العدو أسر ابني وجزعت الأم، فما تأمرني ؟ فقال عليه السلام: " اتق الله واصبر وآمرك وإياها أن تستكثرا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله " فعاد إلى بيته وقال لامرأته: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني وإياك أن تستكثر من قول لا حول ولا وقوة إلا بالله. فقالت: نعم ما أمرنا به. فجعلا يقولان، فغفل العدو عن ابنه، فساق غنمهم وجاء بها إلى أبيه، وهي أربعة آلاف شاه. فنزلت الآية، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم تلك الأغنام له. في رواية : أنه جاء وقد أصاب إبلاً من العدو وكان فقيراً.
قال الكلبي: أصاب خمسين بعيرا. وفي رواية: فأفلت ابنه من الأسر وركب ناقة للقوم، ومر في طريقه بسرح لهم فاستاقه. وقال مقاتل: أصاب غنماً ومتاعاً فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: أيحل لي أن آكل مما أتي به ابني ؟ قال: نعم . ونزلت: " ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ". فروى الحسن عن عمران بن الحصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤونة ورزقه من حيث لا يحتسب. ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها ". وقال الزجاج: أي إذا اتقى وآثر الحلال والتصبر على أهله، فتح الله عليه إن كان ذا ضيقة ورزقه من حيث لا يحتسب.
وعن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب ".
قوله تعالى: " ومن يتوكل على الله فهو حسبه " أي من فوض إليه أمره كفاه ما أهمه . وقيل: أي من اتقى الله وجانب المعاصي وتوكل عليه، فله فيما يعطيه في الآخرة من ثوابه كفاية. ولم يرد الدنيا، لأن المتوكل قد يصاب في الدنيا وقد يقتل. " إن الله بالغ أمره" قال مسروق: أي قاض أمره فيمن توكل عليه و فيمن لم يتوكل عليه، إلا أن من توكل عليه فيكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً . وقراءة العامة بالغ منونا. أمره نصباً. وقرأ عاصم بالغ أمره بالإضافة وحذف التنوين استخفافاً. وقرأ المفضل بالغاً أمره على أن قوله:
" قد جعل الله " خبر إن وبالغاً حال. وقرأ داود بن أبي هند بالغ أمره بالتنوين ورفع الراء. قال الفراء: أي بالغ أمره ما أراد. "قد جعل الله لكل شيء قدرا " أي لكل شئ من الشدة والرخاء أجلاً ينتهي إليه. وقيل تقديراً. وقال السدي: هو قدر الحيض في الأجل والعدة. وقال عبد الله بن رافع: لما نزل قوله تعالى: " ومن يتوكل على الله فهو حسبه " قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فنحن إذا توكلنا عليه نرسل ما كان لنا ولا نحفظه، فنزلت: " إن الله بالغ أمره " فيكم وعليكم. وقال الربيع بن خيثم: إن الله تعالى قضى على نفسه أن من توكل عليه كفاه، ومن آمن به هداه، ومن أقرضه جازاه، ومن وثق به نجاه، ومن دعاه أجاب له. وتصديق ذلك في كتاب الله: " ومن يؤمن بالله يهد قلبه " . "ومن يتوكل على الله فهو حسبه " . " إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم" . التغابن : 17 " ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم " آل عمران: 101 . " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " البقرة: 186 .
يقول تعالى: فإذا بلغت المعتدات أجلهن أي شارفن على انقضاء العدة وقاربن ذلك, ولكن لم تفرغ العدة بالكلية, فحينئذ إما أن يعزم الزوج على إمساكها وهو رجعتها إلى عصمة نكاحه والاستمرار بها على ما كانت عليه عنده "بمعروف" أي محسناً إليها في صحبتها, وإما أن يعزم على مفارقتها بمعروف أي من غير مقابحة ولا مشاتمة ولا تعنيف بل يطلقها على وجه جميل وسبيل حسن.
وقوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" أي على الرجعة إذا عزمتم عليها, كما رواه أبو داود وابن ماجه عن عمران بن حصين أنه سئل عن الرجل يطلق المرأة ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها, فقال: طلقت لغير سنة ورجعت لغير سنة وأشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد, وقال ابن جريج كان عطاء يقول: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" قال لا يجوز في نكاح ولا طلاق ولا رجاع إلا شاهدا عدل, كما قال الله عز وجل إلا أن يكون من عذر. وقوله تعالى: " ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر " أي هذا الذي أمرناكم به من الإشهاد وإقامة الشهادة إنما يأتمر به من يؤمن بالله واليوم الاخر, وأنه شرع هذا ومن يخاف عقاب الله في الدار الاخرة, ومن ههنا ذهب الشافعي في أحد قوليه إلى وجوب الإشهاد في الرجعة كما يجب عنده في ابتداء النكاح, وقد قال بهذا طائفة من العلماء ومن قال بهذا يقول: إن الرجعة لا تصح إلا بالقول ليقع الإشهاد عليها.
وقوله تعالى: " ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب " أي ومن يتق الله فيما أمره به وترك ما نهاه عنه يجعل له من أمره مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب أي من جهة لا تخطر بباله. قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد أنبأنا كهمس بن الحسن, حدثنا أبو السليل عن أبي ذر قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو علي هذه الاية " ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب " حتى فرغ من الاية ثم قال: "يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بها كفتهم" وقال فجعل يتلوها ويرددها علي حتى نعست, ثم قال: "يا أبا ذر كيف تصنع إذا خرجت من المدينة ؟" قلت إلى السعة والدعة أنطلق فأكون حمامة من حمام مكة قال: "كيف تصنع إذا أخرجت من مكة ؟" قلت إلى السعة والدعة إلى الشام والأرض المقدسة, قال "وكيف تصنع إذا أخرجت من الشام ؟" قلت: إذاً والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي, قال: "أو خير من ذلك" قلت: أو خير من ذلك ؟ قال: "تسمع وتطيع وإن كان عبداً حبشياً".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي, حدثنا يعلى بن عبيد, حدثنا زكريا عن عامر عن شتير بن شكل قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: إن أجمع آية في القرآن "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" وإن أكبر آية في القرآن فرجاً: "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً" وفي المسند. حدثني مهدي بن جعفر, حدثنا الوليد بن مسلم عن الحكم بن مصعب عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس, عن أبيه عن جده عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب". وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً" يقول: ينجيه من كل كرب في الدنيا والاخرة "ويرزقه من حيث لا يحتسب" وقال الربيع بن خيثم "يجعل له مخرجاً" أي من كل شيء ضاق على الناس, وقال عكرمة من طلق كما أمره الله يجعل له مخرجاً, وكذا روي عن ابن عباس والضحاك, وقال ابن مسعود ومسروق "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً" يعلم أن الله إن شاء أعطى وإن شاء منع "من حيث لا يحتسب" أي من حيث لا يدري. وقال قتادة: "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً" أي من شبهات الأمور والكرب عند الموت "ويرزقه من حيث لا يحتسب" من حيث يرجو ولا يأمل.
وقال السدي: "ومن يتق الله" يطلق للسنة, ويراجع للسنة, وزعم أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له عوف بن مالك الأشجعي كان له ابن, وأن المشركين أسروه فكان فيهم, وكان أبوه يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشكو إليه مكان ابنه وحاله التي هو بها وحاجته, فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره بالصبر ويقول له: "إن الله سيجعل لك فرجاً" فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيراً أن انفلت ابنه من أيدي العدو, فمر بغنم من أغنام العدو فاستاقها فجاء بها إلى أبيه وجاء معه بغنى قد أصابه من المغنم, فنزلت فيه هذه الاية " ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب " رواه ابن جرير: وروي أيضاً من طريق سالم بن أبي الجعد مرسلاً نحوه. وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا سفيان, عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر" ورواه النسائي وابن ماجه من حديث سفيان وهو الثوري به.
وقال محمد بن إسحاق: جاء مالك الأشجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أسر ابني عوف فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسل إليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أن تكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله" وكانوا قد شدوه بالقد فسقط القد عنه, فخرج فإذا هو بناقة لهم فركبها وأقبل, فإذا بسرح القوم الذين كانوا قد شدوه فصاح بهم, فاتبع أولها آخرها فلم يفجأ أبويه إلا وهو ينادي بالباب فقال أبوه: عوف ورب الكعبة, فقالت: أمه: واسوأتاه! وعوف كيف يقدم لما هو فيه من القد, فاستبقا الباب والخادم فإذا عوف قد ملأ الفناء إبلاً, فقص على أبيه أمره وأمر الإبل فقال أبوه: قفا حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله عنها, فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بخبر عوف وخبر الإبل, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصنع بها ما أحببت وما كنت صانعاً بمالك" ونزل: " ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب " رواه ابن أبي حاتم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق, حدثنا إبراهيم بن الأشعث, حدثنا الفضيل بن عياض عن هشام بن الحسن عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤنة ورزقه من حيث لا يحتسب ومن انقطع إلى الدنيا وكله إليها". وقوله تعالى: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" قال الإمام أحمد: حدثنا يونس, حدثنا ليث, حدثنا قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني, عن عبد الله بن عباس أنه حدثه أنه ركب خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا غلام إني معلمك كلمات: احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك, وإذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك, ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف" وقد رواه الترمذي من حديث الليث بن سعد وابن لهيعة به وقال: حسن صحيح.
وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا بشير بن سلمان عن سيار أبي الحكم عن طارق بن شهاب عن عبد الله هو ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نزل به حاجة فأنزلها بالناس كان قمناً ألا تسهل حاجته, ومن أنزلها بالله تعالى أتاه الله برزق عاجل أو بموت آجل" ثم رواه عن عبد الرزاق عن سفيان عن بشير عن سيار أبي حمزة ثم قال وهو الصواب, وسيار أبو الحكم لم يحدث عن طارق وقوله تعالى: "إن الله بالغ أمره" أي منفذ قضاياه وأحكامه في خلقه بما يريده ويشاؤه "قد جعل الله لكل شيء قدراً" كقوله تعالى: "وكل شيء عنده بمقدار".
3- "ويرزقه من حيث لا يحتسب" أي من وجه لا يخطر بباله ولا يكون في حسابه. قال الشعبي والضحاك: هذا في الطلاق خاصة: أي من طلق كما أمره الله يكن له مخرج في الرجعة في العدة وأنه يكون كأحد الخطاب بعد العدة. وقال الكلبي: ومن يتق الله بالصبر عند المصيبة يجعل له مخرجاً من النار إلى الجنة. وقال الحسن: مخرجاً مما نهى الله عنه. وقال أبو العالية: مخرجاً من كل شيء ضاق على الناس. وقال الحسين بن الفضل: ومن يتق الله في أداء الفرائض يجعل له مخرجاً من العقوبة ويرزقه الثواب من حيث لا يحتسب: أي يبارك له فيما أتاه. وقال سهل بن عبد الله: ومن يتق الله في اتباع السنة يجعل له مخرجاً من عقوبة أهل البدع ويرزقه الجنة من حيث لا يحتسب، وقيل غير ذلك. وظاهر الآية العموم، ولا وجه للتخصيص بنوع خاص ويدخل ما فيه السياق دخولاً أولياً "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" أي ومن وثق بالله فيما نابه كفاه ما أهمه "إن الله بالغ أمره" قرأ الجمهور " بالغ أمره " بتنوين بالغ ونصب أمره، وقرأ حفص بالإضافة، وقرأ ابن أبي عبلة وداود بن أبي هند وأبو عمرو في رواية عنه بتنوين بالغ ورفع أمره على أنه فاعل بالغ، أو على أن أمره مبتدأ مؤخر وبالغ خير مقدم. قال الفراء في توجيه هذه القراءة: أي أمره بالغ، والمعنى على القراءة الأولى والثانية: أن الله سبحانه بالغ ما يريده من الأمر لا يفوته شيء ولا يعجزه مطلوب، وعلى القراءة الثانية: أن الله نافذ أمره لا يرده شيء. وقرأ المفضل بالغاً بالنصب على الحال ويكون خبر إن قوله: "قد جعل الله لكل شيء قدراً" أي تقديراً وتوقيتاً أو مقداراً. فقد جعل سبحانه للشدة أجلاً تنتهي إليه، وللرخاء أجلاً ينتهي إليه. وقال السدي: هو قدر الحيض والعدة.
3- "ويرزقه من حيث لا يحتسب"، ما ساق من الغنم.
وقال مقاتل: أصاب غنماً ومتاعاً ثم رجع إلى أبيه، فانطلق أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر، وسأله: أيحل له أن يأكل ما أتى به ابنه؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، وأنزل الله هذه الآية.
قال ابن مسعود: "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً" هو أن يعلم أنه من قبل الله وأن الله رازقه.
وقال الربيع بن خثيم: "يجعل له مخرجاً" من كل شيء ضاق على الناس.
وقال أبو العالية: "مخرجاً" من كل شدة.
وقال الحسن: "مخرجاً" عما نهاه عنه. "ومن يتوكل على الله فهو حسبه"، يتق الله فيما نابه كفاه ما أهمه.
وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو أنكم تتوكلون على الله حق تولكه لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح باطناً".
"إن الله بالغ أمره"، قرأ طلحة بن مصرف، وحفص عن عاصم: "بالغ أمره" بالإضافة، وقرأ الآخرون بالغ بالتنوين "أمره" بالنصب، أي منفذ أمره، ممض في خلقه قضاءه. "قد جعل الله لكل شيء قدراً"، أي جعل لكل شيء من الشدة والرخاء أجلاً ينتهي إليه.
قال مسروق: في هذه الآية "إن الله بالغ أمره"، توكل عليه أو لم يتوكل، غير أن المتوكل عليه يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً.
3-" ويرزقه من حيث لا يحتسب " جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق بالوعد على الاتقاء عما نهى عنه صريحاً أو ضمناً من الطلاق في الحيض ، والإضرار بالمعتدة وإخراجها من المسكن ، وتعدي حدود الله وكتمان الشهادة وتوقع جعل على إقامتها بأن يجعل الله له مخرجاً مما في شأن الأزواج من المضايق والغموم ، ويرزقه فرجاً وخلفاً من وجه لم يخطر بباله ، أو بالوعد لعامة المتقين بالخلاص عن مضار الدارين والفوز بخيرهما من حيث لا يحتسبون . أو كلام به للاستطراد عند ذكر المؤمنين . وعنه صلى الله عليه وسلم " إني لأعلم آية لو أخد الناس بها لكفتهم . " ومن يتق الله " فما زال يقرؤها ويعيدها " . وروي أن سالم بن عوف بن مالك الأشجعي أسره العدو ، فشكا أبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له " اتق الله وأكثر قول : لا حول ولا قوة إلا بالله . ففعل فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل غفل عنها العدو فاستاقها " و في رواية " رجع ومعه غنيمات ومتاع " . " ومن يتوكل على الله فهو حسبه " كافية . " إن الله بالغ أمره " يبلغ ما يريده ولا يفوته مراد ، وقرأ حفص الإضافة ، وقرئ " بالغ أمره " أي نافذ و بالغا على أنه حال والخبر : " قد جعل الله لكل شيء قدراً " تقديراً أو مقدراً ، أو أجلاً لا يتأتى تغييره ، وهو بيان لوجوب التوكل وتقرير لما تقدم من تأقيت الطلاق بزمان العدة والأمر بإحصائها ، وتمهيد لما سيأتي من مقاديرها .
3. And will provide for him from (a quarter) whence he hath no expectation. And whosoever putteth his trust in Allah, He will suffice him. Lo! Allah bringeth His command to pass. Allah hath set a measure for all things.
3 - And He provides for him from (sources) he never could imagine. And if any one puts his trust in God, sufficient is (God) for him. For God will surely accomplish His purpose: verily, for all things has God appointed a due proportion.