[الأنعام : 44] فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ
44 - (فلما نسوا) تركوا (ما ذكروا) وعظوا وخوفوا (به) من البأساء والضراء فلم يتعظوا (فتحنا) بالتخفيف والتشديد (عليهم أبواب كل شيء) من النعم استدراجا لهم (حتى إذا فرحوا بما أوتوا) فرح بطر (أخذناهم) بالعذاب (بغتة) فجأة (فإذا هم مبلسون) آيسون من كل خير
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله : "فلما نسوا ما ذكروا به"، فلما تركوا العمل بما أمرناهم به على ألسن رسلنا، كالذي :
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله : "فلما نسوا ما ذكروا به"، يعني : تركوا ما ذكروا به.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : "نسوا ما ذكروا به"، قال : ما دعاهم الله إليه ورسله ، أبوه وردوه عليهم .
"فتحنا عليهم أبواب كل شيء"، يقول : بدلنا مكان البأساء الرخاء والسعة في العيش ، ومكان الضراء الصحة والسلامة في الأبدان والأجسام ، استدراجاً منا لهم ، كالذي :
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، وحدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره : "فتحنا عليهم أبواب كل شيء"، قال : رخاء الدنيا ويسرها، على القرون الأولى .
حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله : "فتحنا عليهم أبواب كل شيء"، قال : يعني الرخاء وسعة الرزق .
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله :"فتحنا عليهم أبواب كل شيء"، يقول :من الرزق .
فإن قال لنا قائل : وكيف قيل : "فتحنا عليهم أبواب كل شيء"، وقد علمت أن باب الرحمة وباب التوبة لم يفتحا لهم ، ولم تفتح لهم أبواب أخر غيرهما كثيرة؟
قيل : إن معنى ذلك على غير الوجه الذي ظننت من معناه ، وإنما معنى ذلك : فتحنا عليهم ، استدراجاً منا لهم ، أبواب كل ما كنا سددنا عليهم بابه ، عند أخذنا إياهم بالبأساء والضراء ليتضرعوا، إذ لم يتضرعوا وتركوا أمر الله تعالى ذكره ، لأن آخر هذا الكلام مردود على أوله . وذلك كما قال تعالى ذكره في موضع آخر من كتابه : "وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون * ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون" [الأعراف : 94، 95]، ففتح الله على القوم الذين ذكر في هذه الآية أنهم نسوا ما ذكرهم ، بقوله : "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء"، هو تبديله لهم مكان السيئة التي كانوا فيها في حال امتحانه إياهم ، من ضيق العيش إلى الرخاء والسعة، ومن الضر في الأجسام إلى الصحة والعافية، وهو فتح أبواب كل شيء كان أغلق بابه عليهم ، مما جرى ذكره قبل قوله : "فتحنا عليهم أبواب كل شيء"، فرد قوله : "فتحنا عليهم أبواب كل شيء" عليه.
ويعني تعالى بقوله : "حتى إذا فرحوا بما أوتوا"، يقول : حتى إذا فرح هؤلاء المكذبون رسلهم بفتحنا عليهم أبواب السعة في المعيشة، والصحة في الأجسام ، كالذي :
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي: "حتى إذا فرحوا بما أوتوا" ، من الرزق .
حدثنا الحارث قال ، حدثنا القاسم بن سلام قال ، سمعت عبد الرحمن بن مهدي يحدث ، عن حماد بن زيد قال : كان رجل يقول : رحم الله رجلاً تلا هذه الأية، ثم فكر فيها ماذا أريد بها : "حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة".
حدثني الحارث قال ، حدثنا القاسم قال ، حدثنا ابن أبي رجاء رجل من أهل الشعر، عن عبد الله بن المبارك ، عن محمد بن النضر الحارثي في قوله : "أخذناهم بغتة"، قال : أمهلوا عشرين سنة .
ويعني تعالى ذكره بقوله : "أخذناهم بغتة"، أتيناهم بالعذاب فجأة، وهم غارون لا يشعرون أن ذلك كائن ، ولا هو بهم حال ، كما:
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : "حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة"، قال : أعجب ما كانت إليهم ، وأغرها لهم .
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "أخذناهم بغتة"، يقول : أخذهم العذاب بغتة .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "أخذناهم بغتة"، قال : فجأة آمنين .
وأما قوله : "فإذا هم مبلسون"، فإنه هالكون ، منقطعة حججهم ، نادمون على ما سلف منهم من تكذيبهم رسلهم ، كالذي :
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "فإذا هم مبلسون"، قال : فإذا هم مهلكون ، متغير حالهم .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا شيخ ، عن مجاهد: "فإذا هم مبلسون"، قال : الاكتئاب .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "فإذا هم مبلسون"، قال : المبلس الذي قد نزل به الشر الذي لا يدفعه . والمبلس أشد من المستكين ، وقرم : "فما استكانوا لربهم وما يتضرعون" [المؤمنون : 76]. وكان أول مرة فيه معاتبة وبقية . وقرأ قول الله : "أخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون"، "فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا"، حتى بلغ "وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون"، ثم جاء أمر ليس فيه بقية . وقرأ: "حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون"، فجاء أمر ليس فيه بقية . وكان الأول ، لو أنهم تضرعوا كشف عنهم .
حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال ، حدثنا بقية بن الوليد، عن أبي شريح ضبارة بن مالك ، عن أبي الصلت ، عن حرملة أبي عبد الرحس ، عن عقبة بن مسلم ، عن عقبة بن عامر قال : "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا رأيت الله يعطي عبده في دنياه ، إنما هو استدراج . ثم تلا هذه الآية: "فلما نسوا ما ذكروا به" إلى قوله : "والحمد لله رب العالمين"".
وحدث بهذا الحديث عن محمد بن حرب، عن ابن لهيعة، عن عقبة بن مسلم، عن عقبة بن عامر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا رأيت الله تعالى ذكره يعطي العباد ما يسألون على معاصيهم إياه ، فإنما ذلك استدراج منه لهم! ثم تلا: "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء"" الآية.
وأصل الإبلاس في كلام العرب ، عند بعضهم : الحزن على الشيء والندم عليه ، وعند بعضهم : انقطاع الحجة ، والسكوت عند انقطاع الحجة، وعند بعضهم : الخشوع ، وقالوا : هو المخذول المتروك ، ومنه قول العجاج :
يا صاح هل تعرف رسماً مكرسا؟ قال : نعم ! أعرفه ! وأبلسا!
فتأويل قوله : وأبلسا ، عند الذين زعموا أن الإبلاس ، انقطاع الحجة والسكوت عنده ، بمعنى أنه لم يحر جواباً.
وتأوله الآخرون بمعنى الخشوع ، وترك أهله إياه مقيماً بمكانه.
والآخرون بمعنى الحزن والندم .
يقال منه : أبلس الرجل إبلاساً، ومنه قيل لإبليس إبليس .
قوله تعالى :" فلما نسوا ما ذكروا به " يقال: لم ذموا على النسيان وليس من فعلهم فالجواب - أن نسوا بمعنى تركوا ما ذكروا به عن ابن عباس وابن جريج، وهو قول أبي علي، وذلك لأن التارك للشيء إعراضاً عنه قد صيره بمنزلة ما قد نسي، كما يقال: تركه في النسي جواب آخر - وهو أنهم تعرضوا للنسيان فجاز الذم لذلك، كما جاز الذم على التعرض لسخط الله عز وجل وعقابه ومعنى " فتحنا عليهم أبواب كل شيء" أي من النعم والخيرات أي كثرنا لهم ذلك والتقدير عند أهل العربية: فتحنا عليهم أبواب كل شيء كان مغلقاً عنهم " حتى إذا فرحوا بما أوتوا " معناه بطروا وأشروا وأعجبوا وظنوا أن ذلك العطاء لا يبيد وأنه دال على رضاء الله عز وجل عنهم " أخذناهم بغتة " أي استأصلناهم وسطونا بهم وبغتة معناه فجأة وهي الأخذ على غرة ومن غير تقدم أمارة فإذا أخذ الإنسان وهو غار غافل فقد أخذ بغتة، وأنكى شيء ما يفجأ من البغت، وقد قيل: إن التذكير الذي سلف -فأعرضوا عنه- قام مقام الأمارة والله أعلم وبغتة مصدر في موضع الحال لا يقاس عليه عند سيبويه كما تقدم فكان ذلك استدراجاً من الله تعالى كما قال: "وأملي لهم إن كيدي متين " [القلم: 45] نعوذ بالله من سخطه ومكره قال بعض العلماء. رحم الله عبداً تدبر هذه الآية" حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة" وقال محمد بن النضر الحارثي: أمهل هؤلاء القوم عشرين سنة. و"روى عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
إذا رأيتم الله تعالى يعطي العباد ما يشاءون على معاصيهم فإنما ذلك استدراج منه لهم " ثم تلا :" فلما نسوا ما ذكروا به " الآية كلها، وقال الحسن: والله ما أحد من الناس بسط الله له في الدنيا فلم يخف أن يكون قد مكر له فيها إلا كان قد نقص عمله، وعجز رأيه وما أمسكها الله عن عبد فلم يظن أنه خير له فيها إلا كان قد نقص عمله ، وعجز رأيه وفي الخبر أن الله أوحى إلى موسى صلى الله عليه وسلم : إذا رأيت الفقر مقبلاً إليك فقل مرحباً بشعار الصالحين وإذا رأيت الغنى مقبلاً إليك فقل ذنب عجلت عقوبته.
قوله تعالى :" فإذا هم مبلسون " الملبس الحزين الآيس من الخير الذي لا يحير جواباً لشدة ما نزل به من سوء الحال، قال العجاج:
يا صاح هل تعرف رسماً مكرساً قال نعم أعرافه وأبلساً‌
أي تحير لهول ما رأى، ومن ذلك اشتق اسم إبليس، أبلس الرجل سكت وأبلست الناقة وهي مبلاس إذا لم ترغ من شدة الضبعة، ضبعت الناقة ضبعةً وضبعاً إذا أرادت الفحل .
يخبر تعالى أنه الفعال لما يريد, المتصرف في خلقه بما يشاء, وأنه لا معقب لحكمه, ولا يقدر أحد على صرف حكمه عن خلقه, بل هو وحده لا شريك له, الذي إذا سئل يجيب لمن يشاء, ولهذا قال "قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة" أي أتاكم هذا أو هذا "أغير الله تدعون إن كنتم صادقين" أي لا تدعون غيره لعلمكم أنه لا يقدر أحد على رفع ذلك سواه, ولهذا قال "إن كنتم صادقين" أي في اتخاذكم آلهة معه "بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون" أي في وقت الضرورة, لا تدعون أحداً سواه, وتذهب عنكم أصنامكم وأندادكم, كقوله "وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه" الاية, وقوله "ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء" يعني الفقر والضيق في العيش, "والضراء" وهي الأمراض والأسقام والالام, "لعلهم يتضرعون" أي يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون, قال الله تعالى: "فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا" أي فهلا إذ ابتليناهم بذلك, تضرعوا إلينا وتمسكنوا لدينا, ولكن "قست قلوبهم" أي ما رقت ولا خشعت "وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون" أي من الشرك والمعاندة والمعاصي, "فلما نسوا ما ذكروا به" أي أعرضوا عنه وتناسوه, وجعلوه وراء ظهورهم, "فتحنا عليهم أبواب كل شيء" أي فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون, وهذا استدراج منه تعالى وإملاء لهم, عياذاً بالله من مكره, ولهذا قال "حتى إذا فرحوا بما أوتوا" أي من الأموال والأولاد والأرزاق, "أخذناهم بغتة" أي على غفلة, "فإذا هم مبلسون" أي آيسون من كل خير, قال الوالبي عن ابن عباس: المبلس الايس, وقال الحسن البصري: من وسع الله عليه فلم ير أنه يمكر به, فلا رأي له, ومن قتر عليه فلم ير أنه ينظر له, فلا رأي له, ثم قرأ "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" قال: مكر بالقوم ورب الكعبة, أعطوا حاجتهم ثم أخذوا, رواه ابن أبي حاتم, وقال قتادة: بغت القوم أمر الله, وما أخذ الله قوماً قط, إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم, فلا تغتروا بالله, فإنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون, رواه ابن أبي حاتم أيضاً .
وقال مالك عن الزهري "فتحنا عليهم أبواب كل شيء" قال: رخاء الدنيا ويسرها, وقد قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن غيلان, حدثنا رشدين ـ يعني ابن سعد أبا الحجاج المهري ـ عن حرملة بن عمران, التجيبي! عن عقبة بن مسلم, عن عقبة بن عامر, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث حرملة وابن لهيعة, عن عقبة بن مسلم عن عقبة بن عامر به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا هشام بن عمار, حدثنا عراك بن خالد بن يزيد, حدثني أبي عن إبراهيم بن أبي عبلة, عن عبادة بن الصامت, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إذا أراد الله بقوم بقاء أو نماء رزقهم القصد والعفاف, وإذا أراد الله بقوم اقتطاعاً, فتح لهم ـ أو فتح عليهم ـ باب خيانة, "حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" كما قال "فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين" ورواه أحمد وغيره .
قوله: 44- "فلما نسوا ما ذكروا به" أي تركوا ما ذكروا به، أو أعرضوا عما ذكروا به، لأن النسيان لو كان على حقيقته لم يؤاخذوا به، إذ ليس هو من فعلهم، وبه قال ابن عباس وابن جريج وأبو علي الفارسي. والمعنى: أنهم لما تركوا الاتعاظ بما ذكروا به من البأساء والضراء وأعرضوا عن ذلك "فتحنا عليهم أبواب كل شيء" أي لما نسوا ما ذكروا به استدرجناهم بفتح أبواب كل نوع من أنواع الخير عليهم "حتى إذا فرحوا بما أوتوا" من الخير على أنواعه فرح بطر وأشر وأعجبوا بذلك وظنوا أنهم إنما أعطوه لكون كفرهم الذي هم عليه حقاً وصواباً: "أخذناهم بغتة" أي فجأة وهم غير مترقبين لذلك والبغتة: الأخذ على غرة من غير تقدمة أمارة، وهي مصدر في موضع الحال لا يقاس عليها عند سيبويه. قوله: "فإذا هم مبلسون" المبلس: الحزين الآيس من الخير لشدة ما نزل به من سوء الحال، ومن ذلك اشتق اسم إبليس، يقال: أبلس الرجل إذا سكت، وأبلست الناقة إذا لم ترع. قال العجاج:
صاح هل تعرف رسماً مكرساً قال نعم أعرفه وأبلســـا
أي تحير لهول ما رأى، والمعنى: فإذا هم محزونون متحيرون آيسون من الفرح.
44-" فلما نسوا ما ذكروا به "، تركوا ما وعظوا وأمروا به، " فتحنا عليهم أبواب كل شيء "، قرأ أبو جعفر. " فتحنا " بالتشديد،في كل القرآن، وقرأ ابن عامر كذلك إذا كان عقيبه جمعاً،والباقون بالتخفيف وهذا فتح استدراج ومكر، أي بدلنا مكان البلاء والشدة الرخاء والصحة، " حتى إذا فرحوا بما أوتوا "، وهذا فرح بطر مثل فرح قارون بما أصاب من الدنيا، "أخذناهم بغتة "، فجأة آمن ما كانوا، وأعجب ما كانت الدنيا إليهم
" فإذا هم مبلسون "، آيسون من كل خير، وقال أبو عبيدة: المبلس النادم الحزين، وأصل الإبلاس: الإطراق من الحزن والندم، وروى عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على معصيته، فإنما ذلك استدراج "، ثم تلا: " فلما نسوا ما ذكروا به " الآية .
44 " فلما نسوا ما ذكروا به " من البأساء والضراء ولم يتعظوا به . " فتحنا عليهم أبواب كل شيء " من أنواع النعم مراوحة عليهم بين نوبتي الضراء والسراء ، وامتحانا لهم بالشدة والرخاء إلزاما للحجة وإزاحة للعلة ، أو مكرا بهم لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال " مكر بالقوم ورب الكعبة " وقرأ ابن عامر " فتحنا " بالتشديد في جميع القرآن ووافقه يعقوب فيما عدا هذا والذي في الأعراف . " حتى إذا فرحوا " أعجبوا " بما أوتوا " من النعم ولم يزيدوا غير البطر والاشتغال بالنعم عن المنعم والقيام بحقه سبحانه وتعالى . " أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون " متحسرون آيسون .
44. Then, when they forgot that whereof they had been reminded, We opened unto them the gates of all things till, even as they were rejoicing in that which they were given, We seized them unawares, and lo! they were dumbfounded.
44 - But when they forgot the warning they had received, we opened to them the gates of all (good) things, until, in the midst of their enjoyment of our gifts, on a sudden, we called them to account, when lo they were plunged in despair