[الجمعة : 9] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
9 - (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من) بمعنى في (يوم الجمعة فاسعوا) فامضوا (إلى ذكر الله) للصلاة (وذروا البيع) اتركوا عقده (ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) أنه خير فافعلوه
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من عباده : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة " وذلك هو النداء ، ينادي بالدعاء إلى صلاة الجمعة عند قعود الإمام على المنبر للخطبة ، ومعنى الكلام : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة " فاسعوا إلى ذكر الله " يقول : فامضوا إلى ذكر الله ، واعملوا له ، وأصل السعي في هذا الموضع العمل ، وقد ذكرنا الشواهد على ذلك فيما مضى قبل .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : ثنا إسماعيل بن عياش ، عن شرحبيل بن مسلم الخولاني ، في قول الله " فاسعوا إلى ذكر الله " قال : فاسعوا في العمل ، وليس السعي في المشي .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله " والسعي يا ابن آدم أن تسعى بقلبك وعملك ، وهو المضي إليها .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، قال : أخبرني مغيرة ، عن إبراهيم إنه قيل لعمر رضي الله عنه : إن أبيا يقرؤها " فاسعوا " قال : أما إنه أقرؤنا وأعلمنا بالمنسوخ وإنما هي فامضوا .
حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري ، قال : أخبرنا سفيان ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، قال : ما سمعت عمر يقرؤها قط إلا فامضوا .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، قال : ثنا حنظلة ، عن سالم بن عبد الله ، قال : كان عمر رضي الله عنه يقرؤها ( فامضوا إلى ذكر الله ) .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن حنظلة ، عن سالم بن عبد الله ، أن عمر بن الخطاب قرأها : فامضوا .
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال ثنا حنظلة بن أبي سفيان الجمحي ، أنه سمع سالم بن عبد الله يحدث عن أبيه ، أنه سمع عمر بن الخطاب يقرأ ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله ) .
قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر ، أن عبد الله قال : لقد توفي الله عمر رضي الله عنه ، وما يقرأ هذه الآية التي ذكر الله فيها الجمعة : " يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة " إلا ( فامضوا إلى ذكر الله ) .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : كان عبد الله يقرؤها ( فامضوا إلى ذكر الله ) ، ويقول : لو قرأتها فاسعوا ، لسعيت حتى يسقط ردائي .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن سلمان ، عن إبراهيم ، قال : قال عبد الله ، لو كان السعي لسعيت حتى يسقط ردائي ، قال : ولكنها ( فامضوا إلى ذكر الله ) قال : هكذا كان يقرؤها .
حدثني علي بن الحسين الأزدي ، قال : ثنا يحيى بن يمان الأزدي ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع عن أبي العالية أنه كان يقرؤها ( فامضوا إلى ذكر الله ) .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، قال : ثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، أنه قرأها ( فامضوا إلى ذكر الله ) .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : هي للأحرار .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن منصور عن رجل ، عن مسروق ، قال : عند الوقت .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن رجل ، عن مسروق " إذا نودي للصلاة " قال : عند الوقت .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ، قال : هو عند العزمة عند الخطبة ، عند الذكر .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة " قال : النداء عند الذكر عزيمة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة " قال : العزمة عند الذكر عند الخطبة .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان عن المغيرة و الأعمش ، عن إبراهيم ، عن ابن مسعود ، قال لو قرأتها " فاسعوا " لسعيت حتى يسقط ردائي ، وكان يقرؤها ( فامضوا إلى ذكر الله ) .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن الشعبي عن ابن مسعود ، قال : قرأها ( فامضوا ) .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي حيان ، عن عكرمة " فاسعوا إلى ذكر الله " قال : السعي : العمل .
حدثني يونس ، ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، وسألته عن قول الله " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله " قال : إذا سمعتم الداعي الأول ، فأجيبوا إلى ذلك وأسرعوا ولا تبطئوا ، قال : ولم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم أذان إلا أذانان أذان حين يجلس على المنبر ، وأذان حين تقام الصلاة ، قال : وهذا الآخر شيء أحدثه الناس بعد ، قال : ولا يحل له البيع إذا سمع النداء الذي يكون بين يدي الإمام إذا قعد على المنبر ، وقرأ " فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع " قال : ولم يأمرهم يذرون شيئاً غيره ، حرم البيع ثم أذن لهم فيه إذا فرغوا من الصلاة ، قال : والسعي أن يسرع إليها ، أن يقبل إليها .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : إن في حرف ابن مسعود ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله ) .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " فاسعوا إلى ذكر الله " السعي : هو العمل ، قال الله " إن سعيكم لشتى " [ الليل : 4 ] .
وقوله : " وذروا البيع " يقول : ودعوا البيع والشراء إذا نودي للصلاة عند الخطبة .
وكان الضحاك يقول في ذلك ما :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن جويبر ، عن الضحاك " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة " قال : إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء .
حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل السدي ، عن أبي مالك ، قال : كان قوم يجلسون في بقيع الزبير ، فيشترون ويبيعون إذا نودي للصلاة يوم الجمعة ، ولا يقومون ، فنزلت " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة " .
وأما الذكر الذي أمر الله تبارك وتعالى بالسعي إليه عباده المؤمنين ، فإنه موعظة الإمام في خطبته فيما قيل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة " قال : العزمة عند الذكر عند الخطبة .
حدثنا عبد الله بن محمد الحنفي ، قال : ثنا عبدان ، قال : أخبرنا عبد الله ، قال : أخبرنا منصور رجل من أهل الكوفة ، عن موسى بن أبي كثير ، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله " قال : فهي موعظة الإمام فإذا قضيت الصلاة بعد .
قوله " ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون " يقول : سعيكم إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة إذا ذكر الله ، وترك البيع خير لكم من البيع والشراء في ذلك الوقت ، إن كنتم تعلمون مصالح أنفسكم ومضارها .
واختلفت القراء في قراءة قوله " من يوم الجمعة " فقرأت ذلك عامة قراء الأمصار " الجمعة " بضم الميم والجيم ، خلا الأعمش ، فإنه قرأها بتخفيف الميم .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قراءة الأمصار لإجماع الحجة من القراء عليه .
فيه ثلاث عشر مسألة :
الأولى -: "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة " قرأ عبد الله بن الزبير والأعمش وغيرهما الجمعة بإسكان الميم علىالتخفيف .وهما لغتان . وجمعهما جمع وجمعات .قال الفراء : يقال الجمعة ( بسكون الميم ) والجمعة (بضم الميم) والجمعة (بفتح الميم ) فكون صفة اليوم ، أي تجمع الناس .كما يقال : ضحكة للذي يضحك . وقال ابن عباس : نزل القرآن بالتثقيل والتفخيم فاقرؤوها جمعة - يعني بضم الميم - وقال الفراء وأبو عبيد: والتخفيف أفيس وأحسن ،نحو غرفة وغرف ،وطرفة وطرف ،وحجرة وحجر .وفتح الميم لغة بني عقيل .وقيل :إنها لغة النبي صلى الله عليه وسلم . و"عن سلمان : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:إنما سميت حمعة لأن الله جمع فيها خلق آدم . "وقيل : لأن الله تعالى فرغ فيها خلق كل شيء فاجتمعت فيها المخلوقات ز وقيل : لتجتمع الجماعات فيها .وقيل: لا جتماع الناس فيها للصلاة . ومن بمعنى -في - ، أي في يوم ، كقوله تعالى : "أروني ماذا خلقوا من الأرض " [فاطر : 40] أي في الأرض .
الثانية -: قال أبو سلمة : أول ن قالم : أما بعد كعب بن لؤي ،كان أول من سمي الجمعة جمعة .وكان يقال ليوم الجمعة العروبة .وقيل أول من سماها جمعة الانصار .قال ابن سيرين : جمع أهل المدينة من قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ،وقبل أن تنزل الجمعة ،وهم الذين سموها الجمعة ، وذلك أنهم قالوا: إن لليهود يوما يجتمعون فيه ، في كل سبعة أيام يوم وهو السبت .وللنصارى يوم مثل ذلك وهو الأحد فتعالوا فلنجتمع حتى نجعل يوما لنا نذكر الله ونصلي فيه ونستذكر - أو كما قالوا - فقالوا : يوم السبت لليهود ،ويوم الأحد لليصارى ، فاجعلوه يوم العروبة .فاجتمعوا إلى أسعد بن زرة ( أبو أمامة رضي الله عنه ) فصلى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم ، فسموه يوم الجمعة حين اجتمعوا .فذبح لهم أسعد شاة فتعشوا وتغدوا منها لقلتهم. فهذه أول جمعة في الإسلام .
قلت : وروي أنهم كانوا اثني عشر رجلا على ما يأتي . وجاء في هذه الرواية : أن الذي جمع بهم وصلى أسعد بن زرارة ، وكذا في حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه كعب على ما يأتي . وقال البهيقي : وروينا عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري أن مصعب بن عمير كان أول من جمع الجمعة بالمدينة للمسلن قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم .قال البيهقي : يحتمل أن يكون مصعب جمع بهم بمعونة أسعد بن زرارة فأضافة كعب إليه . والله أعلم .
وأما أول جمعة جمعها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابة ،فقال أهل السير والتواريخ : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا حتى نزل بقباء ، على بني عمرو بن عوف يوم الأثنين لأثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حين اشتد الضحى . ومن تلك السنة يعد التاريخ . فأقام بقباء إلى يوم الخميس وأسس مسجدهم . ثم خرج يوم الجمعة إلى المدينة ،فأدركه الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتخذ القوم في ذلك الموضع الموضع مسجدا ، فجمع بهم وخطب . وهي أول خطبة خطبها بالمدينة ، وقال فيها : "الحمد لله . أحمده وأستعينه ، وأستغفرة وأستهديه ، وأومن به ولا أكفره ، وأعادي من يكفر به . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ، والنور والموعظة والحكمة علىفترة من الرسل وقلة من العلم ، وضلالة من الناس، واقطاع من الزمان ودنو من الساعة ،وقرب من الأجل . من يطع الله ورسوله فقد رشد . ومن يعص الله ورسوله فقد غوى وفرط وضل ضلالا بعيدا . أوصيكم بتقوى الله ،فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة ، وأن يأمره بتقوى الله . واحذروا ما حذركم الله نفسه ،فإن تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة . ومن يصلح الذي بينه وبين ربه من أمره في السر والعلانية ،لا نوي به إلا وجه الله يكن له ذكرا في عاجل أمره ،وذخرا فيما بعد الموت ، حين يفتقر المرء إلى ما قدم . وما كان ممما سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيدا . " ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد " [ آل عمران : 30 ] . هو الذي صدق قوله ، وأنجز وعده لا خلف لذل ،فإنه يقول تعالى : " ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد "فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية ،فإنه " من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا " .ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما .وإن تقوى الله توقي مقته وتوقي عقوبته وتوقي سخطه . وإن تقوى الله تبيض الوجوه ، وترضي الرب ، وترفع الدرجة . مخذوا بحظكم ولا تفرطوا في جنب الله ، فقد علمكم كتابه ، ونهج لكم سبيله ، ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين . فأحسنوا كما أحسن الله إليكم ، وعادوا أعداءه ،وجاهدوا في الله حق جهاده ، هو اجتباكم وسماكم المسلمين . ليهلك من هلك عن بينه ، ويحيا من حي عن بينه .ولا حول ولا قوله إلا بالله .فأكثروا ذكر الله تعالى، واعملوا لما بعد الموت ، فإنه من يصح ما بينه وبين الله يكفه الله الله ما بينه وبين الناس .ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه ويملك من الناس ولا يملكون منه . الله أكبر ،ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم "
وأول جمعة جمعت بعدها جمعة بقرية يقال لها : جواثي من قرى البحرين . وقيل : إن أول من سماها الجمعة كعب بن لؤي بن غالب لاجتماه قريش فيه إلى كعب ، كما تقدم . والله .
الثالثة-: خاطب الله المؤمنين بالجمعة دون الكافرن تشريفا لهم وتكريما فقال : " يا أيها الذين آمنوا "ثم خصه بالنداء ،وإن كان قد دخل في عموم قوله تعالى: " وإذا ناديتم إلى الصلاة " ليدل على وجوبة وتأكيد فرضه . وقال تعض العلماء : كون الصلاة الجمعة ها هنا معلوم بالإجماع لا من نفس اللفظ . قال ابن العربي : وعندي أنه معلوم من نفس اللفظ بنكتة وهي قوله : " من يوم الجمعة " وذلك يفيده ، لأن النداء الذي يختص بذلك اليوم هو نداء تلك الصلاة . فأما غيرها فهو عام في سائر الأيام .ولو لم يكن المراد به نداء الجمعة لما كان لتخصيصه بها وإضافته إلياها معنى ولا فائدة .
الرابعة -: فقد تقدم حكم الأذان في سورةالمائدة مستوفي . وقد كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في سائر الصلوات ، يؤذن واحد إذا جلس النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر . وكذلك كان يفعل أبو بكر وعمر وعلي بالكوفة . ثم زاد عثمان على المنبر أذانا ثالثا على داره التي تسمى الزوراء حين كثر الناس بالمدينة فإذا سمعوا أقبلوا ، حتى إذا جلس عثمان على المنبر أذن مؤذن النبي صلى الله علي وسلم ، ثم يخطب عثمان . خرجه ابن ماجه في سننه من حديث محمد بن إسحق عن الزهري عن السائب بن زيد قال :
" ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مؤذن واحد ، إذا خرج أذن وإذا نزل أقام .وأبو بكر وعمر كذلك . فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على دار في السوق يقال لها الزوراء ، فإذا خرج أذن وإذا نزل أقام . " خرجه البخاري من طرق بمعناه . وفي بعضهما : أن الأذان الثالث يوم الجمعة أمر به عثمان بن عفان حين كثر أهل المسجد ، ومان البأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام . وقالالمارودي :فأما الأذان الأول فمحدث ، فعليه عثمان بن عفان ليتأهب الناس لحضور الخطبة عند اتساع المدينة وكثرة أهلها . وقد كان عمر رضي الله عنه أمر أن يوذن في السوق قبل المسجد ليقوم الناس عن بيوعهم ، فإذا اجتمعوا أذن في المسجد ،فجعله عثمان رضي الله عنه أذانين في المسجد . قاله ابن العربي . وفي الحديث الصحيح : أن الأذان كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا ، فلما كان زمن عثمان زاد الأذان الثالث على الزوراء وسماه في الحديث ثالثا لأنلأنه أضافه إلى الإقامة . كما قال عليه الصلاة والسلام :
" بين كل أذانين صلاة لمن شاء " يعني الأذان والإقامة ويتوهم الناس أنه أصلي فجعلوا المؤذنين ثلاثة فكان وهما ، ثم جمعواهم في وقت واحد فكان وهما على وهم .ورأيتهم يؤذون بمدينة السلام بعد أذان المنار بين يدي الإمام تحت المنبر في جماعة ، كما كانوا يفعلون عندنا في الدول الماضية . وكل ذلك محدث .
الخامسة -: قوله تعالى " فاسعوا إلى ذكر الله "اختلفت في معنى السعي ها هنا على ثلاث أقوال : أولها - القصد . قال الحسن : والله ما هو بسعي على الأقدام ولكنه سعي بالقلوب والنية . الثاني - أنه العمل ، كقوله تعالى: " ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن " [الإسراء : 19 ] ،وقوله : "إن سعيكم لشتى " [الليل : 4] ،وقوله : " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " [النجم: 39] .وهذا قول الجمهور .وقال زهير :
سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم
وقال أيضا :
سعى ساعيا غيظ بين مرة بعدما تبزل ما بين العشيرة بالدم
أي فاعملوا على المضي إلى ذكر الله ، واشتغلوا بأسبابه من الغسل والتطهير والتوجه إليه . الثالث- أن المراد به السعي على الأقدام . وذلك فضل وليس بشرط .ففي البخاري : أن أبا عيسى بن جبر - واسمه عبد الرحمن وكان من كبار الصحابة - مشى إلى الجمعة راجلا وقال :"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله علىالنار " . ويحتمل ظاهره رابعا- وهو الجري والاشتداد .قال ابن العربي : وهو الذي أنكره الصحابة الأعلمون والفقهاء الأقدمون . وقرأها عمر قامضوا إلى ذكر الله فرارا عن طريق الجري والارشاد الذي يدل على الظاهر . وقرأ ابن مسعود كذلك وقال : لو قرأت فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي . وقرأ ابن شهاب : فامضوا إلى ذكر الله سالكا تلك السبيل . وهوكله تفسير منهم، لا قراءة قرآن منزل . وجائز قراءة القرآن بالتفسير في مفرض التفسير . قال أبو بكر الأنباري : وقد احتج من خالف الصحف بقراءة عمر وابن مسعود ، وان خرشة بن الحر قال رآني عمر رضي الله عنه ومعي قطعة فيها " فاسعوا إلى ذكر الله " فقال لي عمر : من أقرأك هذا ؟ قلت أبي . فقال : إن أبيا أقرؤنا للمنسوخ . ثم قرأ عمر فامضوا إلى ذكر الله . حدثنا إدريس قال حدهنا خلف قال أخبرنا هشيم عن المغيرة عن إبراهيم عن خرشة فذكرة . وحدثنا محمد بن يحيى أخبرنا محمد وهو ابن قط إلا فامضوا إلى ذكر الله .وأخبرنا إدريس قال حدثنا خلف قال حدثنا هشيم عن المغيرة عن إبراهيم " أن عبد الله بن مسعود قرأ فامضوا إلى ذكر الله وقال : لو كانت فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي قال أبو بكر فاحتج عليه بأن الأمة اجمعت على فاسعوا برواية ذلك عن الله رب العالمين ورسوله صلى الله عليه وسلم . فأما عبد الله بن مسعود فما صح عنه فامضوا لأن السند غير متصل ، إذا إبراهيم النخعي لم يسمع عن عبد الله بن مسعود شيئا ، وإنما ورد فامضوا عن عمر رضي الله عنه . فإذا انفرد أحد بما يخالف الآية والجماعة كان ذلك نسيانا منه . والعرب مجمعة على أن السعي يأتي بمعنى المضي ، غير أنه لا يخلو من الجد والانكماش . قال زهير :
‌‌ سعى ساعيا غيظ بن مرة بعدما تبزل ما بين العشيرة بالدم
أراد بالسعي المضي بجد وانكماش ، ولم يقصد للعدو والإسراع في الخطو .وقال الفراء وأبو عبيدة : معنى المسعي في الآية المضي .واحتج الفراء بقولهم : هو يسعى في البلاد يطلب فضل الله ، معناه هو يمضي بجد واجتهاد . واحتج أبو عبيدة بقول الشاعر :
أسعى علىجل بني مالك كل أمرئ في شأنه ساعي
فهل يحتمل السعي في هذه البيت إلا مذهب المضي بالانكماش ،محال أن يخفي هذا المعنى على ابن مسعود علىفصاحته وإتقان عربيته .
قلت : ومما يدل على أنه ليس المراد ها هنا العدو:
"قوله عليه الصلاة والسلام : إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ولكن ائتوها وعليكم السكينة " . قال الحسن : أما والله ما هو بالسعي علىالأقدام ، ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار ، ولكن بالقلوب والنية والخشوع . وقال قتادة : السعي أن تسعى بقلبك وعملك . وهذا حسن ، فإنه جمع الأقوال الثلاثة ز وقد جاء في الاغتسال للجمعة والتطيب والتزين باللباس أحايث مذكورة في كتب الحديث .
السادسة -: قوله تعالى : "يا أيها الذين آمنوا " خطاب للمكلفين بإجماع . ويخرج منه المرضي والزمني والمسافرون والعبيد والنساء بالدليل ، والعميان والشيخ الذي لا يمشي إلا بقائد عند أبي حنيفة . روى أبو الزبير عن جابر :
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخرى فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا مرض أو مسافر أو امرأة أو صبي أو مملوك فمن استغنى بلهو أوتجارة استغنى الله عنه والله غني حميد خرجه الدارقطي وقالم علماؤنا رحمهم لله : ولايتخلف أحد عن الجمعة ممن عليه إتيانها إلا بعذر لا يمكنه منهم الإتيان إليها ، مثل المرض الحابس ،أو خوف الزيادة في المرض ،أو خوف جور السلطان عليه في مال أو بدن دون القضاء عليه بحق . والمطر الوابل مع الوحل عذر إن لم ينقطع . ولم يره مالك عذرا له ، حكاه المهدوي ولو تخلف عنها متخلف على ولي حميم له قد حضرته الوفاة ،ولم يكن عنده من يقوم بأمره راجا أن يكون في سعة .وقد فعل ذلك ابن عمر . ومن تخلف عنها لغير عذر فصلى قبل ألإمام أعاد ،ولا يعزية أن يصلى قبله . وهو في تخلفه عنها مع إمكان لذلك عاص لله بفعله .
السابعة -: قوله تعالى : " إذا نودي للصلاة " يختص بوجوب الجمعة على القرب الذي يسمع النداء ، فأما البعيد الدار الذي لا يسمع النداء فلا يدخل تحت الخطاب واختلف فيمن يأتي الجمعة من الداني والقاصي ،فقال ابن عمر وأبوهرية وأنس : تجب الجمعة على من في المصر علىستة أميال . وقال ربيعة :أربعة أميال .وقال مالك والليث :ثلاث أميال . وقال الشافعي : اعتبار سماع الأذان أن يكون المؤذن صيتا ، والاصوات هادئة ،والريح ساكنة وموقف المؤذن عند سورة البلد . وفي الصحيح عن عائشة :
" أن الناس كانوا ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي فيأتون في الغبار ويصيبهم الغبار فتخرج منهم الريح ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو اغتسلتم لومكم هذا ! " قال علماؤنا : والصوت إذا كان منيعا والناس في هدوئ وسكون فأقصى سماع الصوت ثلاث اميال . والعوالي من المدينة أربها علىثلاثة أميال . وقال أحمد بن حنبل وإسحاق : تجب الجمعة على من سمع النداء .وروي الدارقطي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"إنما الجمعة على من سمع النداء " وقال أبو حنيفة وأصحابه : تحب علىمن في المصر ،سمع النداء أولم يسمعه ولاتجب علىمن هو خارج المصر وإن سمع النداء .حتى سئل :وهل تجب الجمعة علىأهل زبارة - بينها وبين الكوفة مجرى نهر -؟ فقال لا . وروي عن ربيعة أيضا : أنها تجب علىمن إذا سمع النداء وخرج من بيته ماشيا أدرك الصلاة . وقد روي عن الزهري : انها تجب عليه إذا سمع الأذان .
الثامنة -:قوله تعالى : "إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله "دليل على أن الجمعة لاتجب إلا بالنداء ،والنداء لايكون إلا بدخول الوقت ،بدليل : "قوله عليه الصلاة والسلام : إذا حضرت الصلاة فأذنا ثم أقيما وليؤمكما أكبركما " قاله لمالك بن الحويرث وصاحبه .وفي البخاري "عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى الجمعة حين تميل الشمس . " وقد روي عن أبي الصديق وأحمد بن حنبل أنها تصلى قبل الزوال . وتمسك أحمد في ذلك بحديث سلمة بن الأكوع : كنا يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم ننصرف وليس للحيطان ضل . وبحديث سلمة محمول على التبكير . رواه هشام بن عبد الملك عن يعلى بن الحارث عن إياس بن الأكوع عن أبيه ." وروى وكيع عن يعلى عن إياس عن أبيه قال كنا نجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمي ثم ترجع نتتبع الفيء . " وهذا مذهب الجمهور من الخلف والسلف وقياسا على صلاة الظهر . وحديث ابن عمر وسهل ،دليل على أنهم كانو يبكرون إلى الجمعة تبكيرا كثيرا عند الغداة أو قبلها ، فلا يتناولون ذلك إلا بعد إنقضاء الصلاة . وقد رأى مالك أن التبكير بالجمعة إنما يكون قرب الزوال بيسير .وتأول :
" قول النبي صلى الله عليه وسلم من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ..... " الحديث بكامله . أنه كان في ساعة واحدة . وحمله سائر العلماء على ساعات النهار الزمانية الاثنى عشرة ساعة المستوية أو المختلفة بحسب زيادة النهار ونقصانه . ابن العربي : وهو أصح، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما : ما كانوا يقيلون ولا يتغدون إلا بعد الجمعة لكثرة البكور إليها .
التاسعة -: فرض الله تعالى الجمعة على كل مسلم ،ردا على من يقول : إنها فرض علىالكفاية ، ونقل عن بض الشافعية .ونقل عن مالك من لم يحقق : أنهاسنة . وجمهور الأمة والأئمة أنها فرض على الاعيان ، لقول الله تعالى : " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع " .وثبت : "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : فلينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين " . هذا حجة واضحة في وجوب الجمعة وفرضيتها . وفي سنن ابن ماجه عن أبي الجعد الضمري - وكانت له صحبة - قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاونا بها طبع الله على قلبه ." إسناده صحيح .وحديث جابر بن عبد الله قال : "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ترك الجمعة ثلاثا من غير ضرورة طبع الله علىقلبه ". ابن العربي :وثبت : "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :الرواح إلى الجمعة واجب على كل مسلم "
العاشرة -: أوجب الله السعي إلى الجمعة مطلقا من غير شرط . وثبت شرط الوضوء بالقرآن والسنة في جميع الصلوات ،لقوله عز وجل :"إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم "[المائدة : 6 ] الآية .
"وقال النبي صلى الله عليه وسلم :لا يقبل الله صلاة بغير طهور " وأغربت طائفة فقالت : إن غسل الجمعة فرض. ابن العربي : وهذا باطل ، لما روى النسائي وأبو داود في سننهما :
" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت . ومن اغتسل فالغسل أفضل . "وفي صيحيح مسلم عن أبي هريرة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من توضأ يوم الجمعة فأحسن الوصوء ثم راح إلى الجمعة فاستمع وأنصت غفر الله له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام . ومن مس الحصى فقد لغا" وهذا نص .وفي الموطأ : "أن رجلا دخل يوم الجمعة وعمر بن الخطاب يخطب ...- الحديث إلى أن قال : - ما زدت علىأن توضأت ، فقال عمر : والوضوء أيضا ؟ وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل . فأمر عمر بالغسل ولم يأمره بالرجوع " ، فدل على أنه محمول على الاستحباب . فلم يمكن وقد تلبس بالفرض - وهو الحضور والإنصات للخطبة - أن يرجع عنه إلىالسنة ،وذلك بمحضر فحول الصحابة وكبار المهاجرين حوالي عمر ، وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم .
الحادية عشرة -: لاتسقط الجمعة لكونها في يوم عيد ، خلافا لأحمد بن حنبل فإنه قاك : إذا اجتمع عيد وجمعة سقط فرض الجمعة ، لتقدم العيد عليها واشتغال الناس به عنها . وتعلق في ذلك بما روي أن عثمان أذن في يوم عيد لأهل العوالي أن يتخلفوا عن الجمعة . وقول الواحد من الصحابة ليس بحجة إذا خولف فيه ولم يجمع معه عليه . والأمر بالسعي متوجه يوم العيد كتوجه في سائر الأيام . وفي صحيح مسلم عن النعمان بن بشير قال :
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة :بـ"سبح اسم ربك الأعلى " و"هل أتاك حديث الغاشية " قال : وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضا في الصلاتين ".أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة .
الثانية عشرة-: قوله تعالى: " إلى ذكر الله " أي الصلاة . وقيل :الخطبة والمواعظ ، قاله سعيد بن جبير . ابن العربي : والصحيح أنه واجب في الجميع ،وأوله الخطبة . وبه قال علمائنا، إلا عبد الملك بن الماجوشون فإنه رآها سنة . والدليل على وجوبها أنها تحرم البيع ولولا وجوبها ما حرمته ، لأ المستحب لا يحرم المباح .وإذا قلنا : إن المراد بالذكر الصلاة قالخطبة من الصلاة . والعبد يكون ذاكرا لله بفعله كما يكون مسبحا لله بفعله . الزمخشري : فإن قلت : كيف يفسر ذكر الله باخطبة وفيها غير ذلك ! قلت : ماكان من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم والثناء عليه وعلىخلفائه الرشدين وأتقياء المؤمنين والموعظة والتذكير فهو في حكم ذكر الله ،فأما ما عدا ذلك من ذكر الظلمة وألقابهم والثناء عليهم والدعاء لهم ، وهم أحقاء بكعس ذلك ، فهو من ذكر الشيطان ،وهو من ذكر الله على مراحل .
الثالثة عشرة -: قوله تعالى :" وذروا البيع " من ع الله عز وجل منه عند صلاة الجمعة ،وحرمه في وقتها على من كان مخاطبا بفرضها . والبيع لا يخلو عن شراء فاكتفى بذكر أحدهما ،كقوله تعالى : "سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم "[النحل : 81 ] . وخص البيع لأنه أكثر ما يشتغل به أصحاب الأسواق .ومن لا يجب عليه حضور الجمعة فلا ينهي عن البيع والشراء .
وفي وقت التحريم قولان : إنه من بعد الزوالك إلى الفراغ منها قاله الضحاك و الحسن وعطاء .الثاني - من وقت أذان الخطبة إلى وقت الصلاة قاله الشافعي .ومذهب مالك أن يترك البيع إذا نودي للصلاة ،ويفسخ عنده ما وقع من ذلك من البيع في ذلك الوقت . ولايفسخ العتق والنكاح والطلاق وغيره ، إذ ليس من عادة الناس الاشتغال به كاشتغالهم بالبيع . قالوا : وكذلك الشركة والبهيمة والصدقة نادر لا يفسخ . ابن العربي : والصحيح فسخ الجميع ،لأن البيع إنما منع للاشتغال به فكل أمر يشغل عن المجمعة من العقود كلها فهو حرام شراعا مفسوخ ردعا . المهدوي: ورأى بعض العلماء البيع في الوقت المذكور جائزا، وتأول النهي عنه ندبا ، واتدلى بقوله تعالى: "ذلكم خير لكم " .
قلت : - وهذا مذهب الشافعي : فإن البيع ينعقد عنه ولا يفسخ . وقال الزمخشري :في تفسيره : إن عامة العلماء علىأن ذلك لايؤدي فساد البيع . قالوا: لأن البيع لم يحرم لعينه ، ولكن لما فيه من الذهول عن الواجب ، فهو كالصلاة في الأرض المغصوبة والثوب المغصوب ،والوضوء بماء مغصوب . وعن بعض الناس أنه فاسد .
قلت : والصحيح فساده وفسخه :
لقوله عليه الصلاة والسلام :"كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " . أي مردود .والله أعلم .
إنما سميت الجمعة جمعة لأنها مشتقة من الجمع, فإن أهل الإسلام يجتمعون فيه في كل أسبوع مرة بالمعابد الكبار, وفيه كمل جميع الخلائق فإنه اليوم السادس من الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض, وفيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة, وفيه أخرج منها وفيه تقوم الساعة, وفيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه, كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحاح. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة, حدثنا عبيدة بن حميد عن منصور عن أبي معشر عن إبراهيم عن علقمة عن قرتع الضبي, حدثنا سلمان قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "يا سلمان ما يوم الجمعة ؟" قلت: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم الجمعة يوم جمع الله فيه أبواكم ـ أو أبوكم ـ" وقد روي عن أبي هريرة من كلامه نحو هذا فالله أعلم.
وقد كان يقال له في اللغة القديمة يوم العروبة, وثبت أن الأمم قبلنا أمروا به فضلوا عنه, واختار اليهود يوم السبت الذي لم يقع فيه خلق آدم, واختار النصارى يوم الأحد الذي ابتدىء فيه الخلق, واختار الله لهذه الأمة يوم الجمعة الذي أكمل الله فيه الخليقة كما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن الاخرون السابقون يوم القيامة, بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا, ثم إن هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له, فالناس لنا فيه تبع, اليهود غداً والنصارى بعد غد" لفظ البخاري وفي لفظ لمسلم "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا, فكان لليهود يوم السبت, وكان للنصارى يوم الأحد, فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة, فجعل الجمعة والسبت والأحد, وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة نحن الاخرون من أهل الدنيا, والأولون يوم القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق".
وقد أمر الله المؤمنين بالاجتماع لعبادته يوم الجمعة فقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله" أي اقصدوا واعمدوا واهتموا في سيركم إليها, وليس المراد بالسعي ههنا المشي السريع وإنما هو الاهتمام بها كقوله تعالى: " ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن " وكان عمر بن الخطاب وابن مسعود رضي الله عنهما يقرآنها " فاسعوا إلى ذكر الله " فأما المشي السريع إلى الصلاة فقد نهي عنه لما أخرجاه في الصحيحين, عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا, فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" لفظ البخاري وعن أبي قتادة قال: بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال, فلما صلى قال: "ما شأنكم ؟" قالوا: استعجلنا إلى الصلاة قال "فلا تفعلوا, إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا"أخرجاه. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ولكن ائتوها تمشون, وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا". رواه الترمذي من حديث عبد الرزاق كذلك, وأخرجه من طريق يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة بمثله, قال الحسن: أما والله ما هو بالسعي على الأقدام ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنية والخشوع. وقال قتادة في قوله: "فاسعوا إلى ذكر الله" يعني أن تسعى بقلبك وعملك وهو المشي إليها, وكان يتأول قوله تعالى: "فلما بلغ معه السعي" أي المشي معه, وروي عن محمد بن كعب وزيد بن أسلم وغيرهما نحو ذلك.
ويستحب لمن جاء إلى الجمعة أن يغتسل قبل مجيئه إليها, لما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل" ولهما عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم" وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حق الله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام, يغسل رأسه وجسده" رواه مسلم, وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على كل رجل مسلم في كل سبعة أيام غسل يوم وهو يوم الجمعة" رواه أحمد والنسائي وابن حبان.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم, حدثنا ابن المبارك عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن أبي الأشعث الصنعاني, عن أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ومشى ولم يركب, ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ, كان له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها" وهذا الحديث له طرق وألفاظ, وقد أخرجه أهل السنن الأربعة وحسنه الترمذي, وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة, ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة, ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن, ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة, ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة, فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر" أخرجاه.
ويستحب له أن يلبس أحسن ثيابه ويتنظف ويتسوك وينتظف ويتطهر. وفي حديث أبي سعيد المتقدم "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم والسواك وأن يمس من طيب أهله" وقال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب, حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق, حدثني محمد بن إبراهيم التيمي عن عمران بن أبي يحيى, عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبي أيوب الأنصاري: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب أهله إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد فيركع إن بداله ولم يؤذ أحداً, ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى" وفي سنن أبي داود وابن ماجه عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه, أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: "ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته" وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم الجمعة, فرأى عليهم ثياب النمار فقال: "ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته" رواه ابن ماجه.
وقوله تعالى: "إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة" المراد بهذا النداء هو النداء الثاني الذي كان يفعل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج فجلس على المنبر, فإنه كان حينئذ يؤذن بين يديه فهذا هو المراد, فأما النداء الأول الذي زاده أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه, فإنما كان هذا لكثرة الناس كما رواه البخاري رحمه الله حيث قال: حدثنا آدم هو ابن أبي إياس, حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن السائب بن يزيد قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر, فلما كان عثمان بعد زمن وكثر الناس, زاد النداء الثاني على الزوراء يعني يؤذن به على الدار التي تسمى بالزوراء, وكانت أرفع دار بالمدينة بقرب المسجد. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أبو نعيم, حدثنا إبراهيم, حدثنا محمد بن راشد المكحولي عن مكحول أن النداء كان في الجمعة مؤذن واحد, حين يخرج الإمام ثم تقام الصلاة وذلك النداء الذي يحرم عنده الشراء والبيع إذا نودي به, فأمر عثمان رضي الله عنه أن ينادي قبل خروج الإمام حتى يجتمع الناس. وإنما يؤمر بحضور الجمعة الرجال الأحرار دون العبيد والنساء والصبيان, ويعذر المسافر والمريض وقيم المريض وما أشبه ذلك من الأعذار, كما هو مقرر في كتب الفروع.
وقوله تعالى: "وذروا البيع" أي اسعوا إلى ذكر الله واتركوا البيع إذا نودي للصلاة, ولهذا اتفق العلماء رضي الله عنهم على تحريم البيع بعد النداء الثاني, واختلفوا هل يصح إذا تعاطاه متعاط أم لا ؟ على قولين وظاهر الاية عدم الصحة كما هو مقرر في موضعه, والله أعلم. وقوله تعالى: "ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون" أي ترككم البيع وإقبالكم إلى ذكر الله وإلى الصلاة خير لكم أي في الدنيا والاخرة إن كنتم تعلمون. وقوله تعالى: "فإذا قضيت الصلاة" أي فرغ منها "فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله" لما حجر عليهم في التصرف بعد النداء وأمرهم بالاجتماع أذن لهم بعد الفراغ في الانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله, كما كان عراك بن مالك رضي الله عنه إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال: اللهم إني أجبت دعوتك وصليت فريضتك وانتشرت كما أمرتني فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين, رواه ابن أبي حاتم.
وروي عن بعض السلف أن قال: من باع واشترى في يوم الجمعة بعد الصلاة بارك الله له سبعين مرة لقول الله تعالى: "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله" وقوله تعالى: "واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون" أي في حال بيعكم وشرائكم وأخذكم وإعطائكم اذكروا الله ذكراً كثيراً, ولا تشغلكم الدنيا عن الذي ينفعكم في الدار الاخرة, ولهذا جاء في الحديث "من دخل سوقاً من الأسواق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, كتب الله له ألف ألف حسنة ومحي عنه ألف ألف سيئة" وقال مجاهد: لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيراً حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعاً.
قوله: 9- "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة" أي وقع النداء لها، والمراد به الأذان إذا جلس الإمام على المنبر يوم الجمعة، لأنه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نداء سواه، وقوله: "من يوم الجمعة" بيان لإذا وتفسير لها. وقال أبو البقاء: إن من بمعنى في كما في قوله: "أروني ماذا خلقوا من الأرض" أي في الأرض. قرأ الجمهور "الجمعة" بضم الميم. وقرأ عبد الله بن الزبير والأعمش بإسكانها تخفيفاً. وهما لغتان وجمعها جمع وجمعات. قال الفراء: يقال الجمعة بسكون الميم وبفتحها وبضمها. وهي صفة لليوم: أي يوم يجمع الناس: قال الفراء أيضاً وأبو عبيد: والتخفيف أخف وأقيس، نحو: غرفة وغرف وطرفة وطرف وحجرة وحجر. وفتح الميم لغة عقيل. وقيل إنما سميت جمعة لأن الله جمع فيها خلق آدم، وقيل لأن الله فرغ فيها من خلق كل شيء فاجتمعت فيها جميع المخلوقات، وقيل لاجتماع الناس فيها للصلاة "فاسعوا إلى ذكر الله" قال عطاء: يعني الذهاب والمشي إلى الصلاة. وقال الفراء: المضي والسعي والذهاب في معنى واحد، ويدل على ذلك قراءة عمر بن الخطاب وابن مسعود " فاسعوا إلى ذكر الله " وقيل المراد القصد. قال الحسن: والله ما هو سعي على الأقدام، ولكنه قصد بالقلوب والنيات، وقيل هو العمل كقوله: "من أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن" وقوله: "إن سعيكم لشتى" وقوله: "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" قال القرطبي: وهذا قول الجمهور، ومنه قول زهير:
سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم
وقال أيضاً:
سعى ساعياً غيظ بن مرة بعدما تنزل ما بين العشيرة بالدم
أي فاعملوا على المضي إلى ذكر الله واشتغلوا بأسبابه من الغسل والوضوء والتوجه إليه، ويؤيد هذا القول قول الشاعر:
أسعى على جل بني مالك كل امرئ في شأنه ساعي
"وذروا البيع" أي اتركوا المعاملة به ويلحق به سائر المعاملات. قال الحسن: إذا أذن المؤذن يوم الجمعة لم يحل الشراء والبيع، والإشارة بقوله: "ذلكم" إلى السعي إلى ذكر الله وترك البيع، وهو مبتدأ وخبره "خير لكم" أي خير لكم من فعل البيع وترك السعي لما في الامتثال من الأجر والجزاء. وفي عدمه من عدم ذلك إذا لم يكن موجباً للعقوبة "إن كنتم تعلمون" أي إن كنتم من أهل العلم، فإنه لا يخفى عليكم أن ذلكم خير لكم.
قوله عز وجل: 9- "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة"، أي في يوم الجمعة كقوله: "أروني ماذا خلقوا من الأرض" [أي في الأرض]، وأراد بهذا النداء الأذان عند قعود الإمام على المنبر للخطبة.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا آدم، حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن السائب بن يزيد قال: "كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثاني على الزوراء".
قرأ الأعمش: "من يوم الجمعة" بسكون الميم، وقرأ العامة بضمها.
واختلفوا في تسمية هذا اليوم جمعة، منهم من قال: لأن الله تعالى جمع فيه خلق آدم عليه السلام. وقيل: لأن الله تعالى فرغ فيه من خلق الأشياء فاجتمعت فيه المخلوقات. وقيل: لاجتماع الجماعات فيه. وقيل: لاجتماع الناس فيها للصلاة.
وقيل: أول من سماها جمعة كعب بن لؤي قال أبو سلمة: أول من قال أما بعد كعب بن لؤي، وكان أول من سمى الجمعة جمعة، وكان يقال له يوم العروبة.
وعن ابن سيرين قال: جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة. وقبل أن ينزل الجمعة وهم الذين سموها الجمعة. وقالوا: لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام، وللنصارى يوم، فهلم فلنجعل يوماً نجتمع فيه، فنذكر الله ونصلي فيه، فقالوا: يوم السبت لليهود، ويوم الأحد للنصارى، فاجعلوه يوم العروبة، فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم ركعتين وذكرهم فسموه يوم الجمعة، ثم أنزل الله عز وجل في ذلك بعد.
وروي عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه كعب، أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة، فقلت له: إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة؟ قال: لأنه أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في بقيع يقال له بقيع الخضمات، قلت له: كم كنتم يومئذ؟ قال: أربعون. وأما أول جمعة جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه على ما ذكر أهل السير: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة مهاجراً نزل قباء على بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الإثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حيث امتد الضحى، فأقام بقباء يوم الإثنين والثلاثاء والأربعاء ويوم الخميس، وأسس مسجدهم، ثم خرج من بين أظهرهم يوم الجمعة عامداً المدينة، فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم، وقد اتخذ اليوم في ذلك الموضع مسجداً، فجمع هناك وخطب.
قوله عز وجل: "فاسعوا إلى ذكر الله"، أي: فامضوا إليه واعملوا له، وليس المراد من السعي الإسراع، إنما المراد منها العمل والفعل، كما قال: "وإذا تولى سعى في الأرض" (البقرة- 205)، وقال: "إن سعيكم لشتى" (الليل- 4).
وكان عمر بن الخطاب يقرأ: فامضوا إلى ذكر الله، وكذلك هي قراءة عبد الله بن مسعود. وقال الحسن: أما والله ما هو بالسعي على الأقدام، ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار، ولكن بالقلوب والنية والخشوع.
وقال قتادة في هذه الآية: "فاسعوا إلى ذكر الله"، قال: فالسعي أن تسعى بقلبك وعملك وهو المشي إليها، وكان يتأول قوله: "فلما بلغ معه السعي" (الصافات- 102) يقول فلما مشى معه.
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا محمد بن أحمد بن معقل الميداني، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، ولكن ائتوها تمشون وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا".
قوله "إلى ذكر الله"، أي إلى الصلاة، وقال سعيد بن المسيب: "فاسعوا إلى ذكر الله" قال هو موعظة الإمام، "وذروا البيع"، يعني البيع والشراء لأن اسم البيع يتناولهما جميعاً. وإنما يحرم البيع والشراء عند الأذان الثاني، وقال الزهري: عند خروج الإمام. وقال الضحاك: إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء، "ذلكم"، الذي ذكرت من حضور الجمعة وترك البيع، "خير لكم"، من المبايعة، "إن كنتم تعلمون"، مصالح أنفسكم.
واعلم أن صلاة الجمعة من فروض الأعيان، فتجب على كل من جمع العقل، والبلوغ، والحرية، والذكورة، والإقامة، إذا لم يكن له عذر. ومن تركها استحق الوعيد.
وأما الصبي والمجنون فلا جمعة عليهما، لأنهما ليسا من أهل أن يلزمهما فروض الأبدان لنقصان أبدانهما، ولا جمعة / على النساء بالاتفاق:
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، أخبرنا أبو العباس الأصم، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا إبراهيم بن محمد، حدثني سلمة بن عبد الله الخطمي، عن محمد بن كعب أنه سمع رجلاً من بني وائل يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تجب الجمعة على كل مسلم إلا امرأة أو صبياً أو مملوكاً".
وذهب أكثرهم إلى أنه لا جمعة على العبيد.
وقال الحسن وقتادة والأوزاعي: تجب على العبد المخارج، ولا تجب على المسافر عند الأكثرين.
وقال النخعي والزهري: تجب على المسافر إذا سمع النداء، وكل من له عذر من مرض أو تعهد مريض أو خوف، جاز له ترك الجمعة، وكذلك له تركها بعذر المطر والوحل.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل أخبرني عبد الحميد صاحب الزيادي، حدثنا عبد الله بن الحارث بن عمر، حدثنا محمد بن سيرين قال ابن عباس لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلت: أشهد أن محمداً رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة. قل: صلوا في بيوتكم. فكأن الناس استنكروا، فقال: فعله من هو خير مني، إن الجمعة عزمة، وإني كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والدحض.
وكل من لا يجب عليه حضور الجمعة، فإذا حضر وصلى مع الإمام الجمعة سقط عنه فرض الظهر، ولكن لا يكمل به عدد الجمعة إلا صاحب العذر، فإنه إذا حضر يكمل به العدد.
أخبرنا الإمام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي في سنة إحدى وثمانين وثلثمائة، أخبرنا عيسى بن عمر بن العباس السمرقندي، حدثنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي السمرقندي، أخبرنا يحيى بن حسان حدثنا معاوية بن سلام، أخبرني زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يقول حدثني الحكم بن مينا أن ابن عمر حدثه وأبا هريرة أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على أعواد منبره: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين".
أخبرنا أبو عثمان الضبي، أخبرنا أبو محم الجراحي، حدثنا أبو العباس المحبوبي، حدثنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا علي بن خشرم، أخبرنا عيسى بن يونس، عن محمد بن عمرو، عن عبيدة بن سفيان، عن أبي الجعد يعني الضميري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاوناً بها طبع الله على قلبه".
واختلف أهل العلم في موضع إقامة الجمعة، وفي العدد الذي تنعقد به الجمعة، وفي المسافة التي يجب أن يؤتى منها:
أما الموضع: فذهب قوم إلى أن كل قرية اجتمع فيها أربعون رجلاً من أهل الكمال، بأن يكونوا أحراراً عاقلين بالغين مقيمين لا يظعنون عنها شتاء ولا صيفاً إلا ظعن حاجة، تجب عليهم إقامة الجمعة فيها. وهو قول عبيد الله بن عبد الله، وعمر بن عبد العزيز، وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق. وقالوا: لا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين رجلاً على هذه الصفة، وشرط عمر بن عبد العزيز مع عدد الأربعين أن يكون فيهم وال، والوالي غير شرط عند الشافعي.
وقال علي: لا جمعة إلا في مصر جامع وهو قول أصحاب الرأي.
ثم عند أبي حنيفة، رضي الله عنه، تنعقد بأربعة، والوالي شرط، وقال الأوزاعي وأبو يوسف: تنعقد بثلاثة إذا كان فيهم وال وقال الحسن وأبو ثور: تنعقد باثنين كسائر الصلوات. وقال ربيعة: تنعقد باثني عشر رجلاً. والدليل على جواز إقامتها في القرى ما:
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا محمد بن المثنى، أخبرنا أبو عامر العقدي، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي حمزة الضبعي عن ابن عباس قال: "إن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد عبد القيس بجواثى من البحرين".
وإذا كان الرجل مقيماً في قرية لا تقام فيها الجمعة، أو كان مقيماً في برية، فذهب قوم إلى أنه إذا كان يبلغهم النداء من موضع الجمعة يلزمهم حضور الجمعة، وإن كان لا يبلغهم النداء فلا جمعة عليهم. وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق. والشرط أن يبلغهم نداء مؤذن جهوري الصوت، يؤذن في وقت تكون الأصوات فيه هادئة والرياح ساكنة، وكل قرية تكون في موضع الجمعة في القرب على هذا القدر يجب على أهلها حضور الجمعة.
وقال سعيد بن المسيب: تجب على كل من آواه المبيت. وقال الزهري: تجب على من كان على ستة أميال. وقال ربيعة: على أربعة أميال. وقال مالك والليث: على ثلاثة أميال. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا جمعة على أهل السواد قريبة كانت القرية أو بعيدة.
وكل من تلزمه صلاة الجمعة لا يجوز له أن يسافر يوم الجمعة بعد الزوال قبل أن يصلي الجمعة، وجوز أصحاب الرأي أن يسافر بعد الزوال إذا كان يفارق البلد قبل خروج الوقت.
أما إذا سافر قبل الزوال بعد طلوع الفجر فيجوز، غير أنه يكره إلا أن يكون سفره سفر طاعة من حج أو غزو، وذهب بعضهم إلى أنه إذا أصبح يوم الجمعة مقيماً فلا يسافر حتى يصلي الجمعة، والدليل على جوازه ما:
أخبرنا أبو عثمان الضبي، أخبرنا أبو محمد الجراحي، أخبرنا أبو العباس المحبوبي، أخبرنا أبو عيسى، حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا أبو معاوية، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة، فغدا أصحابه، وقال: أتخلف فأصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ألحقهم، فلما صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رآه فقال: ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟ قال: أردت أن أصلي معك ثم ألحقهم، فقال: لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما أدركت فضل غدوتهم".
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع رجلاً عليه هيئة السفر يقول: لولا أن اليوم يوم الجمعة لخرجت، فقال عمر: اخرج فإن الجمعة لا تحبس عن سفر.
وقد ورد أخبار في سنن يوم الجمعة وفضله منها:
ما أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد الفقيه، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، عن مالك / عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أنه قال: خرجت إلى الطور فلقيت كعب الأحبار، فجلست معه فحدثني عن التوراة، وحدثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان فيما حدثته أن قلت له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه أهبط وفيه تيب عليه، وفيه مات وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حين تطلع الشمس شفقاً من الساعة إلا الجن والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه، قال كعب: ذلك في كل سنة يوم، فقلت، بل في كل جمعة، قال: فقرأ كعب التوراة فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو هريرة: ثم لقيت عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب الأحبار وما حدثته في يوم الجمعة، فقال عبد الله بن سلام: قد علمت أية ساعة هي، هي آخر ساعة في يوم الجمعة، قال أبو هريرة: وكيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة! وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي. وتلك ساعة لا يصلى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلس مجلساً ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصليها؟ قال أبو هريرة: بلى، قال: فهو ذاك".
أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، حدثنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، حدثنا آدم، حدثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، أخبرني أبي، عن عبد الله بن وديعة عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلاغفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان، حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا أحمد بن خالد، حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن أبي أمامة يعني سهل بن حنيف حدثاه عن أبي سعيد وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اغتسل يوم الجمعة واستن ومس من طيب إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد، فلم يتخط رقاب الناس ثم ركع ما شاء الله أن يركع، وأنصت إذا خرج الإمام كانت كفارة ما بينها وبين الجمعة التي كانت قبلها". قال أبو هريرة: وزيادة ثلاثة أيام لأن الله تعالى يقول: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" (الأنعام- 160).
أخبرنا أبو طاهر عمر بن عبد العزيز القاشاني، أخبرنا أبو القاسم بن جعفر الهاشمي، أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمر اللؤلؤي، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، حدثنا محمد بن حاتم الجرجرائي، حدثنا ابن المبارك عن الأوزاعي، حدثني حسان بن عطية، حدثني أبو الأشعث الصنعاني، حدثني أوس بن أوس الثقفي قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر وابتكر ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام واستمع، ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها".
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، حدثنا أبو العباس الأصم، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس على منازلهم، الأول فالأول فإذا خرج الإمام طويت الصحف واستمعوا الخطبة والمهجر إلى الصلاة كالمهدي بدنةً، ثم الذي يليه كالمهدي بقرة، ثم الذي يليه كالمهدي شاة ثم الذي يليه كالمهدي كبشاً حتى ذكر الدجاجة والبيضة".
9-" يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة " أي إذا أذن لها . " من يوم الجمعة " بيان لـ " إذا " وإنما سمي جمعة لاجتماع الناس فيه للصلاة ، وكانت العرب تسميه العروبة . وقيل سماه كعب من لؤي لاجتماع الناس فيه إليه ، وأول جمعة جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم المدينة نزل قباء بها إلى الجمعة ، ثم دخل المدينة وصلى الجمعة في واد لبني سالم بن عوف . " فاسعوا إلى ذكر الله " فامضوا إليه مسرعين قصداً فإن السعي دون العدو ، والـ " ذكر" الخطبة ، وقيل الصلاة والأمر بالعسي إليها يدل على وجوبها . " وذروا البيع " واتركوا المعاملة . "ذلكم " أي السعي إلى ذكر الله " خير لكم " من المعاملة فإن نفع الآخرة خير وأبقى " إن كنتم تعلمون " الخير والشر الحقيقيين ، أو إن كنتم من أهل العلم .
9. O ye who believe! When the call is heard for the prayer of the day of congregation, haste unto remembrance of Allah and leave your trading. That is better for you if ye did but know.
9 - O ye who believe! When the call is proclaimed to prayer on Friday (the Day of Assembly), hasten earnestly to the Remembrance of God, and leave off business (and traffic): that is best for you if ye but knew!