[المنافقون : 1] إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ
1 - (إذا جاءك المنافقون قالوا) بألسنتهم على خلاف ما في قلوبهم (نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد) يعلم (إن المنافقين لكاذبون) فيما أضمروه مخالفا لما قالوه
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم " إذا جاءك المنافقون " يا محمد " قالوا " بألسنتهم " نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله " قال المنافقون ذلك أو لم يقولوه " والله يشهد إن المنافقين لكاذبون " يقول : والله يشهد إن المنافقون لكاذبون في إخبارهم عن أنفسهم أنها تشهد إنك لرسول الله ، وذلك أنها لا تعتقد ذلك ولا تؤمن به ، فهم كاذبون في خبرهم عنها بذلك .
وكان بعض أهل العربية يقول في قوله " والله يشهد إن المنافقين لكاذبون " إنما كذب ضميرهم لأنهم أضمروا النفاق ، فكما لم يقبل إيمانهم ،وقد أضهروه ، فكذلك جعلهم كاذبين ، لأنهم أضمروا غير ما أظهروا .
سورة المنافقون مدينة في قول الجميع، وهي إحدى عشر آية.
بسم الله الرحمن الرحيم.
" إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله" روى البخاري عن زيد بن أرقم قال:
كنت مع عمي فسمعت عبد الله بن أبي أبن سلوم يقول " لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ". وقال "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل " فذكرت ذلك لعمي فذكر عمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي وأصحابه فخلقوا ما قالوا، فصدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني. فأصابني هم لم يصبني مثله، فجلست في بيتي فأنزل الله غز وجل: " إذا جاءك المنافقون " - إلى قوله - " هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله" - إلى قوله - " ليخرجن الأعز منها الأذل " فأرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "إن الله قد صدقك خرجه" الترمذي قال: هذا حديث حسن صحيح. وفي الترمذي عن زيد بن أرقم قال:
غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معنا أناس من الأعراب فكنا نبدر الماء، وكان الأعراب يسبقونا إليه فيسبق الأعرابي أصحابه فيملأ الحوض ويجعل حوله حجارة، ويجعل النطع عليه حتى تجئ أصحابه. قال: فأتى رجل من الأنصار أعرابياً فأرخى زمام ناقته لتشرب فأبى أن يدعه، فانتزع حجراً فغاض الماء، فرفع الأعرابي خشبة فضرب بها رأس الأنصاري فشجه، فأتى عبد الله بن أبي رأس المنافقين فأخبره - وكان من أصحابه، فغضب عبد الله بن أبي ثم قال: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله - يعنى الأعراب - وكانوا يحضرون رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام، فقال عبد الله: إذا انفضوا من عند محمد فأتوا محمداً بالطعام، فليأكل هو ومن عنده. ثم قال لأصحابه: لئن رجعتهم إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. قال زيد: وأنا ردف عمي فسمعت عبد الله بن أبي فأخبرت عمي، فانطلق فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلف وجحد. قال: فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني. قال: فجاء عمي إلي فقال: ما أردت إلى أن مقتك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبك والمنافقون. قال: فوقع علي من جرأتهم ما لم يقع على أحد. قال: فبينما أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سفر قد خفقت برأسي من الهم إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرك أذني وضحك في وجهي، فما كان يسرني أن لي بها الخلد في الدنيا. ثم إن أبا بكر لحقني فقال: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت: ما قال شيئاً إلا أنه عرك أذني وضحك في وجهي، فقال أبشر ! ثم لحقني عمر فقلت له مثل قولي لأبي بكر.
فلما أصبحنا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المنافقين. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وسئل حذيفة بن اليمان عن المنافق فقال: الذي يصف الإسلام ولا يعمل به.
وهو اليوم شر منهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم كانوا يكتمونه وهم اليوم يظهرونه.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان " وعن عبد الله بن عمرو :
أن النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم قال: " أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر ". أخبر عليه السلام أن من جمع هذه الخصال كان منافقاً، وخبره صدق. وروي عن الحسن أنه ذكر له هذا الحديث فقال: إن بني يعقوب حدثوا فكذبوا ووعدوا فأخلفوا وأتمنوا فخانوا. إنما هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الإنذار للمسلمين، والتحذير لهم أن يعتادوا هذه الخصال، شفقاً أن تقضي بهم إلى النفاق.
وليس المعنى: أن من بدرت منه هذه الخصال من غير اختيار واعتياد أنه منافق. وقد مضى في سورة براءة القول في هذا مستوفى والحمد لله.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المؤمن إذا حدث صدق وإذ وعد أنجز وإذا ائتمن وفى ". والمعنى: المؤمن الكامل إذا حدث صدق. والله أعلم.
قوله تعالى: " قالوا نشهد إنك لرسول الله " قيل: معنى نشهد نحلف. فعبر عن الحلف بالشهادة، لأن كل واحد من الحلف والشهادة إثبات لأمر مغيب، ومنه قول قيس بن ذريح:
وأشهـد عنـد الله أنـي أحبهـا فهـذا لهـا عنـدي فمـا عنـدهـا ليـاً
ويحتمل أن يكون ذلك محمولاً على ظاهره أنهم يشهدون أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتارافاً بالأيمان ونفياً للنفاق عن أنفسهم، وهو الأشبه. " والله يعلم إنك لرسوله " كما قالوه بألسنتهم. " والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ". أي فيما أظهروا من شهاتهم وحلفهم بألسنتهم. وقال الفراء: " والله يشهد إن المنافقين لكاذبون " بضمائرهم. فالتكذيب راجع إلى الضمائر. وهذا يدل على أن الإيمان تصديق القلب. وعلى أن الكلام الحقيقي كلام القلب. ومن قال شيئاً واعتقد خلافه فهو كاذب. وقد مضى هذا المعنى في أول البقرة مستوفى. وقيل: أكذبهم الله في أيمانهم وهو قوله " يحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ".

تفسير سورة المنافقون
بسم الله الرحمـن الرحيم
يقول تعالى مخبراً عن المنافقين أنهم إنما يتفوهون بالإسلام إذا جاءوا النبي صلى الله عليه وسلم, فأما في باطن الأمر فليسوا كذلك بل على الضد من ذلك, ولهذا قال تعالى: "إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله" أي إذا حضروا عندك واجهوك بذلك, وأظهروا لك ذلك, وليس كما يقولون, ولهذا اعترض بجملة مخبرة أنه رسول الله فقال: "والله يعلم إنك لرسوله" ثم قال تعالى: "والله يشهد إن المنافقين لكاذبون" أي فيما أخبروا به وإن كان مطابقاً للخارج لأنهم لم يكونوا يعتقدون صحة ما يقولون ولا صدقه, ولهذا كذبهم بالنسبة إلى اعتقادهم.
وقوله تعالى: "اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله" أي اتقوا الناس بالأيمان الكاذبة والحلفان الاثمة ليصدقوا فيما يقولون, فاغتر بهم من لا يعرف جلية أمرهم, فاعتقدوا أنهم مسلمون, فربما اقتدى بهم فيما يفعلون وصدقهم فيما يقولون, وهم من شأنهم أنهم كانوا في الباطن لا يألون الإسلام وأهله خبالاً, فحصل بهذا القدر ضرر كبير على كثير من الناس, ولهذا قال تعالى: "فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون" ولهذا كان الضحاك بن مزاحم يقرؤها " اتخذوا أيمانهم جنة " أي تصديقهم الظاهر جنة أي تقية يتقون به القتل, والجمهور يقرؤها "أيمانهم" جمع يمين, وقوله تعالى: "ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون" أي إنما قدر عليهم النفاق لرجوعهم عن الإيمان إلى الكفران, واستبدالهم الضلالة بالهدى, فطبع الله على قلوبهم فهم لايفقهون. أي فلا يصل إلى قلوبهم هدى ولا يخلص إليها خير فلا تعي ولا تهتدي.
وقوله تعالى: "وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم" أي وكانوا أشكالاً حسنة وذوي فصاحة وألسنة, وإذا سمعهم السامع يصغي إلى قولهم لبلاغتهم, وهم مع ذلك في غاية الضعف والخور والهلع والجزع والجبن, ولهذا قال تعالى: " يحسبون كل صيحة عليهم " أي كلما وقع أمر أو كائنة أو خوف يعتقدون لجبنهم أنه نازل بهم كما قال تعالى: "أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيراً" فهم جهامات وصور بلا معاني, ولهذا قال تعالى: "هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون" أي كيف يصرفون عن الهدى إلى الضلال, وقد قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد, حدثنا عبد الملك بن قدامة الجمحي عن إسحاق بن بكير بن أبي الفرات عن سعيد بن أبي سعيد المقبري, عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن للمنافقين علامات يعرفون بها: تحيتهم لعنة وطعامهم نهبة وغنيمتهم غلول ولا يقربون المساجد إلا هجراً, ولا يأتون الصلاة إلا دبراً, مستكبرين لا يألفون ولا يؤلفون, خشب بالليل صخب بالنهار" وقال يزيد بن مرة: سخب بالنهار.
هي إحدى عشرة آية
وهي مدنية. قال القرطبي: في قول الجميع. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة المنافقين بالمدينة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج سعيد بن منصور والطبراني في الأوسط، قال السيوطي بسند حسن عن أبي هريرة قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة فيحرض بها على المؤمنين، وفي الثانية بسورة المنافقين فيقرع بها المنافقين". وأخرج البزار والطبراني عن أبي عنية الخولاني مرفوعاً نحوه.
قوله: 1- "إذا جاءك المنافقون" أي إذا وصلوا إليك وحضروا مجلسك، وجواب الشرط قالوا، وقيل محذوف، وقالوا حال، والتقدير: جاءوك قائلين كيت وكيت فلا [تقبل] منهم.
1- "إذا جاءك المنافقون"، يعني عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه، "قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون"، لأنهم أضمروا خلاف ما أظهروا.
1-" إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله " الشهادة إخبار عن علم من الشهود وهو الحضور والاطلاع ،ولذلك صدق المشهور به وكذبهم في الشهادة بقوله : " والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون " لأنهم لم يعتقدوا ذلك .
Surah 63. Al-Munafiqun
1. When the hypocrites come unto thee (O Muhammad), they say: We bear witness that thou art indeed Allah's messenger. And Allah knoweth that thou art indeed His messenger, and Allah beareth witness that the Hypocrites are speaking falsely.
SURA 63: MUNAFIQUN
1 - When the Hypocrites come to thee, they say, We bear witness that thou art indeed the Apostle of God. Yea, God knoweth that thou art indeed His Apostle, and God beareth witness that the Hypocrites are indeed liars.